سلامة منهج العقيدة والتوحيد

الأربعاء 7 جمادى الثانية 1437// 16 مارس/آذار 2016 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
ومما لا بدَّ منه في صحة المنهج واستقامته أيها الشباب: سلامة منهج العقيدة والتوحيد عند الشباب المسلم؛ ذلك أن الشباب المسلم منوطٌ به الواجباتُ والمسؤوليات، تُجاه دينه وشريعته وأُمته؛ لأنهم ليسوا كغيرهم من الشباب الذي يعيش على هامش الحياة البشرية؛ فهم شباب مؤمن بالله ورسوله وكتابه، وشباب مؤمن بمنهج الإسلام وشريعته، وشباب مؤمن بالدار الآخرة وما فيها من حساب وجزاء، وشباب له أهداف وغايات سامية، وله عند الله تعالى الجزاء الأوْفى يوم القيامة.

فإليكم أيها الشباب أقول:
إن أول وأعظم الواجبات الشرعية المنوطة بكم: الاهتمام بالجانب العقَدي والإيماني في حياتكم، وذلك وَفق عقيدة “أهل السنة والجماعة” من السلف الصالح والتابعين لهم بإحسان؛ ذلك أن الإنسان بدون عقيدة صحيحة يحيا بها، لا شأن له ولا قيمة عند الله تعالى؛ لأن العقيدة هي حياة الإنسان ورُوحه، وهي الصلة الوثيقة بينه وبين خالقه تعالى، فإذا انقطعتْ هذه الصِّلة، فقَد الإنسان رُوحه الإيمانية، وتخبَّط في الحياة، لا يعرف له طريقًا، ولا إلى الحق سبيلاً.

مسائل مهمة حول العقيدة والتوحيد:
ويُمكننا هنا أن نقف على عدة أمور ومسائلَ مهمة في سلامة منهج العقيدة والتوحيد:
الأولى: أهمية العقيدة في حياة المسلم وخطر الانحراف عنها:
اعلموا يا شباب الإسلام أن الإنسان مخلوق من مخلوقات الله -عز وجل- وصلاح حياته مرهون بمعرفة الحق واتِّباعه، وفسادُها نتيجة محتومة لجهْله بالحق، أو تمرُّده عليه وإن عرَفه.

ولَمَّا كان الله -سبحانه- هو الحق، ومنه الحق، وأمْره وتدبيره هو الحق؛ فإن سبب فساد الحياة البشرية كلها هو الكفر بالخالق، والكفر بأمره وتدبيره، والكفر بما أنزل من الحق، وسبب صلاح هذه الحياة كلها هو الإيمان بالله -عز وجل- ولذلك قال -عز من قائل-: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123 – 124].

ولا يتَّبع هداه إلا مَن آمَن به وذكره، واستشعر وجوده وصفاته وعظَمته –سبحانه-.

ومَن نسِي ذكر الله، أعرض عن هداه، والإنسان في هذه الدنيا ممتَحن بهذين الأمرين:
1- ذكر الله واتِّباع هداه.

2- أو نسيانه والضلال.

فهو على مُفترق طريقين لا ثالث لهما: طريق الإيمان والهدى والسعادة في الدنيا والآخرة، وطريق الكفر والضلال والشقاء في الدارين.

لذا كان أشرفُ ما يتعلَّمه الإنسان ويعلِّمه غيرَه – أمورَ الإيمان وأركانه ومقتضياتِه، وأحوط ما يحتاط ويتسلَّح به معرفة معالم الكفر وأسبابه ومُقتضياته، فإن كان على بصيرة من هذين الأمرين الخطرين، عرَف الإنسان طريق سعادته فالتزَمه، ولم يَحِد عنه، وطريق شقائه فاجتَنبه[1].

ومن ثم؛ كانت عقيدة التوحيد والإيمان ضرورة لا يَستغني عنها الإنسان؛ ليستكمل شخصيَّته، ويحقِّق إنسانيته، ولقد كانت الدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان، أول شيء قام به رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- لتكون حجر الزاوية في بناء الأمة الإسلامية؛ ذلك أن رسوخ هذه العقيدة في النفس الإنسانية، يسمو بها عن الماديات الوضيعة، ويوجِّهها دائمًا وجهة الخير والنُّبل، والنزاهة والشرف، وإذا سيطرت هذه العقيدة أثمرَت الفضائل الإنسانية العليا؛ من الشجاعة والكرم، والسماحة والطُّمأنينة، والإيثار والتضحية[2].

أما الانحراف عن العقيدة الصحيحة، فهو مَهلكة وضياع؛ لأن العقيدة الصحيحة هي الدافع القوي إلى العمل الصالح، والفردُ بلا عقيدة صحيحة يكون فريسة للأوهام والشكوك التي ربما تتراكم عليه، فتَحجب عنه الرؤية الصحيحة لدروب الحياة السعيدة؛ حتى تضيق عليه حياته، ثم يُحاول التخلص من هذا الضيق بإنهاء حياته ولو بالانتحار، كما هو الواقع في كثير من الأفراد الذين فقَدوا هداية العقيدة الصحيحة.

