الهدوء.. لماذا تبحث عنه المرأة؟
الأحد4 رمضان 1436//21 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
فاطمة غنيم
نعيش اليوم في زمن السرعة داخل عالم مشحون، وتنتج لنا التكنولوجيا ثقافة ومجتمعاً يتوقعان وجود كل شيء في الحال، وتخضع المرأة الحديثة لقدر هائل من الضغوط، حيث يُنتَظر منها أن تفعل كل شيء، والكثيرات منا يعملن دوام كامل، وفي نهاية اليوم، نعود إلى منزل مزدحم بالأشخاص الذين يحتاجون إلينا لعمل شيء أو آخر، ومن واجبنا تنظيم البيت وكل من يعيش فيه، ومن مهامنا أن نخلق مكاناً يجعل الأسرة تشعر بالراحة وصفاء النفس، أين نذهب لنعثر على الهدوء؟ ثمة مقولة مفادها: “مكان المرأة بيتها”، وأخرى تشير إلى أن “المرأة تحتاج إلى ركنها الخاص داخل بيتها”.
وتشتمل بيوتنا على مساحات يمكن الاستفادة منها في كل الأغراض، فهناك أماكن تصلح لتسلية الضيوف، وإطعام الزائرين، وأخرى لتناول الطعام، والطبخ، ومشاهدة التلفاز، واللعب، والنوم، والاستحمام، ولكن هل من الممكن أن نجد مكاناً نلجأ إليه في بيوتنا بحيث يتميز بالهدوء والسكينة؟ مكاناً ساكناً ولطيفاً يمنحنا الإحساس بالراحة والسلام؟ في مكان كهذا ستكون لدينا الفرصة للوصول إلى الرغبات المكنونة في أعماق قلوبنا، وللتواصل مع جمال الكون، ورؤية الحب والتناغم في كل الأشياء من حولنا، وعلى قدر حبنا لأسرنا، فإن هناك أوقاتاً نحتاج فيها للخلود إلى الراحة واسترداد عافيتنا وقوتنا الداخلية، ويجب علينا أن نعترف بالحاجات الضرورية بالنسبة لنا بوصفنا نساء ونبذل أقصى ما في وسعنا لتنظيم الوقت لصالحنا، فخلق مساحة للصلاة، أو القراءة، أو الدراسة، أو الراحة والتجديد النفسي، أو حتى للجلوس والدخول في عالم الأحلام الرحب فحسب يدفعنا إلى الإسراع في إنجاز ذلك.
اختيار الغرفة:
بالرغم من عدم وجود ضرورة لهذه الخطوة، فمن اللطيف أن تختاري غرفة لا يستخدمها بقية أفراد الأسرة إلا نادراً، واختيار الغرفة يسمح لك بالقدرة على الذهاب إليها في أي وقت تريديه، وتحتوي معظم البيوت في الشرق الأوسط على صالون إضافي أو غرفة نوم إضافية غير مخصصة لغرض محدد، وهذه فرصة عظيمة لتفعلي ما تريدينه على أكمل وجه دون الاضطرار إلى الدخول في حسابات تتعلق باحتياجات الآخرين، وإذا لم تكن هناك غرفة زائدة في البيت، فإن غرفة نومك قد تكون أفضل خيار أمامك، عليك أن تقرري بحيث تأخذين وضع وتحركات الأسرة في الحسبان.
تنظيم المكان:
بمجرد اختيارك للغرفة التي تريدين استخدامها، فإن الخطوة الأولى هي إجراء عملية تنظيف، وربما يمثل هذا الإجراء أهم خطوة ستقومين بها في إطار خطتك لخلق مكان هادئ، وبعد إنجاز هذه العملية، ربما- حين ترين الفرق الذي صنعته النظافة وحصولك على مكان خال من الفوضى- تقررين استكمال المهمة فتقومين بتنظيف البيت بأكمله، قومي ببذل أقصى جهد ممكن وكأنك تبدئين بقطعة قماش رسم فارغة، انزعي كل شيء ليس له فائدة، تخلصي من كل الفوضى (الأشياء التي يجب أن تكون في مكان آخر أو تلك التي يجب أن تعطيها للآخرين أو تلقي بها بعيدا)، تفحصي بدقة قطع الأثاث المحيطة، وكل الإكسسوارات الموجودة في الغرفة، ما الشعور الذي تثيره فيك؟ إن لم تكوني تحبين هذه الأشياء، ولم تكن لها القدرة على أن تجعل قلبك يغني، فأخرجيها على الفور من الغرفة، وإذا أصاب أي منها الكسر، فقومي بإصلاح ما انكسر أو تخلصي منه، والأهم من ذلك أن لا تتشبثين بها حتى لو كانت ذات شكل جميل، فإذا كانت بعض الأشياء لا تمثل شخصيتك الآن، فدعيها وتخلصي منها، على الأقل انقليها إلى غرفة أخرى، وتذكري أن هذه الغرفة ملكك، وبمجرد أن تمرين على كل الأغراض الموجودة في المكان الذي اخترتيه، وقد تخلصت من كل الأشياء التي لا ترغبين في وجودها، فأنت الآن على استعداد تام للمضي قدما والمطالبة بركنك الخاص في البيت.
