رسالة الأقصى للأمة المسلمة
الجمعة 16 رمضان 1436//3 يوليو/تمور 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
جود الشريف
رسالة الأقصى للأمة المسلمة
تبكي المآذن حُرقة وتوجُّعًا لرحيل هذا الشهر يا إخوان،غادَرنا ضيفنا الحبيب رمضان، ولعل قلبي أشد القلوب الآسفة لرحيله، ولعل صخوري ذابت ألَمًا لوداعه.
نعم أحبَّتي، أنا أشد المتوجعين والمتألِّمين، ساحاتي وقِبابي ومآذني حزينة لرحيله،فرحيله يعني أن ساحاتي التي عُمِّرت بالمصلين الراكعين الساجدين ستخلو، وستعود مَرتعًا لبني صِهْيون كما كانت.
• سأشتاق إلى دمعات الخاشعين تُغرقني، سأشتاق لـ”آمين” تهتزُّ بها جَنباتي بصوت المُؤَمِّنين الداعين، سأشتاق إلى التراويح يصلونها، فتمتلئ ساحاتي بقلوبٍ جاءَتني تتضرَّع لربها وتتقرَّب إليه.
• سأشتاق إلى صوت الإمام العذب يقرأ الفتح والنصر، فيُذكِّر بأن الفرج قادمٌ، سأشتاق إلى صوته يدعو الله بنُصرة أهلنا في سوريا، بهلاك طاغيتهم، بتحريرِي وتحرير الأسرى، بعاجل الفرج للمستضعفين في بورما، وجميع أنحاء البلاد.
• سأشتاق إلى الجِباه المتوضِّئة.
• سأشتاق إلى الأكفِّ الضارعة.
• سأشتاق إلى رجال تكبَّدوا أشد العناء وأعتاه، وصبَروا على المتاعب؛ ليَظفروا بسجدة على أرضي، وهم حقًّا الرجالُ، الرجال.
• سأشتاق إلى شباب حطَّموا المستحيل، فقفَزوا من فوق الجدار، ولم تُبعدهم الأسوار عن أملٍ بصلاة في مسجدهم الذي سيبقى للمسلمين – بإذن الله.
• سأشتاق إلى عجائزَ وشيوخ، تناسَوا المرض والألم، أتوني يتعكَّزون على أمَلهم بالله، وحلمهم بالقرب والوصول رغم المشاق والتعب، طالبين بقربي من ربِّهم الرضوان، وحُسن الختام، وفوزًا بالجنان.
• سأشتاق إلى فتيات وشباب ترَكوا أهل الدنيا غارقين في دنياهم، تركوهم يَعمرون الأسواق والملاهي، يتجهَّزون لعيدهم، وجاؤوني معتكفين متضرِّعين، داعين قارئين، يريدون بقربي عيدًا عامرًا بفرحة حقيقة بعد رمضان، قضوه طاعةً وذكرًا وقربًا من الله.
إلى كلِّ زُوَّاري سأشتاق، إلى كل عُمَّاري سأشتاق، إلى أطفالٍ يلهون في ساحاتي، يتصبَّرون على عطشهم وجوعهم في صيامهم سأشتاق.
إلى صائمين عَطشى جَوعى، صبروا وصبروا،إلى قائمين تركوا النوم، ووقفوا ضارعين لربهم، داعين لي وللمسلمين بالتحرير والنصرسأشتاق، والقائمة تطول، والقلب يذوب ألَمًا.
قِبابي التي شهِدت صلواتِهم تحترق حزنًا،ساحاتي التي أغرقوها بدمع خشوعهم تشتاق، مآذني التي كانت تُناديهم فيستجيبون تشتاق، المصاحف التي أمسكوها وقرؤوها ستشتاق، أبوابي التي كانت تذوب حُرقة حين يُرَد زائرٌ؛ لأنه بلا هُويةٍ زرقاء، أو إذن بني صِهْيون الحاقدين في الدخول تشتاق، عَتباتي التي شهِدت سجدات شكرٍ طويلة، ودمعات فرحة باردة لوصولٍ بعد طول مشقَّةٍ تشتاق.