والمجتمع الذي لا تَسُوده العقيدةُ الصحيحة هو مجتمع ضالٌّ، ويفقد كل مقومات الحياة السعيدة، وإن كان يملِك الكثير من مقومات الحياة المادية، التي كثيرًا ما تقوده إلى الدمار، كما هو مشاهَد في المجتمعات الضالة؛ لأن هذه المقومات المادية تحتاج إلى توجيه رشيد للاستفادة من خصائصها ومنافعها، ولا موجِّه لها سوى هذه العقيدة الصحيحة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51].

فقوَّة العقيدة يجب ألا تنفكَّ عن القوة المادية، فإن انفكَّت عنها بالانحراف إلى العقائد الباطلة، صارت القوة المادية وسيلةَ دمارٍ وانحدار؛ كما هو مشاهَد اليوم في الدول غير الإسلامية التي تملِك مادةً ولا تملك عقيدة صحيحة[3].

وبالنظر والتأمل، فإن الانحراف عن العقيدة الصحيحة له أسباب متعددة؛ من أهمها:
1- الجهل بالعقيدة الصحيحة؛ بسبب الإعراض عن تعلُّمها وتعليمها، أو قلة الاهتمام والعناية بها؛ حتى نشأ جيل لا يعرف تلك العقيدة، ولا يعرف ما يخالفها ويُضادها، فيعتقد الحق باطلاً، والباطل حقًّا؛ كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “إنما تنقض عُرى الإسلام عروة عُروة، إذا نشأ في الإسلام مَن لا يعرف الجاهلية”.

2- التعصُّب لما عليه الآباء والأجداد، والتمسك به وإن كان باطلاً، وترْك ما خالفه وإن كان حقًّا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170].

3- التقليد الأعمى بأخْذ أقوال الناس في العقيدة من غير معرفة دليلها، ومعرفة مدى صحتها، كما هو الواقع من الفِرق المخالفة؛ من جهمية ومعتزلة، وأشاعرة وصوفية، وغيرهم؛ حيث قلَّدوا مَن قبلهم من أئمة الضلال، فضلُّوا وانحرفوا عن الاعتقاد الصحيح.

4- الغلو في الأولياء والصالحين، ورفْعهم فوق منزلتهم؛ بحيث يعتقد فيهم ما لا يقدر عليه إلا الله؛ من جلْب النفع، ودفْع الضرر، واتخاذهم وسائطَ بين الله وبين خلْقه في قضاء الحوائج، وإجابة الدعاء؛ حتى يَؤول الأمر إلى عبادتهم من دون الله، والتقرُّب إلى أضرحتهم بالذبائح والنذور، والدعاء والاستغاثة وطلب المَدد؛ كما حصل من قوم نوح في حق الصالحين حين قالوا: ﴿ لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، وكما هو الحاصل من عُبَّاد القبور اليومَ في كثيرٍ من الأمصار.

5- الغفلة عن تدبُّر آيات الله الكونية، وآيات الله القرآنية، والانبهار بمعطيات الحضارة المادية، حتى ظنُّوا أنها من مقدور البشر وحده، فصاروا يُعظِّمون البشر، ويُضيفون هذه المعطيات إلى مجهوده واختراعه وحده؛ كما قال قارون من قبل: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، وكما يقول الإنسان: ﴿ هَذَا لِي ﴾ [فصلت: 50]، ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الزمر: 49]، ولم يتفكَّروا وينظروا في عظمة من أوجَد هذه الكائنات، وأودعها هذه الخصائص الباهرة، وأوجد البشر وأعطاه المقدرة على استخراج هذه الخصائص والانتفاع بها، ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96]، ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْء ﴾ [الأعراف: 185]، ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 32 – 34].

6- أصبح البيت في الغالب خاليًا من التوجيه السليم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كل مولود يولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه))؛ أخرجه الشيخان، فالأبوان لهما دور كبير في تقويم اتجاه الطفل.

7- إحجام وسائل التعليم والإعلام في غالب العالم الإسلامي عن أداء مهمَّتها، فقد أصبحت مناهج التعليم في الغالب لا تُولي جانب الدين اهتمامًا كبيرًا، أو لا تهتم به أصلاً، وأصبحت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في الغالب أداةَ تدميرٍ وانحراف، أو تُعنى بأشياءَ مادية وترفيهية، ولا تهتم بما يقوِّم الأخلاق، ويَزرع العقيدة الصحيحة، ويُقاوم التيارات المنحرفة؛ حتى ينشأ جيل أعزل أمام جيوش الإلحاد، لا يدانِ له بمقاومتها[4].

فالواجب بعد هذا أيها الشباب:
أن نصحِّح مسار العقيدة في حياتنا، وأن نقف أمام كل مظاهر الانحراف عن العقيدة الصحيحة، والتي تشمل كثيرًا من المسائل؛ كالذبح للولي أو للصالحين، والطواف بقبورهم، والنَّذر لهم، والاستعانة والاستغاثة بهم في قبورهم، ودعائهم من دون الله تعالى، وكذلك تحكيم الطواغيت، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى، والحلف بغير الله، وتعليق الودع، والتطيُّر من المخلوقات، وغير ذلك من مظاهر الشرك والانحراف، وكم أُفضِّل أن يرجع الشباب إلى “كتاب التوحيد”؛ للشيخ محمد بن عبدالوهاب، و”مسائل الجاهلية” أيضًا؛ ففيهما بيان كل ذلك على وجه الإجمال، مع بيان أدلَّته.

