التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان (7)

الخميس15جمادى الثانية 1437// 24 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. عبدالرب نواب الدين آل نواب
التربية على أركان الإسلام والإيمان والإحسان “مراتب الدين الثلاث” (7)
سادسًا: التربية والتنشئة على أركان الإيمان
الإيمان واسع المضمون كثير الشعب، اسسه ستة كما قال الله تعالى: في وصف النبي – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، وكما قال في وصف الكمار والضالين: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 136]. وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره”.

فأركان الإيمان ستة هي المذكورة في النصوص الشرعية السابقة.

الركن الأول: الإيمان بالله عز وجل:
وهو أعظم الأركان وعليه تنبني الأركان الأخرى، والإيمان به عز وجل هو توحيده في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، والتبرؤ عن كل ما ينافي توحيده ويناقض الإخلاص له، فهو سبحانه كما قال: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 – 4]، وقال: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام: 101]، فلا إله غيره ولا رب سواه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، والإيمان بصفاته عز وجل كما أخبر بها، مما يليق بكبريائه وجلاله من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل.

الركن الثاني: الإيمان بالملائكة:
وهم خلق من خلق الله عر وجل، عباد مكرمون: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، موكلون بأعمال كثيرة منها ما قصه الله علينا كالكرام الكاتبين والموكلين بالسحب والرياح والأمطار، وقبض الأرواح… وفق المقادير التي قدرها الله، ومنها ما لم يقصص، والإيمان بهم واجب.

الركن الثالث: الإيمان بالكتب السماوية:
وهي المنزلة على رسل الله لهداية الناس وإخراجهم بإذن الله ومشيئته من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الرشد ومن الجهل والعمى إلى العلم والبصيرة.

وكتب الله تعالى هي: صحف إبراهيم، والتوراة المنزلة على موسى، والزبور المنزل على داود، والإنجيل المنزل على عيسى، والقرآن العظيم وهو آخرها والمهيمن على ما فيها المنزل على خاتم النبيين نبينا محمد عليه وعلى إخوانه النبيين والمرسلين أفضل الصلاة والتسليم.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19]، وقال: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾ [المائدة: 44]، وقال: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163]، وقال ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46]، وقال عن القرآن العظيم: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48].

اقرأ أيضا  فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

والقرآن العظيم هو المعجزة الباقية الخالدة للنبي -صلى الله عليه وسلم – وعلى مر العصور وتعاقب الأجيال، وعلى اختلاف أوجه الإعجاز القرآني: الإعجاز البلاغي اللغوي، و التشريعي، والتاريخي، والغيبي، والعلمي.

ومن أساليب تعليم الأولاد ذلك في سن الصبا أسلوب القصة التي تعطي الأولاد معلومات مشوقة عن كتب الله وتنزلها، والوحي وكيفيته ومقاصده وأنه من مظاهر رحمة الله بعباده إذ لم يخلقهم عبثا ولن يتركهم سدى، وتبين كتب الله مصير من يؤمن بها وعاقبة من يكفر بها.

وإن من أجل مقاصد تربية الأولاد على الإيمان بكتب الله، التربية على محبة القرآن العظيم محبة صادقة عميقة تستحوذ على مشاعر الولد وتشده إلى كتاب الله شدًا إيمانيًا عميقًا، بغرس قيمة هذا الكتاب المعجز وقيمه في قلبه وعقله وأنه مصدر عزه وسؤدده وسبب فلاحه ونجاحه كي يقبل على حفظه وتلاوته وتدبره وتطبيقه، بحب وثيق وإيمان عميق، وبهذا يكونون ربانيين هادين مهديين، ومن الله التوفيق والتسديد.

الركن الرابع: الإيمان بالرسل:
رسل الله تعالى عباد مكرمون، صفوة الناس خلقا وخلقا وايمانا وزكاة، اجتباهم الله تبارك وتعالى واصطفاهم- وهو أعلم حيث يجعل رسالته- ليكونوا قدوة الناس وأسوتهم في التمسك بكل خير وفضيلة واجتناب كل شر ورذيلة، لذا كانوا كما قال الله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: 165].

وكانوا رجالا أفذاذا يتسمون بمؤهلات القيادة والريادة والإرشاد والمحاجة والتوجيه قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ [يوسف: 109].

وجميعهم دعوا إلى الإسلام- دين الله الذي لا يقبل دينا سواه- قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].

