الثقافة الإسلامية وقضايا المرأة
الأحد4 رمضان 1436//21 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. أحمد الشرقاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ)[1]، { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}[2] وأشهد أن لا إله إلا الله شهادةَ حقٍّ نسألُهُ عَلَيْهَا الثبات، في الحياةِ وعِنْدَ الممات، ونشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وخليلُه، بعثَهُ بعدَ دُرُوسِ السُّبُل، وطُمُوس الملل، وفترةٍ مِنَ الرُّسُلِ؛ رحمةً لجميعِ الكائناتِ، وأرسله بالهدى ودين الحق لِيُظْهِرَهُ على سائر الدياناتِ، وأنزل عليه آياتٍ بيناتٍ، وبراهينَ نيراتٍ؛ عصمةً ونجاة، ودستورًا للحياة، مَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِ فَازَ بالجنَّاتِ، ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ هَدْيِهِ مُنِيَ بالحَسَرَاتِ، وطُرِحَ في الدَّرَكَاتِ.
صَلَواتُ ربِّي وسلامُهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِه أّهْلِ الفَضْلِ والمَكْرُمَات، ومن تبعهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ والسَّموات. { قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }[3].
سُبْحَانَكَ الَّلهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بالقلمِ القُرُونَ الأُولى
أَخْرَجْتَ هذا العَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيْتَهُ النُّورَ المُبِينَ سَبِيلاً
أَرْسَلْتَ بالتَّورَاةِ مُوسَى هَادِيًا وابنُ البَتُولِ تعلَّمِ الإٍنجيلَ
وَفَجَّرْتَ يَنْبُوعَ البيانِ مُحَمَّداً فَسَقَى الحديثَ وَنَاوَلَ التنزِيلَ[4]
أما بعد: فمادة الثقافة الإسلامية من المواد الأساسية التي تدرس بالمملكة العربية السعودية في المرحلة الجامعية فضلا عن مرحلة ما قبل الجامعة، لذا كانت أهمية عقد هذا المؤتمر للنظر في مقرراتها،ودراسة محتوياتها، والتركيز على القضايا المهمة والمسائل الملحة التي تهم الدارسين، ومن أهم القضايا التي ينبغي أن تعالجها مقررات الثقافة الإسلامية قضايا المرأة؛ وذلك نظرا لأهمية دراستها والبحث فيها؛ فالمرأة نصف المجتمع، و”النساء شقائق الرجال”[5]، وللمرأة دورها العظيم في صلاح المجتمع وإصلاحه.
ولقد أدرك ذلك أعداء الإسلام: فسعوا إلى استقطاب المرأة وتغريبها بكل الوسائل والأساليب وبكل ما لديهم من طاقات وإمكانيات.
ولقد اطلعت على كثير من المقررات التي تدرس في العديد من الجامعات والكليات فوجدت اقتضابا شديدا عند الحديث عن قضايا المرأة، بل إن بعض المقررات قد خلا تماما من أي معالجة لتلك القضايا المهمة، رغم ما تقتضيه الضرورة أن تعالج قضايا المرأة من خلال مقررات الثقافة الإسلامية وتعطى المساحة الكافية؛ وذلك لما يلي:
• تبصير المرأة بحقوقها في الإسلام لتعرف مدى تكريم الإسلام لها وعدالته ورحمته بها ومراعاته لطبيعتها، ولتحصن نفسها وأسرتها من كيد الأعادي، كما يجب عليها معرفة واجباتها حتى تؤديها على أتم وجه، وحين تعرف ما لها من حقوق فإنها تدافع عن هذا الدين الذي كرمها وأنصفها.
• تذكير النساء بفضل الله تعالى عليهن وإكرامه لهن فيزددن إقبالا على الطاعات وقرباً وحباً وحمداً لرب العالمين، وتنافسا على نصرة هذا الدين، ولذلك لما أنزل الله براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك وقالت لها أمها قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت رضي الله عنها وَاللّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، لاَ أَحْمَدُ إِلاّ اللّهَ[6]، فطنت عائشة إلى أن هذه البراءة نزلت من عند الله وأن الواجب عليها أن تبادر إلى شكر الله تعالى، وعلى المسلمة أن تستحضر دائما تلك النعم قال تعالى في سورة البقرة { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة البقة: آية (231).
