خطبة المسجد النبوي : نعمة الصلاة وأثرها على العبد المسلم
الإثنين 1 ربيع الثاني 1437//11 يناير/كانون الثاني 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ صلاح البدير
نعمة الصلاة وأثرها على العبد المسلم
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمة، وبَعَث فينا رسولاً منا يتلوا علينا آياته ويُزكِّينا ويُعلِّمُنا الكتاب والحكمة، أحمدُه على نِعَمه الجَمَّة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله أرسله ربُّه للعالمين رحمة، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تبقى وسلامًا يسرى،، أما بعد..
فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله فإن تقواه أفضل مُكتسب، وطاعته أعلى نسب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
لقد أنعم الله عليكم بنعم سابغة، وآلاءٍ بالغة، نعمٍ ترفلون في أعطافها، ومِنَن أُسبِلَت عليكم جلابيبُها، وإن أعظم نعمة وأكبر منة هي: نعمة الإسلام والإيمان، يقول تبارك وتعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، فاحمدوا الله على ما أولاكم، واشكروه على ما إليه هداكم؛ حيث جعلكم من خير أمة أُخرِجَت للناس، وهداكم لمعالم هذا الدين الذي ليس به التباس.
ألا وإن من أظهر معالمه، وأعظم شعائره، وأنفع ذخائره: الصلاة ثانية أركان الإسلام، ودعائمه العِظام، هي بعد الشهادتين آكَدُ مفروض، وأعظمُ معروض، وأجلُّ طاعة، وأرجَى بضاعة، من حفِظها حفِظ دينه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيَع، هي عمود الديانة، ورأس الأمانة، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة))، جعلها الله قُرَّةً للعيون، ومفزعًا للمحزون، فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا حَزَبَه أمرٌ فزِعَ إلى الصلاة ويقول: ((وجُعِلت قُرَّة عيني في الصلاة))، وكان يُنادي: ((يا بلال، أَرِحنا بالصلاة))، فكانت سُروره، وهناءة قلبه، وسعادة فؤاده – صلوات الله وسلامه عليه.
هي أحسن ما قصَدَه المرء في كل مهم، وأولَى ما قام به عند كل خَطْبٍ مُدلَهِمّ، خُضُوعٌ وخُشُوع، وافتقارٌ واضطرار، ودعاءٌ وثناءٌ، وتحميدٌ وتمجيدٌ، وتذلُّلٌّ لله العلي الحميد، يقول رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم -: ((إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنه يُناجي ربَّه))؛ متفق عليه.
أيها المسلمون:
الصلاة هي أكبر وسائل حفظ الأمن والقضاء على الجريمة، وأنجع وسائل التربية على العِفَّة والفضيلة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45].
هي سر النجاح، وأصل الفلاح، وأول ما يُحاسَبُ به العبدُ يوم القيامة من عمله، فإن صلَحَت فقد أفلَح وأنجَح، وإن فَسَدت فقد خاب وخسِر، فالمحافظة عليها عنوان الصدق والإيمان، والتهاون بها علامة الخُذلان والخُسران، طريقُها معلوم، وسبيلُها مرسوم، من حافظ عليها كانت له نورًا وبُرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبَيّ بن خلف، من حافظ على هذه الصلوات الخمس؛ ركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وعلِمَ أنهن حقٌّ من عند الله وجَبَت له الجنة.
نفحاتٌ ورحمات، وهِباتٌ وبركات، بها تُكفَّر السيئات، وتُرفَع الدرجات، وتُضاعَفُ الحسنات، يقول رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم -: ((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات؛ هل يبقى من دَرَنِه شيءٌ؟)) قالوا: لا يبقى من دَرَنِه، قال: ((فذلك مَثَلُ الصَّلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا))؛ متفقٌ عليه.
