في جمالية تعريف الإسلام بالله

www.islammuslimcyprus.com
www.islammuslimcyprus.com

الإثنين،2صفر1436ه الموافق/24تشرين الثاني2014 وكالة معراج للأنباء الإسلامية”مينا”.
أبو عبد الرحمن الإدريسي
” لا إله إلا الله ” أول شهادةٍ في الإسلام ينطقها العبد للدخول فيه، هي كلمة السر الأولى التي يشهد عليها القلب، ومبناها أن يعرف المسلم أن الله ربٌّ، وأنه خالق الكون وإلهه ومبدعه، فتوحيد الألوهيّة متضمّنٌ لتوحيد الربوبيّة، و” الألوهية ” لها معانٍ جماليّة كبرى، سنستعرضها في هذا المقال .
فالإله هو الذي تألهه القلوب، من حيث هو الرب الأوحد، وسيّد الكون الذي لا شريك له، سواءٌ في الخلق أو في التدبير أو في التقدير، يقول الإمام ابن القيم : ” فإن الإله : هو الذي يألهه العباد حبّاً وذلاّ، وخوفاً ورجاءً، وتعظيماً وطاعةً له، بمعنى مألوه : وهو الذي تألهه القلوب، أي: تحبّه وتذلّ له. فالمحبّة : حقيقة العبوديّة ” -1- .
والربوبيّة تكونُ جالبةً للمحبّة. والعقيدة التي تكون مبناها على المحبّة بين الخالق والمخلوق، لهي أسمى ما يصل إليه مفهوم الجمال فيها .
أن يكون الله ربّاً تلك أولى جماليات الإسلام، وصفاته كلّها تفيض بها وينبعث نورها في الكون كلّه، فقد وصفه النبي -صلى الله عليه وسلّم- بالجميل حين قال : ( إن الله جميلٌ يحبّ الجمال ) رواه مسلم.
وحجابه عزّ وجلَّ من نورٍ، والنور هو الضوء الساطع الجميل، ونورُ الله أعظم من نور الشمس وأبهى وأجمل، فتأمّل معي حديث النبي-صلى الله عليه وسلم-: ( .. حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره ) رواه مسلم وابن ماجة . والسُّبحة ما يفيض عن الذات الجميلة من لآليء النور والحُسْن، وأسماء الله تعالى موصوفة بالحسنى، والحُسْن مرادفٌ للجميل، يقول الله تعالى: { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } ( الأعراف :180 ).
فالإنسان مفطورٌ على محبّةِ كلّ جميلٍ، فلم نسمع عن إنسانٍ يكره الطبيعة الغنّاء، والمروج الخضراء، والبساتين الزاهية، ولا من يكره طيراً بهيَّ الخلق، متناسق الألوان . ومن هنا كان من جمال التعريف القرآني والسنّي لله مرتبطاً بالمحبّة، فيكف يُكره من صفاته حسنى ؟ ومن ذاته جميلة ؟
ثمَّ إن الكريم من الإنس تجده محبوباً عند العامّة، …حتى قال الشاعر :
أحسن إلى النّاس تستعبد قلوبهم فلطالما استعبدَ الإنسان إحسانُ -2-
فما بالك في أول من وُصف بالخالق والبارئ والمصوّر والكريم، واهب الحياة، رازق المخلوقات، ومغرقهم في النّعم التي لا تُحصى، ولا تُعدُّ ؟
وتأمّل مرّةً أخرى في القرآن الكريم، تجد أيّ تعريف بالله تعالى مقروناً بخصائص الربوبيّة أو الألوهيّة، فأبصر قول الله تعالى : { قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد } ( سبأ :41 ). وقوله تعالى : { قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض } ( فاطر : 40 )، وقوله عز وجلَّ : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء } ( فاطر : 28-28 ).
وقوله سبحانه : { الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } ( البقرة : 22 ).
