دكتورة رقية المحارب تدعو لإنصاف المرأة من الداخل!

الثلاثاء4 جمادى الثانية1436//24 مارس/آذار 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
صفاء البيلي
منذ نعومة أظفارها لم يكن همُّها مثل من هنَّ في سنِّها الغض، فبدأ انشغالُها بالنشاطات العلمية، والمشاركة في الأنشطة المختلفة وهي ما تزال طالبةً بالسنة الأولى بالجامعة، وامتدتْ أنشطتُها لإلقاء المحاضرات، والاهتمام بالبحث والتحقيق، حتى قادها ذلك إلي تأليف كتاب “تحريم النمص” وهي ما تزال طالبة في السنة الثالثة بالجامعة.

تبلورتْ رغبتُها في خدمة المجتمع؛ لإيمانها أنه لن يتطوَّرَ إلا بالجهد الفردي والجماعي معًا، فلم تهملِ الدعوةَ الفردية، وشرعتْ في تدريس التجويد، والحديث، والتخريج، والفقه، وشرح الأحاديث والأحكام، علاوةً على انخراطها في العمل الدعوي، وكان ذلك بإلقاء المحاضرات العامة، الاجتماعية منها والوعظية، والتي تدْعو من خلالها إلى التفكير في حلولٍ لبعض الممارسات المؤذية للنساء في مجتمعاتنا؛ بسبب البُعد عن الدِّين والعلم الشرعي.

فسرقةُ مال المرأة حرامٌ، وحرمانُها من الزواج جريمة، وإجبارُها على الزواج بمن لا ترغب وصمةُ عار، وغير ذلك من الممارسات التي يجب أن نأخذ منها موقفًا صحيحًا؛ حتى لا يعزفَ دعاة التغريب على أوتار هذا الواقع المسيء للمرأة؛ فإصلاح واقع المرأة يجب أن يبدأ من داخل المجتمع المسلم، الذي لديه في التشريع الإسلامي ما يغنيه عن غيره من التشريعات.

إنها الدكتورة رقية المحارب، الداعية الإسلامية وأستاذة الحديث بكلية البنات في الرياض، المشرفة العامة على موقع المرأة “لها أون لاين”، وأحد أهم الأصوات البارزة في مجال الدعوة النسائية في المملكة العربية السعودية.

حصلتْ على درجة الماجستير من كلية التربية لتعليم البنات، والتي كان موضوعها “دفع إيهام تعارض أحاديث الأحكام” من كتاب الطهارة، أما رسالة الدكتوراه، فقد كانت في الحديث، وموضوعها “شرح صحيح البخاري لابن بطال، كتاب الأذان”، وبالإضافة إلى عملها الجامعي، فهي تشغل منصب “مدير عام إدارة التوجيه والإرشاد بالرئاسة العامة لتعليم البنات”.

ولأن طريق الدعوة ليس مفروشًا بالحرير والديباج؛ فكثيرًا ما تقف الأشواك والعثرات أمام المشتغلين والمنشغلين بها، من هذه المعوقات ما هو مباشر، ويدخل تحت مسمى دعاة تحرير المرأة، وإلهائها فيما يُبعدها عن الاستجابة للهدف، وفي هذا ترى دكتورة رقية أن الأمل في القضاء على هذه العثرة خصوصًا هو الأمل في وعْي الفتيات والنساء، وإدراكهن لمخططات المنافقين، ووجود مرجعية فكرية ثقافية تربِّي في قلبها الاعتزازَ بدينها، كما ترى أن هناك خللاً كبيرًا في التواصل بين الداعيات، ونقصًا في إيصال المعلومات للناس عبر وسائل الإعلام المختلفة.

وترى أنه ربما عاد ذلك لعدة أسباب؛ لذا كان من الواجب تحديدُ الأسس التي يجب أن تركِّز عليها الداعية؛ لتستطيع الوفاءَ بواجبات دعوتها في الوقت الحالي، خاصة بما تموج فيه من متغيرات ومبهرات، فها هي تنادي بأهمية وجود ثلاثة أسس يجب أن ترتكز عليها الداعيةُ؛ لتؤتي دعوتها الثمارَ المرجوة منها: تعميق العقيدة، وإيقاظ الفكر من السبات العميق، وتنبيه القلب لمعنى العبودية.