الثانية: أسس العقيدة الإسلامية وأركانها:
وهذه العقيدة الإسلامية تقوم على ستة أركان، تسمى: أركان الإيمان، وهي بإيجاز كما يلي:
1- الإيمان بالله تعالى: ربًّا وإلهًا موصوفًا بكل كمال، منزَّهًا عن كل نُقصان.

2- الإيمان بملائكة الله: وأنهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرَهم، ويفعلون ما يُؤمرون، خلَقهم الله من نور، منهم الحفَظة على العباد، ومنهم المُوكلون بقبْض الأرواح، ومنهم خزَنة النار، ومنهم غير ذلك.

3- الإيمان بكُتب الله: وأنها من وحي الله تعالى إلى مَن اصطفاهم من رُسله، تحمل الشرائع والهدى والنور للمؤمنين المُتقين.

4- الإيمان برسل الله: مبشرين ومنذرين، قطع الله تعالى بهم على الناس الحُجة، وبيَّن بهم للعباد المَحجة، فمن آمَن بهم وأطاعهم واتَّبع هداهم، نجا، ومن كفَر بهم وعصاهم واتَّبع غير هداهم، هلَك.

5- الإيمان باليوم الآخر: وأنه اليوم الذي تنتهي فيه هذه الحياة، وتكون فيه الحياة الآخرة؛ حيث البعث والحساب والجزاء، والجنة والنار.

6- الإيمان بالقضاء والقدر: وكون القضاء والقدر نظامًا للحياة كلها لا يخرج شيء منها -وإن قلَّ- عما حواه كتابه، الذي هو اللوح المحفوظ؛ حيث كتَب الله تعالى فيه كلَّ ما قضى بوجوده من خير وشرٍّ في الدنيا، وسعادة وشقاء في الآخرة.

فهذه الأمور الستة هي أركان الإيمان والعقيدة، وهي الأصول التي بُعِث بها الرُّسل جميعًا – عليهم صلوات الله وسلامه – ونزَلت بها الكُتب، ولا يتم إيمان أحدٍ إلا إذا آمَن بها جميعًا، على الوجه الذي دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومن جحَد شيئًا منها، خرج عن دائرة الإيمان وصار من الكافرين.

وهذه الأصول الإيمانية قد جاءت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أما آيات القرآن في الإيمان بالله -سبحانه وتعال- والإيمان بالملائكة والكتب والرُّسل، والإيمان باليوم الآخر والقضاء والقدر، فقد قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ﴾ [البقرة: 177]، وقال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

اقرأ أيضا  "الأحزاب والحقد الطائفي"

وقال -سبحانه وتعالى- في شأن الملائكة: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [غافر: 7]، وقال -عز وجل-: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر: 75]، وقال -سبحانه-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23 – 24].

وفي شأن الكتب السماوية يقول تعالى: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 184].

وفي شأن التوراة يقول -سبحانه-: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44]، وفي شأن الإنجيل يقول -عز وجل-: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46]، وفي شأن الزبور يقول -جل وعلا-: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ﴾ [الإسراء: 55]، وفي شأن الصُّحف يقول -سبحانه-: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18 – 19].

وفي شأن القرآن قال الله -سبحانه-: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ *نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 2 – 4]، وقال -سبحانه-: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41 – 42].

أما في شأن رُسل الله -عليهم السلام- فيقول -سبحانه-: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ [النساء: 164]، وقال -سبحانه-: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 73]، وقال -سبحانه-: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90].

أما في شأن اليوم الآخر وأحواله، فيقول -جل ذكره-: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ [محمد: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82]، وقال -سبحانه-: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 177]، وقال -جل ذكره-: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، وقال -سبحانه-: ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1]، وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39]، وقال -سبحانه-: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 21 – 22].

أما القضاء والقدر، فيقول تعالى: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8]، ويقول -سبحانه-: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص: 68]، وقال -سبحانه-: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال – جل ثناؤه -: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21].

أما حديث السنة النبوية عن الإيمان وأصوله، فقد روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: بينا نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديدُ بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منَّا أحد، حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسند رُكبتَيه إلى رُكبتيه، ووضع كفَّيه على فَخِذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، قال: ((الإسلام: أن تشهد أنْ لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطَعت إليه سبيلاً))، قال: صدقت، فعجِبنا له؛ يسأله ويُصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه))، قال: صدَقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك))، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: ((أن تلدَ الأمَةُ ربَّتها، وأن ترى الحُفاة العُراة العَالة رِعاء الشاء، يتطاولون في البُنيان))، قال: ثم انطلق، فلبِثتُ مليًّا، ثم قال لي: ((يا عمر، أتدري مَن السائل؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنه جبريل، أتاكم يعلِّمكم دينكم)).

