الجهاد في الإسلام

الأربعاء 25 ذو القعدة 1436//9 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
ياسر تاج الدين حامد
الجهاد في الإسلام
الجهاد في اصطلاح العربية – كما جاء في “لسان العرب” لابن منظور- هو: “استفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أَو فعل”[1]، فهو لا يقف عند “الفعل” فضلًا عن أن يكون هذا “الفعل” فقط هو “الفعل العنيف” – الحرب – دون سواه.

والجهاد في الاصطلاح القرآني “هو بذل الوسع في المدافعة والمغالبة” في كل ميادين المدافعة والمغالبة.. أي في كل ميادين الحياة.. وليس فقط في ميادين القتال… “وأكثر ما ورد الجهاد في القرآن الكريم ورد مرادًا به بذل الوسع في نشر الدعوة الإسلامية والدفاع عنها”[2]، وسبيل الدعوة الإسلامية هو الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.. وليس بالقتال والإكراه والحرب الدينية المقدسة.. فميادين الجهاد الإسلامي الأكبر والأعظم والأغلب هي عوالم الأفكار والحوار… وكذلك جاء تعريف الجهاد “بالدعاء إلى الدين الحق” في الكثير من موسوعات المصطلحات في تراث حضارة الإسلام[3].

فبذل الوسع واستفراغ الطاقة والجهد في ميادين العلم والتعلُّم والتعليم هو جهاد، وبذل الوسع واستفراغ الطاقة والجهد في عمران الأرض – نهوضًا بأمانة الاستخلاف الإلهي للإنسان- هو الجهاد.. بل إن الرفق بالإنسان والحيوان والنبات والجماد – الطبيعة – هو جهاد.. وكذلك البر والإحسان إلى الوالدين والأقربين وأولى الأرحام هو جهاد.. كما أن الخشية لله ومراقبته وتقواه والتبتل إليه – سبحانه وتعالى – هي قمة من قمم الجهاد الذى فرضه الإسلام… ولهذه الحقيقة – حقيقة عموم الجهاد في كل ميادين الحياة، وليس اختزاله فقط في القتال – قَسَّمَ الراغب الأصفهاني (502هـ 1108م) “الجهاد” إلى ثلاثة أضرُب:
1- مجاهدة العدو الظاهر.
2- ومجاهدة الشيطان.
3- ومجاهدة النفس.

وتدخل ثلاثتها في قوله – تعالى -: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78]، وقوله: ﴿ وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 41]، وقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [الأنفال: 72].

اقرأ أيضا  صرخ الأقصى فهل من مغيث؟

وإن كان القرآن ذكر الجهاد، فإن الموضع الوحيد الذى وصف فيه “الجهاد” بـ: (الكبير) -في القرآن الكريم -كان حديثًا عن الجهاد بالقرآن -أي بالفهم والوعى والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة – وليس حديثًا عن القتال باللسان: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52].

بل لقد جعلت السنة النبوية -وهى البيان النبوي للبلاغ القرآني – من أفعال القلوب -وليس فقط الأيدي والألسنة- ميدانًا من ميادين الجهاد الإسلامي… فعن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- أن رسول الله قال: “ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا من أمتّه حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل”[4].

كذلك جعلت السنة النبوية العلم والتعلم قرينًا مساويًا للجهاد في سبيل الله فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيرًا أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله”[5]، وفى الحديث كذلك أن “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله”[6]، وكذلك بر الوالدين، هو ميدان من ميادين الجهاد الإسلامي، فعندما جاء رجل إلى النبي يستأذنه في الجهاد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أحيٌّ والداك”؟ قال: نعم، قال رسول الله: “ففيهما فجاهد”[7].

وكذلك الحال مع حراسة النفس من الشيطان، يعدها الإسلام ميدانًا من ميادين الجهاد… فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فالمجاهد من جاهد نفسه في الله – عز وجل -“[8]، وجعلت السنة النبوية الحج إلى بيت الله الحرام ميدانًا من ميادين الجهاد الإسلامي -وفيه التجرد من الدنيا وقوتّها، بل وزينتها، والتعايش السلمى حتى مع الهوام وكل أنواع الحيوانات والنباتات-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحج جهاد والعمرة تطوُّع”[9].

