المرأة المسلمة بين التكريم الإلهي والتشويش الغربي
الأحد،9محرم1436 الموافق02نوفمبر/تشرين الثاني2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. رشيد عموري
المرأة المسلمة بين التكريم الإلهي والتشويش الغربي
إن التكريم الإلهي للمرأة المسلمة مقطوع به؛ انطلاقًا من قوله – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]، وبنو آدم لفظ يشمل الرجال والنساء، ولم ترد آية أو حديث فيها تنقيص من قيمة المرأة أو تفضيل للرجل عليها؛ جاءت أم عمارة الأنصارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: “ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يُذكَرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35][1].. الآية”[2]، وما ورد من آيات أو أحاديث تُوهم غير ذلك، فذاك راجع إلى فهم الإنسان الخاطئ، وسيأتي بيان ذلك من خلال الأمثلة التي سأقدِّمها؛ حيث خاض في بعض الآيات بعض المُستشرِقين، وتَبِعَهم في ذلك بعضُ رواد الفكر التغريبي الحداثي، ولتقريب هذا الموضوع من القارئ؛ فقد قسمته إلى ستِّ نقط:
1- النساء شقائق الرجال[3] وفي الأحكام:
قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، والآية تفيد في عمومها تَساويَ الرجل والمرأة في الواجبات، وبأنَّ على المرأة مثل ما على الرجل من حسن الصُّحبة والعِشرة بالمعروف.
الإسلام ساوى بين الجنسين؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]، فالله سبحانه لم يخصَّ الإيمان بالله ورسوله والتصديق بما جاء به من عند ربه بالرجال فقط، ولم يخصَّ الوَلاية – وهي النصرة والتعاون – بالمؤمنين، بل شمِلت الوَلاية المؤمنين والمؤمنات؛ فهم سواء، وقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، فالآية تَعِدُ الجنسين معًا الذكر والأنثى بالحياة الطيبة، والتي قد تعني الأرزاق المادية في الحياة الدنيا كالرزق الحلال، وقد تعني الأرزاق المعنوية كالقناعة مثلاً، وتعد أيضًا بالأجر الجزيل لكليهما في الآخرة، فالآيات على العموم تجمع الذكر والأنثى تحت حكم واحد دون تفرقة بينهما، ودون تفضيل لأحد على أحد، اللهم إلا ما اقتضته الطبيعة البشرية الأنثوية من خصائص، وما اقتضته الطبيعة الذكورية من خصائص مُغايرة، فهذا يعتبر من باب توزيع المهام والتخصصات، ولا يُعتبَر من باب التفضيل، فما حُرِمتْه المرأة من فضل، عَوَّضه لها الحقُّ سبحانه بفضل في موضع آخر؛ مثال ذلك أن أم سلمة قالت: “يا رسول الله، يَغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث!”، فأنزل الله: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 32]”[4]، ظاهر الحديث يُفهَم منه اختصاص الرجال بالجهاد دون النساء، وتفضيل الرجل بإعطائه ضِعف ما تأخذ المرأة، والحقيقة أن هذا تكريم رباني للمرأة، ومراعاة لقدراتها، خاصة الجسمية؛ فالجهاد فيه مشقة وجهد لا تقدر عليه النساء؛ فأعْفَاهن الحق – سبحانه وتعالى – وجعل مشاركة المرأة في الحرب اختيارية، إن شاءت شاركت في مداواة الجرحى وسقاية المجاهدين، وإن شاءت امتنعت عن المشاركة، ولزمت بيتها، أما قضية الإرث، فسيأتي مزيد تفصيل لها، وسيتَّضح بالمثال والبيان أن الحق سبحانه أكرم المرأة كما أكرم الرجل، ولئن أحسَّت إحداهن بالحرمان من الجهاد وهي قادرة عليه، فقد عوَّضها الحق – سبحانه وتعالى – في مواضع أخرى بأن يسَّر عليها التكاليف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرأة إذا صلَّت خَمسها، وصامت شَهرها، وأحصنَت فرْجَها، وأطاعت زوجها، فلتدخُل من أي أبواب الجنة شاءت))[5].
