في الحث على حفظ القرآن وتعلمه
السبت،8محرم1436 الموافق01نوفمبر/تشرين الثاني2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل
الحمدُ لله الذي جعَل القُرآن العظيم هدًى للمتقين وسِراجًا منيرًا، وأنزَلَه على نبيِّنا محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – ليكونَ للعالمين نذيرًا، ووفَّق مَن شاء من عِباده للأخْذ به، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، ففاز والله مَن أخَذ به، وذلك فضْل الله يُؤتِيه مَن يشاء، ولا يظلم ربك أحدًا، أحمده – سبحانه – وأشكُره والشكر له مِن نِعَمِه، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، الداعي لما فيه الخير، والمحذِّر عمَّا فيه الشرُّ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته المهتَدِين بهديه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله – تعالى – واحذَرُوا مِن التفريط في كتاب ربكم؛ فإنَّه نورُكم وصِراطكم المستقيم، وبه تَعرِفون الحلال والحرام، وتُثابون على تلاوته الحسناتِ الكثيرة، فلا تُهمِلوا خيرَ دُنياكم وأُخراكم.
لقد أُصِيبَ المسلمون بالبُعد عن كتاب ربِّهم، وضَعُفتْ علومهم، وقلَّت بضاعتهم حين اشتغَلُوا عنه بغيره، وأصبحت علومُ أكثر المتعلِّمين قشورًا على لبٍّ ينخدع بها الكثير مِن الرائين والسامعين، ولكنَّها سرعان ما تطير وتضمحلُّ ويذهب بريقُها ويتصدَّع تماسُكها.
لقد أصبح الكثير من شبابنا يُنهِي الدراسة الثانوية بل الجامعية وهو لا يُجِيد قراءةَ القُرآن نظرًا في المصحف، فهل يعدُّ هذا متعلِّمًا؟! ثم إنَّه سوف يتولَّى تعليم جيل، فهل يُعَدُّ هذا معلِّمًا؟! مَن لا يقيم قراءة القُرآن الكريم الذي هو أصلُ العلوم، هل يُعَدُّ متعلمًا أو معلمًا؟!
إنَّنا في حاجةٍ إلى الرُّجوع إلى كتاب ربِّنا وتعلُّمه وتدبُّره؛ فإنَّه لا سعادةَ لنا في دُنيانا وأُخرانا إلا بالتمسُّك به، ولا خيرَ في علومنا إذا لم تكن مُستقاةً مِن كتاب ربِّنا وسائرةً على تعاليمه وتوجيهاته، فبه يعرف العبد أمورَ دُنياه وأعمال أُخراه؛ يقول – سبحانه وتعالى -: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 38].
ويقول – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الحديثِ الصحيح الذي رواه البخاري: ((خيرُكم مَن تعلَّم القُرآن وعلَّمه)).
وقد مثَّل – صلَّى الله عليه وسلَّم – المؤمن الذي يقرأ القُرآنَ والذي لا يقرَأ القُرآن والمنافِق الذي يقرأ القُرآن والذي لا يقرأ، فقال: ((مَثَل المؤمن الذي يقرأ القُرآن مثل الأتْرُجَّة؛ ريحُها طيِّب وطعمها طيِّب، ومثَل المؤمن الذي لا يقرأ القُرآن كمَثل التَّمرة؛ لا ريحَ لها وطعمها حلو، ومثل المنافِق الذي يقرأ القُرآنَ كمثل الرَّيحانة؛ رِيحها طيب وطعمها مرٌّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القُرآن كمَثَل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مرٌّ))[1].
وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله يرفَع بهذا الكتابِ أقوامًا ويضَع به آخرين))[2].
فيا عباد الله:
اعرفوا قدرَ كتاب الله، وعُودوا إليه وتعلَّموه وعلِّموه أولادَكم، فإنَّ سَعادتكم وسَعادتهم في تعلُّمه؛ فبه تَعرفون الحلال والحرام، وكيف تصلُّون وتصومون، وتحجُّون وتزكُّون، وتبيعون وتشترون، وما لكم وما عليكم، وبتعلُّمه والعمل به يصلُح الأولاد، ويسعد الآباء بصلاحهم في دُنياهم وأُخراهم.
