عبادات يسيرة بأجور كبيرة

الخميس،15ربيع الثاني1436//5 فبراير/شباط 2015وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: “عبادات يسيرة بأجور كبيرة” ، والتي تحدَّث فيها عن الإكثار من النوافل بعد شهر رمضان؛ من الصيام ، والقيام ، وقراءة القرآن ، وغير ذلك ، وذكرَ العديدَ من الأحاديث الدالَّة على عِظَم أجور الكثير من العبادات اليسيرة؛ كالذكر ، والوضوء ، والصلاة ، وإماطة الأذى عن الطريق ، وما إلى ذلك.
الخطبـــــــــــــــــــــــــــــــــة الـــــــأولــــــــــــــــــــــــــــى
الحمد لله ، الحمد لله مُعيد المواسم والأعياد ، ومُيسِّر طرق الخير ليستكثِر العبدُ من الخير ويزداد ، فالحمدُ لله على ما شرَع ، والشكرُ له على ما وفَّق ، والفضلُ له على ما هدى ، إليه المرجعُ وإليه المعاد ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شركاء له ولا أنداد ، وأشهد أن محمدًا رسولُ الله وخيرُ العباد ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أُولِي الهُدى والرشاد ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم التناد.
أما بعد:
فالتقوى – أيها المسلمون – التقوى؛ وصيةُ الأنبياء ، وحليةُ الأولياء ، وخيرُ عُدَّةٍ ليوم اللقاء﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) ﴾ .

أيها المسلمون:
لم يزَل في ثيابنا عبَقٌ من شَذَى شهرنا لم يخِف ، ولم يزَل في نفوسِنا طراوةٌ من تراتيل القرآن لم تجِف ، ولم تزَل عيونُنا ندِيَّةً على وداعِ رمضان ، ومن ذا يلومُها أن تجِف ، وما ذاك إلا لما افتقدناه من لذَّة الطاعات ، وحلاوة القُرُبات المُقرِّبات ، وما جافانا عنه مركبُ الزمان من العبادات الجالِيَة لصدى النفوس ورانِ القلوبِ.
ولو صابرَ الإنسانُ نفسَه ، وغالبَ هواه ، وواصلَ نوافل العبادات التي اعتادَها في شهر رمضان؛ من صيامٍ ، وقيام ليلٍ ، وقراءةٍ للقرآن ، وصدقةٍ ، وخيرٍ لانقلَبَت حياتُه إلى موسمٍ للخير دائم ، وتقلَّبَت نفسُه في رياضٍ من القُرُبات مُتصل ، وتمثَّل قولَ الله – عز وجل -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) ﴾ .

أيها المسلمون:
الأرضُ ميراثُ الله لعباده يختارون منازِلَهم من الجنةِ بقدرِ حرثِهم للآخرة ، ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ (74) ﴾ والمؤمنُ الحقُّ سائرٌ إلى ربه يسعى ويحفِد ، لا ينِي حتى يكون مُنتهاه الجنة ، ولا يقِفُ حتى يُدرِكَه الموتُ ، ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) ﴾ .
ولئن انقضَى شهرُ رمضان – وهو شهرُ مُضاعفَة الأجور – فإن اللهَ تعالى هو ربُّ كل الشهور ، وفي الحياة آفاقٌ واسعةٌ للعمل الصالح ، وأجورٌ تُضاعَفُ هي – واللهِ – المتجَرُ الرابح ، وفي شرع الله وهديِ رسولِه – صلى الله عليه وسلم – فِجاجٌ تُوصِلُ إلى الله ، ودُروبٌ تُؤدِّي وتهدِي لمرضاته ، وأعمالٌ تستجلِبُ مراضِيَ الله ورحماته ، ويُكافِئُ عليها بجنَّته. ولكن أين المُشمِّرون؟!
قال عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -: أخذ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – بمنكبِي فقال: “كُنْفِيالدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌأَوْعَابِرُسَبِيْلٍ” . وكان ابنُ عمر يقول: “إذا أمسيتَ فلا تنتظِر الصباحَ ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظِر المساء ، وخُذ من صحَّتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك”؛ رواه البخاري.
وقد دلَّا النبي – صلى الله عليه وسلم – على أعمالٍ يسيرة ، ورتَّب عليها أجورًا كثيرة ، وفتحَ لنا أبوابًا واسعةً من الأعمال الصالحة نتزوَّدُ بها ليوم الحِساب ، وندَّخِرُها عند لقاء الله ربِّ الأرباب ، ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) ﴾ .
عن أبي ذرٍّ – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْصَدَقَةٌ ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ،وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌبِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ،وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِيَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى” ؛ رواه مسلم.
والسُّلامَى: هي المِفصَلُ.
وعنه – رضي الله عنه – أن ناسًا قالوا: يا رسول الله! ذهبَ أهلُ الدُّثور بالأجور ، يُصلُّون كما نُصلِّي ، ويصومون كما نصُوم ، ويتصدَّقون بفُضول أموالِهم. قال:”أَوَلَيَسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ ؟ إِنَّبِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً،وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً،وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً،وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً،وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ،وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ،وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِأَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَافِي حَرَامٍ ، أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ “؛ رواه مسلم.
وقد يبلغُ المؤمنُ أعلى المنازِل بعملٍ يسيرٍ لا يظنُّ أن يبلُغَ به ما بلغَ؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ طَرِيقٍ ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ” ؛ رواه مسلم.
وفي روايةٍ له: «مرَّ رجلٌ بغُصنِ شجرةٍ على ظهر طريقٍ ، فقال:”وَاللَّهِ لَأُنَحِّيَنَّهَذَاعَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ ،فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ”. وفي روايةٍ لهما: “بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ , وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ” .

