القدوة وتصحيح الأخطاء
الخميس 22 ربيع الأول1438 الموافق22 ديسمبر/ كانون الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
سعيد بن محمد آل ثابت
القدوة وتصحيح الأخطاء
يدرك الجميع أن الخطأ من طبيعة البشر، وعند الترمذي: “كل بني آدم خطاء…” الحديث.
ولكن كيف يعالج هذا الخطأ؟
وما هو الخطأ الذي يعالج؟
ولأهمية هذا الموضوع في حياة الناس وتأثيره لا سيما من القدوات أفردته مع أنه جزء من لوازم القدوة من سبيل حسن الخلق والفقه الدعوي، إذ التخطئة لا بد أن تبنى على دليل وليست مزاجاً، وكل خطأٍ بحسبه، فخطأ عقدي وآخر خلقي وثالث من قبيل العادات، فخطأ من قالوا: اجعل لنا ذات أنواط، وخطأ من قالوا: ما رأينا اليوم أكذب من قرائنا، تختلف عن الأعرابي الذي تبوّل في المسجد، ومن ثم لا بد من اعتبار موقع الشخص وبيئته وعلمه وجهله، فالأعرابي الذي جبذ رسول الله عليه والصلاة والسلام ليسأله مالاً وأثر ذلك في عاتقه فابتسم له رسول الله وأمر له بعطاء، ليس كالذي يقول: يا محمد اعدل، ثم يغضب رسول الله ويسرد خبره وخبر أتباعه.
ولا بد أن يفرق بين المجاهر والمستتر، وأخطاء الصغار والكبار، ومن ثم استخدام الطريقة المثلى في ذلك كله بعد تقدير الخطأ؛ لأن الغاية هو إصلاح الخطأ وتعديل السلوك وليس إثبات الحالة وإقرار المخطئ بخطئه.
وسأكتفي بعرض مشهد نبوي أحسبه من أعظم مشاهد التربية النبوية على مدى تاريخ البشرية، إذ سطّر فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام أعمق معاني التربية وأرسى به أوثق عرى القيم النبيلة، وأترككم مع المشهد ثم نأخذ منه ما تيسر.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى نُخامةً في القبلةِ، فشقَّ ذلك عليه، حتى رُئِيَ في وجهِه، فقام فحكَّه بيدِه، فقال: إنأحدَكم إذا قام في صلاِته، فإنه يناجي ربَّه، أو إن ربَّه بينَه وبين القبلةِ، فلا يَبزُقَن أحدُكم قِبَلَ قبلتِه، ولكن عن يسارِه أو تحتَ قدمَيْه. ثم أخذ طَرَفَ رِدَائِه، فبصقَ فيه، ثم ردَّ بعضَه على بعضٍ، فقال: أو يَفْعَلْ هكذا. رواه البخاري. ويؤخذ من الحديث ما يلي:
1) امتعاض النبي صلى الله عليه وسلم لشدة ما رأى ومشقته على نفسه، فلم يتكلف إخفاءها من سنحات وجهه الشريف، ولم يرشد أحداً أنه كان ممتعضاً بل كانت إيماءاته تتحدث بصدق وجلاء وكانت أعمق من مئة عبارة وكلمة، وهذا ظاهر في هديه عليه الصلاة والسلام كما مر، فمواقف يحمر وجهه غضباً، ومواقف يبتسم حتى تبدو نواجذه، ومرة يتصبب عرقاً، وأخرى تذرف عيناه، وهكذا كان عليه الصلاة والسلام صادق المشاعر واضح السريرة.
2) مباشرته عليه الصلاة والسلام إصلاح الخطأ ولم يأمر أحداً بإصلاحه بدلاً عنه أو اكتفى بالوعظ فقط.
3) توضيح السبب وإبانته للجميع حتى لا يترك ذلك الامتعاض والنهي استفهامات، وربما يُنشئ التعتيم مغالطات معرفية في المستقبل.
4) إيجاد بدائل أخرى في حل الأمر، وظهر ذلك في توجيه أماكن البزق، ومنها الرداء.
5) البدء بالنفس في التعليم والتصحيح حيث بصق في ردائه أمامهم ليعلمهم الطريقة الصحيحة وليكسر حاجز الممارسة الفعلية ويسهل لهم ذلك مستقبلاً ولا يجعل حرجاً على أحد.
6) نلحظ أنه عليه الصلاة والسلام لم يسأل من الذي بصق، ولم يسبه حتى غيابياً، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على مراد المربي الحقيقي وهو التصحيح وليس الإقرار.
الألوكة