اللغة العربية ولغة المسلم الجديد

الإثنين04 جمادى الأولى1436//23 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. عبد الله بن إبراهيم اللحيدان
الله – عزَّ وجلَّ – لا تشتبه عليه الألسن، ولا تختلط عليه اللُّغات، واختلاف لُغات البشر من آيات الله؛ قال -تعالى-: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الرُّوم: 22]، وهو – سبحانه – يعلم السِّرَّ وأخْفى، لا تخفَى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، يسمع ضجيجَ الأصوات، باختلاف اللُّغات، على تفنُّن الحاجات، لا يشغله سمعٌ عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرَّم بإلْحاح الملحِّين، بعث النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافَّة، عربهم وعجمهم، فهو الدِّين الخاتم لجميع الأديان، وهو وإن كان نَزَل بلسان عربي مبين، فهو للعرب والعَجم على حدٍّ سواء.

ولم يكن تعلُّم اللُّغة العربية شرطًا لدخول الإسلام، وقد يحمل بعضُ الدعاة مدعويهم شططًا، بطلبهم منهم تعلُّمَ اللغة العربية، وربَّما كان ذلك سببًا في نفور بعضِهم من الدُّخول في الإسلام، أو الثبات عليه، ولو نَطَق المسلِم الجديد الشهادتين بغير العربية، لصحَّ إسلامه.

اقرأ أيضا  رئيس النمسا: لا يجب النظر للمسلمين في بلادنا كأجانب للأبد

قال الإمام النووي – رحمه الله -: أما إذا أقرَّ بالشهادتَين بالعجمية وهو يحسن العربية، فهل يصير بذلك مسلمًا؟ فيه وجهان لأصحابنا، الصحيح منهما: أنه يصير مسلمًا لوجود الإقرار، وهذا الوجه هو الحقُّ، ولا يظهر للآخر وجه.

وقد بَسَط العلماء القولَ في أحكام تعلُّم العربية للمسلِم الجديد، ولم يلزموه بتعلُّمها إذا تعذَّر ذلك عليه، قال القرطبيُّ: مَن تعذَّر ذلك عليه – يعني: تعلُّم اللغة – بعد بلوغ مجهوده، فلم يَقْدِر على تعلُّم الفاتحة، أو شيء من القرآن، ولا علق منه بشيء، لَزِمه أن يذكرَ الله في موضع القراءة بما أمْكنَه من تكبير أو تهليل، أو تحميد، أو تسبيح، أو تمجيد، أو “لا حول ولا قوة إلا بالله”، إذا صلَّى وحْدَه، أو مع إمام فيما أسرَّ فيه الإمام؛ فقد روى أبو داود وغيره عن عبدالله بن أبي أَوْفى، قال: جاء رجلٌ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إني لا أستطيع أن آخُذَ من القرآن شيئًا، فعلِّمْني ما يُجزئني منه، قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله))، قال: يا رسول الله، هذا لله، فما لي؟ قال: ((قل: اللهمَّ ارحْمني، وعافِني، واهدِني، وارزقْني)).

اقرأ أيضا  الأمم المتحدة: الإعلان عن تقرير كالامارد حول مقتل خاشقجي الأربعاء

وقال أيضًا: فإنْ عجَز عن إصابة شيءٍ من هذا اللفظ، فلا يَدَع الصلاة مع الإمام جهدَه، فالإمام يحمل ذلك عنه – إن شاء الله – وعليه أبدًا أن يجهدَ نفْسَه في تعلُّم فاتحة الكتاب، فما زاد إلى أن يحولَ الموت دون ذلك، وهو بحال الاجتهاد، فيعذره الله، وقال: مَن لم يواتِه لسانُه إلى التكلُّم بالعربية من الأعجميِّين وغيرهم، تُرْجِم له الدُّعاء العربي بلسانه الذي يَفقه به لإقامة صلاته، فإنَّ ذلك يجزئه – إن شاء الله تعالى.

ولا يعني ذلك إهمالَ تعلُّم اللغة العربية، أو التقليلَ من شأنها، ولكن دعوة الإسلام دعوةٌ لها صفة العموم، فهي تعمُّ الخلقَ كلَّهم، عربَهم وعجمَهم.

اقرأ أيضا  استشهاد فلسطينيين اثنين بنيران جنود الاحتلال في قطاع غزة أحدهما مسعف

والدعاةُ اليومَ بحاجة ماسَّة إلى فقه الأولويات والمقاصد في هذا الباب على وجه الخصوص، فالمسلمون الجُدد يختلفون في قُدرتهم على تعلُّم اللغة، فقد يكون العجزُ في طبيعة المرء نفسِه؛ لثقل في لسانه، أو عجز في التعلُّم، وقد يكون في تراكيب ألفاظ لُغته، وقد يكون في غير ذلك.

على أنَّه من الجدير بالذِّكْر هنا: أنَّه لا ينبغي للمرء أن يُعرِض عن تعلُّمِ اللغة، أو يتركها إلى غيرها وهو قادرٌ عليها، وجمهور العلماء على أنَّه لا تُجزئ صلاةُ مَن قرأ بغير العربية وهو يُحسِن العربية.
ــــــــــــــــــــــــ
– الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.