بقلم: الإمام يخشي الله منصور
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيْرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِۖ لَهُمْ قُلُوْبٌ لَّا يَفْقَهُوْنَ بِهَاۖ وَلَهُمْ اَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُوْنَ بِهَاۖ وَلَهُمْ اٰذَانٌ لَّا يَسْمَعُوْنَ بِهَاۗ اُولٰۤىِٕكَ كَالْاَنْعَامِ بَلْ هُمْ اَضَلُّۗ اُولٰۤىِٕكَ هُمُ الْغٰفِلُوْنَ ١٧٩ (الاعراف [٧]: ١٧٩)
أوضح سيد قطب رحمه الله في تفسيره “في ظلال القرآن” أن هذه الآية تمثل تحذيرا شديدا للإنسان الذي يعرض عن الواقع الاجتماعي، رغم وضوح علامات الفساد والانهيار في المجتمع (البلد).
قراءة المزيد: الأسلحة النووية: بين الأضرار والمنافع في ضوء القرآن الكريم
وأشار رحمه الله إلى أن الذين يُقذفون في نار جهنم هم أولئك الذين يسكتون ضمائرهم من أجل الحفاظ على مصالحهم الدنيوية وسلطتهم، والذين يتجاهلون فساد المجتمع، فيصبحون شركاء في الجرائم ضد الإنسانية أو داعمين لأعمال الظلم التي تخلّف القتل والدمار.
وفي السياق ذاته، أكد العلّامة المعاصر الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله أن ظلم سلطات الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني هو دليل صارخ على ضياع الفطرة الإنسانية لدى أولئك الذين سلبوا منهم الإحساس بالرحمة والعدالة، وانحدروا في مهاوي الضلال والاستكبار.
قال الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ علي القره داغي، إن القادة الذين يتركون آلاف الأطفال الفلسطينيين يذبحون، يدخلون في وصف الآية الكريمة، فهم يملكون الحواس الكاملة، لكنهم معرضون. قلوبهم ماتت، وعيونهم عميت، وآذانهم صُمّت عن سماع الحق.
ويُعدّ مرتكبو جرائم الإبادة الجماعية، وعلى رأسهم زعيم الاحتلال الصهيوني بنيامين نتنياهو، نموذجا حيا للذين تنطبق عليهم أوصاف هذه الآيات: قلوب ميتة، وعيون عمياء، وآذان صماء عن الحق والعدل والرحمة.
قراءة المزيد: إسرائيل على حافة الزوال
وقد بيّن المؤرخ اليهودي إيلان بابيه، في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين”، أن السياسات التي انتهجتها “إسرائيل” منذ نشأتها وحتى اليوم تقوم على نمط استعماري ونظام فصل عنصري ممنهج. وما يقوم به نتنياهو اليوم ليس سوى استمرار لتلك السياسات الاستيطانية، ولكن بوتيرة أشد وأعنف.
نتنياهو.. طاغية بلا ضمير
صرّح الكاتب والمؤرخ سعد الوحيدي قائلا: “لا تحلموا أبدا بعالم آمن وسلمي ما دامت إسرائيل موجودة.” ووصف الكيان الصهيوني بأنه كيان فاسد، متوحش ومنحرف، منزوع من كل الضوابط والقيم الأخلاقية. إنه كزمرة من الضباع المجنونة التي لا تعيش إلا على الجثث، وطفيلي يمتص حياة الآخرين. إن همجية الاحتلال الصهيوني ستشكّل بذور فنائه، وسيروي التاريخ للأجيال القادمة عن تلك البقعة العفنة في سجل الإنسانية التي تدعى “إسرائيل”.
وفي السياق ذاته، قال وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو، في مقابلة مع صحيفة La Stampa:
“الحكومة الإسرائيلية فقدت عقلها وإنسانيتها. لم يعد القتال ضد الإرهابيين مبررا حقيقيا.”
قراءة المزيد: اليهود يعادون البشرية جمعاء
ويجسّد سلوك بنيامين نتنياهو صورة الحاكم الظالم الذي فقد ضميره الحي. فقد بات العالم ينظر إليه اليوم كقائدٍ ملطخة يداه وثيابه وجسده بدماء الأبرياء الذين قتلهم.
إنه يذبح سكان غزة بلا ذرة من الندم، بل يذهب إلى أبعد من ذلك في تحميل الضحايا مسؤولية مصيرهم، وكأن القاتل يبرّر جريمته بذريعة كاذبة أمام الضمير الإنساني والعالمي.
لقد كشف بنيامين نتنياهو عن طبيعته الوحشية من خلال أفعاله الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني. ففي ظل قيادته، استمرت الهجمات الوحشية على قطاع غزة بلا توقف، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، من بينهم نساء وأطفال، إلى جانب تدمير البنية التحتية الحيوية كالمستشفيات والمدارس ودور العبادة.
