خطبة صلاة الكسوف

الأحد،16جمادى الثانية1436//5أبريل/نيسان 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
قوله: (ولا يشرع لها خطبة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بها دون الخطبة)[1].

قال في “المغني”: “ولم يبلغنا عن أحمد رحمه الله أن لها خطبة، وأصحابنا[2] على أنها لا خطبة لها، وهذا مذهب مالك[3] وأصحاب الرأي[4].

وقال الشافعي[5]: يخطب كخطبتي الجمعة؛ لما روت عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحدٍ ولا حياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا)، ثم قال: (يا أمة محمدٍ، والله ما أحدٌ أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمدٍ، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) متفق عليه[6].

ولنا: هذا الخبر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة، ولم يأمرهم بخطبة، ولو كانت سنة لأمرهم بها؛ ولأنها صلاة يفعلها المنفرد في بيته؛ فلم يشرع لها خطبة، وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة؛ ليعلمهم حكمها، وهذا مختص به، وليس في الخبر ما يدل على أنه خطب كخطبتي الجمعة”[7].

وقال في “الفروع”: “ولا تشرع خطبة وفاقاً لأبي حنيفة[8] ومالك[9]وعنه[10]: بلى بعدها خطبتان تجلى الكسوف أو لا، اختاره ابن حامد وفاقاً للشافعي[11]، وأطلق غير واحد في استحباب الخطبة روايتين، ولم يذكر القاضي وغيره نصاً أنه لا يخطب، إنما أخذوه من نصه: لا خطبة في الاستسقاء، وقال أيضاً: لم يذكر لها أحمد[12] خطبة، وفي “النصيحة”: أحب أن يخطب بعدها”[13].

وقال في “الإفصاح”: “واختلفوا هل لصلاة الكسوف خطبة؟

فقال أبو حنيفة[14] ومالك[15]، وأحمد[16] في المشهور عنه: لا يسن لها الخطبة، وكذلك في الخسوف.

وقال الشافعي[17]: يخطب لها خطبتين من بعد فعلها سواء كان كسوفاً أو خسوفاً، وعن أحمد[18] نحوه[19]” (168ب).

اقرأ أيضا  العدل والإنصاف

وقال ابن رشد: “واختلفوا هل من شرطها الخطبة بعد الصلاة؟
فذهب الشافعي إلى أن ذلك من شرطها.

وذهب مالك، وأبو حنيفة إلى أنه لا خطبة في صلاة الكسوف.

والسبب في اختلافهم: اختلافهم في العلة التي من أجلها خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من صلاة الكسوف على ما في حديث عائشة، وذلك أنها روت أنه لما انصرف من الصلاة وقد تجلت الشمس حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته…) الحديث[20].

فزعم الشافعي أنه إنما خطب؛ لأن من سنة هذه الصلاة الخطبة كالحال في صلاة العيدين والاستسقاء.

وزعم بعض من قال بقول أولئك: أن خطبة النبي عليه الصلاة والسلام إنما كانت يومئذٍ؛ لأن الناس زعموا أن الشمس إنما كسفت لموت إبراهيم (ابنه) عليه السلام”[21].

وقال البخاري: “باب: خطبة الإمام في الكسوف. وقالت عائشة وأسماء: خطب النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب. (ح)، وحدثني أحمد بن صالح، قال: حدثنا عنبسة، قال: حدثنا يونس، عن ابن شهاب، حدثني عروة، عن عائشة – زوج النبي صلى الله عليه وسلم – قالت: خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد، فصف الناس وراءه فكبر، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر، فركع ركوعاً طويلاً، ثم قال: (سمع الله لمن حمده)، فقام ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر وركع ركوعاً طويلاً، وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) ثم سجد، ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات (169أ)، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: (هما آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموها فأفزعوا إلى الصلاة). وكان يحدث كثير بن عباس: أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يحدث يوم خسفت الشمس بمثل حديث عروة، عن عائشة، فقلت لعروة: إن أخاك يوم خسفت بالمدينة لم يزد على ركعتين مثل الصبح؟ قال: أجل؛ لأنه أخطأ السنة”[22].

اقرأ أيضا  السعودية: ترجمة خطبة يوم عرفة الى 5 لغات عالمية

قال الحافظ:
“قوله: (باب: خطبة الإمام في الكسوف) اختلف في الخطبة فيه، فاستحبها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث، وقال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحمد ذلك، وقال صاحب “الهداية” من الحنفية: ليس في الكسوف خطبة؛ لأنه لم ينقل.

وتعقب: بأن الأحاديث ثبتت فيه، وهي ذات كثرة.

والمشهور عند المالكية أن لا خطبة لها مع أن مالكاً روى الحديث وفيه ذكر الخطبة، وأجاب بعضهم: بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس.

وتعقب: بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل، وقد استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور، وقال: إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيءٍ معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة، وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف، فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف.

نعم؛ نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين؛ إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك، وإلى ذلك نحا ابن المنير في “حاشيته” ورد على من أنكر أصل الخطبة (169ب)؛ لثبوت ذلك صريحاً في الأحاديث، وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أن صعد المنبر، ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطاً، ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع”[23].

اقرأ أيضا  نعمة الأمن ووجوب شكرها

وقال البخاري أيضاً: “باب: قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد. وقال أبو أسامة: حدثنا هشام، قال: أخبرتني فاطمة بنت المنذر، عن أسماء، قالت: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فخطب، فحمد الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد”[24].

قال الحافظ: “وفيه تأييد لمن استحب لصلاة الكسوف خطبة”[25].

________________________________________
[1] الروض المربع ص134.
[2] كشاف القناع 3/424، وشرح منتهى الإرادات 2/49.
[3] الشرح الصغير 1/191، وحاشية الدسوقي 1/402.
[4] فتح القدير 1/437، وحاشية ابن عابدين 2/193.
[5] تحفة المحتاج 3/60، ونهاية المحتاج 2/408.
[6] البخاري 1044، ومسلم 901.
[7] المغني 3/328.
[8] فتح القدير 1/437، وحاشية ابن عابدين 2/193.
[9] الشرح الصغير 1/191، وحاشية الدسوقي 1/402.
[10] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 5/404.
[11] تحفة المحتاج 3/60، ونهاية المحتاج 2/408.
[12] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 5/405، وكشاف القناع 3/424، وشرح منتهى الإرادات 1/49.
[13] الفروع 2/151.
[14] فتح القدير 1/437، وحاشية ابن عابدين 2/193.
[15] الشرح الصغير 1/191، وحاشية الدسوقي 1/402.
[16] كشاف القناع 3/424، وشرح منتهى الإرادات 2/49.
[17] تحفة المحتاج 3/60، ونهاية المحتاج 2/408.
[18] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 5/404-405.
[19] الإفصاح 1/264-265.
[20] تقدم تخريجه 2/294.
[21] بداية المجتهد 1/197
[22] البخاري 1046، وأخرجه أيضاً مسلم 901.
[23] فتح الباري 2/533-534.
[24] البخاري 1061.
[25] فتح الباري 2/547.
-الألوكة-

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.