الجنَّة دار المتقين – الشيخ صلاح نجيب الدق
الجمعة 3 شوال 1437/ 8 يوليو/ تموز 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليُظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولهصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا،أما بعد:
فإن الهدف الأسمى من عبادة المسلم هو مرضاة الله تعالى، ودخول جنة الخُلد؛مِن أجلِ ذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بصفة الجنَّة ونعيم أهلها، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
(1) الجنَّة موجودة الآن:
اعلم – أخي الكريم – أن الجنَّة والنار موجودتان الآن، مُعَدَّتانِ لأصحابهما، كما نطق بذلك القرآن الكريم، وتواترت بذلك الأحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا اعتقاد أهل السنَّة والجماعة، المستمسكين بالعُروة الوثقى.
قال الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تبارك وتعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطَر على قلب بشرٍ))، قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17]؛ (البخاري حديث 4779 / مسلم حديث 2824).
روى البخاري عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – وهو يتحدث عن رحلة المعراج وفرضِ الصلوات الخمس -: ((ثم انطلق بي (أي جبريل) حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوانٌ لا أدري ما هي، ثم أُدخِلت الجنَّة فإذا فيها حبايل (عقود وقلائد) اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك))؛ (البخاري حديث 349).
(2) صفة بناء الجنَّة:
قال الله تعالى: ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ﴾ [الزمر: 20].
روى الطبراني عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله خلَق جنَّة عدن وبناها بيدِه، لَبِنة من ذهب، ولبنة من فضة، وجعل مِلاطها المسك، وترابها الزعفران، وحصباءَها اللؤلؤ، ثم قال لها: تكلَّمي، فقالت: قد أفلَح المؤمنون، فقالت الملائكة: طوبى لكِ منزلَ الملوك))؛ (حديث حسن) (صحيح الجامع للألباني حديث 1213).
روى الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنَّة غرفًا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها))، فقام أعرابي فقال: لِمَن هي يا رسول الله؟ قال: ((لِمَن أطاب الكلام، وأطعَم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيامٌ))؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2051).
روى مسلمٌ عن عبدالله بن قيسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن للمؤمن في الجنَّة لخيمةً من لؤلؤةٍ واحدةٍ مجوفةٍ، طولها ستون ميلًا، للمؤمن فيها أهلُون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضُهم بعضًا))؛ (مسلم حديث 2838).
(3) أبواب الجنَّة:
روى البخاري عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في الجنَّة ثمانية أبوابٍ، فيها بابٌ يسمَّى الرَّيَّان، لا يدخله إلا الصائمون))؛ (البخاري حديث 3257).
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – وهو يتحدَّث عن الشفاعة العظمى يوم القيامة -: ((والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنَّة كما بين مكَّةَ وحِمْيَر، أو كما بين مكَّةَ وبُصرى))؛ (البخاري حديث 4712 / مسلم حديث 194).
(4) درجات الجنَّة:
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن آمَن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان – كان حقًّا على الله أن يدخله الجنَّة، جاهَد في سبيل الله، أو جلَس في أرضه التي وُلِد فيها))، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشِّرُ الناس؟! قال: ((إن في الجنَّة مائة درجةٍ أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسطُ الجنَّة، وأعلى الجنَّة، أراه فوقه عرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجنَّة))؛ (البخاري حديث 2790).
روى الترمذي عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في الجنَّة مائة درجةٍ، ما بين كل درجتين كما بين الأرض والسماء، والفردوس أعلاها درجةً، ومنها تَفَجَّرُ أنهار الجنَّة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فسَلُوه الفردوس))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2056).
(5) أنهار الجنَّة:
قال سبحانه: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾ [محمد: 15].
روى الترمذي عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنَّة بحرَ الماء، وبحرَ العسَل، وبحر اللَّبَن، وبحر الخمر، ثم تَشَقَّقُ الأنهارُ بعدُ))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2078).
(6) أشجار الجنَّة:
روى الشيخانِ عن سهل بن سعدٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنَّة لشجرةً يسير الراكب في ظلها مائةَ عامٍ لا يقطعها))؛ (البخاري حديث 6552 / مسلم حديث 2827).
روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما في الجنَّة شجرةٌ إلا وساقُها مِن ذهبٍ))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2049)
(7) رائحة الجنَّة:
روى البخاري عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قتل معاهَدًا، لم يَرَحْ رائحة الجنَّة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا))؛ (البخاري حديث 3166).
(8) صفة أهل الجنَّة:
قال تعالى:﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 45 – 47].
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول زمرةٍ تدخل الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسنِ كوكبٍ دُريٍّ في السماء إضاءةً، قلوبهم على قلب رجلٍ واحدٍ، لا تباغُضَ بينهم ولا تحاسدَ، لكل امرئٍ زوجتان من الحور العين، يُرَى مخُّ سوقهن من وراء العظم واللحم))؛ (البخاري حديث 3254 / مسلم حديث 2834).