الثالثة: الالتفات إلى أهمية التوحيد وضرورته:
ومما يجب الالتفات إليه أيها الشباب المسلم في عقيدة الإيمان: قضية التوحيد، التي هي لُبُّ الإيمان وأساسه، وضرورة فَهْم هذه القضية الكبيرة وَفق عقيدة السلف الصالح، لماذا؟

لأن الإيمان بالله -عز وجل- معناه: الاعتقاد الجازم بأن الله ربُّ كل شيء ومليكه وخالقه، وأنه الذي يستحق وحده أن يُفرَد بالعبادة: من صلاة وصوم، ودعاء ورجاء، وخوف وذُلٍّ وخضوع، وأنه المُتصف بصفات الكمال كلها، المُنزَّه عن كل نقصٍ، والإيمان بالله -سبحانه- يتضمَّن توحيده في ثلاثة أمور: في ربوبيَّته، وفي ألوهيَّته، وفي أسمائه وصفاته.

ومعنى توحيده في هذه الأمور: اعتقاد تفرُّده -سبحانه- بالربوبية والألوهيَّة، وصفات الكمال، وأسماء الجلال.

فلا يكون العبد مؤمنًا بالله؛ حتى يعتقد أن الله ربُّ كل شيء ولا ربَّ غيره، وإله كل شيء ولا إلهَ غيره، وأنه الكامل في صفاته وأسمائه، ولا كاملَ غيره.

فهذه ثلاثةُ أنواعٍ من التوحيد، تدخل في معنى الإيمان بالله -عز وجل- وقد تضمَّن القرآن ذِكرَ هذه الأنواع في كثيرٍ من آياته الكريمة، مع بيان حقائقها والدعوة إليها؛ تحقيقًا لجانب الإيمان والتوحيد الذي بعَث الله به الرُّسلَ، وأنزل به الكتب.

أهمية التوحيد:
وتتجلى لنا هنا أهمية التوحيد في العقيدة الإسلامية، وأنه أصل الشريعة ولبُّها، وعليه تقوم الأعمال، وبه تَصلح أو تَفسُد – من خلال ما يلي:
1- التوحيد: ضد الشرك، وهو الركن الأساسي الذي يُبنى عليه الإسلام، ويتمثل في الشهادتين.

2- والتوحيد: دعوة جميع المرسلين إلى أُممهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].

3- والتوحيد: هو الذي خلق الله العالم لأجله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

4- والتوحيد: يشمل توحيد الرب والإله، والحكم والأسماء والصفات، وجميع أنواع العبادات.

5- والتوحيد: هو الذي تتوقَّف عليه سعادة الإنسان وشقاؤه في الدارَين.

6- والتوحيد: هو الذي فتح به المسلمون البلاد، وأنقذوا العباد من عبادة الطُّغاة إلى عبادة رب العباد، ومن جَور الأديان المحرَّفة إلى عدْل الإسلام المحفوظ.

7- والتوحيد: هو الذي يدفع بالمسلم إلى الجهاد والتضحية والفداء.

8- والتوحيد: هو الذي قامت المعارك من أجله، واستُشِهد المسلمون في سبيله، ثم انتصروا بسببه، ولا يزال المسلمون يحاربون من أجله، ولا عزَّ لهم ولا نصر إلا بتحقيقه، فكما أنه استطاع في الماضي أن يوحِّدهم ويُقيم لهم دولة كبيرة، فهو الآن قادر – بإذن الله – أن يُعيد لهم مجدهم ودولتهم إذا عادوا إليه[5]؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، هذه بعض الأسباب الهامة التي تؤكد وتبيِّن لنا أهمية التوحيد في حياة الأمة الإسلامية وضرورتَه.

وقد جاءت النصوص والأدلة من الكتاب والسنة، في دعوة الخلق إلى إقامة التوحيد لله تعالى بكل أنواعه وصُوَره التي أشرنا إليها.

وهنا نشير إليها من آيات القرآن:
1- توحيد الربوبية:
وهذا النوع من التوحيد معناه: الإقرار بأن الله -عز وجل- هو الفاعل المطلق في الكون: بالخلق والتدبير، والتغيير والتسيير، والزيادة والنقص، والإحياء والإماتة، وغير ذلك من الأفعال، لا يشاركه أحد في فعْله –سبحانه-.

وقد أفصح القرآن عن هذا النوع من التوحيد جد الإفصاح، ولا تكاد سورة من سوره تخلو من ذِكره، أو الإشارة إليه، فهو كالأساس بالنسبة لأنواع التوحيد الأخرى، وقد ذكره الله -سبحانه- في عدة مقامات في القرآن؛ منها قول الله تعالى في مقام الحمد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، وقوله -سبحانه-: ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الجاثية: 36].

• وفي مقام التسليم أو الاستسلام لله يقول -سبحانه-: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 71].

• وفي مقام التوجه وإخلاص القصد يقول -سبحانه-: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

• وفي مقام تولي الله -عز وجل- يقول تعالى: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 14].