اقرأ أيضا  رسالة إلى مؤمنة متعلمة

وبالرغم من أهمية الدور الذي تقوم به الداعيات إلى الله، إلا أنهن قد لا يجنين ثمار دعوتهن كما يتمنين، فتضع الدكتورة رقية المحارب يدَها على مكمن الخلل في هذه الدورة غير المكتملة بين المرسل والمتلقي، وتقدِّم حلاًّ ليس سحريًّا بقدر ما هو عملي منطقي كخطوة أكيدة على طريق الدعوة إلى الله، فتؤكد على التمسك بالعلم النافع، وانتهاج سلوك منهج السلف في التلقي والاستدلال والعمل، والقراءة في الكتب الفقهية والتفسير، وكتب الدعوة عامة، والثقافية، وكذلك كتب السيرة، خاصة تلك المعروفة بالواقع التدريجي على الحوار، والاستعانة في ذلك بمنهج القرآن والسنة، كما تؤكد على التزام الداعية بصفات ظاهرية مهمة، تتجلى في التحلي بالأخلاق الكريمة، والترفع عن سفاسف الأمور، واللباقة وحسن السمت، والاهتمام بمظهرها؛ ولكن من دون إسراف.

وتدعو الداعياتِ إلى الفطنة بأن الطرق التي تنتهجها الداعيةُ تحدَّد بحسب المواقف، فمنها ما يحتاج الوعظَ المباشر، الترهيب والترغيب، الحوار، تقديم النفع، الإقناع، التوقير وإعطاء الطمأنينة والمكانة، كذلك أسلوب الإيحاء.

الدعوة الفردية:
وترى د. رقية أن الداعية أو الداعي في الدعوة الفردية يجب أن يكون واعيًا لما يصدر عنه من قول أو فعل، فللعَينِ كلامٌ، وللوجه تعبيرات، ترسل رسائل كثيرة في وقت قصير أحيانًا دون قول كلمة واحدة، قد يكون الكلام المكتوب مؤثِّرًا، وقد تصل الكلمة المسموعة الصادقة إلى القلب، ولكن الأثرَ الكبير هو ما تُحدِثه العلاقةُ المباشرة المخلصة، التي تتحدَّث في الشؤون كلها، وتتداول الهمومَ الاجتماعية والدراسية والعملية، وحتى النفسيةَ.

ويتبدَّى هذا الأسلوب واضحًا جليًّا في محاضرات دكتورة المحارب وندواتها الفكرية المختلفة، التي تحدثتْ فيها عن العديد من المشكلات التي تتعرض لها المرأة أو المجتمع، فتراها تحاضر في فن الإقناع والتأثير في الآخرين.

كما تشغلها القضايا المجتمعيةُ، ولديها قدرةٌ عالية على الْتقاط ما يحيط بمجتمع الفتيات من مغريات كثيرة، ربما انسقْنَ لها بفعل التقليد؛ كعيد الحب، فتبيِّن للفتيات بأسلوبٍ مقنِع مدى بدْعيَّة هذه الأعياد، وأنها لا تليق بفتاة مسلمة مثقَّفة، يجب أن تعتزَّ بدينها وذاتيتها، كما تحاضر وتدافع عن وحدة الصف النسائي، ونراها وهي تفعل ذلك لا تكون بمنأى عن القضايا الكبرى التي تحيط بالأمة، فتدعو لنصرة غزة، وتكتب عن قضايا الاختلاط، والمحاولات المستميته لتغريب المرأة المسلمة بدعْوى تحريرها وإنصافها.

العمل الدعوي النسائي ضحية:
وترى أن العمل الدعوي النسائي ضحية إهمال الدعاة والمصلحين، نعم هي تراه كذلك؛ بل وتُرجِع أسبابه إلى أن المرأة كانت مصونةً من التعرُّض للفتن وللأفكار المنحرفة؛ لعواملَ اجتماعيةٍ يتميز بها المجتمع السعودي المحافظ، وهو ما جعل الدعاةَ والمصلحين بعيدِينَ عن معترك الصراعات التي تستهدف المرأة إلى وقتٍ قريب، كما ترى أن سلبيات العمل الدعوي حاليًّا تتركز في نقص الداعيات المؤهلات، وعدم وجود المرجعية النسائية أو القيادة الدعوية النسائية القادرة على ترتيب الأوراق، ودراسة الأولويات، وإنشاء المشروعات المناسبة.

