خُلُق الشَّابّ المسلم

Sheikh

Sheikh

الأحد،3شعبان 1435الموافق1 حزيران/يونيو2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
د. عثمان الخميس
* -أمَّا الأمرُ الثَّاني وهو الصَّبر..
مِنْ أخلاقِ المسلمينَ التي يجبُ عليهم أنْ يلتزموا بها الصَّبر، والصَّبرُ أنواعٌ، هناك صبرٌ على الطَّاعةِ، وهناك صبرٌ عنِ المعصيةِ، وهناك صبرٌ على الأقدارِ.
* الصَّبرُ على الطَّاعةِ أنْ يصبرَ الإنسانُ على طاعتهِ لربِّه تباركَ وتعالى، ويتحمَّل في سبيلِ عبادتهِ لربِّه- تبارك وتعالى -التَّعَبَ والمشقَّةَ التي يجدُها، هذا صبرٌ على الطَّاعةِ.
يصبرُ على الصِّيامِ.. يصبرُ على الصَّلاةِ.. يصبرُ على الصَّدقةِ، النَّفسُ تحبُّ المالَ وهو يُعطي ويبذلُ، هذا صبرٌ على طاعةِ الله تباركَ وتعالى.
* وصبرٌ عنِ المعصيةِ، أنْ يصبِّرَ على نفسهِ ألَّا تقعَ المعاصي، وبعضُ المعاصي قد تتهيَّأ لك.. قد تنفردُ بالمعصيةِ بحيثُ لا يراكَ أحدٌ.. قد تُغرى بمالٍ.. قد تُغرى بجمالٍ.. قد تُغرى برشوة.. بمنصبٍ.. كلّ هذه الأشياء معاصٍ، يصبرُ الإنسانُ ويتحمَّل في سبيلِ الله، فلا يُقبِلُ ولا يأتي هذه المعاصي أبدأ.
*ثم صبرٌ على الأقدارِ، الصَّبرُ على الأقدارِ أنْ يتحمَّل الإنسانُ المصائبَ والأقدارَ والابتلاءات التي يبتلي الله — تبارك وتعالى –بها عبادَه، قد يموتُ للإنسانِ ولدٌ.. قد يموتُ له عزيزٌ.. قد يموتُ له أبٌ، أمٌّ، أخٌ، أختٌ، زوجةٌ.. مَنْ يكونُ.. المهم أنه عزيزٌ على هذا الإنسانِ، فهذا الإنسانُ إمَّا أنْ يصبرَ وإمَّا أنْ يجزعَ فلا يصبر، ولكنْ ما هي المحصِّلةُ النِّهائيَّةُ؟؟ في النِّهايةِ ماذا يكونُ؟
الذي صبرَ بعد سنةٍ سينسى ذلك الذي ماتَ، والذي جزعَ بعد سنةٍ سينسى الذي ماتَ، الكلُّ اجتمعَ إذاً في النِّسيانِ، ولكنَّ الذي صبرَ نالَ الجزاءَ عند الله، والذي جزعَ ولم يصبرْ نالَ الإثمَ والبَوَارَ والعياذُ بالله، فإمَّا أنْ تصبرَ صَبْرَ الرِّجالِ إذا جاءتك المصيبةُ وإمَّا أنْ تسلوَ سُلُوَّ البهائمِ، فأنتَ بين أمرينِ، فاصبرْ إذاً صَبْرَ الرِّجالِ ولا تكنِ الثَّانيةَ والعياذُ بالله.. فالصَّبر الصَّبر.
* والصَّبرُ في الدَّعوةِ إلى الله – تعالى -أنْ يصبرَ الإنسانُ وهو يدعو إلى الله تباركَ وتعالى، ولذلك قالَ: (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا….)) (24) ” سورة السَّجدة.
لذلك قالَ سفيان – رحمه الله تعالى -: ” بالصَّبرِ واليقينِ تُنالُ الإمامةُ في الدِّين “.
طريقُ الدَّعوةِ طويلٌ، وطريقُ الدَّعوةِ شائكٌ وشاقٌّ، فإنْ لم تصبرْ فلنْ تنالَ شيئاً، لنْ تنالَ شيئاً وأنت تدعو إلى الله- تبارك وتعالى -إنْ لم تصبرْ.