ففي الحديث: ((إذا مات ابنُ آدَم انقطع عملُه إلاَّ من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
ولا شكَّ أنَّ من أسباب صلاحه أنْ يتعلَّم القُرآن، وقد فتَحت الدولة – وفَّقَها الله – الكثيرَ من مدارس تحفيظ القُرآن، وشجَّعت على حِفظه وتعلُّمه، كما أنَّ الجماعة الخيريَّة لتحفيظ القُرآن الكريم قد جعلت مدرِّسين لتحفيظِ القُرآن في الكثير مِن مساجد مدن وقُرى المملكة، وانتفع الكثيرُ بذلك، أثاب الله الجميع على هذا العمل الجليل.
فانتبهوا يا عباد الله لأنفُسكم ولأولادِكم، علِّموهم القُرآن وشجِّعوهم على حِفظه وتعلُّمه؛ لتنالوا ثواب ذلك وتسلَموا من عِقاب الإِهمال وسُوء التربية، فإنَّ الكثير مِن الأبناء قد ساءتْ تربيته بسبب بُعدِه عنِ الخير وتعلُّمه العلوم النافعة، ولا شكَّ أنَّ على الوالد مسؤوليَّةً كبرى نحو تربية أولاده التربيةَ الصالحة، ومن ذلك تعليمهم القُرآن الكريم.
فاتَّقوا الله يا عباد الله في أنفُسكم، وفي أولادكم، وفي أجيالكم القادمة، ومَن سيتولون أمورَ المسلمين، جدُّوا واجتهدوا في تخليف أجيال صالحة وتُراث نافِع، ولا يكنْ همُّ أحدكم جمعَ المال وتخليفه لمن بعده؛ فقد يكون شقاءً وعناءً عليكم وعليه إذا لم يتَّقِ الله فيه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29].
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم، إنه هو التوَّاب الرحيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلَموا أنَّه ليس المقصودُ بالتعليم أنْ يحصل المتعلِّم على ورقة الشهادة ليُؤمِّن مستقبله – كما يقولون – وإنما المقصود أنْ يحصل على علمٍ نافع له ولغيره في دُنياه وفي أُخراه، ولا أنفعَ له من أنْ يأخُذ العلم من كتاب الله وسنَّة نبيِّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، فإنهما الأصلان وعلومهما هي العلوم النافعة، وبهما نُدرِك الدُّنيا والآخِرة، فإنَّ العبد إذا كان في إقبالٍ على الله وتعلُّم ما أنزل على رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فإنَّ الدُّنيا تأتيه وهي راغمة وإن لم يهتمَّ لها، وأمَّا إذا كان في إعراضٍ عن الله وفي غفلة عمَّا أنزل على نبيِّه – صلوات الله وسلامه عليه – وفي إقبالٍ على الدُّنيا وشغَف بها فإنَّه لا يأتيه إلاَّ ما كُتِبَ له منها، ولا يَزيده تعبه إلا شَقاءً وتحسرًا عليها.
فعلى العبد الناصح لنفسه أنْ يُفكِّر في أمره ويعرف ما يضرُّ وما ينفع، وما به تستقيم أحوال دِينه ودُنياه، فلا يُؤثِر دُنياه على أُخراه فيخسرهما جميعًا، فلا خير في دنيا لم تتحلَّ بالدِّين، ولا بارَك الله في أعمالٍ لم تتَّفق مع تعاليم الإسلام، ولا أربح الله تجارةً خالَفتْ شرع الله المطهَّر، ومهما زادتْ ونمَتْ فلا يغترُّ بها، ولا يعدُّ ذلك ربحًا، بل قد يكون خسارةً على خسارة، وابتلاء وامتحانًا؛ ليتَضاعَف العِقاب إذا لم يرتدعِ العبد عن غيِّه وطمعه، فالرِّبح الحقيقي هو الذي يربحه العبدُ لدِينه ويسلَم به من عُقوبات الحصول عليه.
________________________________________
[1] أخرجه البخاري رقم (5427) – الفتح (9/555)، ومسلم (797).
[2] رواه مسلم (817).
المصدر :الألوكة