وفي مقام الدعاء يقول -جل ذكره-: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 54 – 55].

وفي مقام العبادة يقول -سبحانه-: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

وقد أقرَّ الكفار والمشركون بهذا النوع، وسجَّل القرآن الكريم ذلك، وبيَّن عجزهم واعترافهم في غير آية منه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ﴾ [يونس: 31]، وقوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 9]، وقوله -جل ذكره-: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [المؤمنون: 86، 87]، وقوله: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 9].

اقرأ أيضا  أهل القرآن

2- توحيد الألوهية:
وهو إفراده -سبحانه- بالعبادة، وهذا التوحيد مبني على إخلاص العبادة لله وحده، في باطنها وظاهرها؛ بحيث لا يكون شيء منها لغيره -سبحانه- فالمؤمن بالله يعبد الله وحده ولا يعبد غيره، فيُخلص لله المحبة والخوف، والرجاء والدعاء، والتوكُّل والطاعة، والتذلُّل والخضوع، وجميع أنواع العبادة وأشكالها.

وهذا النوع من التوحيد يتضمَّن في حقيقته جميع أنواع التوحيد الأخرى، فيتضمَّن توحيد الله في ربوبيَّته، وتوحيده في أسمائه وصفاته، وليس العكس؛ ومن أجل ذلك كان هذا التوحيد أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره، ومن أجله خُلِقت الخليقة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحِّدين والمشركين، وعليه يقع الجزاء والثواب في الأولى والآخرة، فمن لَم يأت به، كان من المشركين”[6].

فهو أساس دعوة الرسل -عليهم السلام- وبه أُنزلت الكتب السماوية، وعليه مدار جميع العبادات الشرعية، وقد أبان القرآن ذلك؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال -عز وجل-: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال -سبحانه- عن نبيِّه نوح وهود، وشعيب وصالح، وغيرهم -عليهم السلام- لقومهم: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59].

وفي المحبة لله نهى عن اتخاذ الأنداد له فيها، فقال -سبحانه-: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، وفي الدعاء يقول -سبحانه-: ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 106].

وفي التوكُّل يقول تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، وفي الرجاء يقول -عز وجل-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218]، وفي الخوف يقول تعالى: ﴿ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51].

وفي سائر العبادات كلها يقول -سبحانه-: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 162 – 163].

3- توحيد الأسماء والصفات:
ومعناه إجمالاً: الاعتقاد الجازم بأن الله -عز وجل- متَّصفٌ بجميع صفات الكمال، ومنزَّهٌ عن جميع صفات النقص، وأنه متفرِّدٌ عن جميع الكائنات؛ وذلك بإثبات ما أثبته الله -سبحانه- لنفسه أو أثبَته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة، من غير تحريف في ألفاظها أو معانيها، ولا تعطيلها بنفْيها، أو نفي بعضها عن الله -عز وجل- ولا تكييفها بتحديد كُنهها، وإثبات كيفيَّة معيَّنة لها، ولا تشبيهها بصفات المخلوقين.

وواضح من هذا التعريف أن توحيد الأسماء والصفات يقوم على ثلاثة أسس، وهي:
1- تنزيه الله -جل وعلا- عن مشابهة الخلق، وعن أي نقصٍ.

2- الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسنة، دون تجاوزها بالنقص منها، أو الزيادة عليها، أو تحريفها، أو تعطيلها.

3- قطْع الطمع عن إدراك كيفيَّة هذه الصفات.

وذِكر هذا النوع من التوحيد في القرآن الكريم كثيرٌ جدًّا، بل إنه لا تخلو سورة من سور القرآن، ولا صفحة من صفحاته من ذِكر صفات الله وأسمائه، فتجده مرة يُذكِّر بها في مختلف موضوعاته؛ من توحيد، وعبادة، وتشريع، وفي مقام أمره ونَهيه، ووعْده ووعيده، وقَصصه وأمثاله[7]، وقد جمع الله جملة هذه الصفات في القرآن في سورة الإخلاص، وآية الكرسي، وآخر سورة الحشر، فقال -سبحانه-: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، وقال -عز وجل-: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22 – 24].

وفي التنزيه عن الشبيه والنظير، والكُفء والمثيل، يقول -عز وجل-: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، ويقول -سبحانه-: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾[الإخلاص: 1 – 4]، وقال -سبحانه-: ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ﴾ [النحل: 74].

أما السُّنة النبوية، فلا تختلف كثيرًا في الدعوة إلى التوحيد، إلا زيادة وتفصيلاً لما جاء به القرآن، فقد روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:((قال اللَّه تعالى: أنا أغْنى الشركاء عن الشِّركِ، مَن عمِل عملاً أشركَ فيه معِي غيري، تَركْتُه وشركَه)).

وعن ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا، فقال: ((يا غلام، احفَظ الله يَحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأمة لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتَبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتَبه الله عليك، رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه أحمد، والترمذي.

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت رَديفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار، فقال لي: ((يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟))، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ألا يعذِّب مَن لا يشرك به شيئًا))، قلت: يا رسول الله، أفلا أبشِّر الناس؟ قال: ((لا تُبشِّرهم، فيتَّكلوا))؛ أخرجاه في الصحيحين.

