المرابحة في المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق
الخميس،27جمادى الثانية1436//16أبريل/نيسان 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. أشرف محمد دوابة
تُمثل المرابحة صيغة من صيغ التمويل والاستثمار الإسلامي، التي لا يُمكن التقليل من شأنها أو تجاهلها، وتعتمد العديد من المصارف الإسلامية على صيغة المرابحة للأمر بالشراء بصورة تكاد تُغطي عمليات التوظيف والاستثمار بها، حتى باتت تعيش في سجن من المرابحة، ورغم تعمد العديد من المصارف الإسلامية عدم الإفصاح والشفافية عمدًا عن مُكونات ونسب صيغ التوظيف والاستثمار بها، واعتمادها على دمج تلك الصيغ دفعة واحدة تحت اسم مُضاربات ومُشاركات ومُرابحات, وذلك للحيلولة دون الكشف عن النسبة الحقيقية للمرابحات في إجمالي استثماراتها. فإن العديد من الدراسات الميدانية أكدت أن المرابحة تستحوذ على نسبة تراوح بين 60 و90 % من استثمارات تلك المصارف.
وهذا الأمر في رؤيتنا لو تم تطبيقه بصورة شرعية سليمة لتم قُبوله، ولكن واقع الحال يكشف عن مُرابحة – في العديد من المصارف – لا تحمل من الأمر إلا اسمه، حتى أصبحت أقرب للتمويل الربوي منه إلى التمويل الإسلامي.
وهكذا يعكس مدى التناقض بين واقع تلك المصارف وبين ما توصلت إليه حركة التنظير الأولى لفكرة المصارف الإسلامية، التي رأت أن أسلوب المشاركة يُمثل الصيغة الأساسية الأكثر مُلائمة، والتي يجب أن تعتمد عليها المصارف الإسلامية لتوظيف مواردها المالية، ولم يكن في حسبانها أن تكون المرابحة الصيغة الأساسية الأولى في تلك المصارف. كما يتناقض هذا الوضع أيضًا مع ما أعلنته المصارف الإسلامية في المرحلة الأولى لبداية نشاطها من أن الهيكل الحالي لأساليب الاستثمار، والذي يعتمد على أسلوب المرابحة بصفة رئيسة هو وضع مؤقت لأنه مُرتبط بظروف خاصة ببداية نشاط تلك المصارف، وسيتم تعديله تدريجيًا في المراحل اللاحقة تجاه تزايد الاعتماد علي أسلوب المشاركة في توظيف مواردها.
إننا إذا كنا نؤمن بقيمة المرابحة كصيغة للتعامل في البنوك الإسلامية فإننا نرفض أن تصبح تلك الصيغة صيغة وحيدة، أو تستحوذ على غالبية توظيف الأموال في تلك المصارف, كما أننا لا نستطيع أيضًا أن نُدافع عن الممارسات الخاطئة في التطبيق، ولا نستطيع أن نتصور أيضًا أن الممارسات الخاطئة كانت عشوائية محضة، أو بسبب جهل القائمين بتطبيقها فقط، وإذا كان البعض ينظر إلىى المرابحة على أنها أقل مخاطر للبنك الإسلامي، وتوفر له قدرًا مُناسبًا لمنافسة البنوك التقليدية، وتوائم طبيعة الموارد قصيرة الأجل، التي تغلب على موارد المصارف الإسلامية، وتُمكن من خدمة الأفراد والمشاريع بتوفير احتياجاتهم من السلع بصورة تُلّبي رغباتهم، فإن تلك المبررات لا يُمكن إتخاذها كوسيلة لتغليب المرابحة على صيغ الاستثمار الأخرى، والخروج بها عن المنهج الشرعي الموضوع لها.
ومن أجل تصحيح المسار تبدو أهمية الخروج بالمرابحة – في التطبيق العملي- من إلزامية الوعد مُطلقًا، فالذين استدلوا بإلزامية الوعد دينًا وقضاء اعتمادًا على رأي لابن شبرمة – لا يتعلق بالمرابحة بصفة خاصة- نسوا أو تناسوا أن ابن شبرمة من فُقهاء المالكية الذين يقرون في فقههم أن بيع المرابحة من العينة، ويخلطونه بالسلف الذي جر نفعًا.
كما ينبغي ألا يتجاهل المصرف الإسلامي تملك السلعة، وتحمل مخاطرها حتى تسليمها للمشتري، ويكون ذلك من باب البيع المسنون لا من باب بيع ما لا يملك أو ما ليس عنده، ويُمكن في هذا الإطار للمصرف الإسلامي إقامة معارض دائمة تتضمن احتياجات عُملائه من السلع، حيث يُمكن من خلال تلك المعارض الإتفاق مع العديد من كُبرى الشركات المنتجة على عرض بضائعهم في تلك المعارض, إضافة إلى عرض المصرف الإسلامي مُنتجات شركاته فيها، ويُمكن للمصرف الإسلامي أيضًا أن يكون سمسارًا لتلك الشركات يبيع لها سلعها، وهو الأمر الذي يُقلل من تكلفة السلعة، ويُتيح للعملاء شراءها بسعر مُناسب، ويُيسر على المتعاملين، إضافة إلى تفادي المصارف الإسلامية مثالب ربط عائد البنك في المرابحة بسعر الفائدة السائد.
لقد أكرم الله- تعالى- تلك الأمة بمنهج اقتصادي رباني تتعدد فيه أساليب ووسائل الاستثمار، مما لا يوجد في غيره من النظم التقليدية، ما بين المشاركة والمضاربة والمرابحة والسلم والاستصناع والبيع الآجل والإتجار المباشر والمزارعة والمساقاة وغيرها .. فلتخرج المصارف الإسلامية من ضيق المرابحة إلى سعة تلك الأساليب حتى تفي بمسؤوليتها الاقتصادية والاجتماعية، وتُحقق ما ألزمت به نفسها مُنذ قيامها، بالمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الإسلامية.
وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.