النصيحة في الدين

الخميس1 جمادى الثانية 1437// 10 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أبو الحسن هشام المحجوبي ووديع الراضي
النصيحة في الدين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
النَّصيحة في الدِّين من الأمور التي تعزِّز الأُخُوَّة بين المسلمين، وتشدُّ عَضُدَهم، وهي أساس متينٌ لا بدَّ لكل مسلم من مراعاتِه، كيف لا وهي من الأسبابِ التي تُنجِي صاحبَها من الخُسْرانِ؟ قال سبحانه: ﴿ وَالْعَصْرِ *إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 – 3]، فآخرُ الآية الكريمة يُبيِّن لنا مدى الأهميَّة الكبيرة في التواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر.

هذا، ومعلومٌ أن الله تعالى فضَّل أمةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على سائرِ الأمم بهذه العبادة الكريمةِ، التي لا يقومُ بها إلا مَن كان مؤمنًا خالصًا للهِ؛ قال جل وعلا: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
ولا شكَّ أن الأمرَ بالمعروف، والنَّهْيَ عن المنكرِ من العبادات المطلوبة التي تستقيم بها حياةُ المسلمين، بل إنها من الحقوق الواجبة بينَ المسلم وأخيه المسلمِ، والنَّصيحةُ داخلةٌ في هذا الباب؛ فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصَحَك فانصح له، وإذا عطَس فحَمِد اللهَ فشَمِّتْه، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعْه))؛ رواه مسلم في صحيحه.

اقرأ أيضا  الأمر بالمعروف تتعامل مع أكثر من 10 آلاف حساب مخالف في “تويتر”

وعن جرير بن عبدِالله رضى الله عنه قال: “بايعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاةِ، وإيتاء الزكاة، والنُّصْح لكل مسلم”؛ متفق عليه.

وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الدِّينُ النصيحةُ)) قلنا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: ((للهِ، ولكتابِه، ولرسولِه، ولأئمة المسلمين وعامَّتِهم))؛ متفق عليه.

فالأمرُ فيه خيرٌ للناصح والمنصوح، وهي – أي: النصيحة – بابٌ من أبواب المعاونة؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].

ولا بدَّ للناصح أن يتَّسِمَ بصفات، وينضبِطَ بأمورٍ عند إسداء النُّصح، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نذكر منها:
• العلم بالمَأْمور به أو المَنْهي عنه: قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ [النحل: 116]، وقال أيضًا: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ﴾ [الإسراء: 36]، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((مَن كَذَب عليَّ مُتعمِّدًا، فلْيتبَوَّأْ مقعدَه من النَّارِ)).

اقرأ أيضا  أفضل الكلام وأحبه إلى الله (1)

• أن تكون الدعوة بالتي هي أحسن: قال سبحانه: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

ومن المُؤكَّد عندَ القيام بهذه الدعوة لا بدَّ أن يكسوَها الحلم واللِّين والحكمة؛ قال سبحانه: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44]، وقال عزَّ وجل: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83].

والاستنارةُ بالحكمة في باب الدعوة شيء لازمٌ؛ حتى لا يَحْصُل عكس المطلوب، وهي كما قال ابن القيِّم رحمه الله في كتابه (مدارج السالكين): “فعلُ ما ينبغي، على الوجهِ الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي”، فإنه إذا ترتَّب على تغيير المنكر ما هو أنكر منه، فهو منكرٌ في حدِّ ذاته؛ لذلك ينبغي تجنُّبُ ما يمكن أن يُفضِيَ إلى أسوأ مما عليه حالُ المنصوح؛ كأن يَشتُمَ الناصح ويجادلَه بغير علم، أو يَسُبَّ الدينَ، أو ما إلى ذلك.

• أن يكون النُّصْحُ بعيدًا عن أعين الناس: ويكون في سرٍّ بينَ الناصحِ والمنصوحِ، بحيث لا يفضحُ المسلم أخاه أمام الملأ فتصيرَ فضيحةً بالنسبة إليه، ومن أبيات الشافعي في ذلك:
تغمَّدْني بنصحِك في انفرادي
وجنِّبْني النصيحةَ في الجماعةْ
فإن النُّصحَ بينَ الناسِ نوعٌ
من التوبيخِ لا أرضى استماعَةْ
وإن خالفْتَني وعصيتَ قولي
فلا تجزَعْ إذا لم تُعْطَ طاعةْ

اقرأ أيضا  شهر شعبان والمنحة الربانية

وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يجبُ النُّصحُ فيه، صَعِد المنبرَ، وقال: ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا وكذا، دون أن يَجِد المَعْنيُّ في نفسه شيئًا من الحرج، وتكونَ موعظةً للحاضرين من غيره.

نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا إلى العمل بما أنزَلَ، ويُعينَنا على أنفسنا وعلى التواصي بالخير مع إخواننا المسلمين، وأن يتقبَّل عملَنا، ويسترَ عيوبَنا؛ إنه جَوَادٌ كريم، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
-الألوكة-