شرح حديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
السبت 29 ربيع الأول 1437// 9 يناير/كانون الثاني 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
عبدالعال بن سعد الرشيدي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه)) حديث حسن؛ رواه الترمذي وغيره.
منزلة الحديث:
◙ هذا الحديث عظيم، وهو أصل كبير في تأديب النفس وتهذيبها، وصيانتها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى فيه ولا نفع[1].
◙ قال ابن رجب رحمه الله : هذا الحديث أصل من أصول الأدب[2].
◙ قال حمزة الكناني رحمه الله : هذا الحديث ثلث الإسلام[3].
◙ قال ابن عبدالبر رحمه الله : كلامه هذا صلى الله عليه وسلم من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة، وهو ما لم يقُلْه أحد قبله، والله أعلم[4].
◙ قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : وهذا الحديث ربع الإسلام على ما قاله أبو داود، وأقول: بل هو نصف الإسلام، بل هو الإسلام كله[5].
◙ وذكر الصنعاني رحمه الله : أن هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية، يعمُّ الأقوال، ويعمُّ الأفعال[6].
غريب الحديث:
◙ من حسن إسلام المرء: من كمال إسلامه.
◙ ما لا يعنيه: ما لا يُهِمُّه.
شرح الحديث:
((من حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه))؛ أي: من جملة محاسن إسلام الإنسان، وكمال إيمانه: تركه ما لا يُهمه من شؤون الدنيا، سواء من قول أو فعل.
قال ابن تيمية رحمه الله : ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه[7]؛ اهـ.
وقيل: فإن اقتصر الإنسان على ما يعنيه من الأمور، سَلِمَ من شر عظيم، والسلامة من الشر خير[8].
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله : إن من لم يترك ما لا يعنيه، فإنه مسيء في إسلامه[9].
وقال ابن القيم رحمه الله : وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة، فقال: ((من حسن إسلام المرء: تركُه ما لا يعنيه))، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمة شافية في الورع[10].
كلام السلف في ترك ما لا يعني:
قال عمر بن عبدالعزيز: من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه.
وقال الحسن البصري: علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
وقيل: من سأل عما لا يعنيه، سمع ما لا يرضيه.
وقال معروف الكرخي: كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله تعالى.
وقيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، قال: صِدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني.
وقال الشافعي: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني.
وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.
الفوائد من الحديث:
1- ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه؛ لأن ذلك أحفظ لوقته، وأسلم لدينه.
2- ترك اللغو والفضول دليل على كمال إسلام المرء.
3- الحث على استثمار الوقت بما يعود على العبد بالنفع.
4- البُعد عن سفاسف الأمور ومرذولها.
5- التدخل فيما لا يعني يؤدي إلى الشقاق بين الناس.
6- الحديث أصل عظيم للكمال الخلقي، وزينة للإنسان بين ذويه وأقرانه.
7- وفي الحديث حثٌّ على الاشتغال فيما يعني المرءَ من شؤون دِينه ودنياه، فإذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه.
________________________________________
[1] الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (123).
[2] جامع العلوم والحكم (1/ 207).
[3] تنوير الحوالك (3/ 96).
[4] التمهيد (9/ 199) شرح الزرقاني على موطأ مالك (4/ 317 ح 1737).
[5] فتح المبين (128).
[6] سبل السلام (4/ 343).
[7] مجموع الفتاوى (14/ 482).
[8] توضيح الأحكام (6/ 293).
[9] بهجة قلوب الأبرار (221).
[10] مدارج السالكين (2/ 22).
الألوكة