اقرأ أيضا  غزة.. أطفال يضيئون الشموع حدادا على قرنائهم

تلك هي حقيقة الجهاد الإسلامي، الذى هو بذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة، في أي ميدان من ميادين الحياة، على امتداد هذه الميادين واتساعها وتنوعها، إن الجهاد الإسلامي ليس حربًا دينية مقدسة، لأن الإسلام ينكر ويستنكر أي حرب دينية، فالإيمان الإسلامي: تصديق قلبي يبلغ مرتبة اليقين… وهو سر بين المؤمن وبين خالقه، لا يتأتى إلا بالفهم والعلم والإقناع والاقتناع، ولا يمكن أن يكون ثمرة لأى لون من ألوان الإكراه – فضلًا عن أن يكون هذا الإكراه عنفًا قتاليًا – ولذلك فقد قرر القرآن الكريم القاعدة المحكمة والحاكمة:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]، والتي لا تعنى فقط “النهى” عن الإكراه في الدين، وإنما تعنى – أيضًا – “نفى” أن يكون هناك دين أو تدين عن طريق الإكراه!… إذ الإكراه يثمر “نفاقًا” – وهو أخطر من “الشرك” الصراع و”الكفر” البواح -… ولا يمكن أن يثمر “إيمانًا” بحال من الأحوال.. ولذلك شاعت في القرآن الكريم الآيات التي تقول للمخالفين: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6]، ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ ]الكهف: 29]، والتي تحدِّد مهمة الرسالة في الاعتقاد: ﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [المائدة: 99]، ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 21- 22]، ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾ [ق: 45]، ﴿ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 107].

وإذا كان الخلط بين الجهاد الإسلامي وبين الحرب الدينية المقدسة هو أثرًا من أثار سوء الفهم للإسلام، أو سوء النية في تصوير الإسلام… فإن هناك خطأ آخر يقع فيه الذين يختزلون الجهاد الإسلامي في القتال الذى تحدث عنه القرآن الكريم، ومارسه المسلمون في عصر النبوة، وعلى امتداد تاريخ الإسلام [10]، وذلك أن الجهاد الإسلامي- الذى هو فريضة إسلامية – أعم من القتال- الذى شرعه الإسلام – فكل قتال جهاد وليس كل جهاد قتالًا… إذ القتال هو الجانب العنيف من الجهاد، وليس كل الجهاد!

اقرأ أيضا  العشر الأواخر من رمضان

ولقد أدرك حقيقة مغايرة الجهاد الإسلامي للحرب الدينية المقدسة نفر من علماء الغرب، الذين تحلوا بالموضوعية والعمق والإخلاص في دراساتهم للإسلام.. ومن هؤلاء العلماء كانت المستشرقة الألمانية الدكتورة (زيجريد هونكه) التي كتبت عنه فقالت: “إن الجهاد الإسلامي ليس هو ما نطلق عليه – ببساطة – مصطلح الحرب المقدسة، فالجهاد ” هو كل سعى مبذول، وكل اجتهاد مقبول، وكل تثبيت للإسلام في أنفسنا، حتى نتمكن في هذه الحياة الدنيا من خوض الصراع اليومي المتجدد أبدًا ضد القوى الأمارة بالسوء في أنفسنا وفى البيئة المحيطة بنا عالميًّا، فالجهاد هو المنبع الذى لا ينقص، والذى ينهل منه المسلم مستمدًا الطاقة التي تؤهله لتحمُّل مسؤوليته، خاضعًا لإرادة الله عن وعي ويقين، إن الجهاد بمثابة التأهب اليقظ الدائم للأمة الإسلامية، من نظام اجتماعي إسلامي في ديار الإسلام” [11].

وتلك هي حقيقة الجهاد الذى فرضه الله – سبحانه وتعالى – وجعله ذروة سنام الإسلام… والذى يكون جهادًا كبيرًا عندما يكون فقهًا ووعيًا وحوارًا بالحكمة والموعظة الحسنة، انطلاقًا من القرآن الكريم: ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52].

________________________________________
[1] لسان العرب / ابن منظور (كلمة: جهد).
[2] هذا هو الإسلام ج2 ص 51/ د. محمد عمارة ( طبعة مكتبة الشروق) – نقلًا عن (معجم ألفاظ القرآن الكريم/ مجمع اللغة العربية).
[3] هذا هو الإسلام ج2- نقلًا عن ( التعريفات /الجرجاني).
[4] رواه مسلم.
[5] متفق عليه.
[6] متفق عليه.
[7] متفق عليه
[8] رواه الترمذي والإمام أحمد.
[9] رواه ابن ماجه.
[10] هذا هو الإسلام ج2 ص 51.
[11] المرجع السابق. ص56.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.