القدس والوحدة الدينية
الخميس،27جمادى الثانية1436//16أبريل/نيسان 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أمجد عرار
أمام صورة جندي صهيوني يرفع علم الكيان المغتصب فوق المسجد الأقصى، ليس غريباً أن نسمع من مطران القدس عطاالله حنا أنه مستعد للشهادة من أجل القدس، وأن يعتبر الاعتداء على المسجد الأقصى اعتداء على كنيسة القيامة، بل على الأمة العربية كلّها بمسيحييها ومسلميها، وهو ينطق بلسان أبناء شعبه الفلسطيني الواحد والموحّد حين يجزم بأنهم لا يقبلون التفريط بحبة واحدة من تراب القدس .
عطا الله حنا، أحد أعمدة الهيئة الإسلامية والمسيحية للدفاع عن القدس، وقد جاب بلداناً أوروبية عدة لشرح حقيقة ما يحدث في القدس للرأي العام والقادة الروحيين والسياسيين الأوروبيين . وهناك قال لمن التقاهم إن ما آلت إليه الأوضاع تحت الاحتلال عار على جبين الإنسانية، حيث إن القدس محاصرة وأهلها الأصليون يهجّرون بعد هدم مساكنهم وسحب بطاقات هوياتهم، ويمنع المسلمون والمسيحيون من دخولها سواء للصلاة أو غيرها، والمواطن الفلسطيني يواجه الحصار والقمع وسلب أراضيه، وسط لامبالاة من ما يسمى العالم الحر . لذلك فإن المطران لم يكف عن مناداة القادة السياسيين والروحيين بضرورة رفع الظلم وإنهاء الاحتلال، وأن ينعم الشعب الفلسطيني، بمسيحييه ومسلميه، بالحرية والكرامة .
لقد تمادى الصهاينة كثيراً في تهويدهم للقدس، وصعّدوا استهدافها على نحو مسعور وغير مسبوق، مستغلين عملية التسوية البائسة والمفاوضات العبثية مع القيادة الفلسطينية، والحركة المكوكية الفراغية للمبعوثين الأمريكيين، ومستغلين كذلك حالة الضياع والهوان التي يعيشها العرب والمسلمون الغارقون في الانقسامات والفتن والتقاتل الداخلي و”الإبداع” في الاغتيالات وتفجير الآمنين في المساجد والمدارس والجامعات والأسواق .
لم تعد بوصلة العرب والمسلمين، حكومات ونخباً، تؤشّر نحو القدس، فيما الإعلام العربي بمجمله يرعى حالة الضياع والتيه، بل إن بعضه يتعمّد حرف البوصلة باتجاهات أخرى لغاية في نفس الصهاينة وأجنداتهم التي باتت أشد وضوحاً في الإجهاز على القضية الفلسطينية وإنهائها كمكوّن بشري وسياسي وحقوقي . لم تعد المقدّسات الصامدة عبر التاريخ في القدس، تشغل اهتمام خطباء المنابر الذين يجهدون أنفسهم في اختراع صراعات جانبية تنسي الأمة صراعها الوجودي مع الصهاينة . الصديق والعدو يجري حصرهما في الدائرة العربية ذاتها، وليس الكيان الذي يغتصب أرضنا العربية ويصادر مستقبل أبنائنا ويذلّنا وينتهك أعراضنا كل ساعة، وما زال يمثّل تهديداً كارثياً للأمة كلها .
في الوقت نفسه، تقف الدول النافذة، وبعضها تبنى المشروع الصهيوني منذ بدايته، موقفاً خالياً من أية مسؤولية سياسية أو أخلاقية، ودونما أدنى احترام للشرائع السماوية والشرعية الدولية . وقد أصاب المطران حنا عطا الله كبد الحقيقة إذ يفضح دول الغرب التي ترسل الأسلحة ليذبح العربي أخاه العربي، مسلماً كان أو مسيحياً، ثم تدعي حرصها على المسيحيين . هذا المطران يرفض أن يشكره أحد على مواقفه الجذرية والواضحة في فلسطينيتها وعروبتها، ذلك أن هذا الموقف طبيعي، وفيما عداه تفريط وانحراف . للمرة الألف يردّد أن المسيحيين الفلسطينيين جزء أصيل من الشعب الفلسطيني والمشرق العربي، فمنهم من يستشهد ومن يصاب بجروح ومن يهدم الاحتلال بيته ومن يهجّر، أما أي أصوات تصرخ في وادي المساومات والتطبيع والصفقات، فهي لا تمثّل الحالة الالتحامية والوحدوية بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين والمشرق العربي .
-المركز الفلسطيني للإعلام-