إن معرفة الله ربّاً تقتضي معرفته إلهاً فتألهه القلوب وتعبده، فهو المتفضّل ابتداءً على عباده، فوجب عليهم محبّته وعبادته انتهاءً، فآدم عليه السلام فيما روى عنه الأثر عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال : (لما نفخ الله في آدم الروح، فبلغ الروح رأسه عطس، فقال : ” الحمد لله رب العالمين “، فقال الله تبارك وتعالى : ” يرحمك الله “) أخرجه ابن حبان -3- .
فكانت فاتحة القرآن { الحمد لله رب العالمين } وهو توحيد الألوهية، وثنّت بـ { الرحمن الرحيم } وفيها تذكيرٌ بجمالية اسمي الله تعالى وتوحيد الأسماء والصفات، وما تفيض منها من دلالات الحسن والجمال، ثم كانت { مالك يوم الدّين } فكانت إقراراً بالربوبية.
وكلٌّ يتداخل في العقيدة ويكمّل بعضها بعضاً، وتفضي كلها لنتيجة محبّة الله وتدفّق أنوار المحبّة في قلب العابد.
إن هيبةَ الجمال والجلال، التي يتخذها الإسلام شعاراً في التعريف بالله تعالى، مورثةٌ للعبوديّة الحقّة في قلب المؤمن السالك، فتنتشله من ظلمات الجهل والكفر، وتنقذه من مخالب الإلحاد والضلال، فيفيض فيه الإيمان فيضاً يجرف معه كل هوىً ساقطٍ، ووسوسةٍ كالحةٍ.. إنها عقيدةٌ كبرى تتجلى فيها جمال ألوهيّة وربوبيّة الله تعالى، تنظّف القلب والوجدان تنظيفاً، حتى قيل : ” إنّ جماليّة ربوبيته تعالى، هي مركز جاذبيّتة ألوهيّته سبحانه ” -4-
ولنرجع إلى كلمة الإسلام العظيمة ” لا إله إلا الله ” ولنقتطف منها، اسماً جليلاً عظيماً، تهزُّ شعور العبد هزّاً، وهي ” الله ” ، كلمةٌ جامعةٌ لمعاني الألوهيّة والرّبوبيّة، استعملها القرآن في كثيرٍ من المواضع، وضمّنها الحديث في صيغٍ نبويّةٍ بديعةٍ، تلقي في قلب العبد الرهبة والرّغبة، اللتان لا يلمسهما إلا القلب المحبُّ الذي لا يملكُ أن يكبت هذا الشعور النّبيل بل يصرّف له تصاريف في حياته الواقعيّة، فيتجلّى ذلك، في العمل، سواءٌ في العبادات أو النوافل أو ما يجاورها، ألم تقرأ ما أول ما سمعه موسى عليه السلام من ربّه : { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } ( طه : 13 ).
{ إنني أنا الله } ذاك الاسم الجامع لكل الصفات الحسنى العلويّة، الذي لا ولن يتسمّى به مخلوقٌ قطّ، ثم ثنى سبحانه بالتوحيد { لا إله إلا أنا } ليس معه أحد، وليس يفوقه شيء، { فاعبدني وأقم الصلاة لذكري }، وهو إرشادٌ لموسى وغيره للعبادة، التي هي تعبيرٌ عن العقيدة كما فصّلناه أعلاه .
إن جمالية التعريف القرآني بالله، تحملُ كل تلك المعاني وأكثر، فأن تسلّم لله رب العالمين، وتعمل بمقتضى لا إله إلا الله هو المطلب الأسمى للإسلام، وأن تعرف الله بألوهيته وربوبيته ومعاني صفاته، هو مبتغى العقيدة في الإسلام { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } (الحشر : 21-24).
فأحرى أن تمتثل لمن كان هذا شأنه، وكانت تلك صفاته، وتقتطف من ينبوع تعاريف الوحي بالله، ومن جلال صفاته الحسنى ما يملؤك إيماناً، ويعينك على نائبة الدنيا وشقائها، تكن إن شاء الله من الفائزين .
هوامش المقال
-1- مدارج السالكين، الجزء الثالث، ص :18.
-2- مقتطفٌ من ديوان أبي الفتح البستي.
-3- صححه الألباني في سلسته الصحيحة.
-4- الشيخ فريد الأنصاري، محاضراتٌ في العقيدة .

اقرأ أيضا  عنتريات إيران بعد فوز ترامب

-البشرى-

Comments: 0

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.