ترامب يؤجج النار التي أضرمها أوباما في سوريا
تقرير الأناضول
أمريكا (معراج) – بالرغم من انتقاداته الكبيرة خلال حملته الانتخابية لسلفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لم يكتف دونالد ترامب بمواصلة المسير عبر نفس الاستراتيجية في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، بل تعدى ذلك إلى إنشاء جيش منظم لمليشيات “ب ي د / بي كا كا” الإرهابية شمالي سوريا.
وانتقد ترامب بشدة استراتيجية أوباما في مكافحة داعش، إلا أنه وبعد فوزه في الانتخابات وتوليه مقاليد الحكم بشكل رسمي، استمر في نفس الاستراتيجية مع إجراء تعديلات بسيطة جدا، من خلال اتباع طرق تفتح المجال أمام دمار أكبر في صفوف داعش، وتفضي إلى نتائج جيوسياسية مسدودة.
وركز أوباما في استراتيجيته ضد داعش على خمسة بنود هي: شن غارات جوية ضد أهداف التنظيم، وتجفيف مصادره المالية، وتدريب القوات المحلية في المنطقة، وتزويدها بالسلاح بهدف عدم نهوض داعش مجددا ومكافحة إيديولوجية التنظيم، وطلب الدعم من المجتمع الدولي بهدف إعادة إعمار المناطق التي تم تحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي.
وخلال أسبوعه الأول في البيت الأبيض، أجرى ترامب زيارة إلى وزارة الدفاع “البنتاغون”، طلب خلالها من الوزير تيم ماتيس إعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة ضد داعش، وإعداد تقرير بخصوص النقاط التي يجب تعديلها.
وبالرغم من سرية التقرير، إلا أن ماتيس أعلن في مارس / آذار عام 2017، أن الإدارة الأمريكية أجرت تعديلين في استراتيجية مكافحة داعش، أولها، إعطاء صلاحيات استخدام القوة للقادة الأمريكيين على الأرض، ومحاصرة التنظيم في المناطق التي يتمتع فيها بقوة كبيرة، ومن ثم القضاء عليه، مقابل الاستمرار في المفهوم العام للاستراتيجية السابقة.
وأضاف أن الهدف من التعديلين هو اتخاذ قرارات أسرع في العمليات ضد عناصر داعش، وإعاقة فرار عناصر التنظيم الأجانب من المناطق التي يسيطرون عليها.
ومع أن ترامب أدعى أن هذا التعديل سيساهم في القضاء على داعش بشكل أسرع، إلا أن هذه الاستراتيجية أدت إلى مصرع المزيد من المدنيين، وتدمير البنى التحتية في تلك المناطق.
** قرارات القادة على الأرض تساهم في سقوط المدنييين
خلال حكم الرئيس أوباما كانت صلاحيات إعطاء أوامر استخدام القوى موجودة في العاصمة واشنطن، إذ كانت قوات التحالف الدولي تحدد الخيارات الأنسب بخصوص الغارات الجوية على أهداف التنظيم، خاصة في مناطق تواجد المدنيين والعمليات البرية على معسكرات داعش، ومن ثم ترسلها إلى مركز القيادة التي ترسلها بدورها إلى البنتاغون، والذي كان ينفذها بعد حصوله على الموافقة من البيت الأبيض.
ومع إلغاء هذه الإجراءات البيروقراطية في عهد ترامب، أدى إعطاء صلاحية تنفيذ العمليات للقادة على أرض الميدان إلى سقوط المزيد من المدنيين، ما فتح المجال أمام الكثير من الانتقادات بهذا الشأن.
ووفقا للعديد من المنظمات المدنية المستقلة، فإن مئات المدنيين سقطوا ضحايا عقب التعديلات في استراتيجية ترامب، حيث قضى نتيجة قرارات القادة على الأرض في شهر مارس / آذار فقط، 230 شخصا غربي الموصل، و40 شخصا في بلدة المنصورة التابعة للرقة، و58 شخصا في قرية جينا التابعة لمدينة حلب.
** قرارات القادة نفعت ميليشيات “ب ي د / بي كا كا” الإرهابية
تشير الإحصاءات الرسمية الأخيرة إلى تواجد ألفي جندي أمريكي على الأراضي السورية، في حين يعتبر عدد الجنود الذين تم إرسالهم بمهام مؤقتة إلى سوريا مجهولا.