• تفنيد العديد من الشبهات التي أثارها وروَّجها أعداء الإسلام وأدعياؤه – بسوء نية وخبث طوية حول موقف الإسلام من المرأة؛ سعيا إلى تشويه صورة الإسلام، ودفع المرأة في طريق لا تحمد عقباه؛ تحت شعارات براقة ودعوات هدامة ودعاوى زائفة.
• دعوة غير المسلمات إلى اعتناق هذا الدين العظيم الذي تجد المرأة فيه الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان والسعادة والهناء وتتمتع فيه بحقوقها الطبيعية الشرعية.
• تحصين المسلمة من الدعوات الهدامة وتحذيرها من الاغترار بالشعارات البراقة التي تُرفع في الظاهر باسم حرية المرأة ومساواتها بالرجال، وما هي إلا دعوة إلى شقاء النساء وثورة على فطرتهن وتجاهل لطبيعتهن.
• بيان الفرق بين الحقوق التي تدعو إليها الفطرة وتقبلها العقول، وبين الحقوق التي تأباها الفطرة وتمُجُّها العقول.
• كشف زيف الأديان الوضعية والمحرفة، ونظرتها القاصرة وأحكامها الجائرة، وتصوراتها الحائرة عن المرأة وحقوقها وواجباتها.
• معرفة مدى شقاء المرأة ومعاناتها في ظل المذاهب الوضعية والفلسفات النظرية التي فشلت في تحقيق السعادة والطمأنينة للمرأة، ومع ذلك فما زال هناك من يدين بها ويدعو إليها، مع فشلها الذَّريع في عقر دارها كالشيوعية البائدة والوجودية البائسة وغيرهما من المذاهب والفلسفات الهدامة التي ابتليت بها الإنسانية وأضحت المرأة من أكبر ضحاياها وأعظم المتضررين منها.
هي لو علمتِ ضحيّةُ لعصابةٍ ذهبتْ لجني المال أسوأ مذهبِ
هي صورةٌ لمجلّة، هي لعبةٌ لعبت بها كفّ القصيّ المذنبِ
هي لوحة قد علِّقت في حائطٍ هي سلعةٌ بيعتْ لكلّ مخرّبِ
هي شهوةٌ وقتيّة لمسافرٍ هي آلةٌ مصنوعةٌ لمهرّبِ
هي رغبةٌ في ليلةٍ مأفونة تُرمَى وراءَ البابِ بعد تحبُّبِ
هي دُمْيَةٌ لمسابقات جمالهم جُلبت، ولوعصت الهوى لم تجلبِ
• تبصير المسلمة بخطر تلك المؤامرات التي تُحاك ضد المرأة باسم المؤتمرات التي تعقد في الشرق تارة وفي الغرب تارة أخرى والتي تخرج بقرارات مدمرة للمرأة والأسرة والمجتمعات الحاضرة.
