السبيل إلى الحج المبرور
السبت 21 ذو القعدة 1436//5 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أبو عاصم البركاتي المصري
السبيل إلى الحج المبرور
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فليس كل الناس يحج حجًا مبرورًا؛ إذ قد يعتري الحج ما يخرجه عن وصف البر؛ فمن الحج ما يجزئ عن صاحبه؛ ومنه ما يتحصل به الحاج على الثواب دون جزاء الحج المبرور؛ ومن الناس من يحج حجًا مبرورًا جزاؤه الجنة.
ذكر صفة البر للحج:
ورد وصف الحج بالبر في عدد من الأحاديث منها:
(1) ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”.
(2) وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال: “لكن أفضل الجهاد حج مبرور” رواه البخاري.
(3) وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بر الْحَجِّ ؟ قَالَ: الْعَج،وَالثَّج.[مصنف ابن أبي شيبة].
معنى المبرور:
قال القرطبي في المفهم (11/ 15):
المبرور: اسم الحج، المبرور: اسم مفعول من: بُرَّ، مبني لما لم يسم فاعله، فهو مبرور.
وبَرَّ: يتعدى بنفسه. يقال: برَّ الله حجَّك. ويُبنى لما لم يسم فاعله، فيقال: بُرَّ حجُّك، فهو مبرور. ولا معنى لقول من قال: إنه لا يتعدى إلا بحرف الجر. واختلف في معنى المبرور، فقيل: الذي لا يخالطه شيء من المأثم. وقيل: المتقبَّل. وقيل: الذي لا رياء فيه، ولا سُمْعَة.
قلت: وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى. وهو: أنه الحج الذي وفيت أحكامه، ووقع موافقًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل. والله تعالى أعلم.
وقوله: “ليس له جزاء إلا الجنة”؛ يعني: أنه لا يقتصر فيه على مغفرة بعض الذنوب، بل لا بُدَّ لصاحبه من الجنة بسببه. والله تعالى أعلم. انتهى.
وقال ابن الجوزي:
“حج مبرور” وقد جاء في حديث آخر أنه قال: “الحج المبرور ليس له ثواب دون الجنة” قيل ما بره فقال “العج والثج” والعج رفع الصوت بالتلبية والثج نحر الإبل وغيرها وأن يثج دمها وهو سيلان الدم فعلى هذا يكون معنى المبرور الذي قد أقيمت فروضه وسننه وفي حديث جابر قيل: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: “إطعام الطعام وإفشاء السلام” فيكون المراد على هذا فعل البر في الحج وقيل المبرور المقبول. انتهى. [كشف المشكل].
وقال ابن حجر العسقلاني:
قال ابن خالويه: المبرور المقبول؛ وقال غيره: الذي لا يخالطه شيء من الإثم ورجحه النووي؛ وقال القرطبي: الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى؛ وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل. والله أعلم [ فتح الباري 3 /382].
وقال البغوي في شرح السنة (7 /6):
قيل: الحج المبرور: هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم، والبيع المبرور:الذي لا خيانة فيه ولا شبهة.
شروط الحج المبرور:
الشرط الأول: أن يكون الحج خالصًا لله تعالى. لقوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ (البقرة: 196).
الشرط الثاني: أن يكون موافقًا لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم.
لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّى لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ” [مسلم وأحمد].
الشرط الثالث: أن يكون الحج بنفقة المال الحلال. لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا” رواه مسلم.
ولقوله – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ… الحديث” متفق عليه.
الشرط الرابع: أن يكون خاليًا من الجدال والرفث والفسوق.
لقوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”متفق عليه.
الشرط الخامس: أن يخلو من خوارم المروءة ويشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات. ومن ذلك عدم الإيذاء بالمزاحمة؛ والإفساح للضعيف والمرأة ونحوه.
وأخرج أحْمَدُ وَالْحَاكِمِمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: “قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ” وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
فالحج المبرور هو الذي اجتمعت فيه أمور:… الأمر الثاني: أن يكون خالصًا لله بأن لا يحمل الإنسان على الحج إلا ابتغاء رضوان الله والتقرب إليه سبحانه وتعالى لا يريد رياءً ولا سمعة ولا أن يقول الناس فلان حج وإنما يريد وجه الله.
الثالث: أن يكون الحج على صفة حج النبي – صلى الله عليه وسلم – يعني أن يتبع الإنسان فيه الرسول – صلى الله عليه وسلم – ما استطاع.
الرابع: أن يكون من مال مباح ليس حرامًا بأن لا يكون ربا ولا من غش ولا من ميسر ولا غير ذلك من أنواع المفاسد المحرمة بل يكون من مال حلال ولهذا قال بعضهم:
إذا حججت بمال أصله سحت
فما حججت ولكن حجت العير
يعني الإبل حجت أما أنت فما حججت؛ لماذا؟ لأن مالك حرامًا.
الخامس: أن يجتنب فيه الرفث والفسوق والجدال لقول الله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197] فيجتنب الرفث وهو الجماع ودواعيه ويجتنب الفسوق سواء كان في القول المحرم كالغيبة النميمة والكذب أو الفعل كالنظر إلى النساء وما أشبه ذلك لابد أن يكون قد تجنب فيه الرفث والفسوق، والجدال: المجادلة والمنازعة بين الناس في الحج هذه تنقص الحج كثيرًا، اللهم إلا جدالا يراد به إثبات الحق؛ وإبطال الباطل فهذا واجب فلو جاء إنسان مبتدع يجادل والإنسان محرم فإنه لا يتركه بل يجادله ويبين الحق لأن الله أمر بذلك ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125] لكن الجدال من غير داع؛ يتشاحنون أيهم يتقدم أو عند رمي الجمرات أو عند المطار أو ما أشبه ذلك هذا كله مما ينقص الحج فلابد من ترك الجدال فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
ومن حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه أي رجع من الذنوب نقيًا لا ذنوب عليه كيوم ولدته أمه.انتهى [شرح رياض الصالحين/ كتاب الحج].
والله وحده من وراء القصد
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
الألوكة