اليمن: الانقلاب أو الإرهاب
مأرب الولد
الثلاثاء 29 جمادى الأولى 1437// 8 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
من اللحظة الأولى للانقلاب خيّر الحوثيون اليمنيين بالقبول بانقلابهم أو تخويفهم بالإرهاب, تماما مثلما فعل بشار الأسد عندما ثار الشعب السوري ضده حين رد عليهم عبر شبيحته بالشعار المعروف: الأسد أو نحرق البلد وهو ما تم فعلا بإحراق البلاد وتشريد أهلها واستدعاء التدخلين الروسي والإيراني.
قبل الانقلاب لم تكن القاعدة تتواجد سوى في أماكن محددة في قيفة رداع بمحافظة البيضاء وفي أبين على شكل جيوب, لكنها بعد اختطاف الدولة اليمنية لصالح مليشيا طائفية اعتبرت كل معارض لها بأنه داعشي أو تكفيري زاد عدد المنتميين لها بسبب الانقلاب بحسب السياسي اليمني الراحل عبدالكريم الإرياني.
الخطاب المذهبي الذي استخدمه الحوثيون وطبقوه فعلا في التمدد بالمحافظات وشن الحرب على اليمنيين وتجريدهم من الجيش والأمن الذي يُفترض أن يدافع عنهم, كان بمثابة قبلة الحياة التي أعادة للقاعدة, وبالتالي فهم السبب في عودتها وشركاء في الأفعال.
راهن الحوثيون كثيرا على ورقة القاعدة لتعميد أوراقهم لدى الغرب وتحديدا أمريكا التي يرفعون شعارا كاذبا معاديا لها وهم أول من تولى حماية سفارتها عقب دخول صنعاء, وكان هذا هو المشروع الوحيد الذي يمتلكونه والمتمثل بتقديم أنفسهم كشركاء في محاربة ما يسمّى “الإرهاب”.
انتفض اليمنيون ضد الانقلاب وانتظموا في المقاومة الشعبية بدعم من التحالف العربي الذي تدخل بطلب من الرئيس لإعادة الشرعية, ومع تنامي قوة المقاومة وانتصاراتها على الأرض, لم يكن أمام الانقلابيين من خيار سوى اتهام من يقاومهم بأنهم قاعدة ودواعش في محاولة مكشوفة لخلط الأوراق ومغازلة الغرب بالذات.
لم يكن بمقدور الانقلابيين إثبات أن المقاومة هي القاعدة, وما كان ممكنا هو تحريك صالح لأدواته المعروفة بتنفيذ عمليات تفجير واغتيالات وتزايد هذا الأمر كثيرا في عدن بعد تحريرها في محاولة لتأكيد ما رفعوه من قبل وهو أن البديل عنهم في المحافظات التي تخرج عن سيطرتهم هي جماعات العنف والإرهاب.
صالح متهم وفق لجنة أممية بالعلاقة مع القاعدة واستخدامها إبان حكمه كفزاعة لإثارة الغرب لجلب الدعم المادي وبقائه في السلطة, ثم استخدامها بعد الإطاحة به من خلال تمكينها بالسيطرة هنا أو هناك بتسهيلات أمنية واستخباراتية لعل وعسى أن ينجح في خلط الأوراق وتصوير ما يجري على أنه صراع مع الإرهاب وليس معه والحوثيين كمتمردين معاقبين دوليا وفق قرارات صادرة عن مجلس الأمن أبرزها القرار(2216).
ويمكن القول إن هناك ثلاث مراحل استخدمها الانقلابيون لإثارة ورقة الإرهاب بدأت الأولى قبل الانقلاب باتهام السلطة الشرعية وتحديدا الرئيس هادي بأنه عاجز وأحيانا متواطئ مع القاعدة لتبرير ما سيفعلونه لاحقا وهو الإطاحة به بحجة محاربة القاعدة, وهو ما لم ينجحوا فيه ولن ينجحوا لأنهم ببساطة مليشيا طائفية وليسوا دولة.
المرحلة الثانية صاحبت فترة ظهور المقاومة الشعبية وفيها تجاوز الانقلابيون مسألة اتهام معارضيهم بالإرهاب ووصمهم باتهامات تحل أموالهم ومناطقهم إلى التحشيد والتجييش مذهبيا على هذا الأساس وهذا ما تسبب بشروخ في النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية, وافتعلوا عمليات أمنية عبر أدواتهم واستثمروها إعلاميا لتأكيد أنهم يواجهون إرهابا يقتل ويذبح ويستدعون نماذج من سوريا والعراق.