اختيار الألوان:
إن اللون الذي تختارينه سيكون بمثابة الخلفية التي تنسدل عليها أفكارك وعواطفك، والتأثير السيكولوجي للألوان أمر مقبول ومعترَف به على نطاق واسع، فيُعرَف اللون بقدرته على تغيير الأمزجة والعواطف والاستجابات الجسدية، وقد عُرِف عن الناس أنهم يشعرون بشيء مختلف في وجود الألوان المتغيرة، ويُعد اللون أهم عنصر في التصميم، فهو الذي يضبط نغمة المكان، ويُبرِز السمة العامة له،، وغالبا ما يرتبط القرار الخاص باختيار اللون بالوعي الباطن، سواء أدركنا ذلك أم لا.
إن الغرض الأساسي من خلق مكان خاص هو الحصول على السكينة والتجدد النفسي، وهو ما يتطلب لوحة ألوان قادرة على توصيل هذه الأحاسيس، فاستخدام مزيج من الأخضر أو الأزرق أو الأرجواني ودرجة من درجات الألوان الدافئة يمنحك شعوراً بالسكينة، وتأكد من عدم امتزاج الأزرق والأخضر بدرجات رمادية ثقيلة، وعليك باستشارة مختص الألوان، تجنبي استخدام اللون الأحمر ودرجاته، وكذلك البرتقالي والأصفر والذهبي؛ فهذه الألوان مثيرة بطريقة فاضحة، ولن نحصل منها على الغرض الذي نبحث عنه، كما أن الأبيض الصِّرْف يؤدي إلى التوتر وإرهاق العينين، وعندما تريدين إضافة ألوان محايدة، عليك باختيار الدرجات الناعمة مثل البيج والكريمي.
الإضاءة السليمة:
إن فهم التأثير الذي تحدثه الإضاءة في النفس سيساعدنا في التأكد من أن الجو الذي نأمل في تحقيقه يتمثل في النتائج التي سنصل إليها، وبالرغم من أننا نعيش تحت دائرة كبيرة من ضوء الشمس في هذه البقعة من العالم، نجد أن القليل جداً من بيوتنا يستفيد جيداً من الإضاءة الطبيعية المتاحة، وتقوم معظم البيوت بإسدال الستائر لحجب الأنظار المتطفلة وطلباً للخصوصية، وهي بذلك تسد واحدة من أهم العناصر الجوهرية في الحياة؛ فالضوء عنصر مهم جداً لصحتنا وسلامتنا.
إن الأنشطة الضوئية الخارجية المحيطة بالمنزل تعد جزءاً حيوياً من الحياة الطبيعية، ولها نفس أهمية الطعام والشراب والهواء، فالضوء جانب أساسي من جوانب الحياة، ويُعرَف الناس الذين يعيشون في المناطق الشمالية بأنهم يعانون مرض الاضطراب الموسمي، والاحتمال كبير أن يمثل هذا المرض مشكلة لبعض الناس الذين يعيشون في المناطق الحارة أيضا، نظراً لأنهم يتجنبون الحرارة والشمس باستمرار، وتلعب ثقافة المنطقة دورها في هذه الحالة، على سبيل المثال، يتم زجر النساء عند الخروج ومن هنا تعرض أجسامهم لضوء الشمس، والبعض منا لا يخرج مطلقا، وقد تم إجراء العديد من الدراسات عن هذا الموضوع، وجاءت النتائج كلها لصالح الاستفادة القصوى من الإضاءة الكاملة التي تحاكي ضوء الشمس.
