تفسير: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون)

الأربعاء 11 ذو القعدة 1436//26 أغسطس/آب 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
محمد حسن نور الدين إسماعيل
تفسير قوله تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20، 21].

الطوع: الانقياد والطاعة، لكن أكثر ما تقال في الائتمار لما أُمر، والارتِسام فيما رُسِم؛ قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ ﴾ [النساء: 81] – ﴿ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ ﴾ [محمد: 21]؛ أي: أطيعوا، وقد طاع له يَطوعُ، وأطاعه يُطيعه، قال: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 132] – ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80] – ﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأحزاب: 1]، وقوله في صفة جبريل عليه السلام: ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 21][1].

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى:
لما أخبر تعالى أنَّه مع المؤمنين أمرَهم أن يقوموا بمقتضى الإيمان الذي يُدركون معيَّته، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾؛ بامتثال أمرهما واجتِناب نهيهما، ﴿ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾؛ أي: عن هذا الأمر الذي هو طاعةُ الله ورسوله ﴿ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ ما يُتلى عليكم من كتاب الله وأوامِره، ووصاياه ونصائحِه؛ فتَولِّيكم في هذه الحال من أقبح الأحوال، ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾؛ أي: لا تكتفوا بمجرَّد الدعوى الخالية التي لا حقيقةَ لها؛ فإنها حالةٌ لا يرضاها الله ورسوله، فليس الإيمان بالتمنِّي والتخلِّي، ولكنه ما وقَر في القلوب وصدقَته الأعمال[2].

اقرأ أيضا  القرآن

قال الشيخ أبو بكر الجزائري:
يُنادي الله تعالى عبادَه المؤمنين الذين آمَنوا به وبرسوله، وصدَّقوا وعدَه ووعيده يوم لقائه، فيأمرُهم بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويَنهاهم عن الإعراض عنه وهم يَسمعون الآياتِ تُتلى، والعظاتِ تتوالى في كتاب الله، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ نصرَكم وتأييدكم كان ثمرةً لإيمانكم وطاعتكم، فإن أنتم أعرضتم وعصَيتم فتركتُم كل ولاية لله تعالى لكم، أصبحتم كغيركم من أهل الكفر والعِصيان.

وقوله: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20] ينهاهم عز وجل أن يَسلكوا مسلك الكافرين المشركين[3] في التَّصامُم عن سماع الآيات الحاملةِ للحقِّ والداعية إليه، والتَّعامي عن رؤية آيات الله الدالَّةِ على توحيده، الذين قالوا: إنا عمَّا يقوله محمد في صَمَم، وفيما يَذكر ويُشير إليه في عمًى؛ فهم يقولون: سمعنا بآذاننا، وهم لا يسمعون بقلوبهم؛ لأنهم لا يتدبَّرون ولا يفكرون؛ فلذا هم في سماعهم كمن لم يسمع؛ إذِ العبرة بالسماع الانتفاعُ به[4]، لا مجرد سماع صوت[5].

اقرأ أيضا  المعجزة الخالدة ( القرآن الكريم )

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
يأمر تعالى عبادَه المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، ويَزجُرهم عن مخالفته والتشبُّه بالكافرين به المعاندين له؛ ولهذا قال: ﴿ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾؛ أي: تتركوا طاعتَه وامتثالَ أوامره، وتركَ زواجره ﴿ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 20]؛ أي: بعدما علمتُم ما دعاكم إليه.

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنفال: 21]، قيل: المرادُ المشركون، واختاره ابنُ جرير، وقال ابن إسحاق: هم المنافقون؛ فإنهم يُظهرون أنهم قد سَمعوا واستجابوا، وليسوا كذلك.

ثم أخبر تعالى أنَّ هذا الضَّرب من بني آدم شرُّ الخلق والخليقة، فقال: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ ﴾؛ أي: عن سماع الحق، ﴿ الْبُكْمُ ﴾ عن فهمه؛ ولهذا قال: ﴿ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال: 22]، فهؤلاء شرُّ البرية؛ لأن كل دابَّة مما سواهم مطيعةٌ لله فيما خلَقها له[6]، وهؤلاء خُلقوا للعبادة فكفروا؛ ولهذا شبههم بالأنعام في قوله: ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

وقيل: المراد بهؤلاء المذكورين نفرٌ من بني عبدالدار من قريش، ثم أخبر تعالى بأنَّهم لا فَهم لهم صحيح، ولا قصد لهم صحيح – لو فُرض أنَّ لهم فهمًا – فقال: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ [الأنفال: 23]؛ أي: لأفهمهم، وتقدير الكلام: ﴿ وَ ﴾ لكن لا خير فيهم فلم يُفهِمهم؛ لأنه يعلم أنه ﴿ لَوْ أَسْمَعَهُمْ ﴾؛ أي: أفهمهم ﴿ لَتَوَلَّوْا ﴾ عن ذلك قصدًا وعنادًا بعد فهمهم ذلك ﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ عنه[7].

اقرأ أيضا  تفسير سورة براءة عدد آياتها 129 ( آية 1-27 ) ويقال: سورة التوبة، وهي مدنية

________________________________________
[1] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني، ص212.
[2] تفسير السعدي رحمه الله تعالى، ص 326.
[3] واليهود والمنافقين أيضًا؛ إذ الكل كان هذا موقفَهم مما يدعوهم إليه الرسولُ صلى الله عليه وسلم.
[4] في الآية دليل على أن المؤمن إذا أُمر أو نُهي فقال: سمعًا وطاعة؛ أي: سمعتُ وأطعتُ، ولم يفعل ولم يَترك – لا وزن ولا عبرةَ بقوله؛ بل لا بدَّ من الفعل والتَّرك.
[5] أيسر التفاسير؛ الجزائري، ج1ص513.
[6] قال تعالى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
[7] مختصر تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى؛ الصَّابوني.
الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.