غزة، فلسطين مسؤوليتنا

بقلم الإمام يخشى الله منصور

بسم الله الرحمن الرحيم

قال سبحانه وتعالى: “وَنَجَّيْنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا لِلْعَٰلَمِينَ” (الانبياء ٢١: ٧١)

يوضح الإمام ابن كثير في تفسيره أن الآية السابقة تتعلق بقصة النبي إبراهيم والنبي لوط عليهما السلام اللذين هاجرا إلى البلد المبارك. وجملة “الْأَرْضِ الَّتِي بَرَكْنَا فِيهَا” من حديث الصحابي أبي بن كعب رضي الله عنه تشير إلى منطقة بيت المقدس، التي نسميها فلسطين حاليا.

وسبب آخر لتسمية فلسطين بالأرض المباركة هو أن هذه المنطقة هي مسقط رأس الأنبياء الذين جاءوا بهداية الأمة البشرية. وأغلب ذرية النبي إبراهيم عليه السلام والأنبياء من بني إسرائيل ولدوا وونشروا الدعوة إلى الله تعالى في الأراضي الفلسطينية والمناطق المحيطة بها.

بخلاف الآية 71 من سورة الأنبياء المذكورة سابقا، هناك عدة آيات أخرى في القرآن الكريم تذكر الأرض المباركة، منها: في سورة الأعراف [7]: 137، سورة الإسراء [17]: 1، سورة الأنبياء [21]: 81، وسورة سبأ [34] الآية 18.

وقال أحد مؤسسي جمعية العلماء الفلسطينيين أ.د. الشيخ مروح موسى نصار إن المنطقة الفلسطينية تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي للغاية في العالم، تقع فلسطين على مفترق الطرق بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا. لذا فإن أي شخص يقوم بأنشطة أعمال الاستيراد والتصدير في هذه القارات الثلاث سوف يمر بالتأكيد عبر فلسطين.

أطلق الشيخ مروح على فلسطين اسم “مركز العالم وقلبه”. قلب العالم هو فلسطين وقلب فلسطين هو القدس، وقلب القدس هو المسجد الأقصى.

طرح الخبير البريطاني الجوغرافي السياسي يدعى السير هالفورد ماكيندر نظرية أطلق عليها اسم “نظرية هارتلاند” التي تعني (نظرية قلب الأرض) واستنتج أن فلسطين هي قلب الحضارة العالمية. من يسيطر على فلسطين فسيسيطر على العالم.

وتستند هذه النظرية إلى أدلة تاريخية منذ آلاف السنين وحتى الآن، مفادها أن الدولة التي تسيطر على تلك المنطقة، تصبح دولة عظمى وتحكم العالم. بدءاً من الآشوريين، والبابليين، والفرس، واليونانيين، والرومان، والعرب، والفاطميين، والسلاجقة، والمصريين، والمماليك، إلى الدولة العثمانية (تركيا العثمانية). وهذا ما تفعله إسرائيل الصهيونية حتى الآن في محاولتها السيطرة على القدس وفلسطين.

فلسطين شهدت السلام ذات يوم

لقد عاش الشعب الفلسطيني أجواء من السلام والأمان والوئام خلال الحكم الإسلامي، بدءاً من قيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (638 م). أفردت منظمة التعاون الإسلامي وثيقة بعنوان “وثيقة القدس/ بالعربية: العهد العمري” تتضمن سياسات عمر عندما قاد عملية تحرير القدس.

“والله! ضمان الأمن لأنفسهم وثرواتهم وكنائسهم وصلبانهم وللمرضى والأصحاء ولجميع الطوائف الدينية في المدينة المقدسة؛ على أن كنائسهم لن يتم احتلالها أو تدميرها، ولن يتم أخذ أي شيء منهم أو من منازلهم، أو من الصلبان أو ممتلكات سكان المدينة، ولن يجبر المواطنون على التخلي عن دينهم، ولن يتعرض أحد للأذى. وأنه لن يسكن إيلياء (القدس) يهودي واحد».” وهذا ضمان عمر لأهل القدس ومحيطها.

اقرأ أيضا  الدعوة الإسلامية مفهومها

الجملة الأخيرة التي تقول “لن يسكن إيلياء (القدس) يهودي واحد” لم تكتب بناء على رغبة عمر، ولكن بناء على طلب الأسقف صفرونيوس، الزعيم المسيحي الذي سلم مفاتيح مدينة القدس إلى عمر يوم التحرير. وكان ذلك بسبب الخيانة التي ارتكبها اليهود، وهي مساعدة حكام الفرس الذين فروا بالصليب. لكن هذا العمل استعاده هرقل في أوائل القرن السابع الميلادي.

