تراجع كبير للقدرة الشرائية وتكدّس للبضائع في أسواق غزة
غزة (معراج)- يهرب التجّار الفلسطينيون في قطاع غزة، من الكساد الذي طال متاجرهم، جرّاء التراجع الكبير للقدرة الشرائية لدى المواطنين بفعل سوء الأوضاع الاقتصادية، بالإعلان عن عروض “التخفيضات” في أسعار البضائع المعروضة للبيع.
ورغم أن هذه الظاهرة، ليست جديدة، إلا أنها تعمقت منذ بداية الشهر الجاري، جراء توقف الحكومة (مقرها برام الله) عن دفع رواتب موظفيها بشكل كامل، بحسب الأناضول.
ورغم عدم وجود إعلان رسمي من الحكومة حول قطع الرواتب، إلا أن مراقبين يؤكدون أن القيادة الفلسطينية برام الله، تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إجبار حركة حماس على التخلي عن سيطرتها على القطاع.
وشهدت المئات من المحال التجارية في القطاع عروض تخفيضات تصل إلى 50% فأكثر، لجذب المواطنين لشراء البضائع، وخاصة الغذائية منها قبيل فسادها.
ورغم أن التجّار يتكبّدون بفعل تلك العروض خسائر كبيرة، لكنّهم يقبلون على “مضض” الخسارة الجزئية، مقابل عدم فساد تلك البضائع وتكبّد أثمانها كاملة، حسبما قال بعضهم لوكالة الأناضول.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، فإن أكثر من نصف سكان غزة خلال العام الماضي 2017، عانوا من الفقر، بنسبة 53%.
بينما قالت الأمم المتحدة العام الماضي، إن 80 بالمائة من سكان غزة، يتلقون مساعدات إنسانية عاجلة، في إشارة لسوء الأوضاع الإنسانية.
وفي سوق الزاوية الشعبي، شرق مدينة غزة، يفترش التاجر أحمد فايز (23 عاماً)، الأرض، ويعرض مجموعة من المُعلّبات الغذائية، الصالحة للأكل، بعروض بخسة.
ويتخوف فايز من تكدّس تلك المعلّبات داخل مخزنه الصغير، وتتعرض للفساد بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما يكبّده خسائر فادحة.
وفضّل التاجر أن يحظى بجزء قليل من تكلفة شراء تلك المعلّبات، بشكل يعينه على سد احتياجات عائلته الأساسية.
ويشكي التاجر قلة إقبال المشترين لشراء هذه المعلّبات، مشيراً إلى أن الناس بالكاد تشتري الخضروات الأساسية لسدّ جوع أطفالهم.
وداخل محلّ لبيع ملابس الأطفال، ينهمك التاجر الفلسطيني حافظ اليازجي (37 عاماً)، بتعليق قصاصات ورقية، فوق ملابس الأطفال المعلّقة على الحائط، والتي تشمّل عروضاً مخفّضة للأسعار.
وبعد أن كان اليازجي يخصص قسماً واحداً فقط داخل محالّه يشمل “تخفيضات” في الأسعار، يحوّل اليوم كامل المحل إلى “عروض مغرية”.
ويعلّق اليازجي على واجهة محاله التجاري لافتة كتب عليها ” خصم 50%..بيعوض الله”.
ويقول اليازجي لـ”الأناضول”:” الظروف الحالية من أصعب الظروف التي يمرّ بها قطاع غزة، بتنا اليوم نبيع البضائع بخسائر كبيرة بسبب قلة الاقبال على الشراء”.
وتراكمت الديون على اليازجي بسبب عجزه عن سداد المبالغ التي اقترضها لشراء البضائع، حسب قوله.
وبالكاد تكفي قيمة المبيعات اليومية سد احتياجات عائلته، كما يقول.
من جانبه، يقول حسين المدهون، (27 عاما)، المحاسب في أحد المحال التجارية، إن “الإقبال على الشراء ضعيف جداً، في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة”.
ويضيف لوكالة الأناضول، إن مالك المتجر، قام بتسريح 11 عاملا، واكتفى بـ 4 فقط، جراء تردي الأوضاع الاقتصادية.
ويوضح المدهون أن عمله الأساسي، هو مصور صحفي، لكنه ترك عمله في مكتب قناة فضائية محلية، بسبب أزمة مالية عصفت بها.
ويتابع:” بعد أن استنفدت كافة المحاولات في البحث عن فرصة عمل أخرى في مجال تخصصي كمصور صحفي، انتقلت للعمل في السوق التجاري، براتب زهيد”.
بدوره، يقول ماهر الطبّاع، مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية والصناعية في مدينة غزة (غير حكومية)، إن قطاع غزة يمرّ بأسوأ أوضاع “اقتصادية ومعيشية لم يسبق لها مثيل منذ عدة عقود”.