عبادةٌ تُشرِق بالأمل في لُجَّة الظلمات، وتُنقِذ المُتردِّي في درب الضلالات، وتأخذ بيد البائس من قعر بؤسه، واليائس من درك يأسه إلى طريق النجاة والحياة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
أيها المسلمون:
إن مما يندَى له الجبين: ما فشا بين كثير من المسلمين من التفريط والتضييع لهذه الصلاة العظيمة، فمنهم التارك لها بالكلية، ومنهم من يُصلِّي بعضًا ويترك البقية، لقد خفَّ في هذا الزمان ميزانها، وعظُمَ هُجرانُها، وقلَّ أهلُها، وكثُر مُهملُها، يقول الزهريُّ – رحمه الله تعالى -: “دخلت على أنس بن مالك – رضي الله عنه – بدمشق وهو يبكي، فقلتُ له: ما يُبكيك؟ قال: لا أعرفُ شيئًا مما أدركتُ على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعت”، أخرجه البخاري.
أيها المسلمون:
إن من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائر: ترك الصلاة تعمُّدًا، وإخراج عن وقتها كسلاً وتهاونًا، يقول النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمَنْ تركها فقد كفر))؛ أخرجه أحمد، ويقول – عليه الصلاة وأزكى السلام -: ((بين الرجل أو الكفر تركُ الصلاة))؛ أخرجه مسلم.
وإن فوتَ صلاة من الصلوات كمُصيبة سلب الأموال والضَّيْعات، وفقدِ الزوجة والبنين والبنات؛ يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من فاتته صلاة فكأنما وُتِر أهله وماله))؛ صحَّحه ابن حبان.
وغضب الله ومقتُه حالٌّ على تارك الصلاة؛ يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ ترك الصلاة لقيَ اللهَ وهو عليه غضبان))؛ أخرجه البزَّار، يقول عز وجل: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81]، ويقول رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم – مُحذِّرًا ومُنذِرًا: ((لا تتركنَّ صلاةً مُتعمِّدًا؛ فمن فعل ذلك فقد بَرِئَت منه ذِمَّة الله وذمة رسوله))؛ أخرجه الطبراني، ويقول عبد الله بن شقيق – رحمه الله تعالى -: “كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يرون شيئًا من الأعمال تركُه كفرٌ غير الصلاة”.
أيها المسلمون:
إن التفريط في أمر الصلاة من أعظم أسباب البلاء والشقاء، ضنكٌ دنيوي، وعذابٌ برزخيٌّ، وعقابٌ أخرويٌّ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث الرؤيا: ((إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثَاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقتُ معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مُضطَجِع، وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلَغُ رأسَه – أي: يشدَقُه – فيتبَعُ الحجرَ فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصِحَّ رأسُه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثلما فعل مرة الأولى، قال: قلتُ لهما: سبحان الله ! ما هذان؟… )) فقالا في آخر الحديث إخبارًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – عما رآه: ((أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يُثلَغُ رأسُه بالحجر: فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة))؛ أخرجه البخاري.
فيا عبد لله .. يا عبد الله .. يا عبد الله:
كيف تهون عليك صلاتُك وهي رأسُ مالك، وبها يصحُّ إيمانُك؟ كيف تهون عليك صلاتُك وأنت تقرأ الوعيد الشديد في قول الله جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]؟ كيف تتصف بصفة من صفات المنافقين الذين قال الله عنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء: 142].
أيها المسلمون:
الصلاة عبادةٌ عظيمة لا تسقط عن مُكلَّفٍ بحال، ولو في حال الفزع والقتال، ولو في حال المرض والإعياء، ما عدا الحائض والنفساء؛ يقول تبارك وتعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239].
فيا عباد الله:
أقيموا الصلاة لوقتها، وأسبِغوا لها وضوءها، وأتِمُّوا لها قيامها وركوعها وسجودها وخُشوعها تنالوا ثمرتها وبركتها، وقوتها وراحتها.
أيها المسلمون:
جاءت الأدلة الشرعية الصحيحة الصريحة ساطعة ناصعة، مُتكاثرة متضافرة على وجوب صلاة الجماعة على الرجال حَضرًا وسفرًا، يقول جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، مع المُقتضية للجمعية والمعية، ويقول تبارك وتعالى لنبيه ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو في ساحة القتال وشدة النِّزال: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك} [النساء: 102].
ويقول عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: “من سرَّه أن يلقَى الله غدًا مسلمًا فليُحافِظ على هذه الصلوات حيث يُنادَى بهن، فإن الله شرع لنبيِّكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يُصلِّي هذا المُتخلِّفُ في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلَيْن حتى يُقامَ في الصف”؛ أخرجه مسلم.