وهذا الوضع كان موجودا خلال إدارة أوباما، لكن في عهد ترامب تم إيكال بعض المهام إلى الجنود خارج إطار مكافحة تنظيم داعش، فعلى سبيل المثال، تم تكليف وحدات دورية في مدينة منبج لحماية مليشيات “ب ي د / بي كا كا” من هجمات الجيش السوري الحر.
ولم يتم اتخاذ هذا القرار من قبل البنتاغون، إنما من قادة أمريكيين على أرض الميدان.
كما اتخذ القادة قرار إرسال عربات مدرعة إلى مليشيات “ب ي د” بهدف إعطائها ضمانات، في المناطق التي نفذت فيها المقاتلات التركية غارات جوية.
وفضلا عن ذلك، استخدم القادة الأمريكيون للمرة الأولى مروحيات “أباتشي” لنقل عناصر “ب ي د” إلى منطقة الطبقة شرقي نهر الفرات.
وتعتبر مليشيات “ب ي د / بي كا كا” بذلك الطرف الأكثر استفادة من تعزيز صلاحيات القادة الأمريكيين في المنطقة.
** تسليح “ب ي د” بحجة مدينة الرقة
استمرت إدارة ترامب في سياسة أوباما بخصوص تدريب وتسليح القوات المحلية، لكن نتيجة للانتقادات التركية كان أوباما يقدم السلاح لـ “ب ي د” بواسطة ما يدعى قوات سوريا الديمقراطية.
وأفضى قرار ترامب بتسليح “ب ي د” بحجة عملية الرقة إلى الكثير من الانتقادات، حيث أدت الضغوطات التركية في هذا الشأن بالبنتاغون إلى إعطاء ضمانات بخصوص أن هذه الأسلحة ستستخدم في عملية الرقة فقط.
وفي الوقت الذي لم يوضح فيه البنتاغون كمية الأسلحة المقدمة، إلا أن المصادر الرسمية التركية تشير إلا أنها تتجاوز 4 آلاف شاحنة.
وكانت واشنطن أعلنت أنها ستعيد النظر في موضوع الأسلحة عقب عملية الرقة، لكنها لم تتخذ بعد أي خطوة بهذا الشأن.
** عوضا عن إيقاف تسليحها.. تسعى واشنطن إلى إقامة جيش لـ “ب ي د“
أعلن البنتاغون أنه سيوقف تزويد “ب ي د” بالسلاح، وسيسحب العربات الثقيلة منها عقب عملية الرقة، لكن مع توجه المليشيات إلى ريف دير الزور، أوضحت واشنطن أن موضوع إيقاف دعم الأسلحة غير وارد حاليا.
كما صرح عدد من المسؤولين الأمريكيين، وفي مقدمتهم ماتيس، أن التواجد الأمريكي في المنطقة سيستمر لغاية التوصل إلى حل سياسي في سوريا نتيجة مفاوضات جنيف، ما يعني أن تعاون واشنطن مع “ب ي د / بي كا كا” سيستمر طويلا.
وفي الوقت الذي تستمر فيه النقاشات بشأن مدة بقاء الولايات المتحدة في سوريا، أصدر المتحدث باسم قوات التحالف الدولي “ريان ديلون” تصريحا مثيرا للجدل، حين قال إن التحالف سيقيم في مناطق سيطرة “ب ي د” قوات حماية حدودية قوامها 30 ألف مقاتل.
وأضاف أن 15 ألف مقاتل من هذه القوات هم من تنظيم “قسد” الذي يضم في صفوفه مليشيات “ب ي د / بي كا كا”، مقابل 15 ألف مقاتل آخر سيتم تعيينهم بناء على توظيفات جديدة.
وردا على المعارضة التركية الشديدة لهذه الخطة، ادعت الولايات المتحدة أن المشروع لا يتعلق بأمن الحدود، إنما بالأمن الداخلي في شمالي سوريا.
وبهذا يكون ترامب طور استراتيجية أوباما الخاصة بالتعاون مع العناصر المقاتلة المحلية، لتصل إلى حد إقامة جيش منظم لهذه القوات، ما قد يولد نتائج جيوسياسية مسدودة في المنطقة.
المصدر : الأناضول