ركيزتان للإعجاز العلمي في القرآن

علماء الدين الإسلامي، وعلماء الكون، تمثلان جناحي طائر لا يمكن أن يُحلِّق بدونهما معًا، ولو كان عند غير المسلمين في كتبهم إشارات علمية موثقة عن أساسيات الكون العلم الكوني كالتي في القرآن، لعقدوا لها المؤتمرات،
علماء الدين الإسلامي، وعلماء الكون، تمثلان جناحي طائر لا يمكن أن يُحلِّق بدونهما معًا، ولو كان عند غير المسلمين في كتبهم إشارات علمية موثقة عن أساسيات الكون العلم الكوني كالتي في القرآن، لعقدوا لها المؤتمرات،

السبت،8محرم1436 الموافق01نوفمبر/تشرين الثاني2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
ركيزتان أساسيتان هما:
علماء الدين الإسلامي، وعلماء الكون، تمثلان جناحي طائر لا يمكن أن يُحلِّق بدونهما معًا، ولو كان عند غير المسلمين في كتبهم إشارات علمية موثقة عن أساسيات الكون العلم الكوني كالتي في القرآن، لعقدوا لها المؤتمرات، وأقاموا لها الندوات وحلقات الدراسة، ذلك الكتاب مأدبة عامرة بالعلم، الأمر الذي جعل موريس بوكاي يقول في كتابه القيم “دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف العلمية الحديثة”: إن الإسلام قد اعتبر دائمًا أن هناك اتفاقًا بين معطيات الكتاب المقدس والواقع العلمي، فالقرآن يثير وقائع ذات صفة علمية، وهي كثيرة جدًّا، خلافًا لقلَّتها في التوراة؛ إذ ليس هناك أي وجه للمقارنة بين القليل جدًّا لما أثارته التوراة من الأمور ذات الصفة العلمية، وبين تعدُّد وكثرة الموضوعات ذات السمة العلمية في القرآن الكريم، وإنه لا يتناقض موضوع ما من مواضيع القرآن العلمية مع وجهة النظر العلمية، وتلك هي النتيحة التي تخرج بها دراستنا”. ويستطرد بوكاي قائلاً: “لا نكشف في القرآن أي خط، وقد دفعني ذلك لأن أتساءل: لو كان كاتب القرآن إنسانًا كيف استطاع في القرن الميلادي المسيحي السابع أن يكتب ما اتضح أنه يتفق مع المعارف العلمية الحديثة؟

ويجب على المسلمين من علماء الدين وعلماء الكونيات أن تتضافر جهودهم معًا لكشْف روائع الإعجاز العلمي المتفق عليه في القرآن، وعلى المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي توجيه الجهد لتوثيق العلم الكوني القرآني وإعلام الناس جميعًا به؛ حتى إذا ما أخذ أعداء الإسلام ذلك العلم ونسبوه إلى فرقانهم المزمع تأليفه، أمكن فضْحهم، وعلى علماء المسلمين أن يستلهموا أفكار الكثير من أبحاثهم من وحي حقائق القرآن في شتى مجالات العلوم، وأحرى بعلماء المسلمين أن يعقدوا المؤتمرات في رحاب الجامعات ومراكز البحث العلمي، يناقشون فيها معطيات العلم وحقائق القرآن، وكيفية استخدام حقائق القرآن العلمية في حل معضلات العلم في المجالات المختلفة.

ألا تستحق الآيات التي تتحدث عن الكون وتطوره مؤتمرًا عالميًّا، تتولاه أقسام علوم الفلك؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ ]فصلت 9-12[

اقرأ أيضا  أسباب النزول - سورة الزمر

ومن المؤسف أن علماء المسلمين يتحمسون لآراء علماء الفلك التي تتغير يومًا بعد يوم، بينما يندر أن يتحمسوا لحقائق العلم عن نشأة الكون وتطوُّره، وأكاد أقسم، بل وأقسم بالله أنه لو أن في الكتب المقدسة لغير المسلمين معشار معشار معشار ما في القرآن، لأذاعوا بها ليلاً ونهارًا، أما نحن فنتأمَّل مع العلم القرآني كما قال قائل: والعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على أكتافها محمول.

