تفسير: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)
السبت،22جمادى الثانية1436//11أبريل/نيسان 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
سيد مبارك
تفسير قوله تعالى:
﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾
(سورة البقرة: الآية 32)
إعراب مفردات الآية [1]:
(قالوا) فعل وفاعل (سبحان) مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره نسبّح الكاف مضاف اليه (لا) نافية للجنس (علم) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب اللام حرف جرّ و(نا) ضمير متّصل في محلّ جر باللام متعلّق بمحذوف خبر لا (إلا) أداة استثناء (ما) حرف مصدريّ (علّمت) فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل و(نا) مفعول به (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد والكاف اسم إنّ (أنت) ضمير فصل لا محلّ له (العليم) خبر إنّ مرفوع (الحكيم) خبر ثان مرفوع. اهـ.
روائع البيان والتفسير:
﴿ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا ﴾ قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها – رحمه الله – ما مختصره:
وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته، بالأوبة إليه، وتسليم علم ما لم يعلموه له، وتبرِّيهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئًا إلا ما علّمه تعالى ذكره.
ثم قال:
في هذه الآيات الثلاث العبرة لمن اعتبر – تدبر الآيات السابقة -، والذكرى لمن ادّكر، والبيان لمن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيد، عمّا أودع الله جل ثناؤه آيَ هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن.
وذلك أن الله جل ثناؤه احتجّ فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم على من كان بين ظَهْرَانَيْه من يَهود بني إسرائيل، بإطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن جل ثناؤه أطلعَ عليها من خلقه إلا خاصًّا، ولم يكن مُدرَكًا علمه إلا بالإنباء والإخبار، لتتقرر عندهم صحة نبوته، ويعلموا أن ما أتاهم به فمن عنده، ودلّ فيها على أنّ كل مخبر خبرًا عما قد كان – أو عما هو كائن مما لم يكنْ، ولم يأته به خبر، ولم يُوضَع له على صحّته برهان، – فمتقوّلٌ ما يستوجبُ به من ربه العقوبة. ألا ترى أنّ الله جل ذكره ردّ على ملائكته قِيلَهم: ﴿ أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويَسفكُ الدماءَ ونَحنُ نُسبح بحمدك ونقدسُ لك ﴾ قال: ﴿ إني أعلمُ ما لا تعلمونَ ﴾، وعرفهم أن قِيلَ ذلك لم يكن جائزًا لهم، بما عرّفهم من قصور علمهم عند عرضه ما عرض عليهم من أهل الأسماء، فقال: ﴿ أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتمْ صادقين ﴾. فلم يكن لهم مَفزَعٌ إلا الإقرارُ بالعجز، والتبرِّي إليه أن يعلموا إلا ما علّمهم، بقولهم: ” ﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ﴾. فكان في ذلك أوضحُ الدلالة وأبينُ الحجة، على كذب مقالة كلّ من ادعى شيئًا من علوم الغيب من الحُزاة والكهنة والعافَةِ والمنجِّمة [2]. اهـ[3]
﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ قال السعدي – رحمه الله – في بيانها:
العليم الذي أحاط علما بكل شيء، فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
﴿ الْحَكِيمُ ﴾: من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق، ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئا إلا لحكمة: ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة: وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا، واعترفوا بعلم الله وحكمته، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم؛ وتعليمه إياهم ما لا يعلمون.اهـ[4]
وزاد ابن عثيمين في فوائد الآية عن معنى “الحكيم” بكلام نفيس قال:
و﴿ الْحَكِيمُ ﴾: ذو الحكمة البالغة التي تعجز عن إدراكها عقول العقلاء وإن كانت قد تدرك شيئاً منها؛ و “الحكمة” هي وضع الشيء في موضعه اللائق به؛ وتكون في شرع الله، وفي قدر الله؛ أما الحكمة في شرعه فإن جميع الشرائع مطابقة للحكمة في زمانها، ومكانها، وأحوال أممها؛ فما أمر الله بشيء، فقال العقل الصريح: “ليته لم يأمر به”؛ وما نهى عن شيء، فقال: “ليته لم ينهَ عنه”؛ وأما الحكمة في قدره فما من شيء يقدره الله إلا وهو مشتمل على الحكمة إما عامة؛ وإما خاصة..
واعلم أن الحكمة تكون في نفس الشيء: فوقوعه على الوجه الذي حكم الله تعالى به في غاية الحكمة؛ وتكون في الغاية المقصودة منه: فأحكام الله الكونية، والشرعية كلها لغايات محمودة قد تكون معلومة لنا، وقد تكون مجهولة؛ والأمثلة على هذا كثيرة واضحة..
ولـ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ معنًى آخر؛ وهو ذو الحكم، والسلطان التام؛ فلا معقب لحكمه؛ وحكمه تعالى نوعان: شرعي، وقدري؛ فأما الشرعي فوحيه الذي جاءت به رسله؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، وقوله تعالى في سورة الممتحنة: ﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 10]؛ وأما حكمه القدري فهو ما قضى به قدراً على عباده من شدة، ورخاء، وحزن، وسرور، وغير ذلك؛ ومنه قوله تعالى عن أحد إخوة يوسف: ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يوسف: 80] والفرق بين الحكم الشرعي، والكوني: أن الشرعي لا يلزم وقوعه ممن حُكِم عليه به؛ ولهذا يكون العصاة من بني آدم، وغيرهم المخالفون لحكم الله الشرعي؛ وأما الحكم القدري فلا معارض له، ولا يخرج أحد عنه؛ بل هو نافذ في عباده على كل حال.. اهـ[5]
________________________________________
[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق ( 1/98 ).
[2] الحزاة جمع حاز: وهو كالكاهن. والكهنة جمع كاهن: وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار. والعافة جمع عائف: وهو الذي يعيف الطير فيزجرها ويتفاءل أو يتشاءم بأسمائها وأصواتها وممرها وهو ضرب من الكهانة. والمنجم والمتنجم: الذي ينظر في النجوم يحسب مواقيتها وسيرها، ثم يربط بين ذلك وبين أحوال الدنيا والناس، فيقول بالظن في غيب أمورهم.
[3] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1/ 494 / 673 ).
[4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 / 48).
[5] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 80 ).
-الألوكة-