تنمية الأخوَّة بين طلاب حلقات القرآن
الخميس،27جمادى الثانية1436//16أبريل/نيسان 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
عبدالله بن عبدالرحمن
كان مخيماً جميلاً جداً؛ حمل الشباب أمتعتهم، وذهبوا إلى ساحل البحر، اجتمعوا على مرضاة الله وطلب الدار الآخرة، ومع أن عدتهم لم تكن تتجاوز بضعة عشر شاباً، إن ما في قلوبهم ليُغني عن كل عدد…
مضت البرامج والأنشطة “والهجومات” كما يجب، عاش الأحبة أجواءً سعيدةً وجميلة.
ثم حضرت النهاية.. نهاية المخيَّم.. وما أقساها!.. قوض الشباب خيامهم ثم راحوا يتبادلون الرسائل بينهم؛ نصحاً وثناءً وتوجيهاً وإبداءً للمحبة.
جلس الشباب جلستهم الأخيرة، بدأ مُدَرِّسُهم في إلقاء الكلمة المعتادة في نهاية كل مُخيَّم، تحدَّث وذَكَّر بالدار الآخرة، والمقارنة بين نهاية المخيَّم ونهاية الإنسان، ثم عرَّج على فضل الأخوَّة، وأسهب في الحديث عن آثارها.
وفجأةً.. وبلا مقدمات..
انفجر أحد الشباب ببكاء حارٍّ، ونحيب عجيب؛ لفت أنظار الجميع..
استمر المُلقي في حديثه عن الأخوَّة؛ يشرح حديث أبي سعيد الخُدْري عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((ما مجادلة أحدكم في الحق يكون له في الدنيا، بأشد مجادلةً من المؤمنين لربهم، في إخوانهم، الذين أُدخلوا النار؛ يقولون: ربنا، إخواننا كانوا يصلُّون معنا، ويصومون معنا، ويحجُّون معنا، فأدخلتهم النار؟! فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم؛ فيأتونهم، فيعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه؛ فيخرجونهم؛ فيقولون: ربنا، قد أخرجنا من أمرتنا. ويقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم قال: من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول: من كان في قلبه وزن ذرة، قال أبو سعيد: فمن لم يصدِّق فليقرأ هذه الآية: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48]”؛ أخرجه النسائي، وابن ماجه، وصححه الألباني.
بكاء الشاب الذي بكى في أول الكلمة زاد الشباب كلهم تأثراً وبكاءً، وحزناً على أيام وساعات مضت، كانت من أجمل أيامهم.
كان ذلك الموقف – وغيره من المواقف – من الأسباب التي صنعت جيلاً أخويّاً؛ وأثمر ذلك الجيل ثمراً يانعاً يُرى أثره.
كانت هذه قصة أخوَّة حقيقية، يتمناها ويبحث عنها كل مربٍّ؛ ليربي عليها طلابه.
ولعل المجال يكون مفتوحاً للنقاش، في الأسباب التي تجعل الأخوّة تنمو وتنمو حتى تثمر بإذن الله، ومن هذه الأسباب:
1 – الصدق مع الله:
وهذا أقوى العوامل وأهمها، إن الصدق مع الله – عز وجل – في هذا الموضوع وغيره – يجعل التوفيق حليف الإنسان في كل ما يعمل؛ ومنها طلب الأخوَّة؛ فتأليف القلوب بيد الله – عز وجل -: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63]، والمربي إذا صدق في تربيته لطلابه، وأخرج من قلبه كل شيء يشوب هذه النية؛ فلن يخيِّب الله رجاءه.
2 – العدل بين الطلاب:
إن الشاب حين يرى أنك لا تفضِّل عليه أحداً، ولا تفضله على أحد، يقوده هذا إلى أن يعلم أن هذا من باب العدل، وأن هذا المربي إنما يحرص على هذا، لأنه يرى الجميع سواسية، وأنهم إخوة متحابون، وأعلاهم كأدناهم، ولا فضل لبعضهم على بعض؛ فيحب إخوانه.
3 – عدم سماع قالة بعضهم عن بعض:
وأعني بـ (قالة): النميمة، وهي من أخطر ما يقوِّض بنيان الأخوّة، ويجعلها هباءً منثوراً؛ فالمربي حين يستمع لبعض الطلاب في ذمهم لإخوانهم، إنما يجعل طلابه يبحث بعضهم عن أخطاء بعض، ويتصيَّدونها، ويوصلونها له؛ لأنهم يشعرون أن هذا العمل يقربهم إلى مدرسهم؛ ولهذا نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن هذا؛ فقال: ((لا يبلغني أحدٌ منكم عن شيء؛ فإني أحبُّ أن أخرجَ إليهم، وأنا سليمُ الصدر)).
وكم من القصص المؤلمة التي تُذكر في هذا لمربِّين يفضِّلون بعض الطلاب على بعض، ويجعلونهم (دبابيس) بين الطلاب؛ ينقلون لهم كل صغيرة وكبيرة، بل يكذب هؤلاء الطلاب، ويزوِّرون؛ لأجل مصلحة شخصية أو انتقام، وكأنَّ هؤلاء يعيشون في سلك عسكري!! وما علم هؤلاء أن الأصل في المسلم الستر، وأنهم بهذا العمل يهدمون عملهم بأيديهم.
4 – نبذ الحزبيَّة ومحاربتها بلا هوادة:
وأعني بالحزبيَّة: التجمعات الصغيرة التي تكون داخل الحلقة، أو غيرها من المحاضن التربوية، وتجدهم – دائماً – معاً، ولهم رحلات خاصة، ولا يختلطون ببقية الطلاب، وربما يشعرون باحتقار تجاه الطلاب الآخرين، ويُتبِعون هذا بتعليقٍ عليهم.
ولا تستغرب من قولي: “بلا هوادة”؛ فهي تستحق هذا وأكثر؛ لأنها عامل هدم في الحلقات، وفيها إفساد لنفوس الطلاب، وتنفير لبعضهم، ونشر للضغائن، والله المستعان.
5 – الحديث المستمر وذكر القصص المؤثرة:
إن كثرة الطَّرْق تكسر الحديد – كما قيل – وكذا كثرة الحديث في الأخوَّة، يجعل النفوس متشبعة بها، ومشتاقة لتطبيقها، وكذلك ذكر القصص المؤثرة في جانب الأخوَّة، ومن المواضع المهمة لهذا كلمات ما بعد الصلاة في المخيمات.
6 – القدوة المباشرة من الرئيس أو القائد:
حين يطبِّق القائد مفهوم الأخوَّة؛ فيؤثرهم على نفسه، ويضحي لهم بكل ما يستطيع، ويعمل لأجلهم ليل نهار، ويحمل همهم، ويساعدهم في حاجاتهم، ويصلح بينهم – فإنه بذلك يعطي قدوة عملية في أداء حقوق الأخوَّة وتفعيلها.
7 – اتخاذ قدوة مؤثرة من الطلاب:
بعض الطلاب رزقه الله قدرةً على تفعيل حق الأخوَّة ونشره؛ بمبادرته وفدائيته لإخوانه، وحبه لهم، وطاعته، وذله لهم؛ {أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
أولئك هم الذين يملكون عاطفة جياشة، ويجب على المربي أن يستخدم هؤلاء الطلاب قدوة للبقية، في نشر هذا المفهوم.
هذا ما تيسَّر كتابته من الأسباب والوسائل، التي تساعد على تنمية الأخوَّة بين طلاب حلقات التحفيظ، ولعل الأحبة يثرون الموضوع، بما في جَعبتهم.
الألوكة