أحرى بالمسلمين أن يعقدوا لقاءات لدراسة الكون من واقع حقائق القرآن وعلوم العصر، ويجب على أقسام علم الفلك والفيزياء أن يكونوا لجانًا يشترك فيها علماء الدين لإعطاء التفسيرات الصحيحة المتفق عليها حول نشأة الون ونهايته، ثم يجتمع علماء التخصصات العلمية في الرياضيات والفيزياء، والكون والجيولوجيا لتدارس حقائق العلم في ذلك الشأن، ثم يعقدون مؤتمرهم العالمي على بركة الله تحت عنوان: الكون من الرتق إلى الطي.

ويصحح القرآن مسار العلم، وتستخدم المنجزات العلمية في تعميق وتوسيع دلالات النص القرآني، ولنضرب أمثلة على أهمية استخدام حقائق العلم لخدمة النص القرآني:
1- خذ على ذلك مثلاً من أحدث وأرقى علوم الحياة اليوم، وهو علم الهندسة الوراثية، وكيف أن الخريطة الوراثية “الجينوم البشري” قد أبانت عن مدلول كلمة “فقدَّره” في قوله تعالى: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ ]عبس: 17 – 19[

السؤال هنا كيف يُقدَّر الإنسان من النطفة التي يبلغ قطرها واحد من عشرة من الملليمتر، وهي نطفة أمشاج من الذكر والأنثى؟ أليس في كشف الجينوم البشري الذي يطلقون علية كتاب الحياة؛ لأنه سجل للشفرة الوراثية هو قراءة أوليَّة لقوله تعالى: ﴿ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾.

2- ومثال آخر لضرورة التقاء علماء الدين واللغة والعلم الكوني لتعميق مدلول قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ ا]لأنبياء: 30[

من الضروري أن يعطينا أهل التفسير واللغة المدلول الحقيقي لمفردات الآية: الذين كفروا، الرتق، الفتق، والحي، والماء، ثم تفسير الآية، وبعد ذلك نناقش معطيات العلم الحديث عن مولد الكون والشواهد الدالة، وهل المفردات القرآنية السابقة هي عين ما يحاولون الوصول إليه، ثم بعد ذلك نبرز الإعجاز العلمي لحقيقة “فتق الرتق”.

3- والمثال الثالث لدور العلم في تفصيل النص القرآني نجده في قول الحق تبارك وتعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ ]الغاشية: 17 – 20[

اقرأ أيضا  أهل القرآن

التساؤل في الآيات ليس فقط للرؤية بالعين المجردة إلى الإبل والسماء والجبال والأرض، ولكن الأعمق في الفَهم هو معرفة أسار الخلق في الإبل، ورفع السماء ونصْب الجبال وتسطُّح الأرض، وكأن الآية آمرة العلماء خلال حياة كل البشر، وإلى أن تقوم الساعة بتبيان أوجه الأسرار في خلق الإبل والأرض والجبال، ومن يدرس تشريح الإبل، وآليات تكوين ورفع الجبال، وروابط الكون ومظاهر الأرض، سيدرك أن وجود الإبل والجبال والأرض على كينونتها أمور مدهشة.

4- والمثال الرابع لروعة الإعجاز القرآني في الإشارة إلى مراحل خلق الإنسان، يثبت أن العلم القرآني قد تخطَّى مرحلة التنظير إلى مرحلة التجريب، تأمَّل قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ ]المؤمنون: 12 – 14]. ففي ضوء علم الأجنَّة تجسَّدت المعاني القرآنية إلى مشخصات، هنا نسأل علماء اللغة والتفسير عن معاني المفردات القرآنية التي أشارت إليها الآيات، وهي: الفعل جعل، ودلالة استعمال الحرف “الفاء”، والحرف “ثم”، والقرار المكين، والعلقة، والنطفة، والمضغة، والعظام، والكساء، ثم نتوجه بنفس الأسئلة إلى أهل التخصص حول مراحل الخلق، ومدى اتفاقها مع مفردات النص القرآني.