يا شباب الإسلام .. يا شباب الإسلام .. يا شباب الإسلام .. يا أصحاب القوة والفُتُوَّة:
هذا ابنُ أم مكتوم – رضي الله عنه وأرضاه – يُقبِلُ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويقول: يا رسول الله، قد كبِرَت سنِّي، ورقَّ عظمي، وذهب بصري، ولي قائدٌ لا يُلايِمُني قِيادُه إيَّاي؛ فهل تجدُ لي رخصة أُصلِّي في بيتي الصلوات؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((هل تسمع المُؤذِّن في البيت الذي أنت فيه؟)). قال: نعم يا رسول الله، قال: ((لا أجد لك رخصةً))؛ أخرجه الطبراني في “الكبير”، ولو يعلم هذا المُتخلِّف عن الصلاة في الجماعة ما لهذا الماشي إليها؛ لأتاها ولو حَبْوًا على يديه ورِجْلَيْه.
واشتد غضبُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على المُتخلِّفين عن جماعة المسلمين، فقال – عليه الصلاة وأزكى السلام -: ((لقد هممتُ أن آمُر بالصلاة فتُقام، ثم آمُر رجلًا يُصلِّي بالناس، ثم أنطلقُ معي برجال معهم حزَمٌ من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأُحرِّق عليهم بيوتهم بالنار))؛ متفقٌ عليه، ويقول أبو هريرة – رضي الله عنه -: “لأَن تمتلئ أُذن ابن آدم رصاصًا مُذابًا، خيرٌ له من أن يسمع النداء ولا يُجيب”.
أيها المُتخلِّف في بيته عن أداء الصلاة جماعة في بيوت الله:
أصِخ السمع لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من سمع المُؤذِّن بالصلاة، فلم يمنعه من اتباعه عُذرٌ لم تُقبَل منه الصلاة التي صلَّى))، قيل: وما العُذْر يا رسول الله؟ قال: ((خوفٌ، أو مرضٌ))؛ أخرجه أبو داود.
وتعظُمُ المُصيبة، وتكبُر الخطيئة حين يكون المُتخلِّف عن صلاة الجماعة ممن يُقتَدى بعمله ويُتأسَّى بفعله، وهي أعظم ضررًا وأشدُّ خطرًا حين يكون المُتخلِّفُ ممن ينتسب إلى العلم وأهله، يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: “ما بالُ أقوامٍ يتخلَّفون عن الصلاة، فيتخلَّف لتخلُّفهم آخرون، لأَن يحضُروا الصلاة أو لأبعثنَّ عليهم من يُجافي رقابهم”.
أيها المسلمون:
تلك أدلة ونصوص لاح الحق في أكنافها، وظهر المُدَى في بيانها، ولقد أفصَحَت الرسل لولا صَمَم القلوب، ووضَحت السبل لولا كَدَر الذنوب.
أيها المسلمون:
لقد كثُر المُتخلِفون في زماننا هذا عن صلاة الجماعة في المساجد، رجالٌ قادرون أقوياء يسمعون النداء صباح مساء، فلا يُجيبون ولا هم يذَّكَّرون، ألسنتهم لاغية، وقلوبهم لاهية، ران عليها كسبُها، وضلَّ في الحياة الدنيا سعيُها، قد انهمكوا في غوايتهم، وتغوَّلوا في عَمايتهم، التحقوا بشُقْبة الدهر، وتجلَّلوا بأخبث سوءةٍ وأشرّ، شُغِلوا عن الصلاة بتسمير كسبهم، وبلهوهم ولعبهم، ولو كانوا يجدون من الصلاة في المساجد كسبًا دنيويًّا ولو حقيرًا دنِيًّا لرأيتهم إليها مُسرعين، ولندائها مُذعِنين مُطيعين، يقول رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده؛ لو يعلم أحدهم أنه يجد عرْفًا سمينًا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء))؛ متفق عليه.