ولفهم وتقدير هذا التكريم الإلهي للمرأة؛ وجب معرفة قدرها في كتب اليهود والنصارى، وفي المجتمع الجاهلي قبل الإسلام، وفي بعض الدول الغربية الحديثة.
جاء في التوراة في “سفر الجامعة”: “درتُ أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرَّ من الموت: “المرأة”، التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود”.
وفي الكنيسة الكاثوليكية وضح الكاتب الدنماركي wieth knudesen مكانة المرأة في العصور الوسطى، فقال: كانت العناية بها محدودة جدًّا؛ تبعًا لاتجاه المذهب الكاثوليكي، الذي كان يعدُّ المرأة مخلوقًا في المرتبة الثانية[6].
أما في مجتمع شبه الجزيرة العربية، فتُلخِّصُه الآية الكريمة: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59]، حياة المرأة العربية قبل الإسلام في الغالب كانت حياة ظالمة؛ فإما تُدفَن، وإما تُكرَه على البغاء، وإذا تزوجت تزوَّج زوجها عددًا غير محدود من النساء قد يفوق أحيانًا العَشرة، وإذا مات زوجها تُورَّث مع متاعه.
وفي فرنسا عُقد اجتماع سنة 1586م؛ ليبحث إنسانية المرأة، وخلَص إلى أن المرأة إنسان، وسنة 1938م صدر قانون يلغي القوانين التي كانت تمنع المرأة من التصرفات المالية، فأمكن المرأة ساعتها أن تفتح حسابًا جاريًا في البنوك [7]، وإذا كانت هذه هي قيمة المرأة في “التوراة” و”الإنجيل”، وقيمتها في المجتمع الغربي، وقد سبَق وأشرْنا أن الإسلام كرم المرأة وأعلى قيمتها، وجعلها والرجلَ شقائق في الأحكام، فلماذا هذا التحامل إذًا على الإسلام عمومًا، وعلى المرأة المسلمة خصوصًا؛ حيث تتعرَّض لمحاولة التضليل الفكري والتشويش العقدي من طرف بعض المُفكِّرين والسياسيين المَحسوبين على التيار العلماني، والذين هم في الحقيقة يُردِّدون مقولات بعض المستشرقين؛ منهم المستشرق كرادي فو، الذي قال: إن الإسلام هضم حقوق المرأة بالقِوامة والإرث، وجعل الزوج يتزوج بأكثر من واحدة إلى أربع، وجعل الطلاق بيده، وأعطى كثيرًا من الحقوق والصلاحيات للرجل لم تُعطَها المرأة؛ مثل الشهادة والتأديب[8].
الإسلام أعطى المرأة الحق في التعلم، والتصرف في أموالها وتجارتها وميراثها، واختيار زوجها، ولم يَمنعها من شيء إلا وكان فيه مسٌّ بكرامتها وأنوثتها وشرفها، وسأحاول بما يَقتضيه المقام توضيح بعض الشبهات التي يُثيرها البعض بين الفينة والأخرى.
2- تعدُّد الزوجات:
قال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]، وقيَّد – سبحانه وتعالى – هذه الإباحة بالاستطاعة المادية، والقدرة على العدل في القسمة بين الزوجات، وبيَّن – سبحانه وتعالى – أن العدل في الميل القلبي مما لا يَستطيعه البشر؛ لأنه شيء خارج عن الإرادة البشرية؛ فنبَّه سبحانه إلى أن بعض الميل جائز، وكثيره مرفوض، قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾ [النساء: 129]، وحذَّر – سبحانه وتعالى – من الظلم الذي قد يلحق بالمرأة من طرف الرجل إذا هو عدَّد زوجاته، فقال عليه السلام: ((من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقَّيه ساقط))[9].