هذه المرحلة فشلت كالأولى سواء بخلق حالة تصديق لخطابهم أو تجييش الشعب لصالحهم أو تغيير صورة الرأي العام الخارجي ومواقف الدول تجاه ما يجري, وانتهى الأمر بإخراجهم من عدن وبقية محافظات الجنوب ثم مأرب وتعززت عزلتهم دوليا بتزايد التأييد للرئيس والتحالف واعتبارهم متمردين على السلطة الشرعية.
أما المرحلة الثالثة والتي نحن فيها حاليا وهي تتزامن مع تحول على الأرض لصالح السلطة الشرعية بعد استعادتها 80% من الأراضي واقتراب قواتها من أبواب العاصمة صنعاء, وتمديد عقوبات مجلس الأمن على صالح ونجله وقيادات الحوثي وحظر توريد وبيع الأسلحة إليهم, ثم حصول التطور الأهم وهو تعيين الفريق الركن علي محسن نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة وهو ما يشير إلى التوجه للحسم العسكري.
هذا الواقع جعل الانقلابيين يستخدمون ورقتهم الأخيرة وهي تضخيم حجم وجود جماعات العنف في الجنوب تحديدا لإطالة عمرهم أو لتجنبيهم الهزيمة العسكرية بعد يأسهم من تدخل روسيا في اليمن على غرار سوريا ومحاصرة التحالف لداعمتهم إيران من دعمهم بالسلاح إلا بمحاولات تهريب تنتهي بقبضة بحرية التحالف.
أبرز ملامح هذه المرحلة تتمثل في تصعيد العنف بالجنوب وعدن العاصمة المؤقتة سواء بتنفيذ عمليات اغتيالات تطال عسكريين ومدنيين وشخصيات بالمقاومة أو بالإيعاز للمحسوبين عليهم بالقاعدة للسيطرة الإعلامية على مدينة في أبين أو شبوة.
الهدف من هذا رفع درجة “القلق” لدى مجلس الأمن في تقييمه لخطر الإرهاب في البلاد إلى درجة “الخوف”, من خلال عمليات وحشية تستهدف أبرياء كعملية قتل مسنين وممرضات هنديات بدار للعجزة في عدن, وهي عملية يمكن أن تندرج فيما يُعرف بصناعة التوحش الذي يجعل الخارج يرى في هذا البلد خطراً يستدعي وقف ما يجري فيه.
صحيح أن هناك فراغا أمنيا أو بتعبير أدق عجز وفشل أمني للسلطة الشرعية في المحافظات المحررة ساعد الانقلابيين لاستخدام أدواتهم لتصعيد العنف لمخاطبة اليمنيين بالداخل بأن السلطة عاجزة عن حمايتهم, لكن الصحيح أيضا أن هناك استراتيجية للانقلابيين لإيصال رسالة للخارج بأن البديل في المناطق المحررة هو الإرهاب.
ما يعزز هذا الطرح أنها أولا جزء من وسائل المواجهة العسكرية مع السلطة الشرعية، وثانيا أن هذه الأعمال من حيث المكان والزمان تتركز بمدن خارج سلطتهم, وهي لو لم تكن من تدبيرهم أو ليس لهم علاقة بها كأن تكون من صنيعة جماعات العنف التي يروجون لها, لكان أولى أنها تنفذ في مناطق سيطرتهم على اعتبار أنهم وفق هذه الجماعات النقيضة لهم إيدلوجيا أعداء يُفترض مواجهتهم.
والخلاصة أن ما يريده الانقلابيون من هذه المرحلة هي تعزيز مخاوف مجلس الأمن كي يصدر قرارا بوقف العمليات الجوية والعسكرية عموما لإنقاذهم بعدما أدركوا أنهم خاسرين عسكريا لا محالة.
يحاول هؤلاء تسويق طرح يخلص إلى أن استمرار الصراع يؤدي لتنامي خطر جماعات العنف وإن الانشغال عن مواجهته باعتباره من وجهة نظرهم منذ البداية هو المشكلة وليس الانقلاب, ويدعمهم في التسويق والتبرير المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ الذي يسعى جاهدا بتقاريره تصوير أزمة البلاد بأنها نتاج الإرهاب وليس الانقلاب.
التحالف الذي تقوده السعودية استبق أي ضغوط دولية محتملة أو اتهامات له بأنه لا يحارب الإرهاب, وقام عبر طائراته بقصف مواقع ومخازن أسلحة لعناصر متشددة في أكثر من مكان, وهو بذلك يريد القول إنه يواجه الإرهاب بكل صوره سواء كان الانقلاب أو القاعدة أو غيرها, دون أن يغفل التذكير بأن الإرهاب هو نتاج للانقلاب الذي يجب أن يسقط لتنتهي تداعياته.
المصدر : موقع مجلة البيان