انتفاضة القدس تهز أمن الكيان الصهيوني
د.صالح النعامي
الثلاثاء 22 ذو الحجة 1436//6 أكتوبر/تشرين 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية
في الوقت الذي أجمع المعلقون الصهاينة على أن ما تشهده القدس والضفة الغربية حالياً يمثل إيذاناً بانطلاق انتفاضة فلسطينية عارمة، هاجمت الكثير من النخب في تل أبيب سياسات حكومة اليمين المتطرف وحملتها المسؤولية عن تدهور الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق.
وحذر ساسة ومعلقون صهاينة يمينيون من أن تفضي عمليات المقاومة الفلسطينية، سيما في القدس إلى إجبار اليهود على عدم التوجه للبلدة القديمة، سيما ما يعرف بـ “حائط المبكى”.
وقد تبين أن عمليات المقاومة التي وقعت في القدس تحديداً قد أفضت إلى المس بواحد من أخطر قادة التنظيمات اليهودية التي تعمل على تهويد القدس وتبدي حماساً لتدمير الحرم القدسي الشريف.
فقد رثت النخب اليمينية الصهيونية بشكل خاص الحاخام والضابط نحميا ليفي، الذي قتل في عملية الطعن في القدس المحتلة التي نفذها الشهيد منذر الحلبي، بسبب دوره المركزي في عمليات تهويد البلدة القديمة، وبسبب اضطلاعه بدور خاص في عمليات تدنيس الحرم القدسي الشريف.
وأشار نداف شرغاي، المعلق في صحيفة “يسرائيل هيوم”، في تقرير نشرته الصحيفة في 4-10 إلى أن ليفي يعد من قادة جماعة “عطيرات كوهنيم” المسؤولة عن عمليات التهويد في البلدة القديمة وسلوان.
واعتبر شرغاي أن “خسارة ليفي تعد خسارة كبيرة للمشروع الاستيطاني والتهويدي في القدس”.وفي السياق، صب بعض الصحافيين الصهاينة جام غضبهم على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، معتبرين أن تعمده إهانة السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس كان له بالغ الأثر في المس بهيبة السلطة ودفع الشباب الفلسطيني لتحديها والانطلاق لتنفيذ عمليات ضد الكيان الصهيوني.
فقد سخرت الصحافية اليهودية عميرة هاس من نخب اليمين التي حملت عباس المسؤولية عن اندلاع المواجهات في الضفة والقدس، معتبرة أن هذه النخب تدرك حجم الدور الذي يقوم به عباس وسلطته في تأمين المستوطنين في الضفة الغربية.
وفي مقال نشرته صحيفة “هارتس” في عددها الصادر في 4-10، أشارت هاس إلى أن تفجر العمليات ضد المستوطنين وجنود الاحتلال جاء بعد أن تم إضعاف عباس وليس بسببه، مشيرة إلى أن آخر ما يرغب به عباس ويخطط له هو تفجير انتفاضة.
وأشارت هاس إلى أن كل المؤشرات تدلل على أن الأحداث تخطت عباس بشكل كبير “بحيث أنه بات من المستحيل إعادة الجني إل الزجاجة”، على حد تعبيرها.
وفي السياق، اعتبر آفي سيخاروف، معلق الشؤون العربية في موقع “وللا” أن الانتفاضة الفلسطينية الجديدة اندلعت لتبقى وتعمر طويلاً، مشيراً إلى أنها نتاج “صلف” حكومة نتنياهو وتطرفها، إل جانب فقدان الفلسطينيين أي ثقة في محمود عباس وبرنامجه السياسي الذي انتهى إلى فشل ذريع”.
وفي مقال نشره الموقع في 5-10، نوه سيخاروف إلى أن الشباب الفلسطيني “لم يعودوا يحصوا أبو مازن ويشعروا بوجوده، بعد خيب أملهم المرة تلو الأخرى”.
وهاجم سيخاروف أقطاب اليمين الديني في الكيان الصهيوني، الذين تعمدوا استفزاز الفلسطينيين من خلال حملات تدنيس الحرم القدسي الشريف؛ محذراً من أنهم يهددون الأمن الشخصي لكل المستوطنين الصهاينة.
وحذر سيخاروف من مغبة الرهان على خيار القوة في قمع الانتفاضة، مشيراً إلى أن القمع لن يفضي إلا إلى تعاظمها بشكل غير مسبوق.
لكن هناك ما يدلل على أن عباس غير معني بتجاوز الخطوط الحمراء الصهيونية ويواصل احترام التزامه المعلن بـ “تقديس” التعاون الأمني مع الصهاينة.