مَنْ تريدُ مثالاً؟
نوح – عليه الصلاة والسلام -؟؟
كم سنةً جلسَ يدعو قومَه؟؟
تسعمائة وخمسون سنة، يدعو إلى الله تباركَ وتعالى، وهو نبيٌّ كريمٌ، بل رسولٌ مِنْ أولي العزمِ مِنَ الرُّسُلِ، أعطاهُ الله- تبارك وتعالى -حُسْنَ الأسلوبِ والبلاغة والدَّعوة والحرص والشَّفقة والعِلْم والتَّأييد مِنَ الله تباركَ وتعالى، وتسعمائة وخمسون سنة يدعو!!
كم الذين اتَّبعوه؟؟
كم عدد الذين أسلموا؟؟
حملتْهم سفينةٌ!!!
تصوَّرا كلّ الذين أسلموا مع نوحٍ خلالَ تسعمائة وخمسين سنة حملتْهم سفينةٌ!! مع بهمهم – مع الحيوانات – حتى أنَّ في روايات أهلِ الكتابِ أنَّ الذين آمنوا بنوح ثلاث وثمانون!!
تسعمائة وخمسين سنة، يعني في كلِّ سنةٍ ربع آدميّ يُسلمُ مع نوحٍ، في كلِّ سنةٍ ربع آدميّ أو أقلّ، الذين يتَّبعون نوحاً – عليه الصلاة والسلام -، هل ضَرَّه ذلك شيئاً؟؟
لا والله ما ضَرَّ نوحاً صلواتُ الله وسلامُه عليه، بل نوح مِنْ أولي العزمِ مِنَ الرُّسُلِ.
لا يضرّك النَّاس اهتدَوا أم لم يهتدوا، هذا ليسَ شأنك ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ…) (56) ” سورة القصص، الهدايةُ بيدِ الله- تبارك وتعالى -وحدَه، القلوبُ بين أصبعينِ مِنْ أصابعِ الرَّحمنِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ – جل وعلا -، ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)، ادعُ إلى الله واصبر وأنت تدعو إلى الله تباركَ وتعالى.
خذْ مثالاً على ذلك – وإنْ كانَ جاهليّاً – إنَ كانَ قائلُنا يقولُ: نوح.. وأين نحن مِنْ نوح؟؟ هذا رسولٌ كريمٌ!! وهذا يقولُه كثيرٌ مِنَ النَّاسِ: أين نحن مِنْ نوح؟؟!!
هل تريدون أنْ تقولوا أين نحن مِنَ الجاهليّ؟؟!!
امرؤ القيس شاعرٌ جاهليٌّ نصرانيٌّ.. على الأقلّ نقتدي بشاعرٍ جاهليٍّ في هذه المسألةِ.
امرؤ القيس أبوه كانَ ملكاً، فقام عمُّه وقتلَ أباه وأخذَ الملْكَ، ذهبَ امرؤ القيسِ إلى قيصرَ للعلاقةِ التي بينهم يطلبُ منه العونَ، يرسل معه جيشاً، يرسل معه كتيبةً.. حتى يرجع له مُلْكَ أبيهِ، لقيَ في الطَّريقِ رجلاً يقالُ له عمرو بن قَمِئَة فقالَ: تصاحبني؟ قالَ: أصاحبك. فخرجَ معه، في الطَّريقِ وقفَ عمرو بن قَمِئَة فبكى!! وذلك أنه كانَ قد خرجَ مِنْ أهلهِ شريداً طريداً، كانَ عمُّه يريدُ قتلَه، وقصَّته ليستْ هي موضوعنا الآن، فلما بكى قالَ له امرؤ القيس:
بكي صاحبي لما رأى الدَّربَ دونه *** وأيقنَ أنَّا لاحقون بقيصرا
فقلتُ له لا تبكي عينُك إنما *** نحاول ملكاً أو نموتَ فنُعذرا
نحن كذلك ندعو إلى الله تباركَ وتعالى، نحاولُ هدايةَ النَّاسِ أو نموت فنعذرا، فلندعو إلى الله، ولنصبرْ ونحن ندعو إلى الله تباركَ وتعالى؛ حتى إذا لقينا الله- تبارك وتعالى -إمَّا أنْ نقولَ دعونا فما استجابوا، وإمَّا أنْ نقولَ لا فائدةَ، فيقولُ الله وما يُدريكَ؟؟ فكيف تردُّ على الله تباركَ وتعالى؟؟؟!!