بالله عليكم كيف بالقرآن منذ ما يزيد عن 1400 سنة يصف مراحل خلق الجنين من نطفة يبلغ قطرها واحد من عشرة من الملليمتر، وعلقة يتراوح طولها من أجزاء الملليمتر إلى – 3 ملليمترات، ومضغة قطرها في حدود 13 ملليمترُا، كيف يفهم المسلم الآيات السابقة ومعها آيات سورة الحج ذات الصلة، دون أن يلتفت إلى معطيات علم الأجنة؟!

5- أما عن المثال الخامس والذي يعد دُرَّة على جبين علوم منظومة السحاب والرياح والمطر، وكل لفظ قرآني في الآية التالية يعد عنوانًا لعلم من علوم الأرصاد الجوية، تأمَّل قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾] النور: 43[.

وهنا أيضًا نسأل أهل اللغة وتفسير القرآن عن دلالات ألفاظ الآية، وهي: يزجي، ويؤلف، وركام، والودق، والبرد، وسنا البرق، ثم نتعرف من علماء الأرصاد والفيزياء عن المفهوم العلمي لإزجاء السحاب، والتأليف بين السحب، والدورة العامة للرياح، وقطرات الماء، وجبال السحب الركامية، والودق، وتأثير سنا البرق على الأبصار، حقًّا إنها آية واحدة تعطي مفاتيح علوم شتى في وقت لم تعرف علوم البشر شيئًا عنها عند نزول القرآن.

اقرأ أيضا  أهل القرآن

6- يحتاج فَهم الكثير من أنواع القسم القرآني والمثال القرآني إلى تضافر جهود علماء اللغة والتفسير من جانب، وعلماء الكون من جانب آخر، ويبدو لي أنه لا يمكن فَهم حقيقة أنواع القسم الواردة في القرآن دون الرجوع إلى فروع العلوم المختلفة، كما يتضح لي أيضًا أن غالبية أنواع القسم تحمل في ثناياها إعجازًا علميًّا متجددًا، وعلى علماء الدين أن يعطونا المفهوم اللغوي والتفسيري لجملة المعاني الواردة بالقسم القرآني؛ من مثل: مفهوم صدع الأرض، ورجع السماء، والسقف المرفوع، وحبْك السماء، وبروج السماء، وطارق السماء، والخنس الجواري الكنس، وهوى النجم، ومواقع النجوم، وبناء السماء، وسرى الليل وعسعسته، وإغشاء الليل، وسفور الصبح، وجلاء النهار، والضحى، وضحا الشمس، والعصر، والمشارق والمغارب، والمشرق والمغرب، والمشرقين والمغربين، وصدع الأرض، وطحو الأرض، والبحر المسجور، والذاريات والحاملات، والجاريات والمرسلات والفارقات، والعاديات، والصافات، والشفع والوتر.

ويلزم أيضًا بيان معانى الكثير من الأمثال الواردة بالقرآن؛ من مثل: مفهوم وهن بيت العنكبوت، وجفاء الزبد، ومكس النفع، والسراب بقيعة، وظلمات البحر، وعلى العلماء في شتى مجالات علوم الكون توضيح المفهوم العلمي لمصطلحات القسم القرآني السابق ذكرها، ومن عجائب القرآن أن نجد أن معاني القسم القرآني تمثل القفزات الحقيقية في تطوُّر العلوم، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن اكتشاف أن البحر مسجور من منتصف قيعانه مثلت ثورة حقيقية في علم الأرض (الجيولوجيا)، باكتشاف ما يعرف بألواح الغلاف الصخري، كما أن التعرف على خصائص السقف المرفوع أحدثت ثورة في علم الفضاء وتقاناته، وغطش السماء كشف عن ظلمة الكون، بل إن علماء التأريخ الكوني يطمحون في المستقبل القريب في كشف حبك السماء لعلهم يعرفون منها سرَّ ولادة الكون، ومن هنا فلا بد من استخدام حقائق العلم لفَهْم وتعميق دلالة النص القرآني.

المصدر :الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.