فقد كشف الجنرال الصهيوني آفي مزراحي، القائد السابق لقيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال النقاب عن أن التعاون الأمني بين السلطة والكيان الصهيوني يتواصل بنفس الوتيرة، مشيراً إلى قيادة السلطة الفلسطينية ترى في التعاون الأمني “ذخراً” لها، على الرغم من تواصل الغضب الجماهيري في الشارع الفلسطيني.
ونقل موقع “وللا” في 5-10 عن مزراحي قوله إنه لولا التعاون الأمني الذي تبديه السلطة الفلسطينية لكان يمكن الحديث عن أوضاع بالغة السوء في الضفة الغربية والقدس، على حد تعبيره.
وفي السياق، دلل تفجر عمليات المقاومة في نظر عدد من كبار المعلقين الصهاينة ليس فقط على فشل الحكومة الصهيونية، بل على زيف الانطباع الذي يحاول نتنياهو خلعه على نفسه وتصوير ذاته بأنه “القائد الذي يحفظ الأمن” الصهيوني.
وفي مقال نشرته صحيفة “هارتس” في 4-10، قال المعلق يوسي فيرتير إن العمليات التي نفذها الفلسطينيون أضرت بصورة نتنياهو وسمعته وتهدد العلاقة بينه وبين المستوطنين في أرجاء الضفة الغربية، وشركائه اليمينيين في الائتلاف الحاكم.
وشدد فيرتر على أن نتنياهو لم يعد بإمكانه الزعم بأنه “سيد الأمن” بعدما طالت سكاكيين الفلسطينيين أكثر الشوارع داخل القدس التي تحرص قوى الأمن الصهيونية على تأمينها.
من ناحيته قال الصحافي ناحوم برنيع إن القيادات الصهيونية تتجنب وصف ما يحدث بالانتفاضة حتى لا يتم تحميلها المسؤولية عما يحدث.
وفي مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” في عددها الصادر في 3-10، قال برنيع إنه لن يمر وقت طويل قبل أن تنزلق الانتفاضة وتصل إلى بلدات ومدن في عمق الكيا الصهيوني.
وحسب برنيع فإن ما يحدث الآن “يشبه في مميزاته وسماته الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 1987 وانتهت مع تشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994.
وحمل برنيع نتنياهو المسؤولية عن هذا الواقع لأنه يقف على رأس الحكم في تل أبيب منذ عام 2009، مشيراً إلى أنه اعتقد أنه بالإمكان الحفاظ على الوضع القائم بدون تغيير ودون أن تبذل تل أبيب أية تضحيات أو تقدم تنازلات سياسية.
وعد برنيع نتنياهو مسؤولاً عن حالة اليأس التي تلف الصهاينة وغياب الأمل، مشيراً إلى أن نتنياهو يعيش في وهم ويعتقد أنه بالإمكان “محاصرة الفلسطينيين ليحنوا رؤوسهم ويسلموا بتواصل الاستيطان والتهويد”، معتبراً أن الغرور بلغ بنتنياهو حدوداً غير معقولة”.
في السياق، قال المعلق بن كاسبيت إن نتنياهو “اختار أن يدفن رأسه في التراب وألا يواجه الواقع ومتطلباته، على الرغم من أن الكثيرين حذروه من التبعات المأساوية لخطواته التصعيدية ضد الفلسطينيين”.
وفي مقال نشرته صحيفة “معاريف” في عددها الصادر في 4-10، شدد كاسبيت على أن نتنياهو “بإمكانه أن يلوم شخصاً واحد وهو نتنياهو ذاته”.
من ناحيته، قال المعلق العسكري عاموس هارئيل أن الأمور يمكن أن تتدهور إلى حدود يستحيل تصور مآلاتها في حال جرفت الأحداث السلطة وأجبرت قيادتها على حلها بشكل رسمي أو واقعي.
وحذر هارئيل في مقال نشرته صحيفة “هارتس” في عددها الصادر في 4-10 من أن الضفة الغربية والعمق الصهيوني والقدس المحتلة يمكن أن تتحول جميعها إلى “كرة نار ضخمة”.
من ناحيته قال المفكر الصهيوني يعكوف عامي درور أن الأحداث الجارية يمكن أن تفضي إلى تغيير شكل المنطقة بأسرها، وبما لا ينسجم تماماً مع المصالح الصهيونية.
ويتبين مما تقدم أن عمليات المقاومة حركت المياه الراكدة وقلصت هامش المناورة ليس فقط أمام القيادة اليمينية في تل أبيب، بل لم تعد تدع ثمة خيارات أمام السلطة ورئيسها، فإما تنسجم هذه السلطة مع توجهات الشعب الفلسطيني، أو تقبل بأن تكون النسخة الأكثر سوءاً لجيش أنطوان لحد.
المصدر : البيان