ويضيف، خلال حديثه لـ”الأناضول”:” كل ما مرّ به قطاع غزة من استمرار للحصار، و3 حروب، وإجراءات عقابية، أدى إلى اتجاه كافة المؤشرات الاقتصادية نحو الأسوأ”.
وبيّن أن الأوضاع التي عاشها القطاع منذ أبريل/ نيسان الماضي، عقب الخصومات التي شهدتها رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بغزة، والتي تراوحت ما بين (30-50)%، تسبب بركود وشلل تام في الاقتصاد.
وأوضح أن ذلك انعكس على “الحركة التجارية والشرائية، وانخفاض في الانتاجية بكافة الأنشطة الاقتصادية”.
ويشهد القطاع في الفترة الحالية، بحسب الطبّاع، “كساداً تجارياً لم يسبق له مثيل حيث تتراكم البضائع لدى المستوردين والتجّار”.
وترافق الكساد مع انخفاض كبير في الأسعار، ورغم ذلك الانخفاض، إلا أن “الأسواق خاوية من المواطنين والمستهلكين جرّاء انعدام القدرة الشرائية”، وفق الطبّاع.
وخلال الربع الأول من عام 2018 انخفضت قيمة الواردات إلى قطاع غزة، مقارنة بالربع الأول من عام 2017، بنسبة 15%؛ نتيجة لعدم طلب المستوردين بضائع جديدة بسبب الوضع، كما قال.
ويرجع الطباع، التدهور الحالي، إلى وقف السلطة الفلسطينية دفع رواتب موظفيها بغزة (عيّنتهم قبل سيطرة حماس على القطاع منتصف يونيو/حزيران 2007، وطلبت منهم الاستنكاف عن العمل).
وقال إن الاستمرار في عدم دفع الرواتب سيتسبب في “انهيار اقتصادي شامل للقطاع، وينذر بكارثة حقيقية”.
وأشار الطباع إلى أن قطاع غزة، وخلال سنوات الحصار، كان يعتمد بالشكل الأساسي على رواتب موظفي السلطة.
ووصف تلك الرواتب بـ”المحرك الأساسي للاقتصاد بغزة”.
ويخشى الموظفون من قطع السلطة الفلسطينية لرواتبهم “بشكل كامل”، تنفيذا لتهديد الرئيس محمود عباس (في 19 مارس/ آذار الماضي) باتخاذ “مجموعة من الإجراءات المالية والقانونية العقابية ضد قطاع غزة”، دون أن يعلن عن طبيعتها.
ولم يصدر موقف رسمي من الحكومة الفلسطينية حول الموضوع، كما تعذر الحصول على رد من مسؤوليها الذين يلتزمون الصمت.
وسبق للرئيس عباس أن اتخذ إجراءات إبريل/نيسان من العام الماضي، بهدف “إجبار” حركة حماس على تسليم إدارة قطاع غزة، بالكامل لحكومة التوافق، شملت تقليص الرواتب بنحو الثلث، ووقف إمدادات الكهرباء عن القطاع.
ويقول عايش صيام، الموظف في وزارة المالية الفلسطينية منذ عام 1996، إنه “تفاجأ كما بقية الموظفين في القطاعيْن المدني والعسكري، بتوقف رواتبهم”.
وأضاف لـ”الأناضول”:” الرواتب حياة بالنسبة لنا، لا يوجد مصادر أخرى للدخل، وإذا أوقفت بشكل كامل يعمل أنهم يحكمون علينا بالموت”.
ولدى صيام خمسة أبناء، واحدة منهم من ذوي الإعاقة الحركية، تحتاج شهرياً إلى تكاليف خاصة تبلغ حوالي (500 شيكل)، أي ما يعادل (150 دولارا)، حسب قوله.
ويناشد صيام الحكومة الفلسطينية باستئناف دفع رواتب موظفيها بغزة، لإنقاذهم من “كارثة حقيقية”.
وأضاف:” الرواتب مليون خط أحمر، لسنا الوحيدون الذين نعتاش منها، إنما هي المحرك الأساسي للاقتصاد بغزة”.
واعتبر صيام أن رواتب الموظفين هي “الأمل الوحيد لعائلاتهم وأبنائهم”، مناشداً الحكومة لـ”تحييد ملف الموظفين عن دائرة المناكفات السياسية”.
وأشار صيام، إلى أن صديقه الموظف، مهدد حالياً بسبب تأخره عن دفع إيجار المنزل بالطرد.
وحسب موقع ديوان الموظفين العام الفلسطيني، فإن عدد موظفي القطاع، بلغ نهاية العام الماضي، نحو 58 ألف موظف (مدني وعسكري).