فلندعو ولنصبرْ على ما يصيبُنا في الدَّعوةِ إلى الله تباركَ وتعالى، ولولا الصَّبرُ كما قيلَ لما جنى الزَّارعُ الثَّمرَ أبداً، لو لم يصبرْ عليها ويسقيها الماءَ وينتظرها والله ما جنى الثَّمرَ أبداً، لو كانَ مجرَّد أنْ يبذرَ يريدُ أنْ تخرجَ ولا تخرجُ فيحفر؛ هل هذا يجني ثمراً؟؟!! لا والله لا يجني ثمراً.
ولذلك رسولُكم – صلى الله عليه وسلم – لما جاءَه خبَّاب بنُ الأرت وقالَ: يا رسولَ الله، إلى متى ونحن على هذا؟؟ نؤذى و نعذَّب… – وذلك قبلَ هجرةِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فقالَ له النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: (( إنَّ مَنْ كانَ قبلَكم كانَ أحدُهم يُوضعُ المنشارُ على مفرقِ رأسهِ فيخلصُ إلى قدميهِ لا يصرفُه ذلك عنْ دينهِ….. ولكنَّكم قومٌ تستعجلونَ)).
ولكنكم قومٌ تستعجلون.. اصبروا.. دعا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – أهلَ مكَّةَ ثلاثَ عشرةَ سنةً.. صبر.. صبرَ على إيذائِهم، ولذلك لما جاءَه جبريلُ وقالَ له: (( هذا مَلَكُ الجبالِ يستأذنُك في أنْ يُطْبِقَ عليهمُ الأخشبينِ، فقالَ له النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: لا.. بل أرجو أنْ يخرجَ مِنْ أصلابِهم مَنْ يقولُ لا إله إلا الله)).
هذا وإنْ كانَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – قد فرغَ منهم ولا فائدةَ فيهم يقولُ: (( أرجو أنْ يخرجَ مِنْ أصلابِهم مَنْ يقولُ لا إلهَ إلا الله)) أي مِنْ ذرِّياتهم وأولادِهم.
قلنا الخُلُق الأوَّل الصِّدق، الخُلُق الثَّاني الصَّبر
* الخُلُق الثَّالث التَّواضع
الله- تبارك وتعالى -يقولُ: ( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً…)، يبيِّن لك الله- تبارك وتعالى -حقيقتك (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (37) ” سورة الإسراء، اعرفْ قَدْرَك يا ابنَ آدم ( إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا)، ولذلك لما مَرَّ محمَّد بن المهلب بن أبي صُفْرَة وكانَ أحدَ القادةِ.. مرَّ في الطَّريقِ يمشي متبختراً، وكانَ قد رآهُ مُطَرِّف بنُ الشِّخِّير فقالَ له: هوِّن عليكَ، إنَّ هذه مِشْيَة يُبغضُها الله، فغضبَ محمَّد بنُ المهلب بن أبي صُفْرَة وقالَ له: ويحكَ أمَا تعرفُني؟؟!!، قالَ: بلى والله أعرفُك حقَّ المعرفةِ، ألستَ أنتَ الذي أوَّلكَ نطفة مَذِرَة وآخرُك جِيْفَة قَذِرَة، وأنت فيما بين ذلك تحملُ العذرة؟؟ قالَ: بلى والله عرفتني حقَّ المعرفةِ.
