سقط الانقلاب فعَلَت أسهم القوه الناعمة لتركيا في العالمين العربي والإسلامي

الأربعاء 15 شوال 1437/ 20 يوليو/ تموز 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”.

اسطنبول
كي يثبت المواطن الكويتي “أبو يوسف الشمري”، بأنه أوفى بنذر قطعه على نفسه، بذبح خروفين، في حال فشل الانقلاب في تركيا، نشر صورا توثق العملية، على صفحته الخاصة بموقع “تويتر”.
وكذلك فعل، مواطن سعودي، لم ينشر اسمه، واكتفى بنشر فيديو لذبح “جمل”، وإذاعة كلمات قال فيها:” عشنا لحظات عصيبة أمس في تركيا (..) هذا بمناسبة فشل الانقلاب، اللهم تقبل”.
ورغم طرافة الحدثين، إلا أنهما لم يبتعدا كثيرا عن مشاعر ملايين العرب والمسلمين، الذين حبسوا أنفاسهم، ترقبا لما ستؤول إليه عملية الانقلاب التي حدثت في تركيا مساء الجمعة الماضي.
فقد كشف تعاطف الشعوب العربية والإسلامية الكبير، مع تركيا، والبهجة التي أظهرتها عقب فشل الانقلاب العسكري، عن عمق تأثير القوة الناعمة التركية، في المنطقة العربية والإسلامية.
ويرى خبراء ومراقبون، أن المواقف التركية “الأخلاقية”، والقائمة على “المبادئ والمُثل”، ومساندتها للقضايا العربية والإسلامية، دفع شعوب المنطقة بشكل تلقائي، إلى التعاطف مع “الشرعية” التركية، ورفض محاولة الانقلاب عليها.
كما أن تغلغل الثقافة التركية للمنطقة، من خلال “الفنون”، وحتى “البضائع”، والسلع، بالإضافة إلى المواقف السياسية، جعل من صورة تركيا لدى الشعوب العربية والإسلامية، إيجابية للغاية.
ويعرّف الخبراء، هذا التأثير الإيجابي، بـ”القوة الناعمة”، ويقصد بها “القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام (القوة الخشنة كالحرب، أو التهديد بفرض الحصار أو العقوبات) أو دفع الأموال (الاستمالة بالمساعدات أو الرشاوى)، بحسب جوزيف س. ناي مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق.
ويعد “ناي”، أول من تطرق لمفهوم “القوة الناعمة”، عبر كتاب أصدره عام 2004، بعنوان “القوة الناعمة .. وسيلة النجاح في السياسة الدولية”، وجاء في الكتاب:” إن امتلاكك قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يُعجبون بك، ويتخذون موقفاً إيجابياً من قِيَمك وأفكارك، وبالتالي، تتفق رغبتهم مع رغبتك”.
من جانبه، يرى وزير الدولة المصرية لشؤون المجالس النيابية الأسبق، محمد محسوب، أن “موقف الشعوب العربية الرافض للانقلاب الفاشل أثبت حقيقة كونها ظهيرا استراتيجيا لتركيا وشعبها”.
وأضاف محسوب، لوكالة الأناضول:” الشعوب العربية تشكل إلى جانب تركيا، حالة تكاملية تعبر عن أن كلا منهما يشكل عنصر قوة ناعمة داعمة للآخر”.
وأضاف:” تداخل العلاقات بين العرب والأتراك وتشابكها يمثل حالة تراكمية تمتد تاريخيا لأكثر من ستة قرون وبالتالي لا يمكن القفز على هذه الحقيقة وتجاوزها، وهو ما عبرت عنه الشعوب العربية في موقفها الأخير”.
