الوفاء بالوعد وأثره على الرزق
الثلاثاء،27ربيع الثاني1436//17 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
إحسان عبدالعزيز الدبش
باحث دراسات إسلامية
الوفاء بالوعد وأثره على الرزق لواقعنا في مختلف المجالات وعلى مختلف الأصعدة، يلحظ، للأسف، كثرة انتشار ظاهرة إخلاف الوعد، وهي ظاهرة سلبية في علاقات الناس بعضهم مع بعض، خصوصا في مجال التعامل المهني، بمختلف أنواع المهن، سواء كانت مهنا ذات مستوى ثقافي عال، أو مهنا فنية، أو مهنا صناعية أو تجارية أو وظيفية أو مهن خدمات.
المدقق في واقع تعامل الناس بعضهم مع بعض يعجب لإخلاف الوعد، خصوصا في المجال المهني والتجاري، فيما يتعلق بالأرزاق بين العباد. مع العلم أن في إيفاء الوعد، فضلا عن أنه موقف أخلاقي يجب أن يلتزم به كل مسلم، بركة تزيد في الرزق كما سنوضح ذلك فيما يلي:
لم يترك الإسلام فضيلة إلا أمر بها، ولا مفسدة إلا نهى عنها، يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1).
والوعد نوع من العقود، قد يكون شفهيا وقد يكون كتابيا، بين إنسان وآخر.
والوفاء بالوعد ينحو منحيين: الأول بين العبد وربه، والثاني بين الإنسان وأخيه الإنسان.
فأما الأول: فقد أمر الله عزوجل المؤمنين بالإيفاء بالوعد مع كل الناس، مسلمهم وكافرهم، كبيرهم وصغيرهم، قريبهم وبعيدهم، فقيرهم وغنيهم، عالمهم وجاهلهم. وقد وصف الله عزوجل المؤمنين بأنهم من أولي الألباب، الذين من أولى صفاتهم أنهم: {لَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ } (الرعد:20). وإن الله يحب العبد الذي يفي بوعده، لأن إيفاء الوعد من التقوى، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (آل عمران:76). وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه جل جلاله: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» (رواه البخاري). وعن عبدالله بن عمرو أن النبي ” صلى الله عليه وسلم” قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أاؤتمن خان، وإذا خاصم فجر» (رواه الشيخان).
أما المنحى الثاني بين الإنسان وأخيه الإنسان: فإن الوفاء بالوعد لدى صاحب المهنة، بشكل خاص، يفيده في كسب رزقه على الشكل التالي:
وعد صحيح ودقيق، تنتج عنه ثقة ممتازة، جلب زبائن ورزق وفير.
والعكس: إخلاف وعد، ينتج عنه انعدام ثقة، هروب زبائن، رزق قليل.
إن إيفاء الوعد مع الزبائن تنتج عنه «ثقة الزبون» بصاحب المهنة (حداد – نجار – كهربائي…إلخ). فعندما يذهب المهني إلى الزبون في الوقت المحدد من اليوم والساعة، وحتى الدقيقة، يشعر الزبون بأن هذا المهني رجل صادق في وعده، دقيق في تنفيذه، فقد أتى إلى عمله في الوقت المحدد، والساعة المحددة، والدقيقة المحددة.
وهناك قسم لا بأس به من الناس حريص على أوقاته، لأن الوقت له ثمن.
هذا الإيفاء بالوعد تنتج عنه ثقة الزبون بالمهني، مما يشجعه في مرات قادمة على أن يوصيه بأعمال أخرى يحتاج إليها. بينما ينصرف الزبون إلى غيره إذا لم يف بوعده، كما أن الزبون يشجع أقاربه وأصدقاءه على أن يتعاملوا مع هذا المهني الدقيق في مواعيده، فلا يضيع أوقات الناس سدى. بالإضافة إلى أنه إذا كان هذا المهني متقنا لصنعته، وذا أجر معتدل، ينتج عن ثقة الزبون «ربح وفير». إذن، يدر الوفاء بالوعد والاستقامة في تنفيذه الرزق على المهني.
ومن المؤسف أن نجد في مجتمعاتنا التي نعيش بين ظهرانيها، أناسا كثرا لا يوفون بوعودهم في عقود بيعهم وشرائهم، أو في أدائهم لخدماتهم في الأوقات المحددة. بينما نجد من زار بعض الدول المتقدمة صناعيا يعجب من الدقة في تنفيذهم لوعودهم في وقتها، وفي أدائهم لمهنهم، أو صرفهم الرواتب لعمالهم.