هذا ابنُ آدمَ.. مِنْ نطفةٍ.. مِنْ ماءٍ مهينٍ.. على ماذا تتكبَّر؟؟ على ماذا تتجبَّر؟؟ على أيِّ شيءٍ؟؟؟
ورسولُك – صلى الله عليه وسلم – يقولُ: (( إنَّ الله قد أوحى إليَّ أنْ تواضعوا حتى لا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ))، الكِبْرُ مرضٌ عضالٌ، حتى قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة: الكِبْرُ أشدُّ مِنَ الشِّركِ؛ لأنَّ المتكبِّر يتكبَّر حتى عنْ عبادةِ الله- تبارك وتعالى -أمَّا المشركُ فيعبدُ الله ويعبدُ معه غيرَه، أمَّا المتكبِّر حتَّى عنْ عبادةِ الله يتكبَّر، أمَّا إنْ كانَ متكبِّراً وهو مسلمٌ فهذا لا يخرجُ مِنَ المِلَّةِ ولكنْ يدخلُ تحت قولِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: (( لا يدخل الجنَّةَ مَنْ كانَ في قلبهِ مثقالَ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)) أي حتَّى يُنقَّى إمَّا بتوبةِ الله عليه وإمَّا بعذابٍ مِنَ الله – سبحانه وتعالى – عليه والعياذُ بالله، فعلينا إذاً أنْ نتواضعَ، وفي أمورِ الدُّنيا أنْ ننظرَ دائماً إلى مَنْ هو دوننا، و في أمورِ الآخرةِ ننظرُ إلى مَنْ هو فوقنا، في أمرِ الدُّنيا انظرْ إلى مَنْ هو دونك، أمَّا في أمرِ الآخرةِ فانظرْ إلى مَنْ هو أعلى منك درجةً مِنْ عبادةٍ، صيامٍ، صلاةٍ، صدقةٍ، جهادٍ، أي عبادة يعبد الله- تبارك وتعالى -بها انظرْ إليه، اقتفِ أثرَه، أمَّا في أمورِ الدُّنيا فاحمدِ الله فأنتَ في نعمةٍ، أنتَ في كفافٍ، انظرْ إلى مَنْ هو دونك وقلِ الحمدُ لله، هذا هو الخُلُقُ الثَّالثُ ألا وهو التَّواضعُ.
*الخُلُقُ الرَّابعُ ألا وهو الإخلاصُ، وعكسُه الرِّياء والعياذُ بالله
الإخلاصُ الذي لا يقبلُ الله- تبارك وتعالى -أيَّ عملٍ تعملُه حتى تكونَ فيه مخلصاً لله- تبارك وتعالى -: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (110) ” سورة الكهف، أخلصْ لله تباركَ وتعالى.
أتعلمون مَنْ أوَّل مَنْ تسعَّر فيهمُ النَّارُ؟؟
أتدرون مَنْ أولئك القوم؛ أوَّل مَنْ تسعَّر فيهمُ النَّارُ؟؟
يخبرُكم رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فيقولُ: (( أوَّل مَنْ تسعَّر فيهم النَّارُ ثلاثة (ثلاثة أشخاص، ثلاثة أصناف، ثلاثة أوَّل مَنْ تسعَّر فيهم النَّار) قارئ للقرآن، مجاهد، جواد)) (كريم)، سبحان الله! صفاتٌ طيِّبةٌ، صفاتٌ مطلوبةٌ يجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يجاهدَ، يجبُ على كلِّ مسلمٍ يجاهدُ يجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يقرأ القرآنَ، يجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يكونَ كريماً جواداً، وأوَّل مَنْ تسعَّر فيهم النَّارُ هؤلاء؟؟!!
نعم..
يقولُ رسولُكم – صلى الله عليه وسلم -: (( إنَّ الله – تعالى -يأتي بالشَّجاع، الجريء الذي قاتلَ حتى قُتِلَ فيذكِّره الله- تبارك وتعالى -نعمتَه عليه، فيقولُ له: ماذا فعلتَ؟ فيقولُ: يا ربّ قاتلتُ فيك (أي في سبيلك) حتى قُتِلْتَ، فيقولُ الله له: كذبتَ، وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ، ثم يقولُ له: إنما قاتلتَ ليقالَ جريءٌ، وقد قيلَ، خذوه إلى النَّارِ)).
