المبادرة السعودية لمحاربة تنظيم الدولة
فايز الدويري
خبير عسكري واستراتيجي
الإثنين 7 جمادى الأولى 1437//15 فبراير/شباط 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
شكل الإرهاب والتدخلات الإيرانية في بعض الدول العربية تهديدا كبيرا لأمن دول الخليج العربي عامة والأمن السعودي خاصة. ولمواجهة تداعيات الأمرين اتخذت السعودية جملة إجراءات وقرارات بدءًا بإطلاق عاصفة الحزم.
كما أنشأت تحالفا عسكريا إسلاميا يضم أربعة وثلاثين دولة وأسست مجلس التعاون الإستراتيجي السعودي التركي الذي أكد على التقاء رؤية البلدين في كثير من الملفات الساخنة في المنطقة، وكان آخرها المبادرة السعودية المتمثّلة بإرسال قوات أرضية إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
– تزامن إطلاق المبادرة السعودية مع انعقاد مؤتمر بروكسل لدول حلف النيتو الذي حضره وزير الدفاع السعودي، حيث رحب وزير الدفاع الأميركي بالمبادرة السعودية، وطالب دول الحلف بتقديم المزيد من الجهد لمحاربة تنظيم الدولة في مختلف المجالات.
كما تزامن مع انعقاد مؤتمر الأمن في ميونخ الذي تمخض عنه إصدار مبادرة جديدة حول الوضع السوري تتلخص فيما أطلق عليه وقف العمليات العدائية تمهيدا للوصول إلى وقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة في سوريا، وهي عبارات غامضة يفسرها كل جانب حسب تأمين مصالحه، ويبقي المسار السياسي لحل الأزمة السورية شبه مغلق.
– تتوافق المبادرة السعودية مع موقف السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي طالب في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بضرورة تشكيل قوة عسكرية مكونة من مائة ألف جندي معظمهم من السنة بالإضافة إلى جنود أميركيين من أجل محاربة تنظيم الدولة.
وقد دعم السيناتور ليندسي جراهام تلك الخطوة وأضاف عليها أن تشمل تلك القوة عشرة آلاف جندي أميركي يمكنهم توفير القدرات القتالية التي لا تملكها الجيوش المشاركة، وقد تشمل قوات خاصة لشن المزيد من المداهمات، وبذلك لن يكون التدخل الأميركي مماثلا للحروب الأميركية السابقة، أي أن القوات تتكون من جيش إقليمي كبير مع قوة أميركية صغيرة.
– يوجد العديد من التساؤلات حول المبادرة السعودية منها: هل يمكن تشكيل تلك القوة وإرسالها إلى سوريا؟ من ستقاتل؟ وما التغيرات التي ستحدثها على الأرض؟
إن إرسال أية قوات برية إلى سوريا يحتاج مظلة أُممية ممثلة بالأمم المتحدة وتحديدا مجلس الأمن الدولي، وإن تلك الموافقة مرتهنة بالموقف الروسي. وقد صرح وزير الخارجية الروسي قبل عدّة أيام بأن ما يشوب عمل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في سوريا أنه عمل غير شرعي لأنه لم يحصل على موافقة النظام السوري، وذهب رئيس الوزراء الروسي مدفيدف إلى ما هو أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن التدخل البري في سوريا قد يوسع من نطاق الأزمة لتقود إلى حرب عالمية ثالثة.
كذلك اعتبر وزير خارجية النظام السوري في آخر مؤتمر صحفي له أن أي تدخل أجنبي في سوريا بدون موافقة الحكومة السورية يعتبر عدوانا تجب مواجهته، وأكد الرئيس السوري أن المفاوضات لا تعني وقف الحرب على الإرهاب وأن الجيش السوري سيستمر في عملياته العسكرية حتى استعادة السيطرة على كافة الأراضي السورية، واستنادا إلى ذلك لا أتوقع أن تتوفر مظلة أممية لأي تحرك عسكري مستقبلي في سوريا لأن روسيا ستستخدم حق النقض الفيتو.