يا ربّة البيت الكريم لواؤها بالطّهر مرفوع عظيم الموكبِ
البيت مملكة الفتاة وحصنُها تحميه من لصِّ العفاف الأجنبي
لا تركني لقرار مؤتمر الهوى فسجيّة الداعي سجيّة ثعلبِ
لا تخدعنّك لفظة معسولةٌ مُزجت معانيها بسمِّ العقربِ
• بيان بطلان بعض التقاليد البالية والممارسات الخاطئة المنتشرة في بعض الأقطار والتي تكشف عن ظلمٍ بيِّن للمرأة؛ باسم العادات والتقاليد: فنجد من يحرم الإناث من الميراث ليستأثر به الذكور، ونسمع عمن يمنع المرأة من الميراث في الأراضي والعقارات، ونسمع عمن يمنعون المرأة من الخروج بالنهار في أيام عدتها لقضاء مصالحها أو لطلب العلم أو لكسب العيش باسم العادات والتقاليد، وفي بعض البلدان تحرم المرأة المتوفى عنها زوجها من الزواج، فإذا تزوجت اتهموها بالتصابي والتَّنكُّر لزوجها الراحل! وربما حرموها من أولادها، وقد جرت عادة بعض البلدان ألا تتزوج المرأة قبل سنة من وفاة زوجها، مخالفين بذلك ما جاء به الكتاب والسنة أن المرأة تنقضي عدتها بأقرب الأجلين الوضع إذا كانت حاملا أو الأربعة أشهر وعشرة أيام ن كما نسمع عن الآباء الذين يعضلون البنات ليستأثر براتبها أو لتقوم بخدمته فيفوتها قطار الزواج، فإذا وافق على زواجها حرمها من صداقها واستأثر به ليبدده على ملذاته أو يضيفه إلى رصيده وثرواته، كما نسمع عن حرمان المرأة من حقها في الاختيار، ونسمع أيضا عمن يصادر حرية زوجته ويمنعها من إبداء رأيها في أي أمر يخص البيت متعللاً بأحاديث واهية مثل شاوروهن وخالفوهن، أو بناء على فهمه الخاطئ للأحاديث الصحيحة الواردة في شأن المرأة، وتجد أيضاً من لا يعدل بين زوجاته فيميل إلى إحداهن، ويهمل الأخريات فيساهم بذلك في إعطاء صورة سيئة للتعدد يستغلها أعداء الإسلام في الهجوم على هذا التشريع الرباني والدعوة إلى تحريمه وتجريمه كما حدث في بعض البلدان مثل تونس وغيرها!
• وتجد من يبكي ويتألم ويصرخ حين يرزقه الله عز وجل بأنثى فيعاملها بقسوة ويفرط في حقوقها الشرعية، بل وربما تمنى رحيلها مردداً بعض الأحاديث الموضوعة مثل: “دفن البنات من المكرمات” ويميز ولده عليها في كل شيء حتى في المأكل والمشرب، وربما خرجت تلك الفتاة معقدة كارهة لأبيها ولأخيها بل ولجنس الرجال، ناهيك عن نظرة بعض المجتمعات للمطلقة وتحميلها كل المسئولية عن طلاقها وربما حرمانها من حقها المشروع في الزواج، وأذكر أن أمًّا موسرة قاطعت ولدها المُعْدِم لأنه تزوج من مطلقة! والأمثلة على هذا الظلم الاجتماعي كثيرة، ومما يؤسف له محاولات بعض المارقين أن يلصقها بالدين ليضع لها مبرراً شرعياً وبعض أعداء الإسلام وأدعيائه يحاولون الخلط بينها وبين تعاليم الإسلام حتى يتوهم العوام والجُهَّال، أنها من الإسلام وليست من الإسلام في شيء، وفي بعض المجتمعات يصبح اسم المرأة عورة لا يجوز الإفصاح عنه، وهذا أمر مخالف لتعاليم الإسلام وإلا فمن أين لنا معرفة أسماء أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابيات والتابعيات، فمن حق المرأة أن تعرف باسمها وكنيتها ولقبها إن كان لها كنية ولقب، فيا عجبا كيف تتخبط بعض المجتمعات في ظلمات التقاليد البالية وبأيدينا دستور للحياة ونور لكل درب كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
• إبراز محاسن هذا الدين والحديث عن سماحته وتيسيره وشموله لجميع جوانب الحياة، وهذا مقصد شرعي وأمر ضروري سِيَّما أمام غير المسلمين؛ فإن الواجب علينا أن نعرفهم بسماحة الإسلام ويُسره: روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت”وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه لأنظر زَفْنَ الحبشة حتى كنت الذي مللت وانصرفت عنهم قالت: وقال يومئذ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، أي أرسلت بحنيفية سمحة”[7].
• معالجة كل ما يستجد من قضايا وأطروحات حول المرأة في ضوء الشريعة الإسلامية الغراء مثل قيادة المرأة للسيارات وإمامة النساء للرجال وتولي المرأة الولاية العامة والقضاء.
• من هنا كانت أهمية دراسة قضايا المرأة في ظل الثوابت والمتغيرات مع ضرورة مراعاة هذه المقاصد والأهداف عند الكتابة عن قضايا المرأة، والتأصيل الشرعي لقضايا المرأة في ضوء الكتاب والسنة.