ينشأ عن التعدد مفسدة الغَيرة بين الزوجات، ومفسدة الميل القلبي لزوجة على حساب أخرى، ومفسدة عدم الاستمتاع الكامل بحبِّ الرجل، فالمرأة لا تحبُّ أن تشاركها في حبها لزوجها أخرى، إلى غيرها من المفاسد، لكن المفسدة العظمى هي مفسدة العنوسة التي تحرم المرأة من عاطفة الحب، وعاطفة الأمومة، وعاطفة الاستقرار النفسي والعاطفي، وتتسبب في انحراف المجتمع، فالدوافع الجنسية هي غريزة في الإنسان، وإذا لم تُلبَّ في الحلال، لُبِّيَتْ في الحرام، وقد أجمع العلماء على أنه إذا تعارضت مفسدتان، قُدِّم أخف الضررين، فأقول: الأفضل أن يتزوج الإنسان امرأة واحدة، لكن قد يطرأ خلل وانعدام توازن في المجتمع بسبب تفاوت نسبة الرجال والنساء؛ فيكون الحل ساعتها هو التعدد، والذي يعتبر ساعتها حلاً مجتمعيًّا استثنائيًّا لحالة استثنائية، هذا على المستوى المجتمعي، أما على المستوى الفردي، فقد يلجأ الفرد للتعدد بسبب مجموعة من الأسباب؛ كعقم المرأة، ومرضها المزمن مثلاً، ولتوضيح هذا الأمر أقدم المثال التالي:
• قدم مكتب التعداد في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1957م تقريرًا مفادُه أن عدد النساء يزيد عن عدد الرجال بـ3.600.600 امرأة بسبب الأمراض، وأن عدد الأرامل يزيد بمعدل مليونين كل 10 سنوات؛ أي: إنه سيبلغ أكثر من 11 مليون امرأة أرمل سنة 1975م، وتقول الدكتورة ماريون لانجر – العالمة الاجتماعية المتخصِّصة في استشارات الزواج -: “لدينا حلان ممكنان لتغطية النقص المتزايد في الرجال؛ إما بتعدُّد الزوجات، وإما إيجاد طريقة لإطالة أعمار الرجال، وهذا ما لم يَحصُل”[10].
ارتفعَت ظاهرة العنوسة في الوطن العربي الإسلامي بسبب مجموعة من الأسباب، يَختلط فيها السياسي بالاقتصادي بالتعليمي بالاجتماعي بالانحراف الخلُقي، وتَكفي إطلالة سريعة على بعض الإحصائيات لنعرف مقدار المشكلة وحجمَها؛ ففي المغرب “يعاني نحو مليون ونصف مغربية من العنوسة بعد أن تَجاوز عمرهنَّ 35 سنة، وأغلبهن يوجدن في المدن الكبيرة”، وهذه النسبة تُمثِّل 10 % من النساء اللائي بلغْن سنَّ الزواج، وفي الجزائر بلغَت نسبة العنوسة أرقامًا قياسية؛ حيث إن ثلث سكان الجزائر عازبات وعزاب ممَّن بلَغوا سن الزواج وتجاوَزوها، وأشارت الدراسة إلى أن 50 بالمائة من الشباب السوري أعزب، و60 بالمائة من الفتيات السوريات عازبات، أما مصر، فيبلغ عدد العازبات في مصر 5ر6 مليون ممَّن تجاوزت أعمارهن 35 سنة[11]
أما أعلى نسبة للعوانس، فهي في لبنان؛ حيث تَصل 86%، كما تشهد دول الخليج ارتفاعًا مطردًا في السنوات الأخيرة، وتتصدر الإمارات قمة الترتيب بنسبة 70 %، وفي السعودية يَبلغ عدد العوانس فيها مليونين؛ أي: ما يعادل سكان البحرين مرتين[12].