روى الترمذي عن معاذ بن جبلٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهلُ الجنَّة الجنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مكحَّلين، أبناءَ ثلاثين، أو ثلاثٍ وثلاثين سنةً))؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2064).
روى مسلمٌ عن جابرٍ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أهل الجنَّة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوَّطون، ولا يمتخطون))، قالوا: فما بال الطعام؟ قال: ((جُشاءٌ ورشحٌ كرشح المِسك، يُلهَمون التسبيحَ والتحميدَ كما تُلهَمون النَّفَس))؛ (مسلم حديث 2835).
(9) صفات الحور العين:
قال تعالى: ﴿ وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الواقعة: 22 – 24].
وقال سبحانه: ﴿ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾ [الرحمن: 70 – 74].
حُورٌ: جمع حوراء، وهي المرأة الشابَّة، الجميلة، البيضاء، شديدة سواد العَينين.
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أولُ زمرةٍ تدخُلُ الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسنِ كوكبٍ دريٍّ في السماء إضاءةً، قلوبهم على قلب رجلٍ واحدٍ، لا تباغُضَ بينهم ولا تحاسدَ، لكل امرئٍ زوجتان من الحور العين، يُرَى مخُّ سوقهنَّ من وراء العظم واللحم))؛ (البخاري حديث 3254 / مسلم حديث 2834).
روى الطبراني عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن أزواج أهل الجنَّة ليُغَنِّينَ أزواجَهن بأحسنِ أصواتٍ سمعها أحدٌ قط، إن مما يُغنِّين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قومٍ كرام، ينظُرْن بقرَّة أعيان، وإن مما يُغنِّين به: نحن الخالداتُ فلا يَمُتْنَهْ، نحن الآمناتُ فلا يَخَفْنَهْ، نحن المُقِيمات فلا يَظْعَنَّهْ))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث 1561).
(10) ثياب أهل الجنَّة وحُليُّهم:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 30، 31].
وقال سبحانه: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [فاطر: 33].
روى مسلمٌ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن يدخل الجنَّة ينعَمُ لا يبأَسُ، لا تبلى ثيابُه، ولا يفنى شبابُه))؛ (مسلم حديث 2836).
روى الترمذي عن سعد بن أبي وقاصٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو أن ما يُقِلُّ ظُفرٌ مما في الجنَّة بدَا، لتزخرفت له ما بين خوافق السموات والأرض، ولو أن رجلًا مِن أهل الجنَّة اطلع فبدَا أساورُه، لطمس ضوءَ الشمس، كما تطمِسُ الشمسُ ضوءَ النجوم))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2061).
(11) طعام وشراب أهل الجنَّة:
قال الله تعالى: ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71].
وقال سبحانه: ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [الواقعة: 17 – 21].
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ﴾ [الإنسان: 5، 6].
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المرسلات: 41 – 43].
وقال تعالى: ﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ ﴾ [الطور: 22، 23].
(12) آنية أهل الجنَّة:
روى الشيخان عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: كان حذيفةُ بن اليمان بالمدائن، فاستسقى، فأتاه دِهْقَانٌ (تاجر) بقدح فضةٍ، فرماه به، فقال: إني لم أرمِه إلا أني نهيتُه فلم ينتهِ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج، والشُّربِ في آنية الذهب والفضة، وقال: ((هنَّ لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة))؛ (البخاري حديث 5831 / مسلم حديث 2067).
(13) فُرُشُ أهل الجنَّة:
قال تعالى: ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ ﴾ [الرحمن: 54].
وقال سبحانه: ﴿ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴾ [الواقعة: 34].
وقال جلَّ شأنُه: ﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾ [الغاشية: 12 – 16].
(14) خدَمُ أهل الجنَّة:
قال الله تعالى: ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ﴾ [الإنسان: 19].
قال ابن كثير: قوله تعالى: ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ﴾ [الإنسان: 19]؛ أي: يطوف على أهل الجنَّة للخِدمةِ ﴿ وِلْدَانٌ ﴾ [الإنسان: 19] مِن ولدان الجنَّة، ﴿ مُخَلَّدُونَ ﴾ [الإنسان: 19]؛ أي: على حالة واحدة مخلَّدون عليها، لا يتغيَّرون عنها، لا تَزيد أعمارُهم عن تلك السن،ومَن فسرَّهم بأنهم مخرصون في آذانهم الأقرطة، فإنما عبَّر عن المعنى بذلك؛ لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير.
وقوله: ﴿ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ﴾ [الإنسان: 19]؛ أي: إذا رأيتَهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة، وكثرتهم، وصباحةِ وجوههم، وحُسن ألوانهم وثيابهم وحليِّهم، ﴿ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ﴾ [الإنسان: 19]،ولا يكون في التشبيه أحسنُ مِن هذا، ولا في المنظر أحسنُ مِن اللؤلؤ المنثور على المكان الحسَن.
