الصراع الدولي يصبح أكثر وضوحا مع دخول الأزمة السورية عامها الثامن

دمشق (معراج) –  في السنوات السبع الماضية من عمر الازمة السورية، كانت القوات الإقليمية والدولية تتسابق ولو ظاهريا للقضاء على الإرهاب في هذا البلد الذي انهكته الحرب، قبيل هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العام الماضي في سوريا تمهيدا لإنهاء الأزمة فيها، لكن يبدو أن الصراع الدولي أخذ شكلا ومنحي مختلفا بعد ذلك.

واعتبر المحللون السياسيون في سوريا أن مسلحي تنظيم (داعش) عندما خسروا الكثير من مناطقهم ومعاقلهم بسوريا في أواخر العام الماضي، كان التفاؤل مرتفعا بين الناس في سوريا بأن الحرب التي طال أمدها يمكن أن تنتهي في وقت قريب بعد أن هزم الإرهاب إلى حد كبير في سوريا، وفق برناما.

ولكن هذا لم يحدث ببساطة، واتضح أن الوضع أكثر تعقيدا من مجرد هزيمة مجموعة إرهابية لإنهاء الأزمة التي ستدخل عامها الثامن في الشهر المقبل.

ويبدو أن الحرب السورية لم تعد تقتصر على صراع كلاسيكي بين المعارضة والحكومة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث أصبح الصراع بين اللاعبين الإقليميين والدوليين على أرض سورية أكثر وضوحا من أي وقت مضى.

ويتجلى هذا الصراع على أوسع نطاق في شمال سوريا بين تركيا والولايات المتحدة، وفي جنوب سوريا بين إسرائيل والقوات المتحالفة مع سوريا.

وازداد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا وحلفاء الناتو حول الوضع في شمال سوريا حيث تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف يضم قوى عربية وكردية.

وتعتبر تركيا القوات الكردية في شمال سوريا ارهابيين بسبب صلاتهم بحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يقاتل من اجل الحصول على الحكم الذاتي في جنوب شرق تركيا.

وشنت تركيا هجوما واسع النطاق على مدينة عفرين الذي يسيطر عليه الأكراد في شمال سوريا منذ نحو شهر تقريبا لإخراج وحدات حماية الشعب من تلك المنطقة بالقرب من الحدود التركية.

كما ذكرت انقرة انها تريد شن هجوم على منبج ، وهى منطقة اخرى يسيطر عليها الاكراد في شمال سوريا ولكن الولايات المتحدة لها وجود في تلك المنطقة.

وقال قائد القيادة المركزية الامريكية الجنرال جوزيف فوتل يوم 29 يناير الماضي إن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من منبج في سوريا على الرغم من التصريحات التركية لشن عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة هناك.

وتقول التقارير إن الولايات المتحدة الامريكية لديها حوالى الفى جندى منتشرين في شمالي سوريا.

وقال المحلل السياسي السوري ماهر احسان لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن “التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا لن يتطور بالتأكيد إلى حرب او مواجهة عسكرية بين القوتين، بيد ان التوتر سيقوض بالتأكيد الجهود الرامية إلى حل الازمة السورية”.

واضاف ان “توترهما حول الوضع في شمال سوريا سيزيد من تعقيد الحرب السورية المعقدة بالفعل”.

وفى يوم الجمعة الماضية، اجتمع وزير الخارجية الامريكى ريكس تيلرسون مع وزير الخارجية التركي ميفلوت كافوس اوغلو في تركيا في محاولة لايجاد سبل لنزع فتيل التوتر بين البلدين.

واوضح تيلرسون “اننا نقف جنبا إلى جنب مع تركيا ضد التهديدات الارهابية ونحيي شراكتنا مع تركيا”.

وعقب محادثات تيلرسون مع كافوس اوغلو والرئيس التركي رجب طيب اردوغان قال تيلرسون إن فريقا عاملا لمعالجة الخلافات سيجتمع فى منتصف مارس المقبل .

ولكن على الرغم من محاولة تجنب الانهيار التام للعلاقات على القضية الكردية، فإن مصالحهما متضاربة في سوريا، ويبدو أن كلا منهما لا يرغب في التخلي عن مصالحهما.

وقد دأبت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على دعم قوات سوريا الديمقراطية في معركتها في شمال سوريا، حيث أثبتت هذه المجموعة ووحدات حماية الشعب أنها حلفاء لواشنطن، على الأقل في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي أواخر العام الماضي، قام مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية التى تدعمها الولايات المتحدة بتحرير مدينة الرقة الشمالية من تنظيم (داعش)، حيث كانت المدينة العاصمة الفعلية لداعش.

كما تسيطر الجماعات التي يقودها الأكراد على بعض المناطق الغنية بالنفط على الضفة الشرقية لنهر الفرات في شمال سوريا.

وقال المحلل السياسي ماهر احسان “إنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة وقف دعمها او تحالفها مع الاكراد في تلك المنطقة لان الولايات المتحدة قد اقامت بالفعل مواقع عسكرية هناك ولا يبدو انها مستعدة لمغادرة البلاد فى وقت قريب”.