• ضرورة توحيد مناهج الثقافة الإسلامية بجامعات وكليات المملكة.
• فكرة تخصيص منهج مستقل بعنوان “ثقافة المرأة المسلمة” تدرَّس فيه حقوق المرأة وواجباتها وجهودها على مر التاريخ، ودورها في نشر الإسلام وبناء الحضارة الإسلامية، ورد الشبهات المثارة حول موقف الإسلام منها، ومعالجة كل القضايا المستجدة في عالم المرأة، والإفادة من محتويات هذا المنهج في دراسة قضايا المرأة ضمن مقررات الثقافة الإسلامية.
خطة بحث حول: ثقافة المرأة المسلمة
وتشتمل هذه الدراسة على مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة:
مقدمة: وتشتمل على أهمية الموضوع وخطة البحث ومنهجه
الباب الأول: حول الثقافة الإسلامية
ويشتمل على خمسة فصول:
الفصل الأول: مفهوم الثقافة الإسلامية.
الفصل الثاني: أهداف دراسة الثقافة الإسلامية.
الفصل الثالث: خصائص الثقافة الإسلامية.
الفصل الرابع: مصادر الثقافة الإسلامية.
الفصل الخامس: مقارنة بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى.
الباب الثاني: حقوق المرأة المسلمة
تمهيد: وهو بعنوان: المرأة بين الماضي والحاضر
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المرأة بين الأديان الوضعية والمحرفة.
المبحث الثاني: المرأة في ظل الفلسفات والحضارات الزائفة.
المبحث الثالث: المرأة في رحاب الإسلام: ويشتمل على أربعة مطالب:
المطلب الأول: تكريم الإسلام للمرأة.
المطلب الثاني: إنصاف الإسلام للمرأة.
المطلب الثالث: رحمة الإسلام بالمرأة.
المطلب الرابع: وصية الإسلام بالمرأة
الفصل الأول: الحقوق الاجتماعية ويشتمل على مبحثين
المبحث الأول: حقوق عامة:
حق الحياة.
حق الحرية.
حق العلم.
حق الكرامة.
حق المساواة.
حقوق المسلمات.
حقوق غير المسلمات.
المبحث الثاني: حقوق خاصة
حق الأم.
حق البنت.
حق الأخت.
حق الزوجة.
حقوق المطلقة والأرملة.
حق الجارة.
الفصل الثاني: الحقوق الاقتصادية
حق التملك.
حق التصرف.
حق العمل.
حق الميراث.
الفصل الثالث: الحقوق السياسية
1 – حق إبداء المشورة لولي الأمر.
2 – حق إسداء النصح للحاكم.
3 – الإنكار على الحاكم الظالم.
4 – حق المرأة أن تجير.
5 – حق متابعة الأحداث الجارية.
6 – حق استشراف المستقبل السياسي.
7 – حق المطالبة بحقوقها والدفاع عنها.
8 – حقوقها القضائية.
9 – حقها في البيعة.
10 – حق المشاركة في الجهاد.
الباب الثالث: واجبات المرأة المسلمة:
الفصل الأول: واجبات المرأة المسلمة نحو ربها.
الفصل الثاني: واجبات المرأة المسلمة نحو بيتها.
الفصل الثالث: واجبات المرأة المسلمة نحو مجتمعها.
الباب الرابع: مناقشة لأهم قضايا المرأة المعاصرة
ويشتمل على الفصول الآتية:
الفصل الأول: حكم تولي المرأة الولايات العامة والقضاء.
الفصل الثاني: حجاب المرأة المسلمة.
الفصل الثالث: حكم قيادة المرأة للسيارات.
الفصل الرابع: تعدد الزوجات.
الفصل الخامس: ظاهرة العنوسة أسبابها والحلول الشرعية لها.
الفصل السادس: اقتصاديات الأسرة.
الفصل السابع: المرأة في وسائل الإعلام.
الفصل الثامن: دور المسلمة في الدعوة إلى الله.
