شرح الحديث الشريف – جامع الأحمدي: بادروا بالأعمال الصالحة
الجمعة7 جمادى الثانية1436//27 مارس/آذار 2015 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.ا علة وجود الإنسان على سطح الأرض؟ :
أيها الأخوة الكرام:
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-:
((بادروا بالأعمال الصالحة.
-ذلك أن علة وجود الإنسان على سطح الأرض: أن يعمل صالحاً, بدليل قوله تعالى:
﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾
[سورة المؤمنون الآية:99]
﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾
[سورة المؤمنون الآية:100]
حينما يأتي ملك الموت, لا يتمنى الإنسان ﺇلا أن يكون قد تزود بالعمل الصالح, لأن العمل الصالح عملة الآخرة.
ما ثمن الجنة؟ :
هل تستمعون إلى إنسان يسافر إلى بلد بعيد, ليس معه شيء من المال؟ كيف ينفق؟ العمل الصالح: ثمن الجنة:
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
[سورة الكهف الآية:110]
فلذلك يقول -عليه الصلاة والسلام-: بادروا بالأعمال الصالحة.
-العمل الصالح؛ ﺇما أن تبادر إليه, وﺇما أن يُعرض عليك.
بادر إلى العمل الصالح :
الحديث-: بادروا.
-في إنسان يطرق بابه, يطلب منه مساعدة, يُقدم, هو ينتظر أن يأتيه العمل الصالح, أنت ينبغي أن تبحث عن عمل صالح, أن تبحث عن أخ تعاونه, عن فقير تطعمه, عن يتيم ترعاه, عن طالب علم تتبناه, عن أم وأب تبرهما, عن ابن تربيه, عن دعوة تنشرها, عن عمل صالح تفعله, يجب أن تبحث أنت-.
بالأعمال الصالحة.
ﺇن عرفت الهدف, صحت الحركة :
-لو أن إنساناً ذهب إلى بلد ليتعلم, إلى فرنسا, ذهب إلى هناك من أجل أن يأخذ دكتوراه, قد يكون في مليون شيء مغري؛ في مسارح, في نوادي, في -مثلاً- ملاعب, في حدائق, في متنزهات, ما دام هذا الإنسان جاء إلى فرنسا ليأخذ دكتوراه, يجب أن يكون هذا الهدف ماثلاً أمامه دائماً.
بل كنت أضرب مثلاً: لو إنسان سافر لفرنسا, ونام في أحد الفنادق, واستيقظ صبيحة اليوم الأول, لو أنه سألنا: إلى أين أذهب؟ نسأله: نحن لماذا جئت إلى هنا؟ ﺇن كنت جئت طالب علم, اذهب إلى المعاهد والجامعات, وﺇن جئت تاجراً, اذهب إلى المعامل والمؤسسات, وﺇن جئت سائحاً, اذهب إلى المقاصف والمتنزهات, أي أن الحركة لا تصح ﺇلا إذا عُرف الهدف, ﺇن عرفت الهدف, صحت الحركة.
هل خطر في بالك هذا السؤال؟ :
حسناً: هل أحدنا يسأل هذا السؤال: لماذا أنا في الدنيا؟.
سؤال كبير؛ لكن شدة القرب حجاب, نعمل بعمل يومي آلي, عمل آلي, قد يكون ليس له معنى إطلاقاً, نستيقظ, نأتي إلى أعمالنا, نبيع, ونشتري, نأكل, ننام, نسهر, في اليوم الثاني ……
السؤال الخطير, والمزعج: ممكن نستيقظ كل يوم كالسابق إلى ما شاء الله؟ سؤال, الذي يقول لا …..
ممكن تستيقظ كل يوم كالسابق إلى ما شاء الله؟ لا, في أحد الأيام لا بد ما يكون في شيء بالجسم جديد, لم يكن من قبل, فإذا كان هذا المرض مرض الموت, يتفاقم إلى أن ينتهي بالنعوة, أبداً.
هذا كلام واقعي, ولو كان مزعجاً, الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح, في ساعة مغادرة, ساعة مغادرة للدنيا.