ما أرادَ وجهَ الله، أرادَ ثناءَ النَّاسِ، قالَ: (( خذوه إلى النَّارِ، ثم يُؤتى بقارئِ القرآنِ فيذكِّره نعمتَه عليه، ثم يقولُ له: ماذا فعلتَ؟ فيقولُ: يا ربّ قرأتُ القرآنَ وعلَّمتُه في سبيلك، فيقولُ الله: كذبتَ، وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ، ثمَّ يقولُ الله له: إنما فعلتُ ذلك ليقالَ قارئ، وقد قيلَ، خذوه إلى النَّارِ)).
ما أرادَ وجهَ الله!! أرادَ كلامَ النَّاسِ.. أرادَ مدحَ النَّاسِ قالَ: (( خذوه إلى النَّارِ، ثمَّ يُؤتى بالجوادِ الكريمِ ويذكِّره الله نعمتَه عليه، ثم يقولُ له: ماذا فعلتَ؟ فيقولُ: يا ربّ ما تركتُ وجهاً مِنْ وجوهِ الخيرِ إلا وأنفقتُ ابتغاءَ وجهك، فيقولُ الله له: كذبتَ)).
هو يظنُّ أنه لما يخاطب الله كما يخاطب النَّاسَ!! عندما يقولُ له أنا أريدُ وجهَ الله يصدِّقونه؛ لأنهم لا يعلمون، لكنْ عندما يقولُ لله أردتُ وجهكَ!! ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (19) ” سورة غافر، يكذبُ على مَنْ؟! يكذبُ على الله؟؟!!
فيقولُ الله له: كذبتَ، وتقولُ له الملائكةُ: كذبتُ، ثمَّ يقولُ الله له: إنما فعلتَ هذا ليقالَ جوادٌ، وقد قيلَ، خذوه إلى النَّارِ. والعياذُ بالله.
ولذلك عديّ بن حاتم الصَّحابيّ الجليل أبوه حاتم الطَّائيّ أكرم العرب في زمنهِ؛ لما جاءَ إلى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: يا رسولَ الله قد علمتَ ما كانَ مِنْ أبي، فهل له شيءٌ عند الله؟ قالَ: (( إنَّ أباكَ أرادَ الدُّنيا وما أرادَ وجهَ الله فله الدُّنيا)).
وكذلك كما قالَ، الآن إلى اليوم النَّاسُ تتكلَّم بكرمِ حاتم الطَّائيّ، لكنْ ماذا عند الله؟؟ النَّار والعياذُ بالله، لماذا؟!! كريم!! لأنه ما أرادَ وجهَ الله.
فلا بدَّ إذا عملْنا عملاً أنْ نريدَ به وجهَ الله، أنْ نخلصَ، لذلك يقولُ رسولُكم – صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ سألَ الله القتلَ في سبيلِ الله صادقاً مِنْ قلبهِ أعطاه الله أجرَ شهيدٍ، و إنْ ماتَ على فراشهِ)).
ولذلك عمرُ بنُ الخطَّاب كانَ يسأل الله الشَّهادةَ في سبيلهِ، فقيلَ له: يا أميرَ المؤمنين مَنْ يريدُ الشَّهادةَ يذهب إلى الجهادِ وأنت في مدينةِ رسولِ الله؛ كيف تطلب الشَّهادةَ وأنت هنا؟؟!! قالَ: أنا سألتُ الله هذا، وأسالُ الله أنْ يلبِّي لي ما أريدُ.
ولكنه كانَ صادقاً في قولهِ حتى نالَ الشَّهادةَ على يدِ أبي لؤلؤةَ المجوسيّ قبَّحه الله، و لذلك كانَ هذا مصداق قولِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – لما صعدَ على أُحدٍ هو وأبو بكر وعمر، ورَجَفَ بهمُ الجبلُ، قالَ: (( اثبتْ أحد، فإنَّ عليك نبيّ وصِدِّيق وشهيد))، وقد ماتَ شهيداً رضوانُ الله عليه.