هذه الحالة دفعت ناشطات حقوقيات تونسيات إلى تنظيم مظاهرة نسائية في تونس العاصمة؛ للمطالبة بتعدُّد الزوجات يوم الجمعة 17 يناير 2014 م؛ حيث أكد السيد عادل العلمي – رئيس حزب تونس الزيتونة – أن الإحصائيات في حزبه تؤكد أن 114 ألف امرأة تونسية تطالب بتعدد الزوجات، والجدير بالذكر أن عدد العوانس بتونس بلغ مليوني عانس، وأمام هذه الحالة والتي لن تُحل إلا باعتماد مقاربة شاملة تعالج المشكل من جذوره، فلا غنى عن اعتماد التعدد على علاته لمحاربة هذه الآفة، أما المنظمات النسائية المناصرة للمرأة، فهي تَعترِف بخطورة هذه الظاهرة، غير أنها تَخشى توظيفها من طرف الرجال لتشريع تعدُّد الزوجات في تونس الذي مُنع في حياة الرئيس بورقيبة[13]، فإذا كان التعدُّد مفسدة، فحياة العنوسة بالنسبة للمرأة رأس المفاسد، والمرأة تفضل العيش مع نصف رجل على أن تكون خليلة لرجل تَعرِف أنه سيتخلى عنها في أقرب فرصة ممكنة، وعلى أنه لا حق لها ولأولادها منه.
3- الطلاق:
أبغض الحلال إلى الله تعالى، وهو آخر دواء يلجأ إليه الزوجان عند تعذر الحياة الزوجية المستقرَّة، والسؤال الذي يَطرحه البعض: لماذا لم يوكل الله – سبحانه وتعالى – أمر الطلاق للمرأة بإطلاق؟ فأقول بأن الطلاق في الغالب من الرجل ولم يوكَّل للمرأة؛ لما يَعتريها من تغيُّرات واضطرابات نفسية؛ بسبب ما يلحَقها من أعراض الحَيض والنفاس، ثم إن مزاج المرأة ونفسيتها في الغالب مُتقلبة؛ فهي إنسان تفرح للشيء البسيط وتغضب للشيء البسيط، ولو وكل أمر الطلاق إليها لطلَّقت نفسها في الشهر الواحد ثلاث تطليقات، ومع هذا فقد جعل الإسلام أمر الطلاق بيدها فيما سُمي عند الفقهاء بطلاق الخلع، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229]، لكن بشرط أن تعوِّضه عن الخسائر التي قد تلحقه من جراء هذا الطلب، وحذر الإسلام الرجل من أن يُسيء معاملتها ليستولي على ما عندها، فقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ [النساء: 19]، وهناك حالة أخيرة تحدث عنها الفقهاء، وهو أنه يمكن للزوجة أن تطلب أن يكون أمر طلاقها بيدها، فإذا ما وافق الزوج على هذا الشرط، فيحقُّ لها أن تطلق نفسها منه متى شاءت، قال ابن قدامة المقدسي في مسألة جعل أمرها بيدها: “ولنا قولُ عليٍّ رضي الله عنه في رجل جعَل أمر امرأته بيدها، قال: هو لها حتى تنكل، ولا نعرف له في الصحابة مخالفًا، فيكون إجماعًا”[14].
فكيف بعد كل هذه الحالات يقول قائل: إن الإسلام فضَّل الرجل وأعطاه حقًّا لم يُعطِه للمرأة؟ وكان الأَولى أن تتدارس مؤسَّسات المجتمع المدني النسائية وغيرها المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المرأة، وعلى رأسها قلة نِسبة الزواج، وقلة السعادة الزوجية.
4- القوامة:
قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 34]، القوامة درجة، وهي تكليف للرجل وليست تشريفًا، وهذه الدرجة وإن بدا للبعض أنها مزيَّة، فهي خسران ووبال على صاحبها إن لم يُحسِن التصرُّف فيها، فما مِن تكليف كُلف به العبد إلا وسيُحاسَب عليه يوم القيامة، فـ ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))[15] كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجل مسؤول عن أهله، ومحاسَب على هذه الأمانة التي استرعاه الله إياها، ثم إن وجود القيِّم على مؤسسة لا يَعني غياب حقوق الشركاء، ثم إن القوامة مسؤوليةُ رعايةٍ ولطف وتوجيه وإنفاق مال، والإسلام أعطى المرأة حق اختيار زوجها، فتختار من يُحسِن استعمال القوامة، وقد ثبت بالتجربة أن المؤسسة التي بها أكثر من رئيس واحد هي عرضة للفساد والتلف، والقوامة فطرة إنسانية؛ ففي سنة 1960م جرى استفتاء للرأي في ألمانيا بين الرجال عن المرأة المثالية، فتبيَّن أن الرجل الألماني لا يؤيد فكرة اشتغال المرأة، ولا يتحمَّس للزواج منها، والمرأة المثالية في رأيه هي سيدة البيت التي تهتم بتربية أطفالها بدون أي مساعدة من أمها، وهي التي تطهو جيدًا، وتوفر لزوجها الراحة الكاملة[16].
