التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان (4)
الثلاثاء13 جمادى الثانية 1437// 22 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب
التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان “مراتب الدين الثلاث” (4)
التربية على أركان الإسلام
ثالثًا: التربية على إيتاء الزكاة
الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله تعالى، وذلك في غير ما آية مثل قول الباري جل ذكره:
• في الأمر بها: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].
• وفي مدح القائمين بها: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 277].
• وفي بيان أجرها العظيم.﴿ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 162].
• وفي أنها أمارة الإيمان والإسلام: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ [التوبة: 11].
قال قتادة: الناس ثلاثة رهط: مسلم عليه الزكاة، ومشرك عليه الجزية وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عشور ماله.
• وفي أنها من أصول الدين التي اتفقت عليها شرائع الرسل والنبيين، في قصة عيسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: 31]، وفي قصة إسماعيل عليه السلام: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55] وعن عامة النبيين ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 73].
قال الإمام السعدي:
عطف الصلاة والزكاة على الخيرات وهو من عطف الخاص على العام لشرف هاتين العبادتين وفضلهما ولأن من كملهما كما أمر كان قائما بدينه ومن ضيعهما كان لما سواهما أضيع، ولأن الزكاة أفضل الأعمال التي فيها الإحسان إلى خلقه.
• وفي أن الزكاة تستوجب رحمة الله: ﴿ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].
• وفي صفة المتقين المهتدين: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [الحج: 41].
• وفي وصف النساء الصالحات القانتات: ﴿ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [الأحزاب: 33].
والنصوص في فضل الزكاة وأهميتها في استقرار الحياة الاجتماعية وعظيم آثارها الأخروية أكثر من أن تحصر، ولئن كانت الزكاة بهذه المثابة من الأهمية والمكانة والفضل، كان تربية المسلم عليها منذ صباه مقصدا شرعيا لتسهل عليه حال الكر وليقوم بها عن رغبة ذاتية وقناعة وإيمان.
وتربية الولد على الزكاة الحسية والمعنوية مقصد تربوي من أوليات المقاصد التي يقع على كاهل الآباء تحقيقها، وتربيته عليها تغرس في نفسه الرحمة بالمساكين والعطف على الفقراء والمحتاجين، ويرغبه في صلة الرحم وإيتاء ذي القربى حقه، وأن خير الناس أخيرهم للناس، تلك أخلاقيات الزكاة التي يزرعها الإسلام في المسلم، إذ يشعره بالشعور الجمعي المبني على أن المجتمع الإسلامي بنيان واحد يسموده التعاطف والتواد والتراحم لا فرق في ذلك بين كبير وصغير ولا بين قوي وضعيف ولا بين حاكم ومحكوم.
ومن الأساليب الفي ينبغي أن يسلكها الأبوان في غرس تلك المعاني الإسلامية والقيم الأخلاقية في نفس الولد:
• تعريفه بحياة الفقر والفقراء والبؤساء، وأن من المحتاجين من يبيت بلا مأوى وبلا كساء، ومنهم دى يبيت طاويا بلا عشاء، ومنهم اليتيم المقهور والبائس الفقير والغارم والأرملة وابن السبيل، والمشرد والمستضعف… إلخ.
وتبصير الولدان بذلك على اختلاف وسائل الإعلام المتاحة ينمي لديهم الإحساس بحاجات البؤساء والمعوزين وكما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 9 – 11]، وقال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8].
• تدريبه عمليا على إيتاء الزكاة وذلك بأن يعطي المساكين والمستحقين الزكاة والصدقة على سبيل المناولة، إذ يحس عندئد وهو يباشر التصدق بأنه كيان له شخصيته واعتباره وأنه فرد في المجتمع له دوره وسمته، ويتعلم من خلال ذلك معاني العطاء والتراحم والتعاطف والتعاضد الذي يسود المسلمين، حين يعطف بعصهم على بعض ويرحم غنيهم فقيرهم لا طلبا لمقابل بل عملا بأخلاق الإسلام: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9] وينبغي للأبوين أن يتفطنا إلى ذلك ولا يهملا هذا الجانب التدريبي الذي سيكون امتدادا لمستقبل حياة الولد.
ومما يعزز هذا الجانب الذي يزرع في الولد معنى المرحمة إيجاب الشرع الزكاة في مال الصغير الغني كإيجابها في مال البالغ المكلف، ومثل ذلك مال الكبير المخرف والمعتوه، إذ أن زكاة المال ليست منحصرة في أموال المكلفين، وهو قول جمهور الفقهاء [1].
• تنمية إيمان الولد باليوم الآخر، وتربيته على أن ما ينفقه المسلم يبتغي به وجه الله فإنه يدخر له ليوم التغابن، قال إبراهيم بن أدهم في قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 10]: نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة.
وقال إبراهيم النخعي: السائل بريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول: أتبعثون إلى أهليكم بشيء؟! [2].
________________________________________
[1] انظر المغني لابن قدامة 4/69 المسألة (416) ومجموع الفتاوى لابن تيمية 25/44.
[2] تفسير أبي السعود 9/ 171
-الألوكة-