– تستطيع الولايات المتحدة الأميركية أن تؤمن مظلة لأي تدخل عسكري بري في سوريا إذا رغبت في ذلك، لكن الموقف الأميركي في عهد الرئيس أوباما مختلف عن الموقف الأميركي التاريخي.
فقد آثر الرئيس أوباما الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط رافضا إرسال قوات أميركية برية لمحاربة تنظيم الدولة مكتفيا بالحملة الجوية وبإرسال مدربين من الجيش الأميركي إلى العراق وبعض عناصر القوات الخاصة المكلفة بتنفيذ مهام محددة، مما أحدث فراغا إستراتيجيا ملأته روسيا بوتين الباحثة عن دور عالمي مكافئ للدور الأميركي بعد عقود من أحادية القطبية إثر تفكك الاتحاد السوفياتي بداية تسعينيات القرن الماضي.
لا يزال الموقف الأميركي يتسم بالتردد والغموض، فرغم ترحيب آشتون كارتر بالمبادرة السعودية والتأكيد في مؤتمره الصحفي أنه طالب وزراء دفاع دول الحلف بزيادة مساهمتهم في الحملة الجوية وفي المجال التدريبي وتجفيف مصادر التمويل لتنظيم الدولة وتقديم بعض أسلحة الجيل الرابع لبعض جيوش دول الإقليم لمساعدتها في استعادة السيطرة على الموصل والرقة، فإنه لم يشر إلى إرسال قوات برية أميركية.
واستنادا إلى ذلك لن يتعدى الدور الأميركي القيادة من الخلف ومن غير المتوقع أن يسمح الرئيس أوباما في عامه الأخير في البيت الأبيض بإرسال قوات أميركية مقاتلة بالحجم والفاعلية التي اقترحها السيناتور ماكين، وستقتصر وتركز المساهمات الأميركية وبعض شركائها في حلف الأطلسي على استمرار الحملة الجوية مع رفع وتيرتها، وفي أفضل التوقعات قد تشارك بعض دول حلف الأطلسي بقوات خاصة. وإذا ما حصل ذلك فهو يعتبر إجهاضا أوليا للمبادرة السعودية المدعومة تركيا وإماراتيا، الساعية إلى إرسال قوات أرضية بقيادة أميركية فاعلة.
– في ظل التغيرات التي تجري على الأرض والنجاحات التي يحرزها الجيش السوري وحلفاؤه والتي سينتج عنها ترسيخ الوجودين الروسي والإيراني وتزايد نفوذهما على حساب الأمن القومي العربي والأمن الوطني التركي خاصة بعد سيطرة القوات الكردية على مطار منغ العسكري وتحركها إلى مدينة إعزاز (التي تعني السيطرة عليها قطع آخر طريق إمداد بين حلب وتركيا)، صعدت كل من تركيا والسعودية إجراءاتهما العسكرية.
فقد أرسلت السعودية طائرات مقاتلة إلى قاعدة إنجرليك لتكثيف الحملة الجوية على تنظيم الدولة، ولكنها أبقت قرار إرسال قوات برية مرتبطا بقرار قيادة التحالف. بالتزامن مع ذلك قام الجيش التركي بقصف قوات سوريا الديمقراطية في محيط مدينة إعزاز ومطار منغ العسكري، لتخفيف عمليات النزوح ومنع الأكراد من تحقيق التواصل الجغرافي من عفرين حتى القامشلي مما يهدد الأمن القومي التركي.
– تعتبر تركيا قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الـPYD الكردية جماعة إرهابية لأنها تعتبر الذراع السوري لقوات حزب العمال الكردستاني (PKK) الكردية، وهذا ما رفضته الإدارة الأميركية، مما زاد من الجفاء التركي الأميركي.
