بوتين يرعى تصالح صهيوني إيراني في سوريا
د. صالح النعامي
الاثنين 17 ربيع الثاني 1438 الموافق 16 يناير/ كانون الثاني 2017 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، وبلا ضجيج إعلامي كبير، أعلن في تل أبيب عن تشكيل لجنة تنسيق عسكرية روسية صهيونية جديدة بشأن سوريا، على الرغم من أن لجنة تنسيق عسكرية أخرى كانت تعمل بنجاح حتى الآن.
ويبدو أن تشكيل اللجنة الجديدة التي عقدت أول اجتماع لها قبل أسبوعين في مدينة” سانت بطرسبيرغ” الروسية، مرتبط بتوسيع دائرة التعاون بين الروس والصهاينة.
وإن كان بات من المسلَّم به أن إيران ستدفع ثمن تعاظم التنسيق الروسي الصهيوني، فإن اللافت أنه بات هناك مزيد من الأسباب التي تدفع الإيرانيين لالتزام الصمت والقبول بما يتفضل به الروس والصهاينة.
ويرى المعلقون الصهاينة أنه لم يعد أمام طهران وحزب الله بد إلا القبول بمكانة الكيان الصهيوني كلاعب رئيس ومهم في سوريا، بحيث يتوجب أخذ مصالحه بالاعتبار عند التوصل لأية تفاهمات بشأن بلاد الشام.
وحسب هؤلاء المعلقين، فإن ما يشجع بوتين على الضغط على إيران لأخذ مصالح تل أبيب في الاعتبار حقيقة أن قادة طهران يراهنون على دور روسيا في كبح جماح الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي يحرضه مستشاروه على المس بطهران وإلغاء الاتفاق النووي معها.
وتشير التقديرات الصهيونية إلى أن صناع القرار في طهران باتوا يعون أن بوتين هو تقريباً الوحيد الذي بإمكانه ممارسة الضغوط على ترامب لمنعه من إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، على اعتبار أن هذا يمثل “الكابوس” الذي تخشاه إيران في المرحلة المقبلة.
ومما يزيد من ورطة الإيرانيين – حقيقةً – أن بوتين بحد ذاته يراهن على دور نتنياهو في بناء الجسور مع الولايات المتحدة في عهد ترامب. فصحيح أن ترامب متحمس للعلاقة مع روسيا، لكن الأكثرية الجمهورية في الكونغرس وعدداً كبير من مستشاري الرئيس الجديد يعارضون التقارب مع بوتين. وتبدو المفارقة أن ترامب يراهن أيضاً على علاقات نتنياهو المتشعبة مع الأروقة الجمهورية في إقناع الكونغرس بعدم الاعتراض على العلاقة مع روسيا. لذا لم يكن من سبيل الصدفة أن يكون نتنياهو هو أول زعيم أجنبي قام بوتين بتهنئته بالعام الجديد، بسبب الطاقة الكامنة في العلاقة معه.
مناورة أكبر في سوريا.
ويرى المراقبون الصهاينة أن نتنياهو الذي يعي حجم الأزمات التي تواجه طهران يسمح لنفسه بالطلب من بوتين مواصلة إطلاق يده في سوريا، بحيث بات في حكم المؤكد بالنسبة لصناع القرار في تل أبيب أن لديهم تعهد روسي بمواصلة التمتع بهامش المناورة الأوسع منذ أن تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا.
وقد كشفت القناة العاشرة في التلفزيون الصهيوني النقاب عن أن نتنياهو أدرك أهمية وحساسية حاجة كلٍّ من إيران وحزب الله ونظام الأسد للدعم الروسي، وهو ما جعله يحصل على موافقة ضمنية من موسكو بمواصلة القصف في أرجاء سوريا. وحسب تسفي يحزكيل، معلق الشؤون العربية في القناة، فإن بوتين أوضح لكلٍّ من طهران وحزب الله أنه لا يمكنه أن يحتمل أي توتر مع تل أبيب، حيث ألمح إلى أن مواصلته دعم نظام الأسد يتوقف على عدم التسبب في أزمة مع الكيان الصهيوني. وحسب يحزكيل، فإن بوتين الذي يعي إدراك الإيرانيين وحزب الله للدور الذي تلعبه روسيا في تأمين بقاء الأسد يمارس الضغوط بشكل قوي على طهران من أجل توفير بيئة لتواصل عمليات القصف الصهيوني.
وقد سمح العديد من المعلقين الصهاينة لأنفسهم بفضح طابع التفاهمات التي توصل إليها حزب الله مع روسيا والتي تدلل على قبول الحزب بمنح الكيان الصهيوني هامش مناورة مطلقاً في سوريا من ناحية عملية. فحسب سمدار بيري، معلقة الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرنوت، فقد ألزم بوتين حسن نصر الله بالتوقف حتى عن مجرد التهديد بالرد على الغارات الصهيونية التي تستهدف إرساليات سلاح للحزب في عمق الأراضي السورية. وواصلت بيري وصفها لطابع النظرة الروسية لحزب الله، قائلة: “حسن نصر الله في نظر بوتين ومستشاريه “مجرد ذبابة صغيرة، وعند الحاجة وإذا احتاج الأمر، سيتم كبحه من جانبهم، فبالنسبة لروسيا فإن الطاعة هي اسم اللعبة”، على حد تعبيرها. ولفتت بيري الأنظار إلى أن نصر الله لم يعد يطل إعلامياً ويقوم بالتهديد ويدعي أن حزبه “سيختار الزمان والمكان المحددين للرد لكنه بات يظهر وكأنه مسرور يوزع الابتسامات ويتجاهل الغارات التي يتعرض لها في سوريا”، منوهة إلى أن نصر الله يعي أن بوتين هو “صاحب البيت الحقيقي” وهو لا يريد كسر عصا الطاعة وتجاوز الحدود “وهو ما يجعله يغلق فمه الكبير”.
إن أوضح ما يدلل على عمق التطور المتلاحق على صعيد العلاقة الصهيونية الروسية تمثل في تعمد المسؤولين الروس الإطراء على تل أبيب بشكل مبتذل. فقد قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بغدونوف: إن العلاقات الروسية الصهيونية لم تكن في يوم من الأيام أفضل مما هي عليه الآن، مشيراً إلى أن بوتين يحرص بشكل خاص على الحفاظ على تواصل مستمر مع نتنياهو. وفي مقابلة مع وسائل إعلام صهيونية نوه بوغدونوف بقوله: “لست مبالغاً إذا قلت إن العلاقات الإسرائيلية الروسية تطورت بشكل لم يمكن تخيله، فالقيادة الروسية تولي أهمية قصوى لتعزيز وتقوية التبادل التجاري والاستثمارات والتعاون بكل أشكاله مع إسرائيل”، لافتاً الأنظار إلى أن الكيان الصهيوني يعد الشريك الاقتصادي الأقوى لروسيا في المنطقة.
في الوقت الذي تظهر إيران وأدواتها الشيعية الحماس لارتكاب الجرائم ضد الشعب السوري، فإنها في المقابل ترسل رسائل طمأنة للكيان الصهيوني عبر روسيا، الحليف المشترك لكل منهما.
المصدر : موقع مجلة “البيان”