السديس: أمتنا المسلمة تمر بظروف صعبة من تاريخها تلتزم منا تضامناً لمواجهتها
الثلاثاء 11 ذو الحجة 1437/ 13 سبتمبر/ أيلول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.
مكة
أدى حجاج بيت الله الحرام صلاتي الظهر والعصر بمسجد نمرة بعرفات جمعا وقصرا وتقدم المصلين مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل وسماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ.
رجال الأمن يبذلون جهوداً للحفاظ على الحرمين نسأل الله أن يسددهم في القول والعمل
ألقى الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، خطبة عرفة استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر، وأوصى المسلمين وحجاج بيت الله الحرام بتقوى الله، وقال “عليك بتقوى الله في كل أمره تجد غبها يوم الحساب المطول ولا خير في طول الحياة وعيشها إذا أنت منها بالتقى لم ترحل”.
حذر الشباب من الطرق الموصلة إلى تفريق الصف واختلاف الكلمة وتمزيق الشمل
وأشار إلى أن الله شرف الإنسان وأكرمه في استخلافه في الأرض كما قال تعالى: “إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً”، مبينا أن هذا الاستخلاف قائم على أساس الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحقيق العدل بين الناس حيث أرسل الله الرسل تترى لأداء هذه المهمة العظيمة وإقامة الحجة على الناس رسل مبشرين ومنذرين لأن لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وأيدهم ربهم بالآيات البينات الدالة على صدقهم مستدلا بقول الله تعالى ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ” ثم بعث الله إلى البشرية سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد ادم إمام الأنبياء وخاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام كما قال جل شأنه ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا *”.
إصلاح مجتمعاتنا وحفظ أمن أمتنا ووحدتها وصيانة مقدراتها منوط بتعاون الشعوب مع قادتهم
وقال: “بعث بدين الإسلام الذي أنار للناس طريقهم وأرشدهم لحقيقة التقوى والتوحيد الخالص وأنقذهم الله به من براثن الشرك وظلماته وحررهم من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق جل وعلى وفتح لهم طريق الهداية وسبل الرشاد لكي يتجهوا إلى خالقهم سبحانه ويحقق الغاية الكبرى ويمتثلوا من الحكمة العظمى من خلقهم “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ”، “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ” وهذا دليل على أهمية التوحيد وأنه حق الله على العبيد، من أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب فلوحد كن واحدا في واحد اعني سبيل الحق والإيمان
الإسلام انفرد بنظامه الاقتصادي المتميز الذي راعى فيه بين حاجات الناس البشرية ومتطلباتهم
ولفت الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس إلى أن الإسلام جاء بدين الحق الذي لا يجوز أن يرتاب فيه مسلم وهو الدين الذي لا يقبل الله دينا غيره مستدلا بقوه الله عز وجل «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»، مشيرا إلى أن نبي الأمة عليه الصلاة والسلام جاء ليحث الناس على الخير والصلاح والنجاة والفلاح
وقال: “حجاج بيت الله الحرام لقد وقف نبيكم صلى الله عليه وسلم هذا الموقف العظيم وخطب عليه الصلاة والسلام في مثل هذا الموقف خطبة عظيمة أرسى فيها قواعد الإسلام وهدم مبادئ الجاهلية وعظم حرمات المسلمين، خطب الناس وودعهم بعد أن استقر التشريع وكمل الدين وتمت النعمة ورضي الله هذا الإسلام دينا للإنسانية كلها «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا»”.
ديننا دعا إلى البناء والتنمية والأخذ بكل أسباب التقدم والتطور وجمع بين الأصالة والمعاصرة
وأضاف: “لقد ألقى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في هذا اليوم المبارك كلمات جامعة موجزة ترسخ المبادئ الكبرى لهذا الدين فثبت عليه الصلاة والسلام في نفوس المسلمين أصول الديانة وقواعد الشريعة ونبه بالقضايا الكبرى على الجزئيات الصغرى، لقد جاهد عليه الصلاة والسلام من أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور لتولد بإذن ربه أمة جديدة ذات أهداف واضحة ومبادئ سامية فهداهم من ظلال وجمعهم بعد فرقهم وعلمهم بعد جهل.
العدل قاعدة الشرع الحميدة وهو الميزان المستقيم وهو رسالة المرسلين وأمر رب العالمين
وأشار إلى أن رسول الهدى محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم أعلن في خطبة الوداع حقوق الإنسان وحدد معالم الحريات وأسس منطلقات الكرامة الإنسانية لبني البشر حيث قال عليه الصلاة والسلام “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا”.
وأبان أن الإسلام حفظ للإنسان ضرورياته الخمس التي لا تقوم الحياة إلا بها فحرم الاعتداء على دينه ونفسه وماله وعرضه وعقله وذلك ليعيش آمنا مطمئنا يعمل لدنياه وآخرته ويعيش المجتمع كله في تماسك كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ليصلح بذلك حال الناس وتستقيم أمورهم، كما أوصى عليه أفضل الصلاة والتسليم في خطبته العظيمة بالمرأة المسلمة خيرا وأبان حقوقها وواجباتها وما لها وما عليها.
الإرهاب آفة عم شره لا ينسب إلى أمة أو دين أو ثقافة أو وطن أو تلصق تهمته بالإسلام
وقال: “لقد بيُن الإسلام أن الناس متساوون في التكاليف حقوقا وواجبات لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى لا تفاضل بالنسب ولا تمايز في لون كما قال عليه الصلاة والسلام ” يا أيها الناس إن ربكم واحد وأن أباكم واحد كلكم لأدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله اتقاكم ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى.
وأكد أن الإسلام انفرد بنظامه الاقتصادي المتميز الذي راعى فيه بين حاجات الناس البشرية ومتطلباتهم الفطرية بتوازن ليس له نظير كما قال الله سبحانه وتعالى «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»، مشيرًا إلى أن الإسلام وضع أسساً واضحة المعالم للتعاملات المالية القائمة على الصدق والعدل والإحسان والناهية عن الظلم والجهل والغرر والغش والخداع، قال عليه الصلاة والسلام ” البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما” وقال عليه الصلاة والسلام “من غشنا فليس منا”.
على الشباب أن يحذروا من كل طريق يوصل إلى تفريق الصف واختلاف الكلمة وتمزيق الشمل
وقال “إن الإسلام حرم الربا ونهى عن أكل أموال الناس بالباطل، موضحاً أن لقاعدة التكافل الإسلامي مكانة بارزة في المجتمع المسلم فهو لا يقف عند النفع المادي بل يتعداه إلى جميع حاجات المجتمع أفرادًا وجماعات مادية كانت تلك الحاجات أو معنوية، قال تعالى «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» كما قال سبحانه تعالى «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»، مبينًا أن دائرة هذا التكافل تتسع لتشمل بني البشر جميعاً كما قال جل شأنه في كتابه الكريم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».
واستطرد: “إن الإسلام يشمل أوجه البر والخير كلها، وحث على بر الوالدين والإحسان إليهما، ونهى عن قطيعة الرحم وجاء الوعيد الشديد على ذلك، وحث على حق الجوار والجار ذي القربى والجار الجنب كما قال صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره”، وحفظ الإسلام النفوس وصان الدماء وجعل من ذلك قضية من أخطر القضايا فنهى الإسلام عن الثارات وعالج كل ما يطرأ بين الأفراد من مشكلات بحدود وأشكال شرعية واضحات ومحكمات مسلمات تردع المجرمين وتأخذ على أيدي المفسدين وتقيم العدل في الأرض وأمرهم بالالتزام بتلك الأحكام العظيمة
ولفت إلى أن الإسلام جاء بالمنهج الوسط القائم على حفظ المصالح ودرء المفاسد، ودعا إلى البناء والتنمية والأخذ بكل أسباب التقدم والتطور وجمع بين الأصالة والمعاصرة، ونهى عن كل مسالك الفساد والإفساد وجعل مصالح الأمة العليا فوق كل اعتبار ورتب الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على من تجاوز تلك المصالح أو عبث بأمن الأمة واستقرارها ومقدراتها ومكتسباتها، ونهى عن التعدي عليها.
ووجه نداء إلى قادة الأمة الإسلامية وشعوبها قائلاً: “إن أمتنا المسلمة اليوم تمر بظروف صعبة من تاريخها تلتزم منا شعوبًا وقادة في دول العالم الإسلامي تضامناً في قلوبنا ومشاعرنا وتنسيقاً في مواقفنا وتصوراتنا وتكاملاً في جهودنا لمواجهة مشكلاتنا وقضايانا، وعلى رأسها قضية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك ومأساة إخواننا في بلاد الشام والعراق واليمن وغيرها، وإننا أحوج ما نكون للحوار طريقاً لمناقشة قضايانا والتناصح بالخير سبيلاً لتعزيز أخوتنا، وإن علينا أن ندرك أن إصلاح مجتمعاتنا وحفظ أمن أمتنا ووحدتها وصيانة مقدراتها منوط بتعاون الشعوب مع قادتهم والرعايا مع رعاتهم وبالالتفاف حولهم”.
وأضاف: “على القادة المسلمين أن يستشعروا عظم الأمانة والمسؤولية وأن عليهم معالجة كل ما يطرأ من مسببات الفرقة والاختلاف بالاحتواء والحوار والانصاف ورفع الظلم عن المظلومين”، لافتاً إلى أن العدل قاعدة الشرع الحميدة وهو الميزان المستقيم وهو رسالة المرسلين وأمر رب العالمين، مؤكدا أن الإسلام أرسى قيمة العدل في كل نظمه وتشريعاته لأنه فيه قوام البشرية وصلاحها وسعادتها وفيه خيرها وهدايتها وفلاحها، وبالعدل يكثر الخير ويعم النماء وتطمئن نفوس الخلق وتستقر أحوال الناس.
وأفاد بأن الإسلام جاء بإعزاز شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال سبحانه وتعالى «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ»، لافتًا النظر إلى أن الإسلام دين المعاملة ودين الإنصاف والرحمة ودين السلوك القويم والتصرف الراشد السليم، وأن الإسلام انتشر من خلال المعاملة الحسنة المتمثلة في القيم التي أسسها الإسلام واتصف بها أبناؤه من العدل والإحسان والصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، منبها إلى أن القدوة الصالحة الحسنة أمر بالغ الأهمية في بناء الإسلام الأخلاقي ومنطلقاته السلوكية.
وقال: “لقد رأى الناس نبيكم محمداً عليه الصلاة والسلام وهو بشر مثلهم تتمثل فيه هذه الصفات كلها فيصدقون هذه المبادئ الحية وتتحرك بذلك لها نفوسهم وتهفوا لها مشاعرهم ويتمثلونها واقعاً لحياتهم فكان عليه الصلاة والسلام خير قدوة ومعلم ومربي، قال تعالى «كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»”.
ووجه الخطاب للشباب المسلم فقال “إن من عظيم ما أبتلي به العالم في عصرنا هذا صوراً من الإفساد في الأرض متمثلة في آفة الإرهاب الذي عم شره أممًا شتى وأعراقاً مختلفة ومذاهب متعددة لا يمكن أن ينسب إلى أمه أو دين أو ثقافة أو وطن أو تلصق تهمة الإرهاب بالإسلام، ومن ذلك ما ابتليت به أمة الإسلام من بعض أبنائها وشبابها الذين أغوتهم الشياطين وتنكروا الصراط المستقيم فصرفتهم عن منهج الإسلام المعتدل فسارعوا إلى التكفير الذي هو وبيل العاقبة، ومما تتصدع القلوب المؤمنة وتفزع منه النفوس المسلمة، لقد كفروا المسلمين واستباحوا دماءهم المعصومة وخفروا الذمم المحرمة وسعوا في الأرض بالفساد تدميراً وتفجيراً وقتلاً للأبرياء وترويع للأمنيين من المسلمين وغير المسلمين وصموا أذانهم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع علماء الأمة التي تحرم هذه الأعمال الخبيثة والأعمال المنكرة.
ونبه الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي شباب الإسلام إلى أن عليهم مسؤولية عظيمة فهم عماد الأمة ومستقبلها، محذرهم من كل طريق يوصل إلى تفريق الصف واختلاف الكلمة وتمزيق الشمل، وقال: “اعلموا أن عوامل الزيغ والضلال في الأمة هي الطامة العظمى، والبلية الكبرى التسارع في تكفير أهل القبلة، لقد حذر نبيكم صلى الله عليه وسلم بأعظم الزواجر وأبلغ المواعظ من ذلك الإثم العظيم”.
ودعا شباب الإسلام إلى إحاطة أنفسهم بتقوى الله في كل حين وبسلاح العلم والمعرفة والرجوع إلى علماء الأمة والأخذ عنهم بالأدلة والبراهين الواضحة , وأن المؤمل فيهم عظيم وأن يظهروا للعالم محاسن دينهم وسماحته ورحمته وأخلاقه، حثاهم بأن يكونوا خير أمة وأن يستغلوا أوقاتهم وأن يوجهوا طاقاتهم إلى ما فيه خير الأمة وعز الإسلام ونفع دنياهم وأخراهم.
ووجه الخطاب إلى المربين، قال: “أيها المربون إن الأخلاق الكريمة هي جوهر الرسالات السماوية وهي من مقاصد بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام، كما قال الله سبحانه وتعالى «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ»، وأثنى الله جل وعلى في كتابه عليه نبيه الكريم فقال «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، والإسلام جعل من أولوياته تزكية النفوس وتهذيبها والرقي بها إلى أعلى درجات الفضيلة، ولذا كانت تربية النفس على تلك الأخلاق القويمة هو منهج الإسلام وهو سبب لنجاتها من عذابها «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا»، وسبب للخيرية ” خيركم أحسنكم أخلاقا”.
كما وجه الخطاب للأباء والمربين فقال “إن بعض مجتمعات المسلمين اليوم تعاني من افتكاك كبير بين قيمها وسلوكيات أفرادها على نحو ينذر بخطورة المرحلة وصعوبة التحديات ولهذا كان عليكم مسؤولية عظيمة في تربية النشء على فضائل الأخلاق ومكارمها خصوصا في هذا الزمن الذي كثرت فيه أسباب الشر والفتن وأضحت الحرب حرب أخلاق وقيم وفضائل”.
ثم خاطب علماء الإسلام قائلاً: “علماء الإسلام انتم ورثة الأنبياء وحملة الرسالة وعليكم التبعة تكونوا سببا في تفريق الأمة، أهدوهم إلى سبيل الرشاد تكلموا بالحق ولا تكلموا بالباطل بصروا الناس وأفتوهم بشرع الله من غير تساهل ولا تشدد فدين الله وسط «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»، خذوا الناس بالتيسير ورفع الحرج «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثم، كما خاطب فضيلته الدعاة وأبان لهم أن الدعوة إلى الله هي وظيفة الرسل والأنبياء وأن تكون دعوتهم على المنهج الصحيح بالعلم والبصيرة والإخلاص كما قال الله تعالى «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، وقال جل شأنه «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ» داعيا إلى أن يكونوا قدوة حسنة وأن يرفقوا بالمدعوين وأن تكن الحكمة والحوار بالحسنى وسيلتهم والعلم سلاحهم وتبصير الناس للحق ونفعهم هدفهم وغايتهم وتبصير الناس بالحق ونفعهم هدفهم وغايتهم، وأن يحذروا الحزبيات والتصنيفات والفرقة والانقسامات وأن يعتصموا بحبل الله جميعا وأن لا يتفرقوا ولا يتنازعوا فيفشلوا وتذهب ريحهم”.
اثر ذلك خاطب الرئيس العام لشؤون المسجد والحرام والمسجد النوبي رجال الإعلام وأرباب مواقع الاتصال بقوله “الله الله في تسخير الإعلام ووسائله ومواقعه في نصرة الدين والدفاع عن الإسلام وبيان محاسنه والتزام الكلمة والأمانة ومصداقية الحرف وأمانة الكلمة والتزام الحقيقة والموضوعية والبعد عن الإثارة والشائعات والبلبلة، اجعلوها تبني ولا تهدم وتجمع ولا تفرق وتقوي ولا تضعف حجاج بيت الله الحرام، إنكم في البلد الحرام فاستحضروا عظمته وحرمته فلقد اختص الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحرام بخصائص ليست لغيره فهم امن حرام إلى يوم القيامة ومن دخله كان آماناً وهي دعوة الخليل إبراهيم عليه السلام «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ».
وأضاف قائلا ” اختار الله لنبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال سبحانه «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»، فلبى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمده والنعمة لك والملك لا شريك لك، فلبى من بعده أنبياء الله ورسله وعباد الله المخلصون دعاهم فلبوه رضا ومحبة فلما دعوه كان اقرب منهم.
كما خاطب حجاج بيت الله الحرام وقال: “ها أنتم حجاج بيت الله الحرام قدمتم إلى بلد الله الأمين، وقد سُهلت لكم السبل وذللت أمامكم العقبات، فاشكروا الله على نعمه، واسألوه المزيد من فضله، هذا بيت الله الحرام آمن بأمان الله، وهذا البلد الأمين وحرام بتحريم الله، محذراً من الإخلال بأمنه، داعياً إلى تعظيم شعائره،» ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ»، محذرا فضيلته من تكدير صفو شعائر ومشاعر البلد الحرام، مستدلا بقول الله عز وجل «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»، مؤكداً في الوقت ذاته أن أمن الحرمين وسلامة الحجيج خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها برفع شعارات سياسية أو نعرات طائفية”.
وأشار إلى أن من فضل الله على هذه البلاد أن هيأ لها قيادة حكيمة تشرفت بخدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما، ووفرت منظومة متكاملة من الخدمات والتسهيلات وبذلت الغالي والنفيس لينعم قاصدوهما بالأمن والأمان ويؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة واطمئنان، سائلاً الله أن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -، عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ويبارك في مساعيه، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته، ويمده بالصحة والعافية، وأن يوفقه ونائبيه وأعوانهم لما يحبه ويرضاه.
وابتهل بالدعاء لكل من شارك في تسهيل وتيسير سبل الحج وأعان على توفير الراحة والطمأنينة للحجاج وأداء مناسكهم بكل يسر وسهولة، وفي مقدمتهم أمير الحج وأمير البلد الحرام، سائلاً الله أن يجزاه عن الحجاج خير الجزاء.
ونوه بجهود رجال الأمن البواسل، الذين يبذلون جهودًا عظمى في الحفاظ على أمن الحرمين الشريفين وأمن قاصديهما، والحفاظ على الثغور والحدود، داعياً الله أن يجزاهم خيراً ويبارك في جهودهم، وأن يسددهم في القول والعمل، وأن يجعل مساعيهم مساعي خير وصلاح، وأن يعظم أجورهم ومثوبتهم، مشيداً بجهود العاملين في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما والإفتاء، والعاملين في شؤون الدعوة والإرشاد والصحة وغيرها من المجالات كافة.
وقال: “حجاج بيت الله الحرام إن يومكم هذا يوم عظيم مبارك يقول صلى الله عليه وسلم ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ” وفي رواية ” انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبرًا أشهدكم أني قد غفرت لهم “، حاثاً على الاجتهاد فيه بالدعاء، كما قال صلى الله عليه وسلم ” خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير “.ودعا فضيلته الحجاج إلى أن يلتزموا بسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، في الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، ويصلوا بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً كما فعل صلى الله عليه وسلم، حيث قال ” خذوا عني مناسككم “، ثم أفيضوا إلى مزدلفة وصلوا بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، وارموا جمرة العقبة من بعد منتصف ليلة النحر، وبيتوا بمنى ليالي أيام التشريق وارموا الجمار في يومي الـ 11 والـ 12 لمن تعجل وفي اليوم الـ 13 لمن لم يتعجل وهو أفضل قال تعالى «وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى».
وأبان أن كل الليل محل لرمي الجمار بفضل الله ومنته، حاثًا الحجاج على الالتزام بالإرشادات والتوجيهات والأنظمة التي وضعتها الجهات المختصة في التفويج والتنقل بين المشاعر وفي أرجاء المناسك كلها وتجنب المزاحمة والإيذاء، والهدوء والسكينة، وتقوى الله في الجوارح والألسن والأقوال والأفعال وحثهم على الصبر والأمل والتفاؤل والاستبشار، محذرًا في الوقت نفسه الحجاج من اليأس والقنوط والإحباط، مؤكدًا أن دين الله منصور والله حافظ دينه وبلاده وعباده وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين كما قال في محكم تنزيله «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ».
وقال فضيلته ” إن من أفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم كثرة صلاتكم وسلامكم على النبي المصطفى والرسول المجتبى كما قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»
ودعا الله في ختام خطبته أن يعز الإسلام والمسلمين ويحمي حوزة الدين ويرفع كلمة الحق والدين ويسلم الحجاج والمعتمرين وأن يوفق الأمة الإسلامية إلى كل خير وأن يغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأن يؤلف بين قلوبهم ويصلح ذات بينهم ويهديهم سبل السلام وأن ينصرهم على عدوهم ويجنبهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
كما سأل الله أن يصلح الأئمة وولاة الأمر وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ونائبيه لكل خير وأن يجزيهم خيراً على ما قدموا للحرمين الشريفين وللمشاعر المقدسة ولحجاج بيت الله الحرام، وأن يجعل ذلك في موازين أعمالهم الصالحة.
ودعا الله أن يحفظ على هذه البلاد عقيدتها وقيادتها وأمنها ورخاءها واستقرارها وأن يوفق رجال الأمن وأن يجزيهم خيراً على ما يقومون به من الحفاظ على أمن الحرمين الشريفين وأمن حجاج بيت الله الحرام وأمن الثغور والحدود. وقال: “عباد الله إن من الوفاء الواجب الشكر والثناء لسماحة شيخنا ومفتينا الجليل وكبير علمائنا من وقف على هذا المنبر العظيم طيلة 35 عاماً موجهاً ومرشداً وناصحاً للأمة فجزاه الله خيرا وضاعف مثوبته وبارك في علمه وعمره وعمله، سائلا المولى عز وجل أن يحقن دماء المسلمين وأن ينصر المسلمين المضطهدين في دينهم في كل مكان، وأن ينصرهم في فلسطين وأن ينقذ المسجد الأقصى من المعتدين المحتلين وأن يجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين وأن يكون لإخواننا في بلاد الشام والعراق واليمن وفي أراكان وفي كل مكان.
- الرياض