أطلنا عليكم لكنْ لا بأسَ.. الأخلاق الباقية سنذكرُها على السُّرعةِ، ولنْ نفصِّلَ فيها، وهي الورع، والزُّهد، والوفاء بالعهد، والحِلْم، والأناة، والكرم، والشَّجاعة، والأمانة، ولو أردنا أنْ نتكلَّم عن كلِّ واحدٍ مِنْ هذه الأخلاقِ، لا أقولُ تطردوننا ولكنْ تخرجون وتتركوننا وحدنا، لكنْ نكتفي بهذا مِنْ ناحيةِ هذه الأخلاقِ، أمَّا عكسُ هذه الأخلاق فهي الأخلاق السَّافلة، وهذه الأخلاقُ السَّافلةُ تجمعُها أربعةُ أمورٍ ألا وهي: الجهل، والظُّلم، والشَّهوة، والغضب.
– الجاهلُ بالشَّيءِ عدوُّه، حتى قيلَ: الجاهلُ عدوُّ نفسهِ، حتى نفسه يُؤذيها!! فما بالك مع غيرهِ، فالجاهلُ يرى الحسَنَ قبيحاً ويرى القبيحَ حَسَناً!! ولذلك الجهلُ سببٌ لسوءِ الأخلاقِ.
– وكذلك الظُّلم، والظُّلم: هو وضعُ الشَّيءِ في غيرِ محلِّه.
– ثم الشَّهوة، لأنَّ شهوةَ الإنسانِ تدعوه إلى البخلِ لأنه يحبُّ المالَ، تدعوه إلى الجبن لأنه يحبُّ الحياةَ، وغيرها مِنَ الأمور، فالشَّهوةُ سببٌ عظيمٌ لسوءِ الأخلاقِ.
– ثم الغضب، لأنَّ الغضبَ يُورثُ الكِبْر، ويُورثُ العدوانَ، ويُورثُ الجهلَ على النَّاسِ.
فهذه هي أسبابُ سوء الأخلاق.
ونختم هذا بكلامٍ لابن القيِّم طيِّب، يقولُ: ” كلُّ خُلُقٍ محمود مكتنفٌ بين خُلُقينِ ذميمينِ (أي كلُّ خُلُقٍ محمودٍ يحبُّه الله هو بين خُلُقينِ ذميمينِ) فيقولُ: الجودُ (الذي هو الكرم) بين خُلُقينِ ذميمينِ ألا وهما البخل والتَّبذير، والكرمُ وسطٌ، والجودُ وسطٌ، لا هو بخلٌ ولا هو تبذيرٌ، والتَّواضعُ بين الكِبْر وبين الذُّلّ والمهانة، ولكن المؤمن لا يكونُ مهاناً ولا يكونُ ذليلاً ولكنه متواضعٌ، فالتَّواضعُ هو بين الكِبْر وبين الذُّلِّ والمهانةِ، والصَّبرُ هو بين الجزعِ وبين القسوةِ”.
ولذلك – لا بأسَ أنْ نقفَ عند هذه – النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – لما ماتَ ولدُه إبراهيم صبرَ ولكنه دمعتْ عيناهُ صلواتُ الله وسلامُه عليه، حتى قيلَ له: تبكي وأنت رسولُ الله؟؟ فقالَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: (( إنَّ العينَ لتدمعُ، وإنَّ القلبَ ليخشعُ، وإنا لفراقكَ يا إبراهيمُ لمحزونون، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا، وإنا لله وإنا إليه راجعون)).
الفضيلُ بنُ عياض لما ماتَ ولدُه ضحكَ، فَسُئِلَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة وقيلَ له: أيُّهما أكملُ حال النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أم حال الفضيل؟؟! النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – لما ماتَ ولدُه دمعتْ عينُه، الفضيل ضحكَ!! فهل معنى هذا أنَّ الفضيلَ صبرَ أكثر مِنْ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -؟؟
فقالَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة: ” هُدِي نَبِيِّنَا أَكْمَل؛ لِأَن نَبِيَّنَا- صلى الله عليه وسلم – أَدَّى الْعُبُوْدِيَّة عَلَى وَجْهِهَا، فَهُنَاك عُبُوْدِيَّة الْرَّأْفَة وَالْرَّحْمَة وَهُنَاك عُبُوْدِيَّة الْرِّضَا، فَأَدَّى عُبُوْدِيَّة الْرَّأْفَة وَالْرَّحْمَة فَبَكَى عَلَى ابْنِه، وَأَدى عُبُوْدِيَّة الْرِّضَا فَقَال: (( وَلَا نَقُوُل مَا يُغْضِب الْرَّب))، لَكِن ضَاق قَلْب الْفُضِيل بْن عِيَاض عَن اسْتِيْعَاب الْعُبُوْدِيَتَين جَمِيْعاً فَقَدِم عُبُوْدِيَّة الْرِّضَا عَلَى عُبُوْدِيَّة الْرَّأْفَة وَالْرَّحْمَة”.