5- التأديب:
تقوم قائمة بعض النساء عندما يَقرأْن قوله تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ [النساء: 34]، ولسان حالهن يقول: كيف يأمر الله تعالى بضرب النساء؟ وإذا جاز هذا في زمان ومكان معين، فلا يجوز ونحن في القرن الواحد والعشرين، ومجرد قراءة بسيطة للآية تُزيل اللبس، فالحق – سبحانه وتعالى – قد تدرَّج في سبُل العلاج بين الزوجين عند حدوث النزاع والشقاق بينهما، فأمر سبحانه الزوج بأن يبدأ بوعظ زوجته، ومحاولة إصلاح ما أُفسد بالحوار واللِّين والملاطفة، فإن فشل الزوج في مهمته هذه بسبب تعنُّت الزوجة، فليَهجُر مضجعها، وهِجران المرأة وعدم مشاركة سريرها طعنٌ في قوتها، وإهانة لجمالها وأنوثتها وجاذبيتها، فعلاجٌ من هذا النوع يدفع المرأةَ في الغالب إلى إعادة النظر في المشكلة، فتتنازل عن نشوزها، أما إذا لم يفلح مع هذه المرأة لا الوعظُ ولا الهِجران، فالزوج يكون مجبرًا على اعتماد العلاج الأخير، وهو الضرب، ويوضِّح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر فيقول: ((لا يَجلد أحدكم امرأته جلْد العبد، ثم يُجامعها في آخر اليوم))[17]، وقال الرسول شارحًا قوله تعالى: ﴿ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ قال: ((هو ضرْب غير مبرِّح))[18] ، وبيَّن ابن عباس مقصود النبي بهذا الضرب غير المبرح فقال: هو السواك ونحوه[19]، هذا قصد الله تعالى في كتابه وقصد رسوله في السنة النبوية، أما فعل الناس المُجانب لهدي الإسلام وللفِطرة البشرية وللمروءة، فلا ينقص من قيمة التشريع الرباني، أما اجتهادات العلماء في مسألة ضرب النساء، فأقول بأنها اجتهادات تُناسِب الزمان والمكان، وكلٌّ يؤخَذ من كلامه ويُردُّ إلا صاحب هذا القبر؛ كما قال الإمام مالك رضي الله عنه، فمِن الاجتهادات أنه يجوز للرجل أن يضرب زوجته عشرة أسواط؛ انطلاقًا من فهم خاص لحديث للرسول صلى الله عليه وسلم والذي قال فيه: ((لا تَجلِدوا فوق عشرة أسواط إلا في حدٍّ من حدود الله))[20] ، فأفتى الحنابلة جمعًا بين الحديثين بأنه يجوز للرجل أن يجلد امرأته الناشز أقل من عشرة أسواط[21]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان واضحًا في نهيه الرجل عن ضرب امرأته ثم يضاجعها بعد ذلك.
لقد تدرج الإسلام من الوعظ إلى الهجر إلى الضرب، وهو آخر الدواء، وتجدر الإشارة إلى أن مسألة ضرب النساء أو إهانتهنَّ مرتبطة بالتربية الإيمانية ومرتبطة بالتربية العقلية؛ لذلك قال الرسول الكريم: ((خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي))[22].