ونعني بالإضاءة الكاملة تلك الإضاءة التي تحتوي على جميع ألوان الطيف؛ ونتيجة لهذا، فإنها لا تؤثر على قيمة أو لون أو كثافة لون دافئ أو بارد، ويؤدي نقص التعرض لضوء الشمس الطبيعي إلى اضطراب في المزاج والاكتئاب ونقص حاد في الطاقة، إضافة إلى نقص الحافز الجنسي، والنوم المتقطع، وزيادة تناول السكريات، وعند إنشاء مساحة خاصة للراحة وتجديد الذهن، فينبغي على المرء أن يضع في اعتباره الإضاءة الطبيعية الكاملة.
اختيار الأثاث:
ينبغي أن يكون الأثاث الذي سيقع عليه اختيارك ذو خطوط رقيقة وناعمة، فالتفاصيل الكثيرة ترهق الذهن، ومن هنا تحرمك من تجربة الهدوء التي نريدها، وتجنبي الأشغال اليدوية الكثيرة في التصميم والأنماط، وحاولي الالتزام بدرجات الألوان الدافئة والقماش الطبيعي، وليس من الضروري أن يمتلئ المكان “بالأغراض”، بل على العكس من الأفضل أن تقللي من عددها.
القماش والنسيج:
ينبغي أن يكون هناك ارتباط وانسيابية بين الأثاث وستائر النافذة والسجاد والوسائد، فمن السهل خلق بيئة تثير في النفس الاضطراب والتحدي عبر القماش والنسيج الذي تضيفيه للمكان الخاص بك، قد تروق لك الأشياء كل على حدة، ولكن احرصي دوماً على وجود وحدة تجمع بين هذه الأشياء.
ومن المفيد، من وجهة نظري، أن تلتزمي بدرجة لونية واحدة عند اختيار الأثاث والإكسسوارات لكي تسمحي لخلفية لون الحائط والإضاءة أن تقوما بإضفاء طابعهما على المكان.
الطبيعة داخل المنزل:
إن استلهام البيئة المحيطة بالمنزل ودمج عناصر منها يعد طريقة بديعة لإضافة ملمَس متميز إلى بيئتك الخاصة، فهذا يساعدنا على تذكر التناغم والجمال الطبيعي للعالم الذي نعيش فيه، وهو ما يتيح لنا فرصة للتواصل مع الطبيعة، حتى لو حاولت أحوال الطقس خارج المنزل أن تثنينا عن قضاء بعض الوقت في الخارج، يمكنك إضافة نباتات، وأغصان، وشموع، ومجاري مائية، وسلال خشبية حتى لإضافة روح الخارج إلى المكان الخاص بك، وعليك مرة أخرى أن تتذكري أن القليل يكفي.
تذكار:
إن كل شيء ننظر إليه يمثل شيئا لنا، ربما ترغبين في إضافة قطعة فنية أو شيء أهداه لك شخص عزيز عليك، فعندما نحيط أنفسنا بالأشياء العاطفية، فإن ذلك يساعدنا على الشعور بالراحة والحب، ولكن لا تقومي بوضع الكثير من الأشياء الخاصة، عليك باختيار تذكار واحد فقط بحيث يعني لك الكثير.
تناغم:
إن المتطلبات التي تضعها الحياة فوق أكتافنا تتشابه في كثير من النواحي، كما أن الحاجات والرغبات تتشابه في الغالب أيضاً، وعندما أفكر في إمكانات وفوائد (التصميم الداخلي) التي تمت على نحو جيد، فأول شيء يطرق ذهني هو التناغم، فعندما يسري التناغم في الأشياء التي تحيط بنا، فإنه قادر على تغيير كل جوانب الحياة حولنا، وينبغي على النساء أن يدركن الأهمية التي نملكها في البيت، وفي حياة أفراد أسرنا، ناهيك عن دورنا في المجتمع، وكيف نستطيع التأثير بإيجابية في العالم من حولنا عندما نتمكن من التوصل إلى سلامنا الداخلي، إن خلق مكان هادئ خاص بنا واستخدامه يُعد خطوة عظيمة نحو بناء بيت سعيد وعائلة منتجة.
-الألوكة-