اقرأ أيضا  الاستقامة

أيها المسلمون:
وكلمةٌ يسيرةٌ قد يستجلِبُ العبدُ بها رضا ربِّه الكريم ، ويشكُرُ فضلَه العَميم؛ عن أنسٍ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:”إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَاأَوْيَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا” ؛ رواه مسلم.
أما الوُضوءُ والصلاةُ ، وهي المُتكرِّرة في اليوم عدَّة مراتٍ ، فاستمِع إلى ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ – أَوِ الْمُؤْمِنُ – فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ ، خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ” ؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: “لَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ . “؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ “؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا”؛ متفق عليه.
والتهجيرُ: التبكيرُ إلى الصلاةِ.
وعن أبي عبد الله – رضي الله عنه – ويُقال: أبو عبد الرحمن – ثوبان مولى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورضي الله عن ثوبان – قال: سمِعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:”عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ، فَإِنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ بِهَا عَنْكَ خَطِيئَةً “؛ رواه مسلم.
وذِكرُ الله تعالى عنوانُ الفلاح ، وشارةُ التوفيق والصلاح؛ عن عبد الله بن بُسْرٍ – رضي الله عنه – أن رجلاً أَتَى النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ :” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا ، فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ ؟ قَالَ : لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ” ؛ رواه الترمذي.
وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:”أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ، قَالُوا : بَلَى قَالَ «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى”؛رواه الترمذي ، وقال الحاكمُ: إسنادُه صحيحٌ.
وعن ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ “؛ رواه أبو داود.
وعن شدَّاد بن أوسٍ – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولُ الْعَبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِالنِّعْمَةِ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ . إِنْ قَالَهَا بَعْدَ مَا يُصْبِحُ مُوقِنًا بِهَا وَمَاتَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ , وَإِنْ قَالَهَا بَعْدَ مَا يُمْسِي مُوقِنًا بِهَا وَمَاتَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ “؛ رواه البخاري.
وفي الإحسان إلى الخلق؛ لا تتردَّد في معروفٍ ، ولا تحتقِر خيرًا تُقدِّمه مهما قلَّ؛ يقول عديُّ بن حاتمٍ – رضي الله عنه -: سمعتُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – يقول: “اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ” ؛ متفق عليه.
وفي روايةٍ لهما عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبةٍ” .
وعن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قِيلَ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَجِدْ ؟ قَالَ : يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالَ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِالْمَلْهُوفِ قَالَ : قِيلَ لَهُ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ الْخَيْرِ قَالَ : أَرَأَيْت ؟ إنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ : يُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ “؛ متفق عليه.
باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

اقرأ أيضا  خطبة المسجد الحرام - خطورة الغيبة

الخطبــــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــــــــــــــــــــة

الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحقُّ المُبين ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمينُ ، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله:
والعملُ الصالحُ المُعظَّمُ أجرُه ، والسابِغُ ثوابُه يكتنِفُ المجتمعَ المُسلِمَ بكل علاقاته من الوالدَيْن ، والزوجةِ ، والأقاربِ ، والجيران؛ عن عبد الله بن مسعودٍ – رضي الله عنه – قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ:
” أُمُّكَ “. قَالَ:
ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:
” ثُمَّ أُمُّكَ “. قَالَ:
ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:
” ثُمَّ أُمُّكَ “. قَالَ:
ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:
” ثُمَّ أَبُوكَ “؛ متفق عليه.
وفي روايةٍ: يا رسول الله! من أحقُّ الناس بحُسن الصُّحبَةِ؟ قال: “أمُّك ، ثم أمُّك ، ثم أمُّك ، ثمُّ أباك ، ثم أدناك أدناك”.
وقولُه: «ثُمَّ أباك» أي: ثم بِرَّ أباك. وفي روايةٍ: «ثُمَّ أبوك».
وعن أنسٍ – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ , وَيُنْسَأُ لَهُ فِي أَثَرِهِ , فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”؛ متفق عليه.
ومعنى ” يُنسَأ له في أثَره”؛ أي: يُؤخَّر له في أجلِه وعُمره.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: “أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ”؛ رواه الترمذي ، وقال: “حديثٌ حسنٌ صحيحٌ”.
وعن ابن عمر وعائشة – رضي الله عنهما – قالا: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ “؛ متفق عليه.
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ” ؛ متفق عليه.
وفي السِّترِ على الناس قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” ؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ : ” تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ ” ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ ، فَقَالَ : ” الْفَمُ وَالْفَرْجُ ” . وسُئِل عن أكثر ما يُدخِلُ الناسَ النار. فقال: “الفمُ والفرْجُ”؛ رواه الترمذي ، وقال: “حديثٌ صحيحٌ”.

اقرأ أيضا  الأمن وأثره في حياة الناس

أيها المسلمون:
يا مَن أكرمَه الله بصيام شهر رمضان! إن من السُّنة أن تصُومَ ستَّة أيامٍ من شهر شوال؛ فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ” ؛ رواه مسلم.
ويصِحُّ أن تصُومَها مُتَّصلةً أو مُتفرِّقةً.
فاستكثِروا من الصالحات ، وأديموا الطاعات ، وحاذِروا السيئات ، ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا (92) ﴾ ومن أعتقَه ربُّه من النار فلا يرجِعنَّ إلى المعاصي ، فيعُود إلى رقِّ الذنبِ وإلى الإسار.
ثم صلُّوا وسلِّموا على النبي المُجتَبى ، والرسول المُرتضَى ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابتهِ الغُرِّ الميامين ، اللهم ارضَ عن الأئمة المهديين ، والخلفاء الراشدِين: أبي بكرٍ ، وعمر ، وعثمان ، وعليٍّ ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين ، ومن سارَ على نهجِهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ ، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا ، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا ، اللهم وفِّقه لهُداك ، واجعل عملَه في رِضاك ، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ ، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين ، وارفع به لواءَ الدين ، وجازِه بالخير على نُصرة قضايا المُسلمين ، وسعيِه لتوحيد صفِّهم وجمع كلمتِهم ، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وسدِّدهم وأعِنْهم ، واجعَلهم مُبارَكِين مُوفَّقِين لكل خيرٍ وصلاحٍ.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكانٍ ، اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا ، اللهم اجمَعهم على الحقِّ والهدى ، اللهم احقِن دماءهم ، وآمِن روعاتهم ، وسُدَّ خَلَّتهم ، وأطعِم جائعَهم ، واحفَظ أعراضَهم ، واربِط على قلوبهم ، وثبِّت أقدامَهم ، وانصُرهم على من بغَى عليهم ، اللهم فُكَّ حِصارَهم عاجلاً غيرَ آجلٍ يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انتصِر لليتامَى والثَّكَالَى والمظلومين ، وارحمهم يا أرحم الراحمين ، ويا ناصِر المظلومين.
اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَكَ ، اللهم أنزِل بهم بأسَك ورِجزَك إلهَ الحق.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك وعبادَك المؤمنين ، اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان ، واجمَعهم على الحقِّ يا رب العالمين ، اللهم انصُرهم في فلسطين على الصهاينة المُحتلِّين ، اللهم انتصِر للمظلومين في بُورما ، اللهم احقِن دماءَهم ، وأصلِح أحوالَهم ، وكُن لهم يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ دينَك ، وأظهِر أولياءَك ، وأخزِ أعداءَك ، في عافيةٍ لأمةِ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) ﴾ .
اللهم اغفر ذنوبنا ، واستُر عيوبَنا ، ويسِّر أمورنا ، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا ، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالدِيهم وذُريَّاتهم وأزواجنا وذُرِّياتنا ، إنك سميعُ الدعاء.
اللهم تقبَّل صيامَنا ، وقيامَنا ، ودعاءَنا ، وصالحَ أعمالنا.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم ، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين.
المصدر:منبر الجمعـــــــــــــــــة من الحــــــــــــــرم المكـــــــــــي

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.