صفقة ترامب بوتين المحتملة

د. صالح النعامي

السبت 10 ربيع الأول 1438 الموافق 10 ديسمبر/ كانون الأول 2016 وكالة معراج للأنباء الإسلامية “مينا”

يبدو الكيان الصهيوني مطمئنا إلى العوائد التي من المتوقع أن يجنيها من الصفقة الشاملة المحتملة التي من المحتمل أن يتوصل إليها الرئيس الروسي فلادمير بوتين مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وتتعلق، ضمن أمور أخرى، بالأزمة السورية وآليات التعاطي معها. إن حاجة بوتين لصفقة مع ترامب تنهي الخلاف بشأن الأزمة الأوكرانية وتضع حدا للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم، والتي أنهكت الاقتصاد الروسي،  تجعله مستعدا للدفع للأمريكيين ومن ورائهم الكيان الصهيوني بالعملة الإيرانية، فيسمح لتل أبيب بضرب أذرع طهران في سوريا وعلى رأسهم حزب الله.

 وفي الوقت ذاته، فأن الصفقة الروسية الأمريكية المحتملة ستأخذ بعين الاعتبار المعايير الصهيونية لـ “سوريا المفيدة” التي يفترض أن تفضي إليها أية تسوية سياسية للصراع هناك. وتشمل هذه المعايير عدم السماح بحالة من الفوضى وغياب هياكل سلطوية، بما يسمح للحركات الجهادية باستغلال العمق السوري للانطلاق في تنفيذ عمليات ضد العمق الصهيوني.

 إلى جانب ذلك، فأن الكيان الصهيوني معني أيضا بأن تضمن أية صفقة أمريكية روسية تقليص النفوذ الإيراني في سوريا وتقليص حضور حزب الله هناك إلى أبعد حد. من  هنا، فليس من المستبعد أن يوضح الروس والأمريكيون لإيران بأن عليها وعلى أدواتها من تنظيمات وتشكيلات طائفية مغادرة سوريا أو على الأقل تقليص  وجودها هناك إلى أبعد حد وأن يقدم الروس ضمانات لكل من الأمريكييين والصهاينة بشأن هذا الوجود.

 وهناك هدف آخر تراهن تل أبيب على أن تضمن الصفقة الروسية الأمريكية تحقيقه ويتمثل في اعتراف كل من واشنطن وموسكو بضم هضبة الجولان للكيان الصهيني. وبالنسبة للموقف الصهيوني من بقاء نظام الأسد، فقد نسف رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدبيديف مزاعم حلفائه من “الممانعين”، عندما أخبر الصحافيين الصهاينة أثناء زيارته الأخيرة لتل أبيب أن جميع المسؤولين الصهاينة الذين تحدث إليهم يرون أن بقاء أفضل الأسد أفضل من أي خيار آخر. ويمكن القول إن الصفقة المحتملة بين موسكو ووواشنطن لن تشمل إعادة فتح الاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من تعهد ترامب وكبار مستشاريه بالغاء هذه الاتفاق، حيث أنه على الرغم من اعتراض حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب على هذا الاتفاق فأنها ترى حاليا أن مصلحة تل أبيب تقتضي استنفاذ هذا الاتفاق نظرا لأنه يضمن بالفعل تجميد المشروع النووي الإيراني.

اقرأ أيضا  تحولات الثورة.. إلى الثورة المضادة

في الوقت ذاته، فأن تل أبيب تخشى أن يفضي أي قرار أمريكي بإعادة النظر في الاتفاق النووي إلى منح المحافظين في طهران المسوغات لاستئناف المشروع النووي بكثافة ورفع مستوى التخصيب في المنشآت النووية بما يضمن تمكين إيران من انتاج أسلحة نووية.

 ويمكن الافتراض أن الصهاينة لن يكتفوا بالتحرك لدى ترامب للتأثير على مضامين الصفقة المحتملة مع بوتين، بل سيتوجهون للكونغرس وتوظيفه لضمان احترام المصالح الصهيونية في هذه الصفقة. ونظرا لأن الكونغرس مسؤول عن إصدار العقوبات المفروضة على روسيا ردا على ضمن شبه جزيرة القرم، فأن بعض نخب اليمين في تل أبيب جاهرت بالدعوة للاقناع الكونغرس برفع العقوبات عن روسيا مقابل ضمان احترامها خارطة المصالح الصهيونية في سوريا تحديدا.