اقرأ أيضا  محكمة العدل الأوروبية تجيز حظر الرموز الدينية في أماكن العمل

ومن السلبيات أيضًا: ضعفُ اهتمام الدعاة – حتى هذه اللحظة – بإيجاد محاضنَ تربويةٍ تُخرج للمجتمع المصلحاتِ المؤهلات، وترى كذلك أن من أبرز السلبيات ندرةَ المؤسسات الدعوية النسائية المتخصصة التي تعمل على توفير كلِّ ما تحتاجه المرأةُ من استشارات اجتماعية، فقهية وتربوية.

لذا تدْعو إلى تفعيل دور المرأة، بتشجيعها وإعطائها الفرصة للكتابة والإلقاء في المجتمعات النسائية، وصقلِ تجربتها بالقراءة، وإقامةِ الملتقيات الثقافية المكثفة لنخبة مختارة من الفتيات القادرات على تحمُّل الجهد الدعوي، ولا بد من تربية قوية للقلب، واهتمامٍ بالعلم الشرعي، والبعد عن تغليب جوانب الترفيه على جوانب التأصيل، الذي يحمي – بإذن الله – من الشبهات والشهوات.

بين رموز النساء العلمانية والداعيات المسلمات:
وتقارن د. رقية بين الرموز العلمانية من النساء الحاملات راية تغريب المرأة، وبين الداعيات إلى الله، قائلة: “إن هؤلاء النساء العلمانيات غالبًا ما يكنَّ كبيرات في السن، وكثيرًا ما شاركنَ في مختلف اللقاءات الثقافية والمؤتمرات، ثم والأهم أنهن وجدنَ من تبناهنَّ منذ سن مبكرة، ومكَّن لهن في الصحف والمجلات وغير ذلك، هذه الخبرات المتراكمة لا شك تؤدِّي إلى وضوح في التصورات – وليس وضوح التصورات يعني صحةَ التصورات – وهذا الوضوح نتج عنه تأليفُ كتب، ونظمُ قصائد، وإقامةُ جمعيات متنوعة، وتأسيس دور نشر ومراكز بحوث وغيرها، وأدَّى هذا إلى تأثُّر طبقة من النساء بهذه الأطروحات”.

وعن كيفية تفعيل دور المرأة الدعوي تقول: “إننا لا بد أن نبذل جهدًا كبيرًا، فيه من الألم والتعب ما فيه، وإقامة المحاضن التربوية، والملتقيات الثقافية، التي تكون أهدافها واضحةً وطويلة المدى، بعيدًا عن ردود الأفعال – كما هو حالنا في كثير من الأحيان – والذي أطمح إليه هو أن تبادر المرأةُ المثقفة إلى ميدان الدعوة، وأن تساهم بمواهبها وقدراتها.

بين الأمومة والزواج والعمل:
والدكتورة رقية المحارب تتواجد بشكل دائم في ميادينَ صعبةِ المراس، كل منها يحتاج إلى طاقات عديدة؛ فهي إضافة لمهماتها كأستاذة بالجامعة، وداعية ومهتمة بشؤون المرأة المسلمة وتربية الفتيات، فهي زوجة وأم لأطفال، تؤسس علاقتها معهم على الحب، وترى أن لكل فردٍ من أفراد مجتمعها الصغير واجبًا عليه أن يؤديه، وحقًّا يتحتم الحصول عليه؛ لذا فهي ترى أن انشغالاتها – مهما كثرتْ وتفرعت – فهي لن تمنعها من أداء واجباتها كامرأةٍ في الالتزام بأوامر الله، وترى أن الزوجة المسلمة يجب أن يكون لها “عنايةٌ بقلبها، وملاحظةٌ لسلوكها، وتعلُّمٌ لدينها، وتربيةٌ لأولادها، وأن تعيش بين أقاربها ومعارفها ناشرةً للطيِّب من القول والعمل”.

