الرابح والخاسر من محاولة الانقلاب في تركيا

أحمد الصباحي

الأحد، 12 شوال 1437/ 17 يوليو/ تموز 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

ليلة السبت الفائت كانت أنظار أغلب الناس خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط متوجهة نحو كاميرات البث المباشر من وسط ميدان تقسيم في اسطنبول وميادين العاصمة التركية أنقرة بعد إعلان محاولة الانقلاب على الرئيس أردوغان وحكومته.

يعرف الكثير من الناس أهمية تركيا ومواقفها في الكثير من الأصعدة الدولية ويعلمون مدى قيمة بقاء نظام آمن وقوي وخطورة انهيار الأمر وتسرب العنف في دولة تركيا العظمى التي بدأت تنافس على مستويات متعددة في السباق العالمي، ولذلك تسمرت أعين الناس وهم يتابعون لحظات عصيبة عاشها الأتراك والعرب وغير العرب كادت أن تودي بنظام الحكم في تركيا، وبالتالي تغيير قواعد التعامل مع الكثير من الملفات العربية والمنطقة.

وبعيدا عن الخوض عن مسببات هذه الحركة الانقلابية وخطورتها، فقد أصبح الوضع الآن أكثر أماناً وعادت الأمور إلى طبيعتها، وبالتالي من الجيد خوض النقاش في معرفة الاستفادة من سياق هذه المحاولة ومن هي الأطراف الرابحة والخاسرة من هذه المحاولة.

اقرأ أيضا  الاتحاد الأوروبي : 710 ألف مهاجر غير شرعي في أروبا منذ بداية العام

ولعل الرابح الأول في هذه المعركة الخاطفة كان الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أثبت قدرة خرافية في إدارة الأزمة بمساعدة عدد من معاونيه من قادة الاستخبارات والجيش والأمن الموالين له، وأظهر ردة فعل سريعة أبطلت الانقلاب بظهوره على وسائل الإعلام وتحركاته السريعة لدعوة الشعب للنزول إلى الشارع لرفض الانقلاب.

الكثير كان يتحدث عن كثرة أعداء أردوغان من أنصار المعارضة وبعض الناقمين بسبب مساعيه لفرض النظام الرئاسي ومواقفه في القضية السورية وغيرها من القضايا الشائكة، لكن هذه المحاولة الانقلابية أعادت المجد لأردوغان وأتاحت له الفرصة لتصفية ما تراكمت عليه من محاولات انتقامية واتخاذ قرارات كان من الصعب اتخاذها قبل هذه المحاولة، وإعادة هيكلة الجيش بما يتوافق مع منهج وفكر الرجل لمنع تكرار هذه المحاولات التي تكررت أكثر من مرة، وقد بدأ ذلك واضحاً من خلال عزل قادة في الجيش والقضاء والإعلام الثلاثة المحاور التي لم يستطع أردوغان السيطرة عليها بشكل كامل حتى لحظة الانقلاب الفاشل.

اقرأ أيضا  118 جنرالا وأميرالا اعتُقلوا بتركيا

كما أن هذه المحاولة أعطت الشعب التركي درساً بالغاً في أهمية الحفاظ على المكاسب التي تحققت في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم، وقدمت لهم تجربة مريرة حول النتائج العكسية للانقلابات العسكرية وهو ما سيصب في خدمة أردوغان وحزبه كذلك.

ومما يشار إليه هنا أن التجربة السياسية في تركيا ستكون بالتأكيد الرابح الأكبر من فشل هذا الانقلاب خصوصاً إذا نظرنا لإيجابية موقف المعارضة التركية الرافض لفكرة الانقلاب العسكري من أول وهلة.

أما الخاسرون في هذا المحاولة فهم كثير، ليس أولهم الخصم اللدود لأردوغان وقائد ما يطلق عليه “الكيان الموازي” فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة، والمُتهم بتدبير الانقلاب على أردوغان، والذي قاد أكثر من محاولة سابقة ضد أردوغان وانتهت بالفشل.

وقد ظهر هذا الأمر واضحاً من خلال خطابات أردوغان المتكررة التي وجهت أصابع الاتهام نحو فتح الله كولن بضلوعه في هذا الانقلاب خصوصاً أن الرجل يملك تيار كبير موال له داخل القضاء والجيش والإعلام، وطالب الولايات المتحدة الأمريكية أن تسلم هذا الرجل إلى تركيا لكي يخضع للمحاكمة العادلة.

اقرأ أيضا  بين الانقلاب الناجح الفاشل

غير ذلك فعدد كبير من قيادات الجيش التركي والتي ضلعت في هذا التمرد ستكون خاسرة لا محالة وقد جاء الوقت المناسب لأردوغان لكي يتخذ القرار المناسب بحقها.

وهناك خاسرون أيضا، وهم أعداء أردوغان وأعداء تجربة حزب العدالة والتنمية الذين طُربوا للساعات الأولى من محاولة الانقلاب، وهم أحزاب وجماعات ودول عربية وغربية ووسائل إعلام كبرى لا تريد للتجربة التركية أن تنجح، ولا تريد لحزب العدالة والتنمية الإسلامي أن يقود هذه التجربة الناجحة.

المصدر : موقع مجلة البيان

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.