ماذا تنتظر من الدنيا؟ :
النبي الكريم يقول-: فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟.
-لو أن الإنسان أراد الدنيا, أرادها؛ أراد مالها, ونساءها, وبيوتها, وقصورها, ومكانتها, ووجاهتها, ماذا ينتظره منها؟.
قال:- هل تنتظرون ﺇلا -دققوا, في سبعة أشياء- هل تنظرون إلا فقراً منسيا.
-يعني آلاف الحالات, وكيل حصري, الوكالة سحبت من يده, تجارة كبيرة جداً, وقف البيع فجأة, عليه مطاليب فلس-.
هل تنظرون إلا فقراً منسيا؟ -وقد يكون هذا, وما أكثر ما يكون أساساً.
يقول لك: محل فروغه ثلاثون مليون, باعوا بثمانمئة ليرة اليوم, هذا ليس فقراً, هذا في مصاريف, وفي ضرائب, وفي التزامات, لا يوجد, لا يوجد شيء, والله يمتحن الناس, ليس كل الحياة رواج, يأتي رواج, يمتحن الناس, يأتي كساد, يمتحن الناس.
هذا حال الإنسان الغافل :
مرة التقيت مع صاحب معمل أثناء الرواج, ولا تستطيع الكلام معه, ولا يقول لك: تفضل اجلس, ولا يقدم لك الضيافة, مشغولاً, عند الكساد يأتي إلى عندك على المحل, نحن بخدمتكم, تعالوا خذوا بضاعة, ضعوها عندكم, بيعوا وأعطوني, صار أخلاق ملائكية على الكساد, فلو كانت التجارة على طول رابحة, لا تستطيع الكلام معه؛ فلا بد من كساد تارة, ومن رواج تارة أخرى-.
من المصائب :
هل تنتظرون إلا فقراً منسيا, أو غنى مطغيا.
-يا لطيف! عده النبي أحد المصائب: غنى مطغي, يعني غنى يحملك على أن تقيم عرساً بالشيراتون؛ اختلاط, وأن توزع الخمور, له مكانة كبيرة, فيجب أن يعمل عرساً لابنه أو لابنته, يتناسب مع مكانته, العرس الراقي يريد يكون في اختلاط, وفي فنانين, وفي غناء, وفي …… بالهولندا, وفي ألبسة من فرنسا, هذا الغنى المطغي.
الترف طريق الكفر, والكفر يؤدي إلى الترف :
ويوجد ثماني آيات حصراً, المترف كافر:
﴿كَفَرُوا﴾
[سورة المؤمنون الآية:33]
﴿وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
[سورة المؤمنون الآية:33]
الترف طريق الكفر, والكفر يؤدي إلى الترف-.
من مفسدات الحياة :
هل تنتظرون إلا فقراً منسيا, أو غنى مطغيا, أو مرضاً مفسدا -حمية كاملة, لا يستطيع أن يتحرك, ضيق الشريان التاجي, يريد قثطرة, يريد تغيير صمام, يريد عملية بأمريكا, فشل كلوي, يريد يذهب على العراق يبدل كلوته.
والعياذ بالله! يوجد في الجسم أي خطأ, يجعل حياة الإنسان جحيماً, أليس كذلك؟ وتحت سمعكم وأبصاركم آلاف الحالات, والأمراض متفاقمة جداً.
الآن من الشدة النفسية, الشدة النفسية تضعف جهاز المناعة, وإذا ضعف جهاز المناعة , نمت أو قويت الجراثيم, وقويت السرطانات, من ضعف جهاز المناعة, وجهاز المناعة يقويه الأمن, والحب, والطمأنينة, ويضعفه الحقد, والخوف, والقلق, وجهاز المناعة موكل بضبط الأمراض الجرثومية, والسرطانية؛ لذلك أكثر المصابين بالإيدز: معهم سرطان, أبداً, التغى جهاز المناعة, الخلايا نمت نمواً عشوائياً-.