ويرى الخبير الإعلامي، وأستاذ الصحافة في الجامعة الإسلامية بغزة، البروفيسور جواد الدلو، أن القوة الناعمة لتركيا، تغلغلت في المنطقة العربية والإسلامية، كونها استطاعت أن “تغرس المثل العليا، في ذاكرة شعوب المنطقة، وأن تربط النظرية بالتطبيق، والقول بالفعل”.
وأضاف الدلو لوكالة الأناضول:” مواقف تركيا ساهمت في صناعة الوعي لدي الإنسان العربي، وصنعت ذاكرة قوية، انتفضت أمام ما جرى، وتفاعلت بإيجابية مع القيادة التركية والشعب التركي”.
وأكد أن مواقف تركيا السياسية والإنسانية، تجاه كثير من قضايا الأمة بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص ساهم في صناعة هذه القوة الناعمة.
وتابع:” موقف تركيا من حصار غزة، من سوريا، من اليمن، الأيادي البيضاء، المساعدات الإنسانية التي لا تتوقف، صنعت هذا الالتفاف الكبير، لأننا أمام واقع عملي تجسده المواقف الرسمية التركية المتمثل في دعم شعوب المنطقة”.
ووصف الدلو مواقف تركيا بـ”الأخلاقية”، التي تغلغلت في الوعي العربي.
وأضاف:” كما أن تركيا صنعت بصمة في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية، جعلت صورتها إيجابية للغاية، ودفعت كثيرين للتفاعل بقوة معها ورفض النيل من هذه الصورة”.
أما المحامي والنائب الكويتي السابق ناصر الدويلة، فيؤكد أن تركيا تمتلك “مصداقية كبيرة لدى الجمهور العربي بجميع أطيافه”.
وأضاف الدويلة، لوكالة الأناضول:” الجمهور العربي ينظر نظرة إعجاب لارتباط القيادة التركية بتطلعات شعبها التركي وسعيها الحثيث لتحقيق هذه التطلعات”.
ويؤكد أن تركيا تمتلك “قوة ناعمة”، عبّرت عنها “الحالة الوجدانية التي غمرت نفوس العرب وانعكست على تصرفاتهم وردود أفعالهم الرافضة لمحاولة الانقلاب الفاشلة”.
ورأى أن “حماس”، الإنسان العربي لما يحدث في تركيا ومتابعته للشأن التركي وثقافة الشعب التركي جعلته يعرف رموز تركيا وتاريخها بشكل أثار حالة من القلق والإحباط في أوساط التيار العلماني العربي، الذي لم يجد أي نموذج صالح على الساحة إلاّ النموذج التركي بصبغته الراشدة”، حسب وصفه.
من جهته، رأى الخبير العسكري الأردني فايز الدويري، أن هذا التفاعل غير المسبوق من الشعوب العربية والإسلامية مع الحكومة والشعب التركييْن في رفض الانقلاب، يكشف “عمق تأثير القوة الناعمة التي انسابت في العالم العربي والإسلامي”.
وقال لوكالة الأناضول:” المخاوف التي ساورت الجماهير العريضة في الوطن العربي ليلة الانقلاب في تركيا، تكشف كذلك وعي الشعوب بالانعكاسات الخطيرة المحتملة على أزمات العالم العربي حال سقوط الحكومة التركية الحالية، وهو ما يشير بقوة إلى أن هذه الشعوب باتت تنظر إلى تركيا على أنها مكون حيوي في الأمة، وأن لها دورا قياديا بارزا في المنطقة”.