ومع ذلك، قام عمر أخيرا بحذف الجملة الأخيرة. ولاعتبارات مختلفة، سمح لليهود بالسكن في أورشليم، طالما أنهم أطاعوا القواعد والاتفاقيات التي تم وضعها.

وذكر المؤرخ الغربي فيليب حِتِّي أن تحرير القدس على يد عمر بن الخطاب كان سلميًا ولم يكن هناك إراقة دماء. ورحب أهل القدس بوصول الإسلام، وكان معظم السكان المسيحيين وعدد قليل من اليهود السامريين تعاونوا مع القوات الإسلامية في تحرير المدينة من أيدي البيزنطيين.

وهذا يختلف كثيرًا عما فعله حكام القدس السابقون، الذين كانوا دائمًا يفتحون القدس بالحرب والمذابح. ويستعبدون السجناء ويذلّونهم بل حوّلوهم عبيداً مذلين، يُجبرون على الأعمال الشاقة ولا يعطونهم أي حق من حقوقهم كبشر.

تمزق السلام في فلسطين عندما استولى الصليبيون على القدس وسلبوه من المسلمين عام 1099م، ولكن بعد 88 عاماً نجح صلاح الدين الأيوبي في إعادة القدس إلى حظيرة المسلمين ورجع السلام إلى المنطقة من جديد.

ضاع السلام في فلسطين مرة أخرى عندما سلمت بريطانيا الأراضي الفلسطينية للصهاينة اليهود عبر وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917، والذي أعقبه انهيار الإمبراطورية العثمانية التركية في السنوات التالية.

فلسطين تحترق من جديد

كتب وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور رسالة موجهة إلى الشخصية اليهودية ليونيل والتر روتشيلد، وتحتوي الرسالة القصيرة على 67 كلمة اتفاق تلزم الحكومة البريطانية بجعل فلسطين “وطنًا قوميًا” للشعب اليهودي.

لذلك، منذ الفترة 1923 حتى 1948، سهلت الحكومة البريطانية الهجرة الجماعية للصهاينة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية. ومن الواضح أن هذا أدى إلى تغييرات ديموغرافية كبيرة في فلسطين. كما زادت التوترات. كانت هناك انتفاضة عربية استمرت من عام 1936 إلى عام 1939. وفي تلك الفترة خلال ثلاث سنوات فقط، قُتل 5000 فلسطيني، وجُرح ما بين 15000 إلى 20000 شخص، وتم سجن 5600 شخص.

اقرأ أيضا  مقاتلات إسرائيلية تشن سلسلة غارات جديدة على غزة

وفي أبريل 1936، أطلقت اللجنة الوطنية العربية إضرابًا عامًا لوقف دفع الضرائب ومقاطعة المنتجات اليهودية. وقد تم ذلك للاحتجاج على الاستعمار البريطاني وزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

وفي عام 1939، نشرت بريطانيا 30 ألف جندي في فلسطين وقصفت القرى جوًا، وفرضت حظر التجوّل والاعتقال الإداري والقتل الجماعي.

في نيسان/أبريل 1948، قُتل المئات من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين في قرية دير ياسين بالقدس، وبحلول عام 1949 تم تدمير أكثر من 500 قرية ومدينة في فلسطين. وسميت أحداث التهجير والمجزرة بالنكبة، وقُتل ما يقدر بنحو 15 ألف فلسطيني في مذبحة النكبة.

وأُجبر نحو 750 ألف فلسطيني على مغادرة منازلهم في ذلك الوقت. واليوم يعيش أحفادهم كلاجئين نازحين في 58 مخيماً بائساً في جميع أنحاء فلسطين وفي البلدان المجاورة مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر. ويقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين حاليا بحوالي ستة ملايين.

إسرائيل الصهيونية تهاجم غزة

وشنت القوات الإسرائيلية الصهيونية مراراً وتكراراً سلسلة من الغارات الجوية على مدينة غزة بفلسطين. واستشهد الآلاف من الأشخاص وأصيب عشرات الآلاف. وفي الوقت نفسه، في الضفة الغربية، صادرت إسرائيل الصهيونية أيضًا الأراضي وأجلت الفلسطينيين قسراً. وفضلا عن ذلك، نفذ الصهاينة مرارا وتكرارا أعمال عنف ضد المصلين المسلمين في المسجد الأقصى.