استعذ بالله من أرذل العمر :
هل تنتظرون إلا فقراً منسيا, أو غنى مطغيا, أو مرضاً مفسدا, أو هرماً مفندا, -يتقدم به السن, يصبح يضوع:
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾
[سورة الحج الآية:5]
يصبح عقله صغيراً, حشري, القصة يعيدها مئة مرة, يتدخل بشؤون ليست له, له انتقادات لادعة, ظله ثقيل, ينفض الناس من حوله, وهذا عقاب من الله؛ لأنه من عاش تقياً عاش قوياً, من عاش تقياً عاش آمناً, عاش ببركاته, من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت, فأرذل العمر -والعياذ بالله- …….
من الوقائع :
والله قال لي شخص: ثلاث وثلاثون سنة طريق الفراش, يتمنى الموت فلا يجده أبداً.
قال لي أخ ثان, قال لي: والدته يربطونها من يديها ورجليها على الديوان, قلت له: لماذا التربيط؟ قال: ﺇن أطلقت يداها, أكلت غائطها, وخلعت كل ملابسها:
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾
[سورة الحج الآية:5]
ما هو الموت المجهز؟ :
أو مرضاً مفسدا, أو هرماً مفندا, أو موتاً مجهزا:
-إذا الإنسان أراد الدنيا, وانصب عليها, وانكب عليها, وآثرها على الآخرة, ونسي دينه, ونسي آخرته, ونسي صلاته, ونسي صيامه, ونسي زكاة ماله, وأراد الدنيا, في أمامه سبعة أشياء؛ فقراً منسيا, غنى مطغيا, مرضاً مفسدا, هرماً مفندا, موتاً مجهزا, -هذه خمسة, بقي اثنان.
من الشر الغائب :
قال-: أو الدجال -الدجال: فعله عكس كلامه, أي إنسان يقول شيئاً, ويفعل شيئاً آخر دجال.
يعني مثلاً: لو أردنا أن نوضح الأمر: لو أن أباً قال لأولاده الجياع, ولم يذوقوا الطعام من يومين, وقد أكل أمامهم طبق من اللحم نفيس جداً, ولم يطعمهم لقمة واحدة, أب كالوحش, أكل هذا الطبق وحده, وترك أولاده يتضورون جوعاً, لو أنه قال لهم: أنا أحبكم يا أبنائي, هذا دجل, هذا لو أحبهم لأطعمهم-.
أو الدجال فشر غائب ينتظر, أو الساعة والساعة أدهى وأمر))
معاناة :
أخواننا الكرام, الله عز وجل: اصطفى رمضان من بين بقية شهور العام, اصطفاه لينسحب الصفاء فيه على كل الشهور.
يعني أنا أتألم ألماً شديداً, لما أجد ازدحام في المسجد غير معقول في رمضان, ينتهي رمضان, لا يوجد أحد, الناس في رمضان يصلون الفجر في المسجد, التراويح, وفي الأعم الأغلب يغضون أبصارهم, ويضبطون لسانهم, حسناً: بعد رمضان!؟ كما قال شوقي:
رمضان ولى هاتها يا ساق مفتـاقة تسعى إلى مفتاق
هذه عبادة سخيفة جداً, أن تعبد الله في رمضان, وفي بقية العام, أنت متفلت من منهجه.
فالذي أتمناه على كل صائم: أن المكسب الذي حققه في رمضان, ينبغي أن يستمر بعد رمضان, لا يُفطر ﺇلا فمه فقط؛ أما لسانه, وعينه, وأذنه, ويده, وضبطه لإنفاقه, ودخله, وأسرته, هذا يستمر بعد رمضان.
اعلم علم اليقين :
أيها الأخوة, في هذا الشهر الكريم, شهر القرآن, يعني الإنسان يقرأ القرآن, لكن بربكم: لو أن إنساناً أصيب بمرض, وذهب إلى طبيب حادق, وصف له وصفة متقنة, هذه الوصفة لو أنه قرأها, هل يشفى؟ قرأها قراءة مزودة, هل يشفى؟ قرأها مع فهم؛ هذا الدواء مضاد للالتهاب, هذا الدواء مسكن, هذا خافض حرارة, يشفى؟ لو قرأها لا يشفى, لا يشفى ﺇلا إذا أخذ الدواء.