اقرأ أيضا  أوكسفام: حصار غزة يؤخر إعادة الإعمار 100 عام

وكانت، الشعوب العربية والإسلامية، قد أبدت تعاطفا كبيرا، مع القيادة الشرعية التركية، ورفضا للانقلاب عليها، من خلال مظاهر ومظاهرات عفوية.
مشاهد كثيرة، عكست مدى التعلق الوجداني للعرب بتركيا وشعبها وحكومتها ورئيسها، تجلى ذلك من خلال مشاركة سوريين في التوجه إلى المطار والالتحام مع الأتراك الذي وقفوا بصدور عارية أمام دبابات الانقلابيين وأجبروها على التراجع.
كما رفعت أعلام “الثورة السورية”، برفقة الأعلام التركية في ساحات اسطنبول التي خرجت لنصرة الشرعية الديمقراطية في مواجهة الانقلابيين.
وقُتل في تقسيم وسط اسطنبول عريس مغربي، كان يستعد للعودة إلى بلاده مع عروسه التركية، لكنه التحم ليلة الانقلاب مع الجماهير التركية الرافضة للانقلاب، وأصابته رصاصات الانقلابيين، أردته شهيدا.
وفي مدينة تعز اليمنية التي يحاصرها الحوثيين، وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ويقصفونها بالليل والنهار، ومع ذلك خرج عشرات الشباب والشابات للتعبير عن فرحهم لاندحار الانقلابيين وانتصار إرادة الشعب التركي.
وفي الصومال التحم السياسيون بالعلماء والجماهير في مظاهرات مؤيدة للرئيس أردوغان وللشرعية الدستورية ورفضوا “الخبز المسموم”، عندما أوقفت الحكومة الصومالية مؤسسة تتبع منظمة “غولن” الإرهابية.
كما احتفل الكثير من سكان دول الخليج العربي، بفشل الانقلاب، عبر تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وشهدت مدينة القدس، التي تحتلها إسرائيل، مظاهرات شارك فيها العشرات من علماء الدين والمواطنين، احتفالا بفشل الانقلاب.
أما في غزة المحاصرة فجاب الغزيون شوارع مدن القطاع ومخيماته رافعين العلمين التركي والفلسطيني وصورا للرئيس رجب طيب أردوغان، كما حملوا لافتات كتب عليها “غزة لن تنسى من وقف معها في محنتها وحصارها”.
وفي صيدا اللبنانية تجمع المئات من أهالي المدينة أمام المستشفى التركي الذي افتتحه الرئيس رجب طيب أردوغان في 2010، حينما كان رئيسا للوزراء، ورفعوا شعارات مؤيدة له ولحكومته وللشعب التركي.
كما نظم عشرات الشبان في العاصمة الأردنية عمان تظاهرة مؤيدة للحكومة التركية بعد نجاحها في “إفشال المحاولة الانقلابية بفضل إرادة الشعب التركي”، حسب شعارات رددها متظاهرون حملوا يافطات كتبت عليها عبارات تعبّر عن دعمهم للرئيس التركي أردوغان، ولتركيا، ضد محاولة الانقلاب.
وفي الجزائر، هللت عدة أحزاب سياسية بانتصار الشعب التركي على محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، على غرار حركة مجتمع السلم، وجبهة العدالة والتنمية.
كما رفضت أحزاب، غير مؤيدة لتركيا (ذات توجهات يسارية وشيوعية) عن رفض الانقلاب.
كما رصدت “الأناضول” من خلال أحاديث ولقاءات واتصالات مع شخصيات عربية رسمية وغير رسمية ومنظمات وأحزاب رفضا واسعا للمحاولة الانقلابية وتضامنا مع الشعب التركي وقيادته.
وأفصحت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا عن تفاعل رسمي وشعبي عربي واسع عبّر عن المكانة التي تحتفظ بها تركيا وشعبها في وجدان الشعوب العربية؛ وهو ما أظهرته ردود الأفعال والمواقف الرسمية وغير الرسمية.
وقال نائب رئيس جمهورية العراق الأسبق طارق الهاشمي في تصريحات خاصة بـ “الأناضول”، إن “دعوات المستضعفين العرب والمسلمين معززة بالالتفاف الرائع للشعب التركي وموقفه الشجاع إلى جانب قيادته في التصدي للانقلابيين في شوارع المدن التركية، هو من أفشل تلك المحاولة البائسة”.
وعبر النائب في مجلس النواب العراقي، أحمد عطية السلماني، عن رفضه “محاولة الانقلاب رفضا قاطعا” ورأى فيها “انتهاكا لقيم الديمقراطية وحقوق المدنيين الذين صوتوا للدولة المدنية”.
أما رئيس حزب الفضيلة المصري، محمود فتحي، فقد رأى في اتصال مع “الأناضول”، أن ما قال عنه “انتصار أردوغان” هو انتصار “لكل الشعوب العربية التي تنظر إلى تركيا وتجربة حزب العدالة والتنمية، على أنها تجربة رائدة وملهمة لها، تزداد شعبيتها في الأوساط العربية بشكل مضطرد”، حسب تعبيره.
وفي سياق مواقف التنديد والاستنكار للمحاولة الانقلابية في تركيا، رصدت “الأناضول” شجب واستنكار الأحزاب التونسية “النهضة” و”التيار الديمقراطي” و”تونس الإرادة”.
أما أحزاب المعارضة الموريتانية فقد هنأت في بيان لها، الشعب التركي وحكومته بفشل المحاولة الانقلابية التي اعتبرتها غادرة ومدانة، مؤكدة أن الشعوب التي جربت الأحكام العسكرية باتت رافضة للتعايش معها.
وليس أدل من التأييد الشعبي في العالمين العربي والإسلامي، ما قاله رئيس الاتحاد العلمي للعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي في رسالته مخاطباً الرئيس التركي “الله معك وشعوب العرب والمسلمين معك، وكلّ الأحرار في العالم معك”.
وأضاف القرضاوي:” نحن علماء الأمة الإسلامية في المشارق والمغارب معك”.

اقرأ أيضا  الوزارة : الحكومات الاقليمية تساهم في تمويل تغير المناخ

المصدر: الأناضول

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.