وفي الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير على غزة يوم السبت (7/10) إلى الأحد (15/10)، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الشهداء في قطاع غزة الذين استشهدوا أصبح 2329 والجرحى أكثر من 9042 شخص. وحتى نشر هذا المقال، كان هجوم القوات الصهيونية الإسرائيلية لا يزال مستمراً، ولم تكن هناك أي إشارة إلى وقف إطلاق النار.

ويتجاوز عدد القتلى الحالي عدد ضحايا الهجوم الذي استمر 51 يومًا في عام 2014. وقال المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور أشرف القدره “إن ما تقوم به إسرائيل هو عمل من أعمال الإبادة الجماعية وإبادة العرق العربي وانتهاك القيم الإنسانية بشكل واضح.”

فلسطين مسؤولية الإنسانية جمعاء

ويرى الكاتب أن تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني الإسرائيلي هو واجب على جميع البشر الذين لا يزال لديهم شعور إنساني، وهذا ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قال “إن الدفاع عن فلسطين، لا يحتاج إلى أن تكون مسلماً، بل يحتاج فقط إلى أن تكون إنساناً لديه ضمير وشعور إنساني.”

ما يحدث في فلسطين هو استعمار، والاستعمار هو شكل حقيقي من أشكال انتهاك حقوق الإنسان، وهذا ما جاء بوضوح في الإعلان العالمي الذي أعلنته الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 بأن “لكل إنسان الحق في العيش في حرية وأمن وسلام، على أساس مبادئ المساواة في الحقوق بين إخوانه في البشرية.”

اقرأ أيضا  رمضان ..حول العالم .

إن المشكلة الفلسطينية هي في الواقع مسؤولية إنسانية. من المؤكد أن كل ذي ضمير سوف يحزن عندما يرى المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي الصهيوني في غزة، وطرد وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم في الضفة الغربية وغيرها من أماكن فلسطين المحتلة.

وفي الوقت نفسه، بالنسبة للشعب الإندونيسي، فإن القضاء على جميع أشكال الاستعمار في العالم هو تفويض دستوري. وهذا منصوص عليه بوضوح في ديباجة دستور عام 1945. لذا، كما قال أول رئيس لإندونيسيا، المهندس سوكارنو: “طالما لم يتم استقلال الشعب الفلسطيني، فإن الشعب الإندونيسي سيقف بحزم ضد الاستعمار الصهيوني الإسرائيلي.”

وأما في الإسلام فالله سبحانه وتعالى يحذر قائلا:

“وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (الانفال [٨]: ٧٣)

إذا رأينا تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعيمة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين اللذين عبرا عن دعمهما لإسرائيل الصهيونية في قتال المقاتلين الفلسطينيين، فهو تصديق لتحذير الله تعالى في الآية السابقة، أن الكفار يتعاونون ويتعاضدون في محاربة الإسلام.

ولذا، بناء على الآية السابقة، يجب على المسلمين في كل مكان أن يكون لديهم نفس وجهات النظر لمساعدة وتأييد نضال الشعب الفلسطيني. فالدفاع واجب يجب أن يقوم به كل من له القدرة.

وهذا النضال يستغرق وقتا طويلا. مطلوب الاتساق والصبر والمثابرة والقدرة على التحمل الذي لا مثيل له في هذا الصراع. إن النضال من أجل تحرير فلسطين والأقصى، مثل سباق الجري، ليس سباق 100 متر، بل ماراثون.

إذا اتحد المسلمون وساعدوا بعضهم البعض، فسيتم منح النصر من الله سبحانه وتعالى. فلنستمر إذن في محاولة توحيد الخطوات وبناء تصور مشترك والتوعية بأهمية الأخوة ووحدة الأمة في تأييد الاستقلال الفلسطيني وتحرير المسجد الأقصى حتى يعود فوراً إلى حضن الأمة الإسلامية.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهُ فىِ عَوْنِ اْلعَبْدِ مَا كَانَ اْلعَبْدُ فىِ عَوْنِ أَخِيْهِ” (رواه مسلم)

الأقصى حقنا، الأقصى ملك الأمة الإسلامية

‌وَاللَّهُ ‌أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

وكالة المعراج للأنباء (مينا)