تنفيذ المواعيد بدقة
هناك طرق عدة لتنفيذ المواعيد بدقة، حسب موقع صاحب الموعد (مدير – رئيس قسم – عامل…إلخ)، وحسب نوع الموعد، وشموليته، ومكانته، ولكل حالة ترتيبها. أضرب مثالا على ذلك: إذا واعد شخص شخصا آخر، مثلا، على الساعة السابعة مساء، في بيته، وكان ممن يحرصون على إيفاء الوعد بدقة، فيتبع أسلوب العد العكسي على الشكل التالي:
1- كم أستغرق حتى أتجهز للخروج من بيتي: لبس ثيابي – ترتيب غرفتي – تصفيف شعري – مسح حذائي – تفقد أغراض الخروج من المنزل (مال – بطاقة شخصية – مفاتيح – مناديل – ساعة أو هاتف نقال) «وليكن 10 دقائق».
2- أقدر المسافة بين بيتي وحافلة النقل؛ بحسب تجربة سابقة، إذا لم أكن أملك سيارة «وليكن 7 دقائق».
3- أقدر الزمن الذي ستقطعه الحافلة حتى أصل إلى أقرب موقف للبيت الذي أقصده «وليكن 15 دقيقة».
4- كم أستغرق من المشي حتى أصل إلى البيت الذي أقصده «وليكن 5 دقائق».
5- أضيف من عندي خمس دقائق احتياطا «5 دقائق».
يصبح المجموع 42 دقيقة.
أي إنني يجب أن أخرج من بيتي الساعة 6.18 دقيقة حتى أصل إلى بيت صديقي الساعة 7 في الموعد المحدد بدقة.
أسلوب العد العكسي هذا أسلوب ناجح جدا. قد يقول قائل: أكلما وعدنا إنسانا علينا أن نقوم بهذه العملية الحسابية؟! الجواب في حديث، أعظم مرب وإداري بقوله ” صلى الله عليه وسلم” : «إنما العلم بالتعلم…».
في المرات الأولى نحتاج إلى شيء من الجهد، ثم تصبح عادة حسنة سهلة، تنجز ذهنيا بدقائق إذا لم تكن بثوان. وهذه الطريقة مجربة مئات وآلاف المرات، فلمَ يكون الأجنبي أحسن مني، وديني يأمرني بإيفاء الوعد؟!
الفوائد من الإيفاء بالوعد
أولا: رضا الله عزوجل قبل كل شيء: لأن الإيفاء بالوعد يدخل ضمن أوامر الله عزوجل، كالصلاة والصيام وغيرهما من التكاليف. والتنفيذ فيما يتعلق بالمواعيد مع بقية الأوامر يحقق العبودية التامة لله عزوجل، قال سبحانه وتعالى لبني إسرائيل خاصة وللمسلمين عامة: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (البقرة:40).
ثانيا: حسن السمعة عند الناس عامة (أقارب – أصدقاء – جيران…): إن كان يعمل عملا حرا كسب ثقة رؤسائه، وإن كان صانعا أو تاجرا كبيرا أو صغيرا كسب ثقة الزبائن، خصوصا إذا ترافق ذلك مع الجودة في الصنعة والاعتدال في السعر.
ثالثا: حفظ كرامته: إن كان موظفا أو عاملا وأخلف في مواعيد القدوم إلى العمل زجر من قبل رؤسائه، وقد يهان لأنه يؤخر الإنتاج ويعطله، وإن كان صاحب عمل وأخلف فهو مؤهل للإفلاس أو العقوبات على تأخيره بسبب إخلاله بالاتفاقيات المبرمة. وعلى ذلك نقيس في بقية الاختصاصات والمجالات.
رابعا: تجنب الخسارة المالية من دخله: مثلا، عامل كان يتأخر عن عمله صباحا بشكل يومي، رغم التنبيهات والتحذيرات له بشكل مستمر، لكنه لم يغير عادته، ودائما كان يشكو من قلة دخله، عدا غيابه خلال الأسبوع، حيث يحسم من راتبه كل غياب يغيبه.
حسب صديقه الناصح له كم يخسر في كل شهر نتيجة غيابه 10 دقائق في اليوم صباحا عن موعد عمله وبقية الأيام التي يغيبها في الشهر، فبلغت خسارته 15- 20 في المئة من راتبه.
المجالات التربوية لبناء الشخصية السوية كثيرة جدا، وأهم عملية بناء سليم تعود إلى مرحلة الطفولة، خصوصا الحضانة والابتدائي والإعدادي، ففي هذه المراحل تغرس القيم والمفاهيم السليمة في كل جوانب الحياة، مع الحاجة إلى رعاية القيم الفاضلة التي تربى عليها الفرد المسلم بشكل مستمر، فكم نحن بحاجة إلى إعادة البناء التربوي في جميع المجالات من جديد ومنها الإيفاء بالوعد.
ـــــــــــــــــــــــــ
– الوعي الإسلامي