رمضان..كيف يربي البيوت المسلمة ؟!
السبت 10 رمضان 1436//27 يونيو/حزيران 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أعزائي..
الأسرة هي وحدة البناء في المجتمع المسلم، ولذلك نالت في الإسلام عناية كبرى، بدأً من أسس تكوينها، وصولاً إلى وظيفتها التربوية الكبرى التي تضطلع بها، ومروراً بكل ما تقدمه الأسرة لأفرادها من معاني وأدوار تمثل من خلالها البيئة الجيدة ولتخريج الأفراد الناجحين في المجتمع .. عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته” – رواه البخاري/حديث رقم:853-
وقد أمر الله تعالى الوالدين المؤمنين أمراً مباشراً وتكليفاً واضحاً بالأخذ بأسباب الوقاية لأنفسهم ولأبنائهم من النار، قال تعالى:”يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون” – سورة التحريم:6 – عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسيرها:” قوا أنفسكم وأهليكم نارا” (اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر، ينجيكم الله من النار) .
رمضان يدعم العلاقة بين الزوجين:
إن شهر رمضان الكريم يحتوي على سرّ عظيم من أسرار توطيد العلاقة بين الزوجين، وأيضاً بينهما كوالدين وبين أبنائهما، ألا وهو:(العبادة المشتركة)
وذلك من خلال طول القيام والقراءة في الصلاة، وصلاة المرء في جوف الليل مع أهله، والإكثار من قراءة القرآن الكريم، والاجتماع لمدارسته وتلاوته، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء”، في هذا الحديث: الحث على قيام الليل والترغيب فيه، والتعاون بين الزوجين على ذلك، وحث الرجل لمحارمه يلحق بذلك، وهو من التعاون على البر والتقوى والتعاون على الخير، ومن الترغيب في الخير، ومن مجاهدة النفس، ومن مساعدة أهل البيت لبعضهم في طاعة الله سبحانه وتعالى.
نموذج رائع:
العبادة المشتركة بين الزوجين تكوّن رصيداً خاصاً من الحب في الله يظل قائماً في ذاكرة كل منهما، وكم يكون لها من أثر، ويكون شافعاً لكل منهما عند صاحبه في أوقات الخلاف، ولنتأمل هذا المثال العجيب لحياة زوجية رائعة، بدأت بالعبادة المشتركة بين الزوجين إنه
القاضي شُريح هذا القاضي التابعي الجليل سأله مرة الفضيل : يا شُريح كيف حالك في بيتك ؟ قال : والله منذ عشرين عاماً لم أجد من زوجتي ما يعكر صفائي ، قال : وكيف ذلك يا شُريح؟ قال : خطبت امرأة من أسرة صالحة فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً ، فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي ، وتسلّم بسلامي ، وتشكر شكري ، فلما خلا البيت من الأحباب دنوت من زوجتي فقالت : على رِسلِك يا أبا أمية ثم قامت فخطبت ..!
قالت : أما بعد فيا أبا أمية إنني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تكره ، فقل ما تحبه حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسولي ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فاتق الله فيّ وامتثل قوله تعالى : “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ” ثم قعدت ، قال شُرَيْح: فألجأتني إلى أن أخطب في هذا الوقت الحرج فقال : أما بعد فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً وإن تدعيه يكن حُجة عليك ، أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا ، وما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها.
ومع الأبناء في الشهر الكريم..
ليتفق الزوجان على أن يجلسا في الليلة الأولى من رمضان مع أبنائهما ليتذاكر الجميع المعاني السامية حول فضائل رمضان، والذكريات الجميلة المتعلقة بهذا الشهر، و رؤية الوالدين حول خطة رمضان التي ستنفذها الأسرة خلال الشهر الفضيل، وهناك خطوات يقوم بها الوالدان قبيل شهر رمضان من شأنها أن تدعم وتقوي ارتباط الأبناء بالعبادة وكذلك بالأسرة، مثل:
– إشعار الأبناء بعظمة وجلال المناسبة الدينية التي يقبلون عليها، ومن ثمّ تعريفهم بمعنى تعظيم الشعائر، وهو الإقبال على الطاعات اغتناماً للأجر المضاعف، والابتعاد التام عن السيئات إتقاءاً للوزر المضاعف أيضاً، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «قال الله تعالى: كُلُّ عَمَل ابن آدم لَهُ إلاَّ الصومَ فإِنَّه لي وأنا أجزي بهِ. والصِّيامُ جُنَّةٌ فإِذا كان يومُ صومِ أحدِكم فَلاَ يرفُثْ ولا يصْخَبْ فإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أو قَاتله فَليقُلْ إِني صائِمٌ، والَّذِي نَفْسُ محمدٍ بِيَدهِ لخَلُوفُ فمِ الصَّائم أطيبُ عند الله مِن ريح المسك، لِلصائمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهما؛ إِذَا أفْطَرَ فرحَ بِفطْرهِ، وإِذَا لَقِي ربَّه فرح بصومِهِ». – رواه البخاري ومسلم –
– كذلك إظهار التغيير في البيت بمناسبة رمضان، وخاصة في الأسبوع الأخير من شعبان، كتغيير نظام أثاث المنزل والاعتناء بالنظافة، وإشراك الأبناء في تعليق الزينات الجميلة والبالونات في الحجرات، وخاصة حجرتهم؛ لإشعار الجميع بالاهتمام بالزائر الحبيب، وإدخال البهجة على كل أفراد الأسرة.