شجراتي التي تمنَّت أن تتَّسع ظلالها؛ لتشمل كلَّ زائرٍ تَقيه حرَّ شمسِ آب الحارَّة ستشتاق وتشتاق.
لَهف قلبي على حالي، ربِّ لا تفجعني ببُعد أحبابي.
أرى أَخَوَيَّ في مكة والمدينة ينعمان بزوَّار دائمين، وأمْن وأمان، ورعاية واهتمام، فأَغبطهما وأتمنَّى لهما دوام النعمة، ولي أن يُكرمني الله بما أكرَمهما به.
يا أمة الإسلام، هُبِّي لنجدة مسجدك؛ فأنا قِبلتكم الأولى، وثالث مسجدَيْكم المباركَيْن، كيف تصمتون وبني صِهيون في قلبي الأنفاق يَحفِرون، ولساحاتي في كل وقت يُدنسون، ولأشجاري يَقتلعون ويقطعون.
وضعوني في مخطط حاقد؛ لأُصبح هيكلهم المزعوم، ووالله سيخيب مَكرهم وكيدهم، ويُرد في نَحرهم، فلتغيِّروا ما في أنفسكم؛ عسى أن تكونوا مَن يشهدون النصر والفرج، كُفُّوا عن معاصيكم وعصيانكم لربكم؛ فلعل ذلك ما يؤخِّر النصر عنكم، توبوا لربكم وعُودوا إليه، وطهِّروا بيوتكم مما لا يرضاه؛ فلعل ذلك منه تأتي الهزيمة إلى المسلمين، جاهدوا أنفسكم؛ لتَقْوَوا على جهاد أعدائكم، جاهدوا أهواءَكم، فامنعوا أنفسكم من المعصية؛ لتستطيعوا ما بعده من جهادٍ، صَفُّوا النيات وأخلِصوها لربكم، تناسَوا الأحقاد وتجاوزوا، وأحبُّوا الآخرين والخيرَ لهم، اغرسوني في أولادكم، علِّموهم مكانتي وضرورة تحريري، زيدوا فيهم الإيمان، واغرسوا فيهم الفضائل؛ ليكونوا قادرين على تحريري، ربُّوهم على الارتقاء بالنفس والارتفاع عن سفاسف الأمور وتافِهها؛ ليكونوا جيل التحرير القادر عليه، وثِّقوا صِلتهم بربهم، وعلِّموهم الدعاء، حبِّبوا إليهم القراءة؛ فهي مِفتاح العلوم، وبدونها لن يعرفوا التاريخ، وأمة بلا تاريخ أمةٌ يَسهل الانتصار عليها.
• يا شباب أُمتي، يا عمادَها، دعوكم من لَهوكم، عودوا إلى مصاحفكم وكُتبكم، جدُّوا واعملوا من أجْل أُمتكم.
• يا بناتي يا فتيات الأمة، لا تَحْسَبْنَ الحياة لهوًا ولعبًا وزينة، تعلَّمنَ كيف تَكُنَّ بنات صالحات، وأُمهات مُربيات؛ لأن بين أيديكنَّ البطاقةَ الرابحة التي يمكن بها إصلاح الحال.
• أيها المسلمون، كم تشعرون بفراغ الدار بعد رحيل زوَّارٍ تحبونهم، طال مُكثهم بينكم، أو قصُر! فما تظنون بي وقد كان عدد المصلين فيّفي صلاة العشاء أول أيام العيد، لم يتجاوز المئات بعد أن كان في أيام رمضان ما يقارب ربع المليون؟!
من أجل مسراكم قوموا، من أجل عقيدتكم تحرَّكوا، وغيِّروا وتغيَّروا، واللهُ كفيلٌ بأن يُقويكم وينصركم، وأنا من قلبي أدعو لكم بالنصر والتمكين، وأشتاق لأن أحتضن جِباهكم، وأشتاق لأن تَمتلئ ساحاتي بكم، تأتون زائرين في كل وقت من العام، تنالون بركة المكان ورضا الرحمن، ومضاعفة الأجور، فقوموا أحبابي وضحُّوا لأجلي، فأنا أنتظركم.
مُحبُّكم الحزين الأسير
مسجدكم الأقصى
الألوكة