الجماعة رحمة والفرقة عذاب
السبت 8 ربيع الثاني 1438 الموافق 7 يناير/ كانون الثاني 2017 وكالة معراج للأنباء الإسلامية .
من المعلوم أن اجتماع المسلمين ووحدة صفهم وكلمتهم مقصد شرعي لا يمكن إهماله أو التغافل عنه، وقد دلت على هذا الأصل نصوص كثيرة منها قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، قال ابن مسعود: «حبل الله الجماعة»، وقال تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.
والاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه وصية الله تعالى للسابقين واللاحقين، كما قال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ.
قال الشيخ ابن سعدي: «أي أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين، أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتتعاونون على البر والتقوى، ولا تتعاونون على الإثم والعدوان، {ولا تتفرقوا فيه} أي ليحصل منكم اتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على ألا تفرقكم المسائل، وتحزبكم أحزابا وشيعا، يعادي بعضكم بعضا، مع اتفاقكم على أصل دينكم»اهـ.
ونهى سبحانه عن اتباع سبيل المتفرقين الذين تركوا سبب اجتماعهم وهو الدين والبينات واتبعوا أهواءهم فضلوا وتفرقوا واستحقوا العذاب فقال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وأولئك لهم عذاب عظيم.
وقال[ مبينا وحدة المسلمين وأهمية اجتماعهم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
والاجتماع على الحق مما يحبه الله تعالى ويرضاه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ[: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا؛ فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ؛ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» رواه مسلم، قال النووي: أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتآلف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام.
والتفرق أمر مذموم ليس من هدي المسلمين بل هو من شأن الضالين؛ فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» رواه ابن ماجه.
وبين النبي أن التفرق غاية الشيطان ووسيلته فقال: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم» رواه مسلم، قال النووي: التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها.
وحرص النبي [ على اجتماع المسلمين في كل المناسبات وعدم تفرقهم؛ فعن جابر بن سمرة ] قال: خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حِلَقًا، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ» رواه مسلم. قال النووي: «معناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع.
وفي سنن أبي داود قال أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ»، فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلا إِلا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يُقَالَ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ.
وبين النبي أن الجماعة سبيل الجنة فقال: «مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فليلزم الجماعة»رواه الترمذي، وبحبوحتها: أي: وسطها وأفضلها.
والجماعة سبب لنيل تأييد الله ورعايته كما قال: «يد الله مع الجماعة» رواه الترمذي. والمعنى: أن الله يؤيد بعونه الجماعةَ التي تعتصم بحبله.
وعَنِ النعمان عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ.
وقد أمر الله عز وجل بالإصلاح بين الناس فقال تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}، ونهى عن كثير من أسباب الفرقة كالغيبة والنميمة والسخرية والبيع على بيع المسلم والخطبة على خطبته ونحو ذلك؛ لأن ذلك سبيل لجمع شمل الأمة وإبعاد سبل التفرق المذموم عنها كما قال عز وجل : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.
والتآلف والتواد وشيوع المحبة بين المسلمين مطلب شرعي ومن أعظم مقاصد الشريعة، والاختلاف المقبول أمر واقع كما شهد به تاريخ العلماء في السابق والحاضر مع قيامهم بواجب الأخوة الإيمانية والحرص على دوام المحبة والبعد عن أسباب القطيعة والعداوة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }، وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين
وقال أيضا: «وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية».
وقد كان ابن مسعود يناقش عثمان في مسألة قصر الصلاة في منى نقاشا شديدا، فإذا حضرت الصلاة صلى خلفه ويقول: الخلاف شر»، وكان الشافعي يناظر يونس الصدفي ثم يقول له: «يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟!» قال الذهبي: «وهذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه فما زال النظراء يختلفون.
وتناظر الإمام أحمد وعلي بن المديني في مسألة حتى علت أصواتهما وخشي أن يقع بينهما جفاء، فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه.
فالاجتماع على الحق، ونبذ الفرقة والاختلاف، من مقاصد الدين العظيمة، ومن مقتضيات الأخوة الإيمانية التي أمر الله بها ومدح المؤمنين بها في قوله: {إنما المؤمنون إخوة} وقال[: «وكونوا عباد الله إخوانا» ، وبالله التوفيق.
للكاتب : د.وليد خالد الربيع
المصدر: الفرقان نيت
Comments: 0