العمل في القرآن
السبت 6 ذو الحجة 1436//19 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
فتحي حمادة
العمل في القرآن
جاء في تفسير ابن كثير:
وقوله: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ ﴾ [الجمعة: 10]؛ أي: فُرغ منها، ﴿ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]، لَمَّا حجر عليهم في التصرف بعد النداء، وأمرهم بالاجتماع؛ أَذِن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله؛ كما كان عرَاك بن مالك – رضي الله عنه – إذا صلَّى الجمعة انصرفَ، فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتَني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين”؛ رواه ابن أبي حاتم.
وروي عن بعض السلف أنه قال: مَن باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة، بارك الله له سبعين مرة؛ لقول الله – تعالى -: ﴿ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾.
وقوله: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾؛ أي: حال بيعكم وشرائكم، وأخذكم وعَطَائكم، اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة.
جاء في تفسير القرطبي:
قوله – تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا ﴾ [الملك: 15]؛ أي: سهلة تستقرون عليها، والذَّلُول المنقاد الذي يَذِل لك، والمصدر الذل، وهو اللين والانقياد؛ أي: لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلطة، وقيل: أي ثبَّتها لئلاَّ تزول بأهلها، ولو كانت تتكفأ متماثلة، لما كانت منقادة لنا، وقيل: أشار إلى التمكن من الزرع والغرس، وشق العيون والأنهار، وحفر الآبار.
﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ هو أمر إباحة، وفيه إظهار الامتنان، وقيل: هو خبر بلفظ الأمر؛ أي: لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها، وآكامها وجبالها.
وقال ابن عباس وقتادة وبشير بن كعب: ﴿ فِي مَنَاكِبِهَا ﴾: في جبالها.
وروي أن بشير بن كعب كانت له سُرِّية فقال لها: إن أخبرتِنِي ما مناكبُ الأرض فأنت حرة؟ فقالت: مناكبها جبالها، فصارت حرة، فأراد أن يتزوَّجها فسأل أبا الدرداء، فقال: دعْ ما يربيك إلى ما لا يربيك، وقال مجاهد: في أطرافِها، وعنه أيضًا: في طرقها وفجاجها، وقاله السدي والحسن، وقال الكلبي: في جوانبها، ومنكبا الرجل: جانباه، وأصل المنكب الجانب، ومنه منكب الرجل، والريح النكباء، ونكب فلان عن فلان، فيقول: امشوا حيث أردتم؛ فقد جعلتها لكم ذَلولاً لا تمتنع.
وحكى قتادة عن أبي الجلد: أن الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ؛ فللسودان اثنا عشر ألفًا، وللروم ثمانية آلاف، وللفرس ثلاث آلاف، وللعرب ألف.
﴿ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾؛ أي: مما أحله لكم؛ قاله الحسن.
تفسير ابن كثير لهذه الآية:
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ [الملك: 15]؛ أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردَّدوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن سعيَكم لا يُجدِي عليكم شيئًا، إلا أن ييسِّره الله لكم؛ ولهذا قال: ﴿ وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾ [الملك: 15]؛ فالسعي في السبب لا ينافي التوكل؛ كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبدالرحمن، حدثنا حَيْوَة، أخبرني بكر بن عمرو، أنه سمع عبدالله بن هُبَيْرة يقول: إنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((لو أنكم تتوكَّلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تَغْدُو خِمَاصًا وتَرُوح بِطَانًا))؛ رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث ابن هبيرة، وقال الترمذي: حسن صحيح، فأثبت لها رواحًا وغدوًّا لطلب الرزق، مع توكلها على الله – عز وجل – وهو المسَخِّر المسيِّر المسبِّب.
جاء في تفسير الطبري:
وقوله: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، يقول: ولا تتركْ نصيبك وحظك من الدنيا، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة، فتعمل فيه بما يُنجيك غدًا من عقاب الله.
عن ابن عباس، قوله: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾، يقول: لا تتركْ أن تعمل للهِ في الدنيا، وعنه أيضًا: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾، قال: أن تعمل فيها لآخرتِك.
وعن عون بن عبدالله: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾، قال: إن قومًا يضعونها على غير موضعِها، ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾: تعمل فيها بطاعة الله.
وعن مجاهد: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾، قال: العمل بطاعته، وتعمل في دنياك لآخرتك، وعنه: العمل فيها بطاعة الله: نصيبه من الدنيا، الذي يُثاب عليه في الآخرة.
قال ابن زيد، في قوله: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾، قال: لا تنسَ أن تقدِّم من دنياك لآخرتك، فإنما تجد في آخرتك ما قدَّمت في الدنيا، فيما رزقك الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تتركْ أن تطلب فيها حظك من الرزق.
تفسير ابن كثير لهذه الآية:
﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾؛ أي: مما أباح الله فيها من المآكل، والمشارب، والملابس، والمساكن، والمناكح؛ فإن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولزَوْرِك عليك حقًّا؛ فآتِ كلَّ ذي حق حقه.
تفسير القرطبي لهذه الآية:
قوله – تعالى -: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ اختلف فيه؛ فقال ابن عباس والجمهور: لا تضيِّع عمرك في ألاَّ تعملَ عملاً صالحًا في دنياك؛ إذ الآخرة إنما يُعمَل لها، فنصيب الإنسان عمره، وعمله الصالح فيها؛ فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة، وقال الحسن وقتادة: معناه: لا تضيِّع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال، وطلبك إياه، ونظرك لعاقبة دنياك؛ فالكلام على هذا التأويل في بعض الرفق به، وإصلاح الأمر الذي يشتهيه، وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشيةَ النَّبْوَة من الشدة؛ قاله ابن عطية.
قلت: وهذان التأويلان قد جمعهما ابن عمر في قوله: “احرثْ لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا”، وعن الحسن: قدِّم الفضل، وأمسك ما يبلغ، وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف، وقيل: أراد بنصيبِه الكفن؛ فهذا وعظ متصل كأنهم قالوا: لا تنسَ أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك هذا الذي هو الكفن، ونحو هذا قول الشاعر:
نصيبُك مما تجمعُ الدهرَ كلَّه
رداءانِ تُلوى فيهما وحنوطُ
وقال آخر:
انظرْ لِمَن ملك الدنيا بأجمعِها
هل راح منها بغيرِ القُطْن والكَفَنِ
قال ابن العربي: وأبدع ما فيه عندي قول قتادة: ولا تنسَ نصيبك الحلال؛ فهو نصيبك من الدنيا.
الألوكة