ثمار النصيحة
الجمعة 5 ذو الحجة 1436//18 سبتنبر/أيلول 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. محمد أبو صعيليك
النصيحة بذرة طيبة يبذرها الناصح، ولا بد للبذرة السليمة التي روعي فيها ما يصلح الزرع من ثمرة، وكذا النصيحة، فإذا روعيت آدابها وشروطها رجونا أن تتحصل منها الثمار الطيبة، والآثار الخيرة، ويمكن إجمال ثمار النصيحة في الأمور التالية:
1- تنقية المنصوح من الشوائب: فإن الناصح عندما يرى من منصوحه غفلة عن خير، أو وقوعاً في شر، فيعمد إلى تقويمه وتنقية نفسه من الشوائب سيراً بها إلى التقليل من القصور في حق الله أولاً، ثم في حق عباده ثانياً، وهذا مكسب كبير للإنسان لو تمعن فيه، وهذا تكميل لنقص وقع فيه المرء من حيث يدري أو لا يدري، فإذا بمتطوع يذب عنه النقص، ويخلصه من الذنب، وأي نقاء أكرم وأبرك من حرص أخيك عليك؟
2- دوام المحبة والألفة: فإن المنصوح إذا نصحه الناصح بما يسدد خطأه، ويكمل نقصه، كان ذلك طريقاً لدوام الألفة بين الاثنين، ذلك لأن الناصح محب لمنصوحه، ويحب الاثنين، ذلك لأن الناصح محب لمنصوحه، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، ولا بد أن يقابله صاحبه بمثل ذلك إن كان عاقلاً، وعليه فكم من نصيحة صادقة أدامت بين الأحبة وداً، وسدّت في شخصية أحدهم نقصاً، وأبعدت من النفس غوائل الشيطان، وألحقت من تأخر وتلكأ بالركب!!
وهنا يجمل أن نسمع كلاماً دقيقاً لابن حزم في حد النصيحة، لنرى من خلاله هذه الثمرة من ثمار النصيحة. يقول الإمام علي بن حزم رحمه الله تعالى: “وحدّ النصيحة أن يسوء المرء ما ضر الآخر، ساء ذلك الآخر أم لم يسؤه، فهذا شرط في النصيحة زائد على شروط الصداقة”.
3- أداء حق الأخوة: إن الناصح حين ينصح غيره إنما يؤدي ما لأخيه من حق عليه، وهذا الحق يتعلق بحب المرء لغيره مثل ما يحبه لنفسه، وهذا الأمر يؤدي بطرق منها النصيحة.
ذلك لأنك لا تحب لنفسك النقص ولا ترضاه، بل تعمل على إزالته وتلافيه، وواجب الأخوة يفرض عليك أن تعامل أخاك المنصوح بمثل ما تعامل به نفسك، وطالما أنك لا ترضى لنفسك النقص، فأنت لا ترضى لأخيك النقص، لذا تقوم بنصحه وإرشاده وإعانته على الخير، وإبعاده عن الشر.
وهذه أمور لا بد لمن تآخيا من تحقيقها، وعنوان تحقيق ذلك بذل النصح لمن احتاج إليه ليكون علامة للاخوة، وطريقا لقرب القلوب، وسداً أمام الضغائن والمحن.
وفي هذا الباب يحدثنا أو حاتم محمد بن حبان البستي فيقول: “النصيحة إذا كانت على نعت ما وصفنا تقيم الألفة، وتؤدي حق الأخوة”. وفي هذا يقول الخليفة عمر بن عبدالعزيز: “من وصل أخاه بنصيحة له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجب حقه..”.
ولعل سائلاً يسأل هنا: كيف تكون النصيحة من حقوق الأخوة مع أن فيها ذكر العيوب وهذا يوحش القلب؟
ويجيب عن هذا السؤال الإمام الغزالي فيقول: «فاعلم أن الإيحاش إنما يحصل بذكر عيب يعلمه أخوك من نفسه، فأما تنبيهه على ما لا يعلمه، فهو عين الشفقة، وهو استمالة القلوب، أعني قلوب العقلاء، وأما الحمقى فلا يلتفت إليهم، فإن من ينبهك على فعل مذموم تعاطيته، أو صفة مذمومة اصتفت بها لتزكي نفسك عنها، كان كمن ينبهك عن حية أو عقرب تحت ذيلك، وقد همت بإهلاكك، فإن كنت تكره ذلك فما أشد حمقك، والصفات الذميمة عقارب وحيات، وهي في الآخرة مهلكات».
4- حصول الأجر: الناصح إذا أسدى لغيره نصحاً استحق عليه الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى، على حرصه على إخوانه، وحبه لهم.
هذه في تصوري الثمرات التي تستفاد من النصيحة.
-السبيل