الفصل التاسع: دور المرأة في إصلاح المجتمع والنهوض به.
الفصل العاشر: المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة.
الفصل الحادي عشر: المرأة المسلمة في مواجهة التحديات: ويشتمل على مبحثين
المبحث الأول: التحديات الداخلية.
المبحث الثاني: التحديات الخارجية.
نبذة عن الموضوع:
• للمرأة في رحاب الإسلام مكانةٌ عظيمة، ومنزلةٌ كريمة، فهي المعلمة الأولى في مدرسة الأجيال، وهي الدعامة الأساسية في بناء المجتمعات، وهى حصن ركين، وركن حصين لهذا الدين، هي الزوجة الصالحة، والأخت الناصحة، والأم الرءوم، والبنت الحانية، هن ينابيع الحنان وحصون الأمان ومصابيح البيوت، ودعائمها.
• أنصف الإسلامُ المرأة وأوصى بها خيرًا وكرَّمها أسمى تكريم، كرَّمها أمًّا وزوجةً وبنتًا وأختًا: كرَّمها أمًا: بأن جعل الجنة تحت قدميها، وجعل برَّها سبيلا للجنة، وكرَّمها زوجةً بأن جعلها مودةً ورحمةً، وواحةً وسكنًا، وكرمها بنتًا وأختًا بأن جعل تأديبها والإحسان إليها حجابًا من النار[8].
• ومع هذه المكانة السامقة والمنازل الباسقة، التي تبوأتها المرأة في الإسلام والرعاية والعناية التي حظيت بها في ظلال تعاليمه السمحة الكريمة إلا أن أعداء الإسلام وَمِنْ ورائهم أدعياؤه افتعلوا وجود خصومة بين السنة والمرأة سعيا إلى التشكيك في السنة والإعراض عنها وصرف المسلمة عن شريعة ربِّها، وحرمانها مما جاءت به من عدل ورحمة.
• واستعانوا بأعوانهم من المأجورين في تصويب سهامهم المسمومة وإثارة شبهاتهم المزعومة نحو هذا الجانب المشرق الوضاء الذي يُعَدُّ مفخرةً ومكرُمةً لهذا الدين، وكلُّ ما في الإسلام مشرقٌ وضاء، ولكن:
وما ضرَّ الورودَ وما عليها إذا المزكومُ لم يَطْعَمْ شَذَاهَا
فأعداء الإسلام يكابرون ويجحدون وعن آيات الله يستكبرون، { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } ( النحل 83 )، {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ *وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} ( سورة الأنعام 32، 33 ).
فالعجب كيف أعرض أكثرهم وهم يعلمون أنه الحق من عند ربهم والعجب كيف صارت محاسن الإسلام هدفًا لسهام أعداء الله ! ومثارا لاستخفافهم، على حد قول الشاعر:
إذا محاسني اللاتي أُدِلُّ بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذرُ[9]
إنه سوء النية وخبث الطوية التي دفعتهم إلى تلك الحملة الشرسة على روائع هذا الدين، والهجمة الضارية على أحكام النساء؛ “فإنَّ وَرَاءَ الأكَمَةِ مَا وَرَاءَهَا”[10].
وكما يرمي الصيادُ بالطُّعم لفريسته فيقدم لها ما تشتهيه وتقبل عليه وهي لا تعلم أن فيه أسرها وحتفها كذلك رفع أعداؤنا شعاراتٍ براقةً تميل لها القلوب المتعطِّشة، وتحِّنُّ إليها النفوسُ المُتشوِّقة إلى أجواءِ الحرية وآفاق الحضارة وميزان العدالة، فتسارع إلى الوقوع في الشَّرَك[11] التي نصبت من أجلها: وباسم الحرية والمساواة وتحت شعار العدالة والإنصاف تتم المؤامرة على المرأة المسلمة فيسلبونها عزتها وكرامتها.
• فباسم التحضر: يريدون أن يخلعوا عنها تاج عزها وعفتها ويُلقون بها في مستنقعات الرذيلة.
• وباسم مواكبة روح العصر: يريدونها مقلدة تجعل من الغربية أنموذجا لها في ملابسها ومجالسها ومشيتها وأكلتها وطريقتها في الحياة لتشارك النساء الغربيات في الشقاء والضياع.