وضرْب النساء أمر مشاع في أي مجتمع يغيب فيه أو يقلُّ الخوف من الله تعالى، فقد نشرت مجلة التايم الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرَّضْن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفَين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرَّضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يَقضون ثلث وقتِهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي[23].
6- الميراث:
المقادير نوعان: قسم لا اجتهاد فيه، وهو القسم الذي حدد فيه الحق سبحانه الأنصبة كما في سورة النساء في آية المواريث من الثلثين إلى النِّصف إلى الثلث إلى الربع إلى السدُس إلى الثُّمُن، وقسم فيه اجتهاد اجتهد فيه الصحابة رضوان الله عليهم، ويُمكن لمُجتهدي أي عصر أن يَجتهدوا فيه؛ كحالة وجود الجد مع الإخوة الأشقاء أو للأب، وإني أتساءل: لماذا يثار هذا الأمر عند بعض الحداثيين بأن المرأة ترث نصف ما يرثه الرجل مع العلم أن قراءة بسيطة للعهد القديم تبيِّن أن المرأة لدى اليهود لا ترث شيئًا بجانب أخيها البكر، ولا تُفيدها بكورتها في الحصول على أي نصيب ما دام أخوها – البكر ضمن إخوته الذكور، والأصغر منها طبعًا – موجودًا، مع تفاصيل لا تخرج عن هذه القاعدة، فلماذا الاقتصار على المطالبة بتغيير أحكام الإسلام في المواريث، وهي قد ضمنَت للمرأة المسلمة نصيبها بما يفوق نصيب الرجل في أحيان كثيرة، ثم السكوت عن أحكام الميراث عند اليهود، مع أنها تَحرم المواطنة اليهودية من الميراث؟ هذا مجرد تساؤل لنتبين أهو الجهل بأحكام الإرث في الإسلام، أم التحامل والعداء للإسلام الذي يتفجَّر بين الحين والآخر؟
وفي نصيب المرأة من الميراث يذكر العلماء أن الفقه الإسلامي حدد أربعًا وثلاثين حالة ترث فيها المرأة، هي كالتالي:
أ – عشر حالات ترث فيها المرأة مثل ما يرث الرجل:
ومن أمثلتها: حالة الإخوة للأم (من جهة الأم دون الأب)؛ فإنهم يرثون بالتساوي، للذكر مثل نصيب المرأة؛ تنفيذًا لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُث ﴾ [النساء: 12].
ب – عشر حالات تَرِث فيها المرأة أكثر من الرجل:
من أمثلتها أن هالكًا ترك بنتًا وأمًّا وأبًا: للبنت النصف، وللأم السدس، وللأب السدس فرضًا، وما بقي بالتعصيب، فهنا البنت ورثت أكثر من الأب.
• وإذا ترك الهالكُ بنتًا وأخوين شقيقين مثلاً، فللبنت النصف، وللأخوين ما بقي يَقتسمانه بينهما؛ أي: الربع لكل واحد.
فهل حصول الذكر في هذه الحالات على نصيب أقل من نصيب الأنثى يعدُّ انتقاصًا من قيمته؟ لم يقل أحد هذا الكلام، ولم يقل أحد: إن الإسلام ظلم الرجل.
ج – عشر حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل:
• إذا ترك شخص بنتًا وأختًا شقيقة وأخًا لأب وابنَ أخ شقيق وعمًّا… مثلاً، فللبنت النصف، والباقي للأخت بالتعصيب، ولا يرث الذكور شيئًا.
د – وأربع حالات فقط ترث فيها المرأة نِصف نصيب الرجل:
من أمثلتها حالة وجود البنت مع أخيها الابن.
ملاحظة عامة حول نصيب المرأة، وهي: وجود ارتباط جلي بين حق المرأة في النفقة وحقها في الميراث، معنى ذلك أنه إذا وُجِد من تجب عليه نفقتها أخذت نصيبًا معينًا، يَزيد إذا انعدم ذلك المكلَّف وجوبًا بالنفقة، فمثلاً وجود البنت مع الابن المفروض عليه الإنفاق عليها معناه أنها تأخذ نصف نصيبه من الميراث خالصًا لها، لكن إذا وُجدت وحدها أخذت نصف التركة فرضًا والباقي ردًّا؛ أي: أخذت كل التركة لعدم وجود المُنفِق عليها، علمًا أنها قد تكون متزوجة لها حق نفقة الزوج[24].