تحظى قوات سوريا الديمقراطية بالرعاية الروسية والأميركية، حيث يتنافس الطرفان على خطب ود تلك القوات لأنها تعتبر أوثق وأكثر فاعلية في محاربة تنظيم الدولة، ولذا جاء الرد الأميركي على القصف التركي مباشرا بالمطالبة بوقف ذلك القصف متبوعا بمطالبة القوات الكردية بعدم استغلال الظروف الميدانية القائمة والتوقف في مواقعها وعدم السعي لتغيير الوقائع الميدانية. سرعة الرد الأميركي تلقي مزيدا من الشكوك حول جدية أميركا في محاربة الإرهاب، وتقلل من فرص الوثوق بها، وتؤكد عدم وجود إستراتيجية عسكرية أميركية واضحة لمحاربة تنظيم الدولة أو حل الأزمة السورية.
هذا الموقف الأميركي يفرض على كل من تركيا والسعودية والدول الأخرى التي ستشارك في أية عمليات عسكرية في سوريا في الفترة القادمة أن تعتمد إستراتيجية التصعيد المتدرج، التي تمكنها من تحقيق إنجازات تراكمية وتمنحها فرصة تقييم المنجزات العسكرية ومراقبة الردود المحلية والإقليمية والدولية المؤثرة على سير العمليات العسكرية، وسيكون الاعتراض الإقليمي والدولي على تلك العمليات محدودين لأنها أعمال عسكرية موجهة ضد تنظيم الدولة الذي يدعي الجميع محاربته.
– تبدأ العمليات العسكرية بتوسيع نطاق العمل الاستخباري وبالتعاون مع دول التحالف لتحديث بنك الأهداف متبوعا بتكثيف الحملة الجوية على أهداف منتقاة لإلحاق أكبر ضرر ممكن بقوات تنظيم الدولة، ثم البدء باستخدام القوات الخاصة لتنفيذ عمليات جراحية انتقائية تنطلق من قواعد خلفية في تركيا.
– نجاح تلك العمليات سيفرض واقعا سياسيا وميدانيا جديدين يمكن تطويرهما إذا دعت الحاجة إلى استخدام قوات أرضية.
– تكمن صعوبة التدخل البري في عدم وجود توافق عليه أولا، والأهداف غير المعلنة للحملة الجوية الروسية ثانيا، وفي تميز مسرح العمليات السوري بالتعقيد والتداخل وتعدد القوات المتصارعة فيه، خاصة في ريف حلب حيث نجد قوات المعارضة وقوات تنظيم الدولة والجيش السوري والفصائل الشيعية الداعمة له وقوات سوريا الديمقراطية جميعها على مسافات قريب بعض من بعض، مما قد يؤدي إلى صدامات عسكرية بين بعض تلك القوى وقوات التحالف القادمة من تركيا كما هو مقرر بحيث يصعب احتواء تلك الأحداث وتداعياتها اللاحقة إِلَّا من خلال توافق روسي أميركي.
-استطاعت المراحل العملياتية السابقة إضعاف قدرات تنظيم الدولة وليس إلحاق هزيمة عسكرية كاملة به، مما يفرض الحاجة إلى تنفيذ عمليات برية، وإذا ما توفرت المظلة والقيادة الأميركية والقبول الروسي بدخول قوات التحالف إلى سوريا تستطيع تلك القوات هزيمة تنظيم الدولة خلال ستة أشهر من بدء العمليات، شريطة أن تتزامن عملياتها العسكرية مع عمليات الجيش العراقي في محافظة نينوى، لتشتيت الجهد العسكري لقوات تنظيم الدولة.
– تكمن خطورة الوضع الحالي في احتمال وضع سوريا على طريق التقسيم من خلال ترسيخ وتعاظم النفوذين الإيراني والروسي في المناطق التي تسيطر عليها الدولتان، مما يحقق هدف الإستراتيجية الروسية المتمثل في هزيمة كافة قوى المعارضة المسلحة من فصائل إسلامية وجيش حر واستعادة الأرض التي يسيطرون عليها، وبالتالي إعادة تأهيل النظام السوري، وهذا سيعيد الأزمة السورية إلى مربعها الأول ويحول الصراع السوري من صراع مسلح على جبهات قتال متعددة إلى حرب عصابات مدمرة تفتح أبواب الحرب الأهلية، لنكون أمام صومال جديد.
المصدر : الجزيرة.نت