وهي ترى أن الزواج نعمةٌ من النعم، تسخِّرها المرأة لطاعة الله، وتدرس ماذا أمَرَها الله كزوجة من حسن التبعُّل لزوجها، وحسن رعاية لأولادها، وهو بداية للنشاط الدعويِّ الكبير، فالزوجة لديها من مجالات الدعوة ما ليس لغير المتزوجة؛ فهذا زوجها تحاول دلالتَه على الخير، وحثَّه على أن يكون في الصف الأول في كل شيء، وهؤلاء أولادها تؤهِّلهم وتعلِّمهم وتحثُّهم على معالي الأمور، وتتعهَّدهم في صَلاتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، وهؤلاء أقارب زوجها تعاملهم معاملةً راقية، فتعتني بمراعاة خواطرهم وإهدائهم، والبعد عما يسبِّب المشاحناتِ والبغضاءَ، والتغاضي عن الأخطاء؛ فإن من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، وتحاول أن تؤثِّر عليهم بقدر ما تستطيع، وبالأسلوب الحكيم المناسب، فتزرع من سنابل الخير ما تستطيع، فهذه الدنيا مزرعة، ومسكينةٌ تلك التي تجني على نفسها بسوء القول والعمل، فالزواج بدايةٌ لمشوار الدعوة الحقيقي، وفتحٌ لأبواب من الخير كثيرة.

اقرأ أيضا  أيتها الزوجة المسلمة: كوني أجمل النساء

رؤى وآراء:
حينما سئلت الدكتورة رقية المحارب عن مفهومها لتحرير المرأة، قالت: إنها ترى أن مصطلح تحرير المرأة يجب أن يسموَ إلى أن يصل لتحرُّر البشر وانعتاقهم من أسْر شهوات النفس، والسيادة عليها، والاستعلاء على الباطل، كما تراه في ارتفاع الروح وتحليقها عاليًا عن الأرض، هو في مقاومة الشيطان وعصيانه، واتِّباع أوامر الله – عز وجل.

وترى أن اتباع شرع الله والتحاكم إليه هو أساس الحياة السعيدة، وأن علاقة الرجل بالمرأة سلطوية بلا شك، علاقة سيد بمسود، ولكن السلطة هنا ليست للقمع والتعذيب حسب ما تعودنا عليه، ولكنها السلطة التي تضمن السعادةَ للزوجة؛ فهي سلطة نافعة طيبة للمرأة، لا يمكن أن تكون المرأة سعيدةً بدونها طالما كانت في إطارها الشرعي: سيد ومسود، الزوج سيد؛ لأنه قائد الأسرة، ولا يمكن أن يكون للأسرة قائدان، وهذا قانون كونيٌّ لا تستقيم الحياةُ بدونه.

أما موقفها من الدعوات إلى عمل المرأة، فهي تراها وسيلةً لتحريض المرأة على أوليائها، بحجة الاستقلال والاعتماد على النفس، وبناءً عليه تُلغى القوامة، كما ترى أن الاتفاقيات التي تدْعو إلى تحرير المرأة وحصولها على حقوقها دعواتٌ مضلِّلة؛ فالمرأة حقوقُها مصونةٌ في الشريعة، ولا تحتاج إلى اتفاقيات صِيغتْ ببيئات ومجتمعات مختلفة عنا، عاشت ظروفًا معروفة؛ فالمرأة المسلمة في حقيقة الأمر لا تحتاج إلى منظمات غربية للدفاع عن حقوقها، وتتساءل: منذ متى نصرَتْنا هذه المنظماتُ ودافعتْ عن حقوقنا؟! أفي أفغانستان عندما كانت تقتل النساء وتُنتهك أعراضهن؟! أم في كشمير المسلمة؟! أم في الشيشان؟! أم في فلسطين؟!

وتقول: حقوق المرأة عند هذه المنظمات أن تخرج سافرة، وحقوقُها عندهم أن تقتحم المطاعم والمقاهي والملاهي عاملةً، وراقصة، ومغنية.
المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.