ثم كذلك الأناة والحِلْم بين العَجَلَةِ والسُّرعةِ، وبين التَّفريطِ وهو التَّهاون عن فعلِ الشَّيء، والشَّجاعة هي بيتُ التَّهوُّر وبين الجبن، والرَّحمةُ هي بين القسوةِ وضعفِ القلبِ.. بعضُ النَّاسِ قد يظنُّ أنَّ هذا مِنَ الرَّحمةِ؛ وهو أنْ يأتي بشاةٍ ليذبحَها فيقولُ: قلبي ما يطاوعني أنْ أذبحَ الشَّاة!! لماذا؟ يقولُ: رحمةً في هذا القلب!! ما يضربُ ولدَه!! تقولُ له: لماذا لا تضربُ ولدَك لتؤدِّبه؟؟؟ يقولُ: رحمة جعلَها الله في قلبي.. ما يتحمَّل أنْ تُقْطَعَ يدٌ في القِصَاصِ!! لماذا؟ يقولُ: رحمة جعلَها الله في قلبي!!! لا والله.. هذا خَوَرٌ وجُبْنٌ، أرحمُ خَلْقِ الله رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (128) ” سورة التوبة، هذا نصٌّ مِنَ الله، قطعَ الأيدي.. قطعَ الأعناقَ.. ذبحَ ثلاثاً ستِّين ناقةً في سبيلِ الله صلواتُ الله وسلامُه عليه وهو أرحمُ الخَلْقِ صلواتُ الله وسلامُه عليه، فهذه ليستْ رحمة بل هذا جُبْنٌ وخَوَرٌ، أمَّا الرَّحمةُ فهي وسطٌ بين قسوةِ القلبِ وبين الجبنِ والخَوَرِ، وكذلك التعبيس والاسترسال وسطٌ بينهما البشاشة في الوجهِ، فرقٌ بين إنسانٍ يبشُّ في وجوهِ النَّاسِ وبين إنسانٍ إمَّا يعبس والآخر يضحكُ في وجهِ كلِّ أحدٍ، حتى يذهب الوقار مِنْ هذا الإنسانِ، يضحكُ مع مَنْ يستحقُّ أنْ يضحكَ معه ويضحكُ مع مَنْ لا يستحقُّ أنْ يضحكَ معه!! فهذه أمورٌ لا يقبلُها الله ولا يقبلُها رسولُه ولا يقبلُها المؤمنون، بل المؤمنُ يبشُّ كما كانَ يبشُّ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ويعبسُ مع مَنْ يستحقُّ أنْ يعبسَ في وجههِ.
وختاماً نقولُ: إنَّ رسولَكم – صلى الله عليه وسلم – يقولُ لما سُئِلَ: ما أكثر ما يدخل النَّاس الجنَّة؟ قالَ: (( حُسْن الخُلُق وتقوى الله)).
فنسألُ الله- تبارك وتعالى -أنْ يحسِّنَ خُلُقَنا وأنْ ندعو كما كانَ يدعو رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: (( اللَّهمَّ كما حَسَّنتَ خَلْقِي فحَسِّنْ خُلُقِي)) وأنْ نقولَ كما كانَ يقولُ أبو ذرٍّ الغفاريّ – رضي الله عنه -: ” اللَّهمَّ إنا نعوذُ بك مِنَ الشَّكِّ و الشِّركِ والشِّقاقِ والنِّفاقِ وسُوءِ الأخلاقِ ”
بقلم د. عثمان الخميس

اقرأ أيضا  إندونيسيا تدين إسرائيل لإضرارها بالمساعدات الإنسانية لغزة
Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.