وأتمنى على كل أخ مسلم, أن يعتقد اعتقاداً جازماً: أن هذا القرآن وصفة إلهية, لقول الله عز وجل:
﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾
[سورة يونس الآية:57]
﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾
[سورة يونس الآية:57]
فهذا القرآن:
((ما آمن بالقرآن من استحل محارمه))
ما معنى اتخذوا هذا القرآن مهجوراً؟ :
و:
﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُوراً﴾
[سورة الفرقان الآية:30]
معنى مهجوراً: يعني هجوره في التعامل اليومي, لعلكم تقرؤون القرآن, وتستمعون إليه, ولكن البطولة: أن تطبقه, أن تجعله منهجاً لك, أن تحل حلاله, وأن تحرم حرامه, وأن تطبق منهج الله عز وجل فيه.
فهذا الحديث -أيها الأخوة-: يدعونا إلى العمل الصالح, وحجمك عند الله بحجم عملك الصالح, ومن أراد أن يلقى الله عز وجل وهو عنه راض, فليعمل عملاً صالحاً, وهويتك عند الله بالعمل الصالح, والعمل الصالح يرفعك, يرفعك عند الله عز وجل, والعمل الصالح يحتاج إلى شرطين؛ يحتاج إلى أن يكون صواباً.
متى يقبل العمل الصالح؟ :
حسناً: في عمل صالح غير صواب؟ ممكن, ممكن عمل صالح غير صواب, مثل ماذا؟.
حفلة غنائية, يرصد ريعها للمحتاجين, للفقراء, هذا عمل صالح, في ظاهره فقط مبني على معصية, مبني على حفلة غناء, حفلة -مثلاً- لا ترضي الله عز وجل, فالعمل الصالح الذي يقبله الله: ما كان وفق منهج رسول الله.
قال الفضيل بن العياض: العمل لا يقبل ﺇلا بشرطين: ﺇلا إذا كان خالصاً وصواباً؛ خالصاً: ما ابتغي به وجه الله, وصواباً: ما وافق السنة.
فالعمل الصالح: ينبغي أن يرتبط على منهج الله, وعلى منهج رسول الله, وأن يكون مخلصاً, حتى يقبل عند الله.
متى يكون للعمل الصالح أثر كبير؟ :
الآن: العمل الصالح لا يكون ذا أثر كبير, ﺇلا إذا بني على استقامة.
في أعمال صالحة أساسها: المال, إنفاق المال على الغني سهل جداً, معه مخزون كبير, يقول لك: ضع لي مليون ….. مليون, يا ترى هو منضبط!؟:
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾
[سورة التوبة الآية:19]
فالانضباط هو الأصل, الانضباط هو الأصل, فإذا في انضباط, العمل الصالح بعد الانضباط مؤثر جداً, وناجح جداً.
فرصة ذهبية :
فيا أيها الأخوة الكرام؛ نحن في شهر كريم, نحن في شهر العمل الصالح, نحن في شهر الإنفاق, نحن في شهر جبر الخواطر, نحن في شهر إطعام اليتامى, إطعام الفقراء, ﺇكساء الفقراء:
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
[سورة الكهف الآية:110]
وليسع كلاً منكم لمن يلوذ به, لأن الذين يلوذون بك أنت لهم, لأن الناس أنت لهم, وغيرك لهم, أما الذين يلوذون بك, من لهم غيرك؟
فكل إنسان عليه أن يصل رحمه, وصلة الرحم في رمضان: تعني الرعاية, وتعني التفقد, وتعني الإحسان, وتعني الدعوة إلى الله, تبدأ صلة الرحم بالزيارة, وتتابع بالتفقد: كيف أحوالكم؟ ثم بالإحسان, ثم بالدعوة إلى الله, والحمد لله رب العالمين.
دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم الفاتحة.
والحمد لله رب العالمين