عدم التسرع في إطلاق ألفاظ التحليل والتحريم

عدم التسرع في إطلاق ألفاظ التحليل والتحريم jasc-jo.com
عدم التسرع في إطلاق ألفاظ التحليل والتحريم
jasc-jo.com

الثلاثاء،9 شوال 1435الموافق5 آب /أغسطس 2014 وكالة معراج للأنباءالإسلامية”مينا”.
محمود العشري
فقد نهى الله – سبحانه وتعالى – عن المُسارَعة في إصدار أحكام التحليل والتحريم؛ فقال في سورة النحل: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في التفسير: “ويَدخُل في هذا كلُّ مَن ابتدع بِدعة ليس له فيها مُستنَد شرعي، أو حلَّل شيئًا مما حرَّم الله، أو حرَّم شيئًا مما أباح الله، بمُجرَّد رأيه وتشهِّيه”.

ومِن مُنطلَق هذا التحذير الإلهي، كان السلف – رضوان الله عليهم – يَنقبِضون عن الجزم بما لا نصَّ فيه صريحًا، ولا يُكثِرون من إطلاق عبارات التحليل والتحريم؛ إنما يُعبِّرون عما يَشعُرون بذلك، دون تصريح بالإيجاب أو المَنع، وهذا كان مئنَّة – مَخلقة ومجدَرة ومظنَّة – فِقههم، وورَعِهم، ومُحاسبَتِهم لأنفسهم، وقد نُقِل هذا عن كثير من السلف، كما روى الدارمي عن الأعمش قال: “ما سمعتُ إبراهيم قطُّ يقول: حلال، ولا حرام؛ إنما كان يقول: كانوا يَكرهون، وكانوا يستحبُّون”.

اقرأ أيضا  الرئيس الألماني يشكر التزام المسلمين ويتعهد بالتصدي للعنصرية

وكان الإمام أحمد – رحمه الله – يتوقَّف في كثير من المسائل ويُحجِم عنها، وإذا أجاب كان يتجنَّب التصريح ما وسعه ذلك.

ويقول الإمام مالك – رحمه الله -: “لم يكن مِن أمر الناس، ولا مَن مَضى مِن سلفِنا، ولا أدركتُ أحدًا أقتدي به، يَقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، وما كانوا يَجترئون على ذلك؛ وإنما كانوا يَقولون: نكرَه هذا، ونرى هذا حسنًا، ونتَّقي هذا، ولا نَرى هذا، ولا يَقولون: حلال ولا حرام”، وقد نقَل ذلك ابن عبدالبر في “جامع بيان العلم”، والآثار في ذلك عن السلف كثيرة.

ولكني أرى أن إطلاق لفظ التحريم، أو الإباحة، أو نحوهما، يَنبغي أن يكون في بعض الحالات، ومنها:
أولاً: إذا كان الحكم قد دلَّ عليه دليل صَحيح صريح، ولم يَصرِفه عنه صارف، أو ثبَت الحكم بالإجماع المنقول نقلاً صحيحًا؛ ولذلك عقَّب الإمام ابن عبدالبر على كلمة الإمام مالك السابقة، بقوله: “معنى قول مالك هذا: أن ما أُخذ من العلم رأيًا واستِحسانًا، لم نقلْ فيه: حلال ولا حَرام، والله أعلم”.

اقرأ أيضا  إندونيسيا.. 3 دوافع وراء تصاعد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب (تقرير)

ثانيًا: إذا رأى الباحِث بالدليل تحريم أمرٍ من الأمور، ورأى الناس قد قلَّت هَيبتُهم للشرع، وصاروا يَتهالكون على ذلك دون رادِع يَردعهم، ولو قيل لهم من العبارات ما لا يُفهَم منه التحريم لأَوغَلوا أكثر وأكثر، فمِن الملائم أن يقول لهم ما توصَّل إليه من التحريم صراحَةً؛ بل ويؤكِّد ذلك بسرد أدلته، وذِكر العلماء المانعين له، وأسباب تحريمه، ونحو ذلك.

ومثله لو مسَّت الحاجة لأمر من الأمور، وتوقَّف العمل به على فُتيا بإباحته، وتوصَّل الباحث بعد الجهد العِلمي المُجرَّد لإباحته، فمِثْل هذا تدعو الحاجة إلى ذكر لفظ الإباحة، خاصة إذا كان يتعلَّق بأهل تُقى وورَع، لا يدخلون في أمر حتى يعلموا حكم الله – سبحانه وتعالى – فيه بوضوح.

اقرأ أيضا  هنية: التفاهمات مع الاحتلال دخلت في مربع الخطر

المصدر:الألوكة

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.