• وباسم الصحة الإنجابية ينفق أعداء الإسلام المليارات في بلاد المسلمين لترويج الثقافة الجنسية بين الفتيان والفتيات في سن المراهقة، ويسعون إلى تجريم الزواج المبكر، وإلى تحديد النسل، وتحريم التعدد.
• وباسم الحقوق: يريدونها أن تنشغل عما طلب منها بما لم يطلب منها ولم يفرض عليها، يريدونها أن تتخلى عن أعمال لا يمكن أن يقوم بها غيرها، وتزاحم الرجال في أعمالهم.
• وباسم المساواة أشعلوا نار الصراع بين الرجل المرأة فصارت الحياة معارك حامية بين الرجال والنساء، وتسابقا محموما على المناصب والدرجات.
• وباسم محاكاة الغربيات يريدون أن يوصِّلوا المرأة إلى ما وصلت إليه المرأة الغربية لتصبح فريسةً سهلة المنال بين أيادي العابثين.
• وباسم النظام الدولي الجديد ومن بعده باسم العولمة والإصلاحات، يسعون إلى إملاء أوامرهم وتنفيذ مخططاتهم؛ إرضاءً لشياطين الإنس، ورضوخًا لأوامرهم التي لا تنتهي.
• وباسم الحرية يسعون إلى التحرر من الأخلاق والقيم النبيلة والتمرغ في أوحال الهوى ومستنقعات الرذيلة، وهم لا يريدون تحرير المرأة وإنما يريدون تحرير الوصول إليها والنيل منها! والله تعالى يحذرنا من مكائدهم وأهدافهم فيقول سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا *يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِْنْسَانُ ضَعِيفًا} ( سورة النساء: 28).
• أبعد هذا كله تتعلق المرأة المسلمة بأهداب الغرب الواهنة وحباله البالية، أتريد أن تجني هذا الحصاد المر وتتجرع من المذلة والهوان كؤوسا مترعات، وتصل إلى هذه الدروب الملتوية والطُّرق المسدودة؛ باسم التغريب تارة وباسم الحرية تارة أخرى ؟
هَرَبُوا مِنَ الأمرِ الذي خُلِقُوا لَهُ وَرَضُوا بِِرقِّ النَّفسِ والشيطانِ
أختَاه كيفَ ظننتِ أنَّ مُعَرْبداً يَسْعَى بِمُؤْمِنَةٍ لِأَمْر سَام ؟
• وإذا كنا قد ألمحنا إلى موقف الغرب المتعصِّب من الإسلام عامة ومن قضية المرأة على سبيل الخصوص ولسوف تتبين لنا الكثير من الحقائق والتفاصيل حول هذا الموضوع، فلا يفوتنا أن نشير إلى أن هناك تعصبا من نوع آخر وتعصبا مقيتا وظلما بيِّناً للنساء؛ باسم العادات والتقاليد: فقضايا المرأة في العالم الإسلامي يتجاذبها طرفان كل منهما على طرفي نقيض، أما أحدهما فإنه متمسك ببعض التقاليد الراكدة وبعض الأفكار المظلمة، فهم يحجرون على المرأة ويلزمونها البيت ويمنعونها من طلب العلم باسم الدين وهم ولا شك أصحاب عقول متحجرة ومفاهيم قاصرة ونظرات متحيرة، وهذا الفريق في حاجة إلى إعادة النظر وإمعان الفكر والتحرر من تلك القيود، وإذا كان أصحاب هذه الأفكار قد ضربوا الحصار على أنفسهم، وحجروا على عقولهم وعطَّلوا أفكارهم، ولم ينظروا للإسلام نظرة شمولية فارتفعت أصواتهم وتعالت صيحاتهم تطالب بإغلاق جميع الأبواب والعزلة المطلقة عن جميع المجتمعات، فإن هناك من آمنوا بالغرب إيمانا مطلقا وأقبلوا على جميع التعاليم الغربية ودعوا إلى الانفتاح على الغرب، واستهوتهم الحضارة الغربية فأقبلوا عليها ونهلوا من معينها ورضوا بما فيها من خير وشر وحلو ومر.