كما اشار الى ان انقرة لن تتراجع عن مطالبها بالقضاء على ما تعتبره تركيا تهديدا كرديا في شمالي سوريا لانها تخشى من ان تؤدي أي مشاعر انفصالية إلى إلهام 14 مليون كردي تركي.

واضاف ان الولايات المتحدة لن تعطى في الوقت نفسه مطالب تركية كاملة لانها تعمل ايضا لضمان مصالحها فى سوريا.

وقال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب القوات الحكومة السورية في سوريا يوم الجمعة في خطاب متلفز إن أحد اهداف الولايات المتحدة من خلال وجودها في سوريا هو حقول النفط والغاز في شمال شرق البلاد.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة قالت سابقا انها ستغادر عندما هزمت تنظيم الدولة الاسلامية، ولكن بعد هزيمة (داعش) ما تزال الولايات المتحدة هناك، ولا يبدو أنها مستعدة للانسحاب من سوريا في أي وقت قريب “.

وأضاف نصر الله إن ” الاحتلال الأمريكي للأراضي الواقعة شرق نهر الفرات ما يزال قائما، لأن هناك آبارا للنفط والغاز ” و أن أحد أسباب الصراع الدائر في سوريا هو النضال من أجل ثروتها الطبيعية.

ويبدو أن تواجد حزب الله، الحليف الرئيسي للحكومة السورية، والوجود الإيراني وتحالفه مع الحكومة السورية لدعم الحكومة السورية الحالية قد أثار التوتر مع إسرائيل التي أعربت مرارا وتكرارا أنها لن تتسامح مع أي نفوذ إيراني في سوريا وخاصة في المنطقة الجنوبية القريبة من حدودها.

وقد شن الإسرائيليون عدة غارات جوية وهجمات صاروخية على مواقع عسكرية سورية خلال الحرب التي طال أمدها بحجة أنها كانت تصيب أسلحة لحزب الله.

وكان الهجوم الأخير في 10 فبراير الجاري عندما شنت إسرائيل هجمات على قواعد عسكرية سورية تحت ذريعة إطلاقها طائرة بدون طيار من قاعدة (تي 4) الجوية في وسط سوريا، حيث توجد المحطة الإيرانية المزعومة، على اثرها أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة إسرائيلية من طراز (F – 16) كانت تهاجم الموقع السوري.

وفي وقت لاحق، ردت إسرائيل بشن هجوم صاروخي استهدف 12 موقعا عسكريا في سوريا، بما في ذلك ثلاثة مواقع إيرانية مزعومة.

وفي وقت لاحق ايضا، أكد مسؤولون حكوميون سوريون أن الجيش السوري سوف يسقط أي طائرة عدائية في سوريا.

الخطاب الحربي الإسرائيلي والإجراءات هي أيضا تعقيد آخر للعمل في سوريا، وخاصة الآن بعد أن تعهدت الحكومة السورية بالرد فورا على أي عدوان آخر، وهو ما قد يعني الحرب.

وبالإضافة إلى ذلك، ازداد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا عندما اتهمت واشنطن موسكو أخيرا بحماية الرئيس السوري بشار الاسد من المسؤولية حيث رفضت روسيا وسوريا هذه الاتهامات، حيث اتهمت بيانات الحكومة في سوريا واشنطن بخلق ذرائع لضرب سوريا.

وقالت وزارة الخارجية السورية في وقت سابق من هذا الشهر إن الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاء “يائسون” يبحثون عن ذريعة لاستهداف سوريا، بعد نجاح الجيش السوري في حربه ضد الجماعات الإرهابية المسلحة في جميع أنحاء سوريا.

وقالت إن المزاعم حول استخدام الأسلحة الكيميائية تم توقيتها لتقويض الجهود المبذولة لحل الازمة السورية من خلال تسوية سلمية بين السوريين دون تدخلات أجنبية.

وقال أحمد الأشقر وهو خبير سياسي ل((شينخوا)) إن التوتر بين اللاعبين الإقليميين والدوليين سينعكس سلبا على جهود حل الصراع في سوريا.

واعتبر الخبير السوري أن إسقاط طائرة حربية روسية من قبل المسلحين المدعومين من تركيا في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا، وإسقاط طائرة تركية من قبل المقاتلين الأكراد في عفرين وتصعيد إسرائيل الجديد، هو ” تصادم المصالح بين اللاعبين الأجانب هو أكثر وضوحا هذه المرة مع دخول الأزمة السورية عامها الثامن في الشهر المقبل”.

وأشار إلى أن مفاوضات جنيف بعد عقد 8 جولات والتي لم تفض إلى نتائج ملموسة، كلها تصب في خانة إطالة امد الصراع في سوريا وبروز لاعبين دوليين واقليميين على أرض سورية.

وكالة معراج للأنباء

اقرأ أيضا  نائب بريطاني: سياسة لندن متواطئة في معاناة أطفال اليمن
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.