وتؤكد هذه الممارسات الهمجية أن نتنياهو لا يعير أي اعتبار للقيم الإنسانية، بل إن سلوكه يشبه سلوك الحيوانات، بل يفوقها في الوحشية. فلم تسجَّل في عالم الحيوان جرائم قتل جماعي كما يفعل نتنياهو ضد الفلسطينيين. وإذا كانت بعض الحيوانات تفترس بعضها البعض، فإن ذلك يتم بحدود فطرية، على عكس ما يقوم به هذا الطاغية.
وما هو أخطر من ذلك، أن نتنياهو لم يتردد في التضحية بشعبه من أجل تحقيق طموحاته السياسية. فالرهائن الإسرائيليون الذين تركوا يعانون أو يقتلون دون تدخل يذكر لإنقاذهم، يعدّ دليلا واضحا على أن مصالحه الشخصية وسلطته أهم لديه من حياة الإنسان، سواء أكان عدوا أم حليفا.
قراءة المزيد: وحشية الصهاينة الإسرائيليين في شهر رمضان
بدلا من السعي إلى الحلول السلمية لإنقاذ شعبه، اختار بنيامين نتنياهو مواصلة الحرب، في إشارة واضحة إلى أن مشاعر التعاطف مع البشر، حتى من بني قومه، قد اندثرت تماما من قلبه.
وتظهر هذه التصرفات أن نتنياهو لم يعد يستحق أن ينسب إلى الإنسانية، بل إن تسميته بالحيوان أكثر دقة، لأن أفعاله تجاوزت حدود المعقول من إنسانٍ يضع طموحاته وسلطته فوق كل القيم الأخلاقية والإنسانية.
وفي سجل التاريخ، يخلّد الزعماء الذين اتخذوا العنف والظلم وسيلة لتحقيق أهدافهم كرموز للوحشية، أمثال نيرون وكاليغولا وهتلر وموسوليني وغيرهم. واليوم، يُثبت نتنياهو من خلال قراراته غير الإنسانية، أنه مرشّح لأن يُذكر اسمه ضمن أسوأ من مرّوا على التاريخ، كـمجرم حرب ووحش في هيئة بشر، سيظل اسمه لطخة سوداء في ضمير البشرية.
نتنياهو هو رمز للوحشية التي لا تعرف رحمة ولا شفقة. إن جرائمه ضد سكان غزة تمثل انتهاكا سافرا وممنهجا للقيم الإنسانية وللقانون الإنساني الدولي، حيث ارتكب مجازر وحشية واسعة النطاق، منظمة ومخططة بدقة.
قراءة المزيد: التاريخ اليهودي هو تاريخ الهزائم
ويشبه نتنياهو وحشا مفترسا لا يشبع إلا برؤية خصومه موتى ومعذبين. لم يعد يرى في ضحاياه سوى أهداف مشروعة، رغم أن غالبيتهم من الأطفال والنساء العزّل. والأسوأ من ذلك، أنه خطط لتجويع جماعي ممنهج، وجعل من المجاعة سلاحاً ضمن استراتيجيته الحربية.
صورة القرد والخنزير كرموز لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
“قُلْ هَلْ اُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّنْ ذٰلِكَ مَثُوْبَةً عِنْدَ اللّٰهِۗ مَنْ لَّعَنَهُ اللّٰهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيْرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوْتَۗ اُولٰۤىِٕكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَّاَضَلُّ عَنْ سَوَاۤءِ السَّبِيْلِ” (سورة المائدة: ٦٠)
قال الإمام الطبري رحمه الله إن الله تعالى قد غير شكل بعض اليهود إلى قرود وخنازير كعقاب يدل على الذل والهوان. لقد أصبحوا قرودا وخنازيرا من الناحية الجسدية لمدة ثلاثة أيام، ثم ماتوا. وبعد ذلك، انتقلت هذه الصفات السيئة من الناحية الأخلاقية والسلوكية إلى الأجيال القادمة، رغم أن أجسادهم ظلت طبيعية كبشر.
قراءة المزيد: الصهاينة اليهود ناقضو العهود (بقلم: الإمام يخشي الله منصور)
إن صفة “القرود” في هذه الآية ترمز إلى فقدان العقل السليم والضمير والكرامة، بينما ترمز صفة “الخنازير” إلى فقدان الطهارة الأخلاقية والشعور بالحياء بسبب الجشع والتكبر.
وقد أوضح الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله أن صفة القرود تعني الميل إلى القيام بالأفعال السيئة دون تفكير، أما صفة الخنازير فتعني الجشع والقذارة وعدم معرفة الشرف، والانسياق وراء الشهوات فقط.