• إن قضايا المرأة من أهم القضايا التي عالجها الإسلام، فالمرأة نصف المجتمع والمرأة هي الأم والأخت والبنت والعمة والخالة والزوجة والقريبة والجارة والمسلمة،.. ولما كانت المرأة تمثل جانبا كبيرا من جوانب المجتمع، ولما كان دورها في الحياة دورا عظيما، على اختلاف مسئولياتها وتبعاتها، ولما كانت هي الركن الركين في المجتمع المسلم: على محورها تدور أقطاره وتتلاقى أطرافه وتجتمع أقطابه، فقد كان العمل على صبغها بالصبغة الغربية وتحويل فكرها وعواطفها في اتجاه الغرب من أعظم أهداف أعداء الإسلام، ولقد أسعف هؤلاء الحاقدين وساعد على تحقيق بعض أغراضهم ورواج أفكارهم ما عليه العالم الإسلامي الآن من تخلف وضعف، فقاموا بالربط بين الإسلام وبين تخلف المسلمين زاعمين أن الإسلام هو سبب التأخر وأن الطريقة المثلى أمام المسلمين هي التخلي عن دينهم والتحرر من سلطانه كما تحرر الغرب من سلطان الكنيسة، ونحن وإن كنا نوافقهم في أن القيود التي فرضتها الكنيسة في عصور سلطتها وهيمنتها كانت من أسباب تأخر الغرب وتخلفه وكانت دعوة إلى الرجعية والجمود، ولكننا نختلف معهم اختلافا جوهريا في زعمهم الكاذب أن الإسلام هو سبب تخلف المسلمين، والحقيقة التي لا مراء فيها: أن سبب تخلف المسلمين في هذا العصر هو بعدهم عن الإسلام، ويزعم الغرب حاليا أن حضارتهم قدمت الكثير للمرأة وحققت لها ما لم تحققه حضارة أخرى، أما الإسلام عندهم فهو عدو المرأة وهو الذي حرمها من حقوقها وأثقل كاهلها بالواجبات، ويخلصون من ذلك إلى أن المرأة المسلمة لابد أن تتحرر وتثور على هذا الموضوع، وأن تحتج على هذا الظلم وأن تقلد المرأة الغربية التي نالت كلَّ ما تصبو إليه وتساوت مع الرجل في الحقوق والواجبات.
إنَّ البناءَ وإنْ تَسَامَى واعتَلَى ما لم يُشَيَّدْ بالتُّقَى ينهارُ
تبقى صروحُ الحقِّ شامخةً وإِنْ أَرْغَى وَأَزْبَدَ حَوْلَهَا الإِعْصَارُ
قد يحصدُ الطغيانُ بعضَ ثمارِهِ لكنَّ عُقْبَى الظالمين دَمَارُ
• ونحن اليوم نتساءل: لماذا كانت هذه الدعاوى المحمومة في سبيل تحرير المرأة ؟ هل لتنهض بالأمة ؟ هل لتسمو ببيتها وتعلو بأولادها وزوجها إلى مراقي السعادة، أم لكي تذوب المرأة المسلمة في خضم تقليدها للمرأة الغربية، والتي ضاعت وأصبحت متاعاً مباحاً وكَلأً ليس له من يحرسه ولكن تنتهك حرماته !!