وفي السيرة النبوية خيرُ زاد للشباب المسلم في دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى التوحيد والعقيدة في مكة بعد البعثة ثلاثة عشر عامًا، يدعو الناس إلى التوحيد وإصلاح العقيدة؛ لأنها الأساس الذي يقوم عليه بناء الدين، وقد احتذى الدعاة والمصلحون في كل زمان حَذْو الأنبياء والمرسلين؛ فكانوا يَبدؤون بالدعوة إلى التوحيد، وإصلاح العقيدة، ثم يتَّجهون بعد ذلك الأمر ببقية أوامر الدين.

الرابعة: الاهتمام بكتب السلف في دراسة وفَهم مسائل العقيدة:
ثم اعلموا أيها الشباب: أنه ينبغي عليكم أيضًا الاهتمام بمعرفة الكتب التي تضمَّنت العقيدة الصحيحة، من مؤلفات ورسائل أهل العلم من سلفنا الصالح والتابعين لهم بإحسان؛ لأن الاطلاع والدراسة لهذه الكتب وما أشبهها، يحفظ على المسلم عقيدته الإسلامية صافيةً صحيحة كما هي، لا يشوبها خلَلٌ أو تحريف، أو انحراف، أو زَيغٌ أو ضلال، مما كتب أهل البدع والفِرق والأهواء.

والكتب التي اهتمت بمسائل العقيدة والتوحيد، على طريقة أهل السنة والجماعة – وبعيدًا عن كتب أهل الفلسفة والكلام – كثيرة ومتنوعة.

منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- “كتاب السنة”؛ الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – 241 هـ.

2- “كتاب السنة”؛ عبدالله ابن الإمام أحمد، 290 هـ.

3- “كتاب السُّنة”؛ أبو بكر أحمد بن يزيد الخلاَّل، 211 هـ.

4- “كتاب السنة”؛ الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم، 287 هـ.

5- “الشريعة”؛ الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجُري، 360هـ.

6- “اعتقاد أئمة الحديث”؛ الإمام أبو بكر الإسماعيلي، 371 هـ.

7- “مقالات الإسلاميين”: للإمام أبي الحسن الأشعري، 320هـ.

8- “عقيدة السلف أصحاب الحديث”؛ الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني، 449 هـ.

9- “شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة”؛ الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي، 418 هـ.

10- “كتاب الأربعين في دلائل التوحيد”؛ أبو إسماعيل الهروي، 481 هـ.

11- “العقيدة الطحاوية”؛ الإمام أحمد بن محمد بن سلامة: أبو جعفر الطحاوي الأزدي الحنفي، 321 هـ.

12- “لمُعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد”، الإمام موفق الدين: أبو محمد عبدالله بن قدامة المقدسي، 620 هـ.

13- “النصيحة في صفات الرب – جل وعلا”؛ الإمام أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني، 438 هـ.

14- “كتاب التوحيد”؛ الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، 256 هـ.

15- وفارس التأليف في علم الاعتقاد- الذي لا يختلف فيه اثنان من أهل السُّنة- شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ)، فإنَّه رتَّب هذا العلم، وقعَّد أُصوله ومناهجه، ومؤلَّفاتُه كثيرة في هذا الباب؛ منها: “منهاج السنة النبوية”، و”دَرء تعارُض العقل والنقل”.

16- إضافة إلى هذا “مجموع الفتاوى”، الذي جُمِع فيه كثيرٌ من مؤلَّفاته، وبلَغ المجموع سبعة وثلاثين مجلدًا.

17- والفارس الثاني في التأليف: تلميذه العالم الرباني ابن قيِّم الجوزية 752 هـ، صاحب الجهود المشكورة في الردِّ على الفرق الضالة؛ منها: “الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة”، “اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المُعطلة والجهمية”، “القصيدة النونية”، “شفاء العليل، في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل”، “طريق الهجرتين وباب السعادتين”، وغيرها من كُتبه القيِّمة.

وكل ما ذكَرناه من المؤلفات والكتب، فهي مطبوعةٌ – ولله الحمد والمنَّة – وثمةَ كُتب كثيرة لم نذكرها؛ منها ما هو مطبوع، ومنها ما هو في عالم المخطوطات[8].

الخامسة: تحقيق عقيدة الولاء والبراء:
ومما لا بد منه يا شباب الإسلام في مسائل العقيدة: تحقيق عقيدة الولاء والبراء في حياتكم، وعدم مشابهة المخالفين لمنهج الإسلام وعقيدته من المشركين والكافرين وأذنابهم، وكذلك الفاسقون والمنافقون؛ وذلك لضمان سلامة المنهج وصحَّته واستقامته؛ لأن الولاء والبراء قضية أساس في عقيدة المسلم، وفي تحقيق كمال الإيمان والتوحيد.