وتبدو هاتان الصفتان من صفات الحيوانات مجتمعتين في شخصية نتنياهو، الذي ثبت أنه بلا ضمير أو كرامة، يبرر كل الوسائل، يتجاهل القيم الإنسانية، ولا يشعر بالحياء أو الشرف.
إن جرائم نتنياهو لا تؤثر فقط على جيل واحد، بل تدمر الحاضر وتحاول محو مستقبل الشعب الفلسطيني. إنه يمنع المساعدات الإنسانية، ويقطع إمدادات الماء والكهرباء، ويترك المستشفيات في غزة تعاني نقص الأدوية، وكل ذلك يقتل الأمل في حياة السكان.
قراءة المزيد: المتسابق السابق في موتو2 يسير على الأقدام من إسبانيا إلى باكستان: يعترف برغبته في التحرر من أعباء الحياة
قد يظن نتنياهو أنه فوق القانون، ولا يستطيع أحد جرّه إلى المحكمة الجنائية الدولية الآن، لكن كل روح يقتلها ستكون شاهدة عليه أمام الله تعالى يوم القيامة. في محكمة الله لا حصانة قانونية، ولا حماية سياسية، ولا دفاع من أي كان.
مَن يستطيع إيقاف وحشية نتنياهو؟
بالنسبة للمسلمين، فإن إيقاف الظلم والعدوان ليس مجرد نداء أخلاقي، بل هو من منطلق الإيمان ونداء النبي ﷺ، حيث قال:
“من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان” (رواه مسلم).
وذكر الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله: “إن لم نستطع القتال مع الشعب الفلسطيني، فعلينا القتال بأصواتنا وأقلامنا وأموالنا وأدعيتنا.”
قراءة المزيد: عوامل ثابتة حول انهيار الكيان الصهيوني الإسرائيلي
وقال البروفيسور ريتشارد فالكن، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لفلسطين: “صمت المجتمع الدولي هو موافقة ضمنية على جرائم إسرائيل.”
فالصمت تجاه المجازر يعني تحمل جزء من ذنب هذه الجرائم في التاريخ.
المهمة اليوم أمام المجتمع الدولي هي رفع الصوت بالحق وإيقاظ القلوب الغافلة.
صمت القادة يزيد من وقود الظلم والوحشية التي يمارسها نتنياهو.
على قادة الدول، خصوصا في العالم الإسلامي، أن يتحملوا مسؤولياتهم ويوقفوا جرائم بنيامين نتنياهو، ويضمنوا عدم تكرار مأساة غزة وفلسطين بأسرها.
على الأمة الإسلامية أن تقف مع فلسطين، ليس فقط بالدعاء، بل أيضا بالعمل الجاد والفعلي. فالدعاء قوة روحية، ولكن العمل هو تجسيد الولاء ووسيلة نيل عون الله تعالى والنصر.
قراءة المزيد: ستاربكس وماكدونالدز.. المقاطعة تكبح إيرادات العلامات الكبرى الداعمة لإسرائيل
قال الإمام الشافعي رحمه الله: “الدعاء بلا عمل كمثل الرامي بلا وتر.”
إن إرسال المساعدات الإنسانية مهم، لكنه سيكون أكثر فاعلية إذا ترافق مع وقف مصدر الشر والظلم، ليتمكن الشعب الفلسطيني من العيش في سلام وحرية ينشدها. ما دام نتنياهو يحكم، وما دام الكيان الصهيوني موجوداً على أرض فلسطين، ستستمر الدماء في السيلان هناك.
لا يجوز لنا أن نكون أجيالا شاهدة على المعاناة بلا تحرك. التضامن ليس خيارا، بل هو واجب أخلاقي وشرعي.
يجب على الأمة تحريك كل القوى: دبلوماسية، إعلامية، وشعبية، لمواصلة الضغط على إسرائيل وحلفائها.
هذه ليست فقط معركة الشعب الفلسطيني، بل هي معركة الإنسانية جمعاء التي تحترم الكرامة والحقوق.
قراءة المزيد: خبير تكنولوجي: تشويش إسرائيل على “GPS” لبنان يعرضها لعقوبات دولية (مقابلة)
كما قال نيلسون مانديلا:”حرية فلسطين هي الاختبار الأخير لإنسانية العالم.”
هذا الاختبار بين أيدينا جميعا اليوم.
فقط بوقف مصدر الشر يمكننا فتح باب الحرية لشعب فلسطين.
ووقف جرائم نتنياهو يعني قطع سلسلة الإبادة الجماعية.
فلنتحد جميعا لنمهد الطريق أمام الأجيال الشابة في فلسطين لحياة كريمة، ونستعيد حقوقهم المسلوبة.
والله أعلم بالصواب.