المقاومة تلسع الوعي الجمعي للصهاينة

السبت،7صفر1436ه الموافق29نوفمبر/تشرين الثاني2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. صالح النعامي
إن كان ثمة من يبحث عن دليل على مكانة المقاومة كأمضى وسيلة تأثير تضمن تحسين واقع الشعب الفلسطيني في معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني، وتحقق انجازات حقيقية وملموسة، فإن بإمكانه أن يبحث عن هذا الدليل في سيل من الاعترفات الصادرة عن نخب صهيونية وازنة تضفي صدقية على هذا الاستنتاج. المفارقة، أنه يتضح من الجدل الدائر في الكيان الصهيوني أن اليمين بشقيه الديني والعلماني بات في حالة دفاع عن النفس بعد تفجر عمليات المقاومة، حيث إن لسان الكثير من النخب الصهيونية يقول: إن سياسات اليمين هي التي دفعت إسرائيل إلى هذا النفق المظلم، الذي لا يقدر أحد على وضع وصفة للخروج منه. ومما يدلل على أن عمليات المقاومة قد آتت أُكلها،على الأقل على صعيد التأثير على الوعي الجمعي للصهاينة، لدرجة أن بعض الجنرالات وكبار الكتاب بات يتبنى المواقف الفلسطينية بين عشية وضحاها. فعلى سبيل المثال، هناك من بات يطالب بإغلاق أبواب المسجد الأقصى أمام ليس فقط اليهود، بل السياح الأجانب، كما يقول شالوم يروشالمي كبير المعلقين السياسيين في صحيفة «ميكور ريشون» اليمينية. ويصل يروشالمي إلى حد الاستنتاج بأنه يتوجب «إغلاق نافذة الشرور» المتمثلة في الزيارات الاستفزازية للمسجد الأقصى. ولا تصدر هذه الدعوة عن كتاب فقط، بل أن يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية «الشاباك» لا يتردد في دعوة قيادة الشرطة الصهيونية إلى رفض السماح للوزراء والنواب من الائتلاف اليميني الحاكم باقتحام المسجد الأقصى. إن أهمية هذه الدعوات تكمن في حقيقة أنها تأتي في أعقاب تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني وكبار قادة ائتلافه الحاكم التظاهرية حول «حق اليهود في زيارة المسجد الأقصى بوصفه يضم الهيكل، الذي يعد «أقدس» مكان لليهود، بزعمهم. وبدلاً من أن نتنياهو يأخذ بالتصدي للدعوات المطالبة بإغلاق المسجد الأقصى أمام زيارات اليهود، فإذا به يلوذ بالصمت، لأنه بات يعي أن العودة على تصريحاته السابقة يعني تعقيد الأوضاع الأمنية بشكل يهدد فرصه في مواصلة الجلوس في ديوان رئيس الوزراء بعد الانتخابات، التي يبدو أنها على الأبواب. ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو تحت ضغط الواقع بات يوزع التعهدات للحكام العرب بعدم تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، على الرغم من أن وزراءه ونوابه كانوا يعكفون على سن مشاريع القوانين الهادفة للتمهيد لتهويده. لا يعني ما تقدم أن قادة اليمين قد هجروا مخططاتهم بشأن القدس والمسجد الأقصى، لكنه يدلل بشكل واضح على حالة الإرباك التي يعيشونها في أعقاب تفجر الانتفاضة. لكن مما لا شك فيه أن أبرز وأهم تأثير للمقاومة على الوعي الجمعي للصهاينة يتمثل بدون شك في أن عدداً كبيراً من الجنرالات المتقاعدين والباحثين وكبار الكتاب الصهاينة باتوا يتبنون الموقف الفلسطيني من قضية القدس، على الأقل في حده الأدنى، والذي كان طرحه يعد جريمة في القياس الصهيوني. فعلى سبيل المثال، بتنا نجد أن النخب الصهيونية باتت تقر بأن عدم الانسحاب من القدس الشرقية يمثل «خطيئة» يدفع ثمنها الصهاينة بأسرهم، حيث يصل هؤلاء إلى استنتاج مفاده أنه يتوجب التخلص من احتلالها. فعلى سبيل المثال، لا يتورع النائب عوفر شيلح، عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست عن القول إن إسرائيل تدفع في الواقع ثمن قرارها الخاطئ بـ «توحيد» القدس، معتبراً أنه لم يكن من الممكن في الأساس ضمان مصالح الكيان الصهيوني والحفاظ على أمنه «القومي» في الوقت الذي يتواصل فيه الاحتلال. ويصل الجنرال شاؤول أرئيلي، الذي قاد قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، إلى حد القول انه بدون «التخلص» من احتلال القدس، فلن تنعم إسرائيل بالأمن والأمان. ويستنتج أرئيلي أن القدس لن تكون موحدة، ويتوجب استخلاص العبر المطلوبة، معتبراً أن كل من يصمم على «توحيد» القدس يريد أن يدهور الواقع الأمني للصهاينة. وهناك من المعلقين الصهاينة من تذكر تفجيرات المقاومة في أواسط تسعينيات القرن الماضي، عندما نسبت نخب اليمين الصهيوني هذه التفجيرات إلى استعداد اليسار الصهيوني المزعوم للتخلي عن القدس الشرقية. ويستغل المعلق الصهيوني البارز نداف إيال، عمليات المقاومة في القدس، ليطرح تساؤلاً يبدو متماسكاً، ويقول: «ماذا حقق توحيد القدس غير مزيد من القتل للإسرائيليين». والذي يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة للقيادة الصهيونية السياسية أن أحداً من قادة الأجهزة الأمنية سواءً الذين هم في الخدمة أم في الاحتياط غير قادر على تقديم وصفة تضمن وقف عمليات المقاومة ذات الطابع الفرديـ، التي لا يمكن أن يكون بالإمكان جمع معلومات استخبارية مسبقة عنها، كما هو الحال في بعض العمليات التي يتم التخطيط لها من قبل تنظيمات أو مجموعات للمقاومة.
ولا داعي هنا للتذكير بأن كل ما تقدم يدلل على بؤس منطق رئيس السلطة محمود عباس، الذي يدعي عبثية المقاومة، في الوقت أن نتاج عدد بسيط من عمليات المقاومة يبدو أكبر بكثير من نتاج عقدين من المفاوضات.

اقرأ أيضا  وقفة نسوية بغزة رفضًا لقرارات واشنطن بشأن القضية الفلسطينية

-السبيل-

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.