قال قتادة، عن أبي أيوب، عن عبدالله بن عمرو بن العاص: ما مِن أهل الجنَّة مِن أحد إلا يسعى عليه ألفُ خادم، كلُّ خادمٍ على عمَلٍ ما عليه صاحبُه؛ (تفسير ابن كثير جـ 14 صـ 214).
(15) زراعة أهل الجنَّة:
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدِّثُ وعنده رجلٌ من أهل البادية: ((أن رجلًا من أهل الجنَّة استأذن ربَّه في الزرع، فقال له: ألستَ فيما شئتَ؟! قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذَر، فبادر الطَّرْفَ نباتُه واستواؤُه واستحصادُه فكان أمثالَ الجبال، فيقول الله: دونك يا بنَ آدم؛ فإنه لا يُشبِعك شيءٌ)) فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا؛ فإنهم أصحاب زرعٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم؛ (البخاري حديث 7519).
(16) سُوق الجنَّة:
روى مسلمٌ عن أنس بن مالكٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنَّة لَسُوقًا يأتونها كل جمعةٍ، فتهُبُّ ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حُسنًا وجمالًا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حُسنًا وجمالًا، فيقول لهم أهلُوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حُسنًا وجمالًا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حُسنًا وجمالًا))؛ (مسلم حديث 2833).
(17) تحية أهل الجنَّة:
قال سبحانه: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].
وقال جل شأنه: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44].
وقال تعالى: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26].
(18) أدنى أهل الجنَّة منزلًا:
روى ابن ماجه عن عبدالله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها، وآخر أهل الجنَّة دخولًا الجنَّة، رجلٌ يخرج من النار حبوًا، فيقال له: اذهب فادخل الجنَّة، فيأتيها، فيُخيَّل إليه أنها مَلأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتُها مَلأى، فيقول الله: اذهب فادخل الجنَّة، فيأتيها، فيُخيَّل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتُها مَلأى، فيقول الله سبحانه: اذهب فادخل الجنَّة، فيأتيها، فيُخيَّل إليه أنها مَلأى، فيرجع فيقول: يا رب، إنها ملأى، فيقول الله: اذهب فادخل الجنَّة؛ فإن لك مِثلَ الدنيا، وعشَرة أمثالها، أو: إن لك مثل عشَرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخَر بي أو: أتضحك بي وأنت الملِك؟!))، قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحِك حتى بدَتْ نواجذُه، فكان يقال: هذا أدنى أهل الجنَّة منزلًا؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 3501).
(19) استمتاع أهل الجنَّة برؤية وجه الله تعالى:
قال سبحانه: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23].
روى مسلمٌ عن صهيبٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل أهل الجنَّة الجنَّة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أَزيدكم؟! فيقولون: ألم تُبيِّضْ وجوهنا؟! ألم تُدخِلْنا الجنَّة وتنجِنا من النار؟! قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل))؛ (مسلم حديث 181).
(20) خلود أهل الجنَّة في النعيم:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108].
روى مسلمٌ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ينادي منادٍ: إن لكم أن تَصِحُّوا فلا تَسقَموا أبدًا، وإن لكم أن تَحْيَوْا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تَشِبُّوا فلا تَهْرَموا أبدًا، وإن لكم أن تنعَموا فلا تَبْأَسُوا أبدًا؛ فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43]))؛ (مسلم حديث 2837).
روى الطبراني عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((النومُ أخو الموت، ولا ينام أهلُ الجنَّة))؛ (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة للألباني حديث 1087).
روى الشيخان عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنَّة: يا أهل الجنَّة، فيقولون: لبيك ربَّنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟! فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتَنا ما لم تعطِ أحدًا من خَلْقك؟! فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك؟! فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني؛ فلا أسخَطُ عليكم بعده أبدًا))؛ (البخاري حديث 6549 / مسلم حديث 2829).
(21) أفضل نساء أهل الجنَّة:
روى أحمدُ عن ابن عباسٍ قال: خطَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوطٍ، قال: ((أتدرون ما هذا؟!))، قالوا: اللهُ ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل نساء أهل الجنَّة: خديجةُ بنت خُويلدٍ، وفاطمة بنت محمدٍ، ومريم بنت عمران، وآسيةُ بنت مُزاحمٍ، امرأةُ فرعون))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث 1135).
(22) نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أول مَن يدخل الجنَّة:
روى مسلمٌ عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آتي باب الجنَّة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: مَن أنت؟ فأقول: محمدٌ، فيقول: بك أُمِرْتُ، لا أفتح لأحدٍ قبلك))؛ (مسلم – كتاب الإيمان حديث 333).
(23) أمتنا الإسلامية أكثر أهل الجنَّة عددًا:
روى الترمذي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أهل الجنَّة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون مِن سائر الأمم))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني 2065).
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجمعنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى من الجنَّة، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالَمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
-السوسنة