– ومن ذلك تربية الأبناء على خلق الحياء والمراقبة لله تعالى والتي يعبر عنا التربويون بتربية الضمير، و رأس ذلك أن يتعلم الطفل الحياء من الله، فهو لبّ الصيام وروحه، وخلق الصائمين وسمتهم، وقد قال النبي:” يأيها الناس استحيوا من الله حق الحياء، قالوا يا رسول الله، إنّا والله نستحي من الله حق الحياء، فقال الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى،وأن تذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا” – رواه الترمذي:2458-
– رمضان فرصة عظيمة لربط الأبناء بالقرآن، وبإمكاننا أن نجعل من رمضان برنامجاً مطولاً من ثلاثين يوماً كدورة مكثفة للأبناء، تعيد فيها ربطهم بالقرآن الكريم، وتسترجع معهم ما نسوه، وتناقشهم فيما فهموه وتعلموه، فإذا كان خير الناس من تعلم القرآن وعلّمه – كما أخبر النبي في قوله:” خيركم من تعلم القرآن وعلمه” – رواه البخاري:5027- فإن أولى الناس بتعلُّم القرآن هو أنت وأوْلى الناس بتعليمك هم أبناؤك وأسرتك، وفي شهر الصيام فرصة سانحة لإعادة تقويم حال الأبناء مع القرآن. – د.عبد العزيز مصطفى كامل:روح الصيام ومعانيه،ص: 58-
– تربية الأبناء على التفاعل الإجتماعي من خلال الإحسان إلى الغير ابتغاء وجه الله تعالى، والإحسان يعني امتلاك المسلم القدرة على إشاعة الخير ومساعدة العناصر الضعيفة في المجتمع كالأيتام والأرامل والمرضى، كما يعني التنازل عن بعض المصالح الخاصة في سبيل مصلحة عامة، ن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر” – رواه مسلم/كتاب:الزهد والرقائق:2982 – قال الإمام النووي – رحمه الله – :(المراد بالساعي الكاسب لهما : العامل لمئونتهما) . (د.عبد الكريم بكار:بناء الأجيال،ص:49)
كما أن تفريج كرب المسلمين، والسعي في قضاء حوائجهم أو توصيل المساعدة لهم هو خير تسديه (مؤسسة الأسرة) إلى الأسر من حولها، ونوعٌ من مكفرات الذنوب يوم القيامة، وعلى هذه المعاني الكبيرة يتربى الأبناء وقد تأصلت في نفوسهم ذكريات رمضان العظيمة داخل أسرهم، وكيف تعلموا فيه وتدربوا بإشراف والديهم على التفاعل الاجتماعي والتكافل بين المسلمين. (د.أكرم رضا:الموسوعة في قواعد تكوين البيت المسلم،ص:103 بتصرف)
وأخيراً..
حينما يكون بين الزوجين انسجام ديني فإنهما يسعدان سعادة ما بعدها سعادة ، ولن تختزل حياتهما الزوجية في قضاء الوطر وحسب؛ فهذا شيء يُمل وينتهي، أما أن تكون هناك التعاون على البر والتقوى، والمشاركة في العقل وفي السلوك وفي القيم الصالحة التي تنطبع على الأبناء، فهذه حقاً هي السعادة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
– بناء الأجيال:د.عبد الكريم بكار
– روح الصيام ومعانيه:د.عبد العزيز كامل مصطفى
– الموسوعة في قواعد تكوين البيت المسلم:د.أكرم رضا