هذه ست نقط أردت أن أوضح فيها التكريم الإلهي للمرأة، وبينت في النقط الخمسة (التعدد، الطلاق، التأديب، القوامة، الميراث) حسب ما سمح به المقال شُبَه العلمانيين التي تروم التشويش على عقيدة المرأة المسلمة، ودعوتها للتحرر من رِبقة الدين العاصم لها، والمُكرِم لها، ودعوتها إلى التحرر من الدين والفضيلة تحت مسميات براقة تُجمَع تحت لافتة حقوق المرأة العالمية.
والحمد لله رب العالمين
________________________________________
[1] الآية بكاملها هي: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].
[2] سنن الترمذي، باب ومن سورة الأحزاب (5/ 354)، رقم الحديث: 3211.
[3] هذه اللفظة وردَت على ألسنة العلماء والمُفكِّرين والباحثين تفيد تساوي الرجل والمرأة في التكليف الشرعي، وهي جزء من حديث نبوي، وهي وإن وردت منه صلى الله عليه وسلم في مسألة جزئية تتعلق بالغسل من الجنابة، إلا أنها عامة في جميع الأحكام؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقيِّدها بهذه الحالة؛ ينظر سنن الترمذي، باب فيمَن يَستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلامًا، 1/ 113، رقم الحديث 113.
[4] سنن الترمذي، باب ومن سورة النساء (5: 237)، رقم الحديث: 3022.
[5] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء؛ أبو نعيم، دار السعادة، مصر (6: 308).
[6] ينظر كتابه: feminism، نقلاً عن “الإسلام في قفص الاتهام”؛ شوقي أبو خليل، دار الفكر، الطبعة الخامسة، 1982 (ص: 224 – 225).
[7] الإسلام في قفص الاتهام؛ شوقي أبو خليل (ص: 226).
[8] المرجع نفسه (ص: 222).
[9] سنن ابن ماجه، باب القسمة بين النساء (3: 143) رقم الحديث: 1969.
[10] المختار، ريدر دايجست، عدد شباط 1958م عن مجلة هاربر نقلاً عن كتاب: “الإسلام في قفص الاتهام” (ص: 239).
[11] المرجع نفسه.
[12] موقع http://alifpost.com تحت عنوان: أربعة ملايين عانس بالمغرب وفق خارطة العنوسة بالعالم العربي.
[13] ينظر: http://www.assabahnews.tn/article/80083
[14] المغني؛ لابن قدامة (7: 403).
[15] سنن أبي داود، باب ما يَلزمُ الإمام من حق الرعية (4: 553)، رقم الحديث 2928.
[16] صوت الإسلام، العدد 90، 14 شعبان 1379هـ.
[17] صحيح البخاري، باب ما يكره من ضرب النساء (7: 32)، رقم الحديث: 5204.
[18] صحيح البخاري، باب ما يكره من ضرب النساء (7: 32).
[19] جامع البيان في تأويل القرآن؛ ابن جرير الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر (8: 315).
[20] صحيح البخاري، باب كم التعزير والأدب (8: 174)، رقم الحديث: 6850.
[21] المغني؛ لابن قدامة، مكتبة القاهرة، 1968م (8: 174).
[22] سنن الترمذي، باب في فضل أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم (5: 709)، رقم الحديث: 3895.
[23] ينظر: دور المرأة المسلمة في المجتمع؛ إعداد لجنة المؤتمر النسائي الأول (ص: 45)، وينظر:
http://www.saaid.net/female/m103.htm
[24] حوار صدى نيوز مع حسن لمعنقش؛ ينظر:
http://sadanews.ma/index.php/20/848-2014-01-24-23-54-46.
المصدر:الألوكة