زعموا السفور والاختلاط وسيلةً للمجدِ قومٌ في المجانةِ أُغْرِقُوا
كَذَبُوا متى كان التعرضُ للخَنَا شيئاً تعِزُّ به الشعوبُ وتسبِقُ
والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه ابن ماجة في السنن ونصه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يُحِبُّ قال: “الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحاتُ ” وإذا ما يكره قال: ” الحَمْدُ لِلَّهِ على كلّ حالٍ ” سنن ابن ماجة كتاب الأدب باب فضل الحامدين حديث 3803 وقال البوصيري في الزوائد: “إسناده صحيح، ورجاله ثقات” ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ص 334حديث 378 والحاكم في المستدرك 1/499 وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، كما أورده الذهبي في تلخيصه وذكره النووي في الأذكار باب ما يقول إذا رأى ما يحب وما يكره ص499 حديث 837 وقال: ” روينا في كتاب ابن ماجة وابن السني بإسناد جيد “، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي نعيم في حلية الأولياء 3/157 وفي إسناده الفضل بن عيسى الرقاشي وهو متروك وأخرجه البغوي في شرح السنة 5/189، 180 عن محصن الفهري عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، ومن طريقه البغوي في شرح السنة 5/180 وفي إسناده عبد الله بن أبي رافع مجهول وله شاهد آخر من حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 3/131، وله شاهد آخر من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم 1/403 145حديث، وقال محقق الكتاب الشيخ صالح الونيان بعد دراسة إسناده بهذا الإسناد ضعيف لجهالة حال عبد الله بن أبي رافع وابنه محمد، والحديث صحيح من طريق ابن ماجة ” والحديث بمجموع طرقه وشواهده حديث حسن، وأورده الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجة 3066 وصحيح الجامع 4727 وصحيح الكلم الطيب 113.
[2] سورة الشورى: (25).
[3] سورة البقرة آية (32).
[4] الأبيات من قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي ومطلعها قم للمعلم وفِّهِ التبجيلَ – الشوقيات 1/180.
[5] الحديث ” إنما النساء شقائق الرجال ” رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أم سلمة 6 / 256 والترمذي في السنن أبواب الطهارة باب ما جاء في من يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاما 1 / 232 حديث 113 – وأبو داود في السنن عن عائشة كتاب الطهارة باب في الرجل يجد البلة في منامه 1/ 101 حديث 236 –والدارمي في السنن كتاب الطهارة باب في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل 1/ 214 حديث764 – وفي المنتقى لابن الجارود 1/ برقم 90- ومسند أبى عوانة 1/244 برقم 832، والحديث بمجموع طرقه صحيح، صححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي 1 / 189 وصححه الألباني وأورده في صحيح سنن الترمذي 1 / 35 – برقم 98.
[6] رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه ” قَالَتْ: فَلَمّا سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوّلَ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: “أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللّهُ فَقَدْ بَرّأَكِ” فَقَالَتْ لِي أُمّي: قُومِي إِلَيْهِ. قَالَتْ: وَاللّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ. لاَ أَحْمَدُ إِلاّ اللّهَ. هُوَ الّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي ” صحيح البخاري كتاب الشهادات باب: تعديل النساء بعضهن بعضا 2/173 حديث 2661 وصحيح مسلم كتاب التوبة باب في حديث الإِفك، وقبول توبة القاذف 4/2129 حديث 56 – ( 2770 ).
[7] رواه الإمام أحمد في مسنده 6/116 وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط حديث قوي وهذا سند حسن ط مؤسسة قرطبة القاهرة بتعليق الشيخ شعيب وأورده الألباني في الصحيحة – 4/443 حديث 1829 وقوله: زَفَنَ: أي رَقَص ولعب، وفي النهاية وأصل الزَّفْن: اللَّعبُ والدفعُ.
[8] سيأتي في ثنايا البحث بيان ذلك إن شاء الله عند الحديث عن حقوق الأم والبنت والأخت.
[9] البيت للبحتري.
[10] قال في المصباح: الأكمة تل والجمع أكم وأكمات، مثل قصبة وقصب وقصبات. وجمع الأكم إكام مثل جبل وجبال وجمع الإكام أكم مثل كتاب وكتب وفي مجمع الأمثال: ” إنَّ وَرَاءَ الأكَمةِ مَا وَرَاءَهَا ” أصله أن أَمَةً واعدت صديقها أن تأتيه وراء الأكمة إذا فرغَت من مهنة أهلها ليلا، فشغلوها عن الإنجاز بما يأمرونها من العمل، فقالت حين غلبها الشوقُ: حبستموني وإن وراء الأكَمَة ما وراءها، يضرب لمن يُفْشِي على نفسه أَمْرَاً مستوراً”.
[11] الشَّرَك فخُّ الصياد.
-الألوكة-