وفي قصص النبيين والمرسلين مادة تربوية ثرة تنمي لدى الولد مداركه العقلية وتوجه طاقاته العاطفية نحو الخير، وتبصره بأخلاق المسلم والداعية، وتعمق لديه الإيمان بالله تعالى وحبه والولاء له والرغبة فيه والدعوة إليه، كما تنفره من الكفر والفسوق والعصيان. قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ﴾ [يوسف: 111].

اقرأ أيضا  كيف كانت النصيحة هي الدين؟

ومن مسئوليات الأبوين تثقيف الأولاد بقصص القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة لا سيما قصص النبيين بذكر قصة كل نبي وما دعا إليه وما لاقاه من قومه من عنت وصدود وما ترتب على كفر الكافرين به، وكيف أن العاقبة إنما تكون للمتقين، وقصصهم حافلة بالدروس والعبر والعظات البالغات التي تناسب جميع فئات المجتمع على اختلاف الثقافات والأعمار والمدارك.

الركن الخامس: الإيمان باليوم الأخر:
هو قرين الإيمان بالله تعالى في القرآن العظيم، قال تعالى في بيان مضمون الدعوة إلى الله: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [العنكبوت: 36].

وقال في بيان شروط الفوز بالجنة والنجاة من النار: ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 62]

وقال في مجاهدة الكفرة: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 29]، والنصوص في هذا كثيرة جدًا.

ومن ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر، الخوف من الله تعالى والخشية منه جل وعلا، وهو مقصد تربوي يتوخاه المربون في تربية الولد كي ينشأ وضميره حي يقظ، وحسه الإيماني مرهف وقاد! وليس يتأتى ذلك على الوجه الأكمل إلا بالإيمان بيوم المعاد وما فيه من حساب وجزاء وجنة ونار.

ومن القصص النيرة في هذا قصة الفتاة التي قالت لها أمها قومي وامذقي اللبن بالماء، قالت إن عمر نهى عن ذلك. قالت: وأين عمر؟ إنه لا يرانا، قالت الفتاة: إن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا، وسمع عمر هذا الحوار الذي دار بين الأم وابنتها وهو يعس من الليل فخطب الفتاة لابنه عاصم، وكان من نسلهما خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز.

وهكذا فإن تربية الأولاد على مخافة الله تثمر أينع الثمار وما التوفيق إلا من الله الكبير المتعال.

الركن السادس: الإيمان بالقدر:
هو الركن السادس المتمم لأركان الإيمان، وفيه قول الباري جل وعلا. ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]، وقال ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8].

ولقد كان السلف الصالح يحرصون على تربية أولادهم على الإيمان بأقدار الله ويتحينون لذلك الفرص المناسبة لغرس ذلك في عقولهم وقلوبهم وليعلموا أن ما يجري في الكون فإنما هو بمشيئة الله وأرادته وتدبيره، من ذلك قصة عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أنه قال لابنه: يا بني! إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب! قال: يا رب وماذا أكتب؟! قال: أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة”. يا بني إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من مات على غير هذا فليس مني”.

اقرأ أيضا  يوم العمر

وأيضا حديث عمران بن حصين – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -. “إن الله قد علم أهل الجنة من أهل النار وما يعمله العباد قبل أن يعملوه”.

وفى حديث عمر – رضي الله عنه – قال: قام فينا النبي – صلى الله عليه وسلم – مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه.

ومن ثمرات الإيمان بأقدار الله تخفيف وقع المصائب على النفس، وأيضا الاتزان إبان المسرات، على حد قول البارئ جل ذكره: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 23].

والولد كغيره من أفراد الأسرة معرض للأفراح والأتراح فلئن كانت تربيته على الإيمان بأقدار الله والتسليم لأمر الله ومشيئته كان متزنا رابط الجأش صبورا، لا تذهله المصائب والنوائب ولا تبطره النعمة والدعة. وهذا مقصد تربوي جليل.

التربية على مرتبة الإحسان:
الإحسان أعلى مراتب الدين، وذروة سنام الإسلام، ولا يصل مرتبة الإحسان إلا المسلم الصادق الإيمان، من زكت نفسه بصنوف العبادات المفروضة والمسنونة، وصفا قلبه عن الأدواء المهلكة كالشح والحقد والضغينة… وكثر خيره وبره وانحسر شره وكان عاملا بقوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [القصص: 77]، وفاز من ثم بمعية الله تعالى ومحبته جل وعز: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

وينبغي أن يأخذ الإحسان في تربية الولد مدى بعيداً بحيث يسلك به مسلك الرشد في كل شئونه، كما في حديث شداد بن أوس – رضي الله عنه – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – “إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته “.
-الألوكة-