ماذا تعني قضية الولاء والبراء؟

أيها الشباب، ماذا تعني لكم قضية الولاء والبراء؟ وماذا يترتَّب عليها من حقوق الإيمان والعمل؟

إن المقصود بتحقيق الولاء: أن يتحقق المسلم بمحبَّة الله تعالى ورسوله، ومحبة أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والترضي عليهم، وكذلك محبة التابعين والمؤمنين ومُوالاتهم، والقيام بحقوق الإسلام والأخوَّة معهم، ونُصرتهم ومعونتهم على الخير، والتعاون معهم على ذلك.

أما البراء، فنعني به: بُغض الكافرين والمشركين، وكذلك المنافقون وأهل البدع والأهواء المخالفون لله تعالى ورسوله وصحابته والمؤمنين.

فالحب في الله تعالى والبُغض فيه، قضية شرعية مهمة، وقد جاءت الشريعة بها وحثَّت عليها، وجعلتها أوثقَ عُرى الإيمان، ولو تأمَّلنا آيات القرآن وأحاديث الرسول، لوجَدنا هذا الأمر في أتم وضوحٍ، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].

اقرأ أيضا  قصة الحجاب

وقال تعالى في المنافقين وموالاتهم: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: 67 – 68].

وقال تعالى في مُوالاة الكافرين والمشركين: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران: 28].

وقال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

بل وهذا نبي الله إبراهيم – عليه السلام – يَضرب الله به مثلاً أعلى في تحقيقه ومَن معه من المؤمنين لعقيدة الولاء والبراء؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4].

أما في السنة النبوية، فقد روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أوثق عُرى الإيمان: الحب في الله، والبُغض في الله)).

يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: “فهل يتم الدينأو يُقام علَمُ الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – إلا بالحب في اللهوالبغض في الله؟ ولو كان الناس متَّفقين على طريقة واحدة ومحبَّة من غير عداوةٍولا بغضاء، لم يكن فرقانًا بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بينأولياء الرحمن وأولياء الشيطان”[9].

وفي الحديث عند أبي داود بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن أحبَّ لله، وأبغض لله، ومنَع لله، فقد استكمل الإيمان)).

وروى الترمذي وابن ماجه بسند صحيح عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال:((ثلاثٌ من كنَّ فيه، وجَد بهنَّ طعم الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما،وأن يحبَّ المرء لا يحبه إلا لله،وأن يَكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقَذه الله منه،كما يكره أن يُقذف في النار)).

وعن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يَظلمه،ولا يُسلمه،ومن كان في حاجة أخيه،كان الله في حاجته،ومن فرَّج عن مسلم كُربة،فرَّج الله عنه كربة من كُربات يوم القيامة،ومن ستر مسلمًا،ستَره الله يوم القيامة))؛ متفق عليه.

وروى النسائي بسند صحيح عن أبي نُخيلة البَجلي قال:قال جرير:أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبايع، فقلت:يا رسول الله،ابسط يدك حتى أُبايعك،واشترِط عليّ، فأنت أعلم، قال:((أُبايعك على أن تعبد الله،وتُقيم الصلاة،وتُؤتي الزكاة،وتُناصح المسلمين،وتُفارق المشركين)).

الناس في ميزان الولاء والبراء:
أيها الشباب، اعلموا أنالناس في ميزان الولاء والبراء على ثلاثة أصناف:
• فأهل الإيمانوالصلاح يجب علينا أن نحبَّهم ونُواليهم.

• وأهل الكفر والنفاق يجب بُغضهموالبراءة منهم.

• وأما أصحاب الشائبتين ممن خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيِّئًا،فالواجب أن نحبهم ونُواليهم؛ لِما لهم من إيمان وتقوى وصلاح، وفي الوقت نفسه نُبغضهم ونُعاديهم على قدر ما تلبَّسوا به من معاصٍ وفجور؛ وذلك لأن الولاء والبراء منالإيمان، والإيمان عند أهل السنة ليس شيئًا واحدًا،لا يقبل التبعيض والتجزئة،فهو يتبعَّض؛ لأنه شُعَب متعددة؛ كما جاء في حديث الصحيحين في شُعب الإيمان: ((الإيمان بضع وستون شُعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله،وأدناها إماطة الأذى عنالطريق))، والأحاديث في ذلك كثيرة معلومة، فإذا تقرَّر أن الإيمان شُعب متعددةويَقبل التجزئة، فإنه يمكن اجتماع إيمان وكفرٍ – غير ناقل عن الملَّة – فيالشخص الواحد، ودليله قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ [الحجرات: 9].

فأثبَت الله تعالى لهم وصف الإيمان مع أنهم متقاتلون، وقتال المسلم كفرٌ؛ كما فيالحديث: ((سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر))،وفي الحديث الآخر يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يَضرب بعضكم رقاب بعضٍ))، فدلَّذلك على اجتماع الإيمان والكفر الأصغر في الشخص الواحد؛ يقول ابن تيمية: “أما أئمة السُّنة والجماعة، فعلى إثبات التبعيض في الاسم والحكم، فيكونمع الرجل بعض الإيمان، لا كله، ويثبت له من حُكم أهل الإيمان وثوابهم بحسبما معه، كما يَثبت له من العقاب بحسب ما عليه، وولاية الله بحسب إيمان العبدوتقواه، فيكون مع العبد من ولاية الله بحسب ما معه من الإيمان والتقوى، فإنأولياء الله هم المؤمنون المتقون؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62، 63]”[10].