إلى ذلك احتفى معلقون الصهاينة بالضوء الأخضر الذي تمنحه روسيا للكيان الصهيوني وسماحها بتوجيه ضربات لحزب الله في سوريا.

اقرأ أيضا  القدس.. إصابة فلسطينيين في مواجهات مع قوات إسرائيلية في سلوان

وتعليقا على الغارات التي استهدفت قبل يومين قوافل تحمل إرساليات سلاح تتجه من دمشق إلى لبنان ونسبت إلى الكيان الصهوني، قال يوسي ميلمان، معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة “معاريف” إن صمت روسيا عن شن الغارات التي طالت أهدافا لحزب الله تدلل على أن الروس “لن يحركوا ساكنا من أجل الحيلولة دون مس تل ابيب بحلفاء نظام الأسد وعلى رأسهم حزب الله”.

ونوه ميلمان في مقال نشره موقع “معاريف” إلى أن الحرج الذي أصاب نظام الأسد وحزب الله قلص من الاهتمام الإعلامي السوري واللبناني بتغطية الغارات ونتائجها.

وشدد ميلمان على أن تل أبيب هدفت من شن الغارة التأكيد على أن تعزيز التواجد العسكري الروسي في سوريا لن يؤثر على تمتعها بهامش حرية مطلق والقيام بكل ما تراه مناسبا في سوريا.

وفي السياق كشفت قناة التلفزة الصهيونية الثانية أن منظومات الدفاع الجوي وأجهزة الإنذار المبكر التي تحتفظ بها روسيا في سوريا تجعلها قادرة على رصد تحركات الطيران الصهيوني في كل بقعة من فلسطين 48 وتتبع تحركات الطائرات الصهيونية حتى قبل إقلاعها.

ونوهت القناة إلى أن الروس كان بإمكانهم منع الغارات الصهيونية من خلال نقل حول تحركات الطائرات الصهيونة لحزب الله ونظام الأسد إلا أنها لم تفعل ذلك.

من ناحيته اعتبر أمير بوحبوط، المعلق العسكري في موقع “وللا” أن الصمت الروسي على ضرب أهداف حزب الله يمثل “موافقة ضمنية” روسية على استهداف الحزب في سوريا على الرغم من دوره في الجهود الهادفة لضمان بقاء نظام الأسد.

وفي تحليل نشره الموقع ، نوه بوحبوط إلى أن إتاحة موسكو الظروف أمام تل أبيب لمواصلة ضرب أهداف حزب الله يدلل على أن هناك حدود تقيد تحالفها مع إيران وإنها غير مستعدة لتهديد علاقاتها مع الكيان الصهيوني من أجل تأمين بقاء هذا التحالف.

اقرأ أيضا  حين يستخف ترامب بالسلطة؟!

ولفت بوحبوط الأنظار إلى أنه لو توفرت لدى بوتين النية “لتغيير أصول اللعبة أمام تل أبيب في سوريا لسارع الكرملين لإصدار بيان حول ذلك كما فعل عدة مرات بعد تأزم العلاقات الروسية التركية في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية”.

وفي السياق قال الدكتور شاؤول شاي، رئيس قسم الأبحاث في “مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات” إن تل أبيب أوضحت لروسيا مجددا أنها لن تتراجع عن “الخطوط الحمراء” التي تضمن مصالحها في سوريا.

وفي مقال نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” نوه شاي إلى أن الإستراتيجية التي تتبعها تل أبيب في سوريا “تقوم على مراكمة الردع في مواجهة كل الأطراف من خلال توجيه ضربات قوية لكل من يهدد مصالحها وفي الوقت ذاته تجنب الانجرار للمواجهات الدائرة بين الأطراف”.

قصارى القول…قد تجد إيران نفسها مضطرة للخروج من سوريا مرغمة، فالدب الروسي في النهاية تاجر يتكلم بلغة المصالح التي يربط مواقفه بها…من هنا قد لا تنال إيران في النهاية إلا عداء أمة أغضبها مشاركتها في التآمر على ربيع العرب وولوغها في دماء الشعب السوري.

موقع مجلة البيان السعودية

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.