سورية: لم تكن أي فرصة للاتفاق
د. رؤوبين باركو/ “يسرائيل هيوم“
الأربعاء 19 ذو الحجة 1437/ 21 سبتمبر/ أيلول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”
إن اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم توقيعه بين الامريكيين والروس لم يكن يساوي الورق المكتوب عليه. كان يمكن نسب التصعيد لحقيقة مواصلة الامريكيين، حسب المتفق عليه، لعمليات قصف داعش وفتح الشام كتنظيمات ارهابية لا تلتزم بوقف إطلاق النار، من خلال “خرق السيادة السورية” (حسب ادعاءات الاسد).
في المقابل واصل الروس والسوريين معا، وعلى الرغم من الاتفاق، قصف مواقع المعارضة، بما في ذلك التجمعات الاسكانية، بادعاء ان المعارضين يستعدون للهجوم، وان الامريكيين فشلوا في التمييز بين جهات المعارضة المعتدلة وتنظيمات “الارهاب الاسلامي”. أضف الى ذلك، ان النظام السوري و رعاته استغلوا الاتفاق لتحسين مواقعهم، قصفوا قوافل المساعدات الانسانية ومنعوا وصولها الى المناطق المحاصرة، خلافا للاتفاق.
هذا الأمر جعل جون كيري خلال محادثاته مع لافروف، يشجب التأخير في وصول المساعدات الانسانية الى المحاصرين، والتي كان يفترض ان تشكل، في حال صمود اتفاق وقف اطلاق النار لأسبوع واحد، شرطا للبدء بعمليات هجوم امريكية – روسية مشتركة ضد داعش. لقد ادعى الروس ان الامريكيين يساعدون داعش. وكلاعب تتعاظم قوته على الساحة، يجد الروس صعوبة في اخفاء استهتارهم بالقوة العظمى الأمريكية “الحاضرة – الغائبة” في الشرق الأوسط. ويمكن القول لصالح كيري انه يصدق، كما يبدو، الناس والاتفاقيات. هكذا جرت مفاوضاته الساذجة والمثيرة للقلق مع الايرانيين ومع الفلسطينيين، على سبيل المثال. بعد ان تبين بأن الأسد يواصل استخدام الغاز ضد مواطنيه، كان يجب على وزير الخارجية الفهم بأن عقلية القيم هذه تناسب هوليود وليس الشرق الاوسط.
على سبيل الطرفة يقال بأن الامريكيين “اخطأوا” وقصفوا جيش النظام، والا فان سذاجة كيري في الاتفاق الأخير كانت ستصل الى السحاب. لبالغ الحظ وفي اعقاب الخروقات الروسية والسورية، جاء قصف التحالف “المؤسف” على قاعدة الجيش السوري في دير الزور، والذي قتل خلاله عشرات الجنود. عن ذلك قال المثل العربي “رب صدفة خير من الف ميعاد”. فالرسالة “الخاطئة” كانت افضل من الف شجب صدر عن كيري طوال سلسلة التصعيد، وكان يبدو ان الامريكيين اجتازوا عملية لزرع عامود فقري. والحقيقة انه “نتيجة “للخطأ” طالب الروس بإجراء نقاش في مجلس الامن، وبدأوا بأخذ الامريكيين في الاعتبار.
الامريكيون ينشغلون في الانتخابات، ولذلك يشكلون “لاعب تعزيز” مرتبك في الشرق الاوسط العاصف. التوجه الايراني – السوري – الروسي واضح لهم، لكن البديل العربي – الإسلامي السني ضعيف، وممزق بشكل يفوق امكانية اعتباره الخيار الاستراتيجي. خلافا للأمريكيين الضائعين في تعقيدات محاولة صياغة خطة منظمة على اساس رؤية سياسية، يحسن لاعبو الخصوم بواسطة التضليل، مكانتهم في شباك الفرص الحالي، وهم يدركون انه في كانون الثاني القريب، ستقف قيادة امريكية جديدة وراء المقود.
في هذه الأثناء يتقاسم الايرانيون والروس “شهر عسل” المصالح المؤقتة، كعكة التأثير في المنطقة التي تتفكك فيها دول سايكس بيكو الى اجزاء. الاردن ودول الخليج موسومة كهدف قادم، ومصر فضلت الاسد على الإسلاميين. وسيكون على اسرائيل الاختيار، في مرحلة ما، ما هو المرض المزمن الملائم للمفهوم الامني والردع الاقليمي لدينا: مسار الشر ايران، سورية، روسيا وحزب الله، ام تنظيمات “الارهاب الإسلامي” شبه الدولية.
المصدر : موقع مجلة “البيان”