أمثلة وصور في قضية الولاء والبراء:
وحتى نفهم قضية الولاء والبراء، والحب والبُغض في الله تعالى؛ نذكر هنا عدة أمثلة في موالاة الكافرين والمنافقين، وكذلك عدة صور في موالاة المؤمنين، وقد قال أبو الوفاء بن عقيل:”إذا أردت أن تعلم محلَّ الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبوابالجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبَّيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة،عاش ابن الراوندي والمعري – عليهما لعائن الله – ينظمون وينثرون كفرًا، وعاشواسنين، وعُظِّمت قبورهم، واشتُريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب”.

أما موالاة أهل الإيمان والتوحيد، فلها صور كثيرة؛ منها:
الود والمحبة الخالصة لهم، والنُّصرة والتأييد، والنُّصح لهم، والتعاون معهم على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفْع الظلم عنهم، ودفْعهم أنفسهم عن الوقوع في الظلم، وتقديم الهدية لهم، وزيارتهم في الله، وإفشاء السلام بينهم، وكف الأذى عنهم، وتحقيق الأخوَّة الإيمانية معهم.

وكل هذه الصور وغيرها جاءت بها نصوص الوحي من الكتاب والسنة، وذِكرها هنا يطول به المقام، ولكن يكفينا منها قول الله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].

وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: ((مَثلُ المؤمنين في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى))؛ رواه مسلم.

وحديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:((انصُر أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟! قال: ((تأخذ فوق يديه))؛ أي: تَمنعه من الظلم؛ رواه البخاري.

وحديث جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: “بايَعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنُّصح لكل مسلم”؛ متفق عليه.

وأما موالاة الكافرين والمنافقين وأعداء الإسلام، فلها صور كثيرة؛ منها:
1- التشبُّه بهم فياللباس والكلام.

2- الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلاد المسلمين؛لأجْل الفرار بالدين.

3- السفر إلى بلادهم لغرض النُّزهة ومُتعة النفس.

4- اتخاذهم بطانةًومستشارين.

5- التأريخ بتاريخهم، خصوصًا التاريخ الذي يعبِّر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخالميلادي.

6- التسمِّي بأسمائهم.

7- مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها، أو تَهنئتهمبمناسبتها، أو حضور إقامتها.

8- مدْحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة، والإعجاببأخلاقهم ومهاراتهم، دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد.

9- الاستغفار لهم والترحُّمعليهم[11].

وقد دلَّت عليها أيضًا كثير من نصوص الشريعة الإسلامية، وبيَّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- أيَّما بيانٍ، وحذَّر أُمته من تقليد الكافرين والتشبُّه بهم، والسيْر في رِكابهم، وحذَّر من ضياع وتمييع الشخصية المسلمة، وذوبانها في بوتقة التقليد الأعمى، والسير في ركاب الجاهلين؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 57].

أمور لا تَقدح في الولاء والبراء:
لكن عليكم أيها الشباب أن تنتبهوا إلى أن هناك أمورًا لا تَقدح في عقيدة الولاء والبراء؛ وإنما هي من باب الإباحة أو الدعوة، أو بذْل الإحسان العام للناس، فقد أجاز الإسلام للمسلم البيع والشراء مع الكافرين، إلا آلة الحرب والقتال، وكذلك أجاز الزواج من نساء أهل الكتاب، وأكل ذبائحهم بنصِّ القرآن، وكذلك دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والعدل معهم في المعاملة، فلا ظُلم ولا اعتداء، وكذلك التصدُّق عليهم، وزيارة مرضاهم إذا كان هناك مصلحة شرعية راجحة بيِّنة؛ قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن قتَل معاهدًا،لم يَرَح رائحة الجنة، وإن ريحها توجَد من مسيرة أربعين عامًا))؛ رواه البخاري.

فكل هذه الصور أيضًا لا تدخل في باب الموالاة لهم ومَودتهم؛ إنما هي حالات خاصة، وقواعد عامة.

________________________________________
[1] الإيمان وأركانه؛ محمد نعيم ياسين.
[2] إسلامنا؛ السيد سابق.
[3] العقيدة الإسلامية؛ أحمد آل سبالك.
[4] العقيدة الإسلامية؛ أحمد آل سبالك (19-21).
[5] العقيدة الإسلامية؛ محمد بن جميل زينو.
[6] الإيمان وأركانه؛ محمد نعيم ياسين.
[7] المصدر السابق.
[8] الوجيز في عقيدة السلف الصالح؛ عبدالله بن عبدالحميد الأثري؛ بتصرُّف.
[9] أوثق عُرى الإيمان، (ص: 38).
[10] مجلة البيان: (عدد 51/1412 هجري).
[11] دروس رمضان؛ عبدالملك القاسم، (ص: 59، 60).
-الألوكة-