أيها المسلمون:
إن الواجب على المسلمين وولاتهم وعلمائهم وأئمتهم وأهل الحل والعقد فيهم تفقُّد هؤلاء المُتخلِّفين، وأطرِهم على الجماعة أطْرًا، وقصرِهم عليها قصرًا، فعن أُبَيِّ بن كعبٍ – رضي الله عنه – قال: صلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومًا الصبح، فقال: ((أشاهدٌ فلان؟ أشاهدٌ فلان؟)). قلنا: نعم، ولم يشهد الصلاة، ثم قال – صلى الله عليه وسلم -: “أشاهدٌ فلان؟” قلنا: نعم، ولم يشهد الصلاة، فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو تعلمون ما فيهما من الرغائب لأتيتوهما ولو حبوًا))؛ أخرجه أبو داود.
فيا عبد الله:
يا من يأتي المساجد في فُتورٍ وكسل، ويقضي وقتًا قليلًا على ممل: أما علِمتَ أن المساجد بيوت الله، وأحب البِقاع إليه – جل في عُلاه – يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((المسجد بيت كل تقيٍّ، وتكفَّل الله لمن كان المسجدُ بيتَه بالروح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة))؛ أخرجه الطبراني.
ويقول – عليه الصلاة وأزكى السلام -: ((سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه))، وذكر منهم: ((ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ بالمساجد))؛ متفقٌ عليه.
فيا من يتوانى ويتثاقل، ويتساهل ويتشاغل:
لقد فاتك الخير الكثير، والأجر الكبير؛ يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من غدا إلى المسجد أو راح؛ أعدَّ الله له في الجنة نُزُلاً كلما غدا أو راح))؛ متفقٌ عليه، ((ومَنْ تطهَّر في بيته، ثم غدا إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضةً من فرائض الله – كانت خُطُواته إحداها تحُطُّ خطيئة، والأخرى ترفعُ درجة، وإن أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدُهم إليها ممشًى، ولا يزالون قومٌ يتأخَّرون حتى يُؤخِّرهم الله)). نعوذ بالله من الخُذلان والخُسران.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ *لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36، 38].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا،، أما بعد..
فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تعصوه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
أيها المسلمون:
اتقوا الله في أبنائكم .. اتقوا الله في أبنائكم .. اتقوا الله في أبنائكم .. قُرَّة عيونكم، وتتابُع نسلكم وذِكركم، فإنهم أمانة في أعناقكم، مُروهم بالمحافظة على الصلوات، وحُضور الجُمَع والجماعات، رغِّبوهم ورهِّبُوهم، وشجِّعوهم بالحوافز والجوائز، نشِّئوهم على حب الآخرة، وكونوا لهم قدوةً صالحة، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، ويقول رسول الهدى – صلى الله عليه وسلم –: ((مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين))؛ أخرجه أحمد، واحذروا المُلهِيات والمُغرِيات التي تصُدُّهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وألِحُّوا على الله بالدعاء أن يُصلِح أولادكم وأولاد المسلمين أجمعين.
اللهم اجعلنا وذُرِّياتنا وشبابنا وفتياتنا من مُقيمي الصلاة، اللهم اجعلنا وذُرِّياتنا وشبابنا وفتياتنا من مُقيمي الصلاة، اللهم اجعلنا وذُرِّياتنا وشبابنا وفتياتنا من مُقيمي الصلاة برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدْسِه، وأَيَّهَ بكم أيها المؤمنون من جِنِّه وإنسِه، فقال قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وزوجاته أمهات المؤمنين، وآله الطاهرين، وسائر الصحابة أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وفضلك وجُودك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأهلك الطُّغاة والمُعتدين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًا وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين يا قوي يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم إن اليهود قد طغوا وبغوا وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وألقِ الرعب في قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، وعبرةً للمُعتبرين يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وعُضال الداء، وخيبة الرجاء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، ولا تجعل لكافرٍ علينا يدًا، اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنها ورخاءها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتها لما فيه عزُّ الإسلام والمسلمين، وخدمة الحُجَّاج والزُوَّار والمُعتمِرين، اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبر والتقوى، واجزِه خير الجزاء على ما يُقدِّمُه من نُصرةٍ لإخواننا في فلسطين وللمسلمين أجمعين، وأصلِح له بِطانَته وتقبَّل منه يا رب العالمين، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمِت بنا الأعداء ولا الحاسدين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريبٌ سميعٌ مُجيبُ الدعوات.
اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعِظُكم لعلَّكم تذكَّرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
الألوكة