الشرق الأوسط في العام الأول من عهد ترامب
أحمد فايق دلول
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 الموافق 26 يناير/ كانون الثاني 2017 وكالة معراج للأنباء الإسلامية
يعترف بعض الخبراء والمحللين السياسيين والنفسيين بأنَّهم لم يتمكنوا من التعرُّف بشكلٍ دقيقٍ على تفاصيل وخبايا شخصية ترامب ولم يتمكنوا من التنبؤ بسياسته الداخلية والخارجية إلا في حدود تصريحاته منذ بدء الدعاية الانتخابية وحتى خطاب تنصيبه على مقعد الرئاسة.
وفي خطاب تنصيبه؛ ألمح ترامب إلى معالم سياسته الداخلية والخارجية، حيث رفع شعار أمريكا أولاً، في إشارة منه إلى تغليب المصالح الأمريكية المحلية والتنمية الداخلية على الانطلاق نحو العالم، ولكن هذا الشعار تعارض مع مسألتين: الأولى تكمن في محاربة “الإرهاب” أو “التطرف الإسلامي”، لأنَّ هذا من شأنه سحب أقدام أمريكا لمزيد من الخسائر البشرية والمالية كما الحال في حربيها على أفغانستان والعراق. والثانية تكمن في توقيع ترامب على مرسومٍ تنفيذيٍ لإلغاء قانون “أوباما كير” بعد فترة وجيزة من دخوله البيت الأبيض.
اعتبر الجمهوريون في الكونغرس أنَّ إلغاء قانون الرعاية الصحية – الذي يقدم خدماتٍ صحيةَ لشريحةٍ كبيرةٍ من الأمريكان – يشكِّل أولويةً بالنسبة لهم، بينما كان دونالد ترامب، قد أكَّد أنَّ إلغاء القانون هو إحدى أولويات إدارته عندما سيتولى السلطة في وقت لاحق من الشهر.
إذا كان ترامب قد ارتكب خطأين على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ فهذا يفنِّد مزاعمه بأنَّ أمريكا ليست أولاً، ويوحي بأنَّ مصالح الجمهوريين أولاً، وهذا القول يتعزز من خلال النظر إلى التوليفة التي عيَّنها ترامب في مراكز صنع القرار داخل إدارته.
ومهما كانت الأمور، يبدو من خلال رصد التحليلات السياسية بخصوص سياسة ترامب الخارجية تجاه الشرق الأوسط أنَّه مقبل على جملة من الأمور، نستعرضها على النحو التالي:
. تعطيل الدولة الفلسطينية ونقل السفارة إلى القدس:
لم ينفك ترامب عن الحديث عن نيته نقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وأغلب التحليلات أشارت إلى ثلاثة سيناريوها: أولها أن تلك كانت مجرد تصريحات لكسب التعاطف اليهودي، ومع تأكيده على هذا الأمر أكثر من مرة ننتقل إلى السيناريو الثاني الذي يقول باحتمالية المجازفة ونقل السفارة، ثم ننتقل إلى السيناريو الثالث القائل باحتمال نقل بيت ومكتب السفير، والحالتان الأُخيرتان هما نفس الشيء تقريباً. ولا يبدو في الأفق أنَّ أحداً من العرب سيتمكن من منع ترامب من نقل السفارة أو مكتب السفير، ولعل قرار مجلس الأمن 2334 قد منح دولة الصهاينة الحق في القدس “الغربية” ودعاها إلى إنهاء الاحتلال عام 1967م، أي يكون ترامب قد نقل السفارة إلى منطقة هي من “حق إسرائيل” وفق القانون الدولي، وستحاول الدول العربية تبرير موقفها ببعض بنود القرار.
ولا يُخفي ترامب توجهاته السياسية تجاه القضية الفلسطينية، فهو لا يعترف أساساً بوجود قضية فلسطينية، ويُعتبر مجيئه إلى الحل بمثابة استحالة التوصل لحل الدولتين أو حتى الدولة ثنائية القومية، ولا يوجد في قاموسه سوى دولة “إسرائيل” كدولة يهودية خالصة، وهذا من شأنه تقويض عملية “السلام”، لكن من غير المستبعد أن يكون ترامب أكثر ذكاءً ويلعب بعامل الزمن كما فعل بوش وأوباما، ويطلب من الفلسطينيين الدخول في مفاوضاتٍ مباشرةٍ، ثم يقوم بتمديد مدتها إلى آجال مختلفة. وبالتأكيد سيكون الفيتو الأمريكي حاضراً على الدوام في مجلس الأمن أمام أي قرار يمسُّ أمن الصهاينة.
- محاربة الإرهاب الإسلامي:
يحاول ترامب لمَّ شمل كل الأطراف المعادية للإسلام من خلال التطرق إلى محاربة “الإرهاب” الذي وصفه بـ “الإسلامي”، وهذه الدعوة بحد ذاتها مدعاة لجلب دعم اليهود والنصارى بمختلف مذاهبهم الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية، وفي مختلف أماكن وجودهم من روسيا إلى بورما وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. وهذا أمرٌ متوقَعٌ وبقوة، ولكن أخطر ما في الأمر أنَّ بعض الدول العربية تطالب الآن بتشكيل تحالفٍ دوليٍ ضد الجماعات المتشددة في العالم العربي الإسلامي، وهو ما يعني أنَّ دولاً عربية تقف بجانب ترامب من أجل محاربة التطرف والإسلام “الراديكالي”.
محاربة “التطرف” من شأنه تعميق العلاقات الأمريكية مع بعض دول المنطقة العربية وشمال إفريقياً، وخاصة تلك الدول التي تمارس القمع والاضطهاد بحق المسلمين بحجة التطرف، مثل نيجيريا.
- الموقف من سوريا:
يعتقد ترامب أنَّ مصلحة الكيان الصهيوني تكمن في بقاء بشار الأسد على سدة الحكم لضمان استقرار الجولان السوري؛ ومن ثَمَّ لن يتعامل ترامب مع الملف السوري كما الحال بالنسبة لسلفه أوباما، بمعنى أنَّه لن يطالب بتنحي الأسد عن الحكم، ولعل هذا الموقف نفسه الموقف الروسي، ومن ثَمَّ يكون ترامب قد تقاطع مع بوتين في الموقف نفسه، هذا يقود إلى تعزيز العلاقات في ما بينهما. وفي مقابلة أجراها ترامب مع صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عقب فوزه، أكد أنَّه “لا يحب الأسد إطلاقاً،” مضيفاً أنَّ اصطفافه معه “سيحمي أمريكا” من شرر الحرب الدائرة هناك، وبالأخص من مواجهة حتمية مع روسيا. أمَّا بشار الأسد فقد اعتبر أنَّ ترامب سيكون حليفاً طبيعياً “إن التزم بموقفه المعادي للإرهاب الدولي”.
- العلاقة مع الخليج والسعودية:
كانت تصريحات ترامب إبان حملته الانتخابية حول السعودية عدائية لأبعد الحدود، وهذا كان مؤشراً على احتمالات توتر العلاقات بين البلدين، وخاصة أنَّ ترامب ينظر إلى السعودية من منظور المال والأعمال وليس من منظور ثقلها السياسي في المنطقة العربية، وربما تشهد العلاقات بين البلدين حالةً من التوتر، خاصة إذا ما شكَّل الملف السوري نقطة افتراض بينهما. ولعل التحالف الإسلامي الذي قادته السعودية بديلاً عن جامعة الدول العربية التي تعيش حالةً من الشيخوخة؛ سيجعل بعض الدول العربية المأزومة وفاقدة الشرعية تسارع في التوجه نحو التحالف مع ترامب ضد السعودية وكبديلٍ عنها.
وتتطلع أمريكا ترامب إلى دول الخليج وكأنها بقرة حلوب، وهذا يعني أنَّها ستتعامل مع الخليج من منطق الاستفزاز والابتزاز، وبالتأكيد ستنج في ذلك، علماً بأنَّ الدول التي تتخوف من إيران أو تعارض سياسة السعودية في المنطقة ستجد نفسها في صف ترامب.
- العلاقات مع تركيا:
من الصعب الكشف عن اتجاهات العلاقة بين تركيا وأمريكا، حيث إنَّ بعض المؤشرات تشير إلى أنَّها ذاهبةٌ نحو التحسن، وأُخرى تُشير إلى أنَّها ذاهبةٌ نحو التوتر. وبخصوص مؤشرات التحسن كانت تركيا تفضِّل فوز ترامب على كلينتون، وباتت تركيا أكثر تقارباً وتصالحاً مع إسرائيل، وكشفت عن احتمالات قبول الحل السلمي في سوريا مع بقاء الأسد، في حين أنَّها ترتبط بعلاقات استراتيجية مع روسيا التي ترتبط بعلاقات استراتيجية هي الأخرى مع ترامب. أما مؤشرات التوتر فلعل أبرزها؛ يوجه ترامب اتهامات لتركيا بإقامة علاقات مع تنظيم داعش، بجانب موقفه المتشدد من حلف الناتو الذي لا يلتزم بالمصالح الأمريكية وصيانتها حسب تصريحات ترامب.
- الموقف من إيران:
صحيحٌ أنَّ العلاقات الإيرانية الأمريكية الصهيونية السرية لا يشوبها أيُّ توتر، لكن لن تقبل الحكومة الصهيونية بوجود قوةٍ نوويةٍ أخرى في إقليم الشرق الأوسط، حيث لا يُشكِّل رادعاً بالنسبة للكيان الصهيوني إلا القوة النووية، وهذا يعني أنَّ الحكومة الصهيونية ربما تُقدم على ضرب إيران وشل قدراتها النووية أو العسكرية حتى وإن لم تصل إلى مرحلةٍ متقدمةٍ، ومن ثَمَّ ستجد إدارة ترامب نفسها في مواجهة مع إيران، على الأغلب من النواحي الاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية، وربما تتطور الأمور إلى الاشتباك العسكري، وربما تقتصر الأمور مع إيران على تعديل الاتفاق النووي 5+1 . ولكن ربما تواجه أمريكا ضغوطاً روسية لصالح إيران، ومن ثَمَّ تستفيد أمريكا من الأخيرة في إعادة إنتاجها كشرطي للخليج العربي أو صاحبة دور وظيفي لصالح أمريكا وروسيا معاً.
أخيراً: من المهم الإشارة إلى أنَّ الرئيس الأمريكي يمتلك 20% من صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الأمر مختلف بالنسبة لترامب الذي يتعاون مع الجمهوريين في التحكم بمراكز صناعة القرار في بلاده، وهذا مدعاة لأن يكون ترامب أكثر جديةً من أوباما من ناحية، وأكثر جديةً في تنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه مراراً